مصر: جهود لحماية الفصحى

TT

معركة الفصحى والعامية تنعكس بقوة حاليا في الإعلام المصري، ووصل الأمر لحد تأسيس الإذاعي الرائد طاهر أبو زيد جمعية أطلق عليها «حماة العربية» تحارب استخدام العامية في اللافتات والإعلام.

لكن البعض اعتبر عامية الإعلام المصري ظاهرة قديمة، مع شيوع الصحافة الساخرة في بداية القرن وإيمان جزء من المفكرين بجدوى الكتابة بها كلغة للعصر. زحف العامية على الإعلام كان سببا في هلع الدكتور محمود خليل أستاذ التحرير الصحافي بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، بل أطلق على تلك الظاهرة الضلع الرابع للتخلف الحضاري، وقال خليل: إن نجيب محفوظ كان يرى في العامية مؤشراً من مؤشرات التردي الحضاري مع الفقر والمرض والأمية.

وبحسب خليل فإن زحف العامية على الإعلام المسموع والمقروء ينذر بكارثة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما تضمنه تقرير صادر من اليونسكو يشدد على أن العربية من اللغات المهددة بالانقراض خلال القرن الحالي.

وقال خليل: إن تداعيات تلك الظاهرة تتجلى في توابع أخرى منها الكتابة بلغة «الشات» وهي أقرب لدعوة سلامة موسى في بداية القرن للاستغناء عن الحروف العربية واستعمال اللاتينية بدلا منها على غرار تركيا، وكذلك ترويج رسائل الفضائيات التي تكتب أسفل الشاشة لقيم سوقية تخرج عن حدود الآداب العامة ولغة الحوار والاختلاف المطلوبة.

من بين الصحف التي تواجه انتقادات عديدة لإفراطها في استخدام العامية صحيفة «الدستور» المصرية التي كتب في العدد الأول من إصدارها الثاني المانشيت الآتي «استعنا على الشقا بالله» وهي مقولة شعبية توحي باستعداد القائمين عليها لأكبر قدر من الشقاء والمضايقات الحكومية، ويرى خالد السرجاني مدير تحرير الدستور أن صحيفته خفيفة الظل ويحكم عناوينها «الإفيه» ومن الصعب جدا أن يكتب «إفيه» كوميدي يضحك الناس باللغة الفصحى حتى لو كان يخص موضوعا سياسيا غاية في الجدية، فالأمر أشبه بالكوميديا السوداء ولا يعقل أن نسخر من طريقة الفنان يوسف وهبي قديما ونقول يا للهول فيضحك الناس.

وتابع السرجاني: الدستور لم تبتدع ذلك في الصحافة السياسية ففي فرنسا توجد صحيفة «لو كانار انشينيه» التي تستخدم تعبيرات دارجة للغاية في نقدها اللاذع لكبار الساسة.

ولفت السرجاني إلى أن استخدام مانشيت عامي خفيف الظل يزيد من التوزيع، كما يجتذب عددا كبيرا من القراء ممن يعبرون عن آرائهم في حياتهم اليومية بنفس طريقة الدستور.

الروائي يوسف القعيد الذي كتب رواية بالعامية المصرية اسمها «لبن العصفور» ندد بالإفراط في استخدام العامية المصرية في الإعلام، ومثل سابقيه لم يبد اقتناعا بحجة الرغبة في مخاطبة القارئ البسيط لأنه من المفترض أنه يقرأ الفصحى وبرر لجوءه للعامية في روايته الشهيرة إلى رغبته الشخصية في إثبات قدرته على الكتابة العامية، ولذلك ما إن انتهى من إنجازها لم يحاول تكرار التجربة.

وقال القعيد: إن استخدام العامية له سلبيات كثيرة أبرزها أنها لغة تتبخر سريعا مثل الكحول، من منا يحيي زملاءه صباحا ويقول له «سعيدة» فيرد عليه الطرف الآخر «سعيدة مبارك»، لم تعد هذه المصطلحات موجودة الآن.

وأشار القعيد إلى أن العربية الفصحى تحتمل مخاطبة كل المستويات الثقافية، وأن عدم استخدامها نوع من العجز.