.. وفي المغرب: العامية مقبولة إذاعيا لا كتابة

TT

بعد أن تسللت العامية او «الدارجة» كما يطلق على اللغة المتداولة بين الناس الى وسائل الاعلام، بعد تحرير القطاع، وانشاء الهيئة العليا للاتصال المرئي والمسموع عام 2002، وصل عدد الاذاعات المحلية الخاصة التي انطلقت قبل ثلاث سنوات، الى 11 اذاعة تبث برامجها من مختلف مناطق المغرب، حيث رأي اصحاب هذه الاذاعات ان اهم عنصر لاجتذاب المستمعين،هو التحدث بلغتهم اليومية، اي العامية التي تميز كل منطقة من هذه المناطق، وبالفعل حققت الاذاعات المحلية نجاحا كبيرا بفعل استعمالها للعامية في مختلف البرامج الاجتماعية والترفيهية، بل تعدى الامر الى بث نشرات اخبار بالعامية، كما فعلت اذاعة «كاب راديو» الخاصة التي تبث برامجها من مدينة طنجة شمال المغرب، وهو ما لم يألفه المستمعون المغاربة من قبل.

اما بخصوص المحطات التلفزيونية، وجدت العامية طريقها الى القناتين التلفزيونيتين المغربيتين الاولى والثانية، وان تم ذلك بشكل ضمني، حيث تخلص مقدمو البرامج بمختلف انواعها بشكل كبير من «الفصاحة» التي كانوا يتشبثون بها، خصوصا في البرامج السياسية، وحتى الاجتماعية، واصبح التواصل بالعامية اكثر سلاسة مع المشاهدين، اما نشرات الاخبار فحافظت على لغة التواصل بعربية فصيحة.

في حقل الاعلام المكتوب،ظلت العربية الفصحى هي لغة التواصل الاساسية التي تعتمدها معظم الصحف لمخاطبة قرائها،ولم يكن المحررون يلجأون الى العامية الا في اطار ضيق جدا،عبر جمل اعتراضية تتضمنها بعض المقالات،التي يستنجد اصحابها احيانا بمثل شعبي بالعامية على سبيل المثال للتعبير عن فكرة ما. فالصحافة المكتوبة الى حد قريب كانت تعتبر وسيلة تثقيف وتعليم.

وقبل عامين، صدرت مجلة من مدينة الدار البيضاء،تحمل اسما عاميا ومقالاتها محررة بالعامية ايضا،هي مجلة «نيشان»،واحدثت حين صدورها ما يشبه «الصدمة» للقارئ المغربي، ولم يكتف اصحاب «نيشان» باختيار العامية لمخاطبة قرائهم، بل اختاروا بالاضافة الى ذلك، خطا تحريريا غير تقليدي،حيث تتصدر اغلفة المجلة عناوين مثيرة ومستفزة بالعامية،وصلت الى حد اتهامها بالمساس بالدين وبمشاعر المغاربة، وتعرضت على اثرها لمتابعات قضائية.

اما الصحف اليومية الاخرى، فلم تسلم بدورها من تأثير هذه الموجة،لاجتذاب القراء، وان كان التأثير لم يتعد اصدار عناوين بارزة بالعامية على الصفحة الاولى من الجريدة، اما كتاب الاعمدة فاصبح القاموس العامي لا يفارق مقالاتهم خصوصا في اختيار العنوان.

وتعليقا على موضوع انتشار العامية في وسائل الاعلام المغربية، قال محمد العربي المساري، وزير الاعلام المغربي الاسبق،لـ«الشرق الأوسط»، انه اثناء التخاطب الشفوي لا مفر من استعمال العامية لانها هي التي تحقق القرب من المتلقي، فمن الطبيعي ان يتحدث كل بلد عربي بالعامية في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة،فالعامية، من وجهة نظر المساري، هي «الفصحى المسموح فيها بالخطأ»، بسبب الحاجة الى السرعة في التعبير والتفكير، فالسامع والمتكلم متواطئان على الخطأ. الا ان المطلوب هو استعمال عامية «راقية» حسب تعبيره،على ان تظل المرجعية اللغوية هي العربية الفصحى.

واوضح المساري، ان العامية ساهمت بشكل كبير في التقريب بين الشعوب العربية عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، حيث اصبح معظم اللهجات مفهومة، الا انه اعترض بشدة على استعمال العامية في الصحافة المكتوبة واعتبرها «بهرجة زائدة»، «وكلام فارغ لن يعمر طويلا»، فاصحاب مجلة «نيشان» يقول المساري، لن يستطيعوا مخاطبة جميع القراء المغاربة، فالعامية التي يستعملونها غير مفهومة على سبيل المثال في شمال المغرب، وبالتالي سينحصر قراء «نيشان» في حي «درب غلف» (احد الاحياء الشعبية الكبيرة في الدار البيضاء).

من جهته، قال الكاتب المسرحي المغربي عبد الله شقرون، الامين العام الاسبق لاتحاد اذاعات الدول العربية: انه من الطبيعي ان يؤيد العامية لانه من كتابها، واضاف: لا اعتقد بأن العامية مضرة، الا ان المقصود بها هي العامية العصرية المرتكزة على لغة الصحافة والاذاعة ولغة الناس فيما بينهم،وليست العامية «الشوارعية»، او «المنحطة»، على حد قوله.

واذا كان شقرون من مؤيدي استعمال العامية في التلفزيون والاذاعة، الا ان اعتمادها في الصحافة المكتوبة امر صعب في رأيه، فمهمة الصحافة هي تعليم القراء، والصحيفة نقرأها،وقد نعود اليها مرات عديدة، بينما استعمال العامية في الاذاعة والتلفزيون من اجل الفهم بالدرجة الاولى، مشيرا الى ان السينما المصرية نجحت منذ زمان بفضل العامية، اما الدعوة الى استعمال العامية في الكتابة الصحافية اليومية، فهو برأيه «قلة ذوق».