لبنان.. الإذاعات الناطقة بالأجنبية تقدم كل شيء ما عدا السياسة

تجمع جنون الموسيقى الغربية مع حنين الزمن الرومانسي

مواقع عدد من اذاعات لبنان الناطقة بالانجليزية (الشرق الأوسط)
TT

تحظى الإذاعات المحلية الناطقة باللغة الأجنبية باهتمام اللبنانيين على اختلاف أعمارهم مع تباين بسيط بين مرحلة عمرية وأخرى. وجلّ ما يميز هذا النوع من الاذاعات المصنّفة في قانون الاعلام فئة ثانية، بالنسبة الى الشعب اللبناني أن مهمتها تنحصر في بث مختلف البرامج باستثناء السياسية التي ملّوا تلاوينها وانقسامات أفرقائها. هذا التميّز الناتج عن المنافسة الحادة بين الاعلام المسموع العربي والأجنبي المحليين، جعل هذه الاذاعات، التي وصل عددها الى سبع، تترك بصمة في المجتمع اللبناني المنفتح اصلا على الثقافات الغربية، وخصوصا في أوساط الشباب الذين يتميزون باتقانهم لغات أجنبية عدة. واكثر ما يجعل هذه الاذاعات قريبة من جمهورها حرص معظمها على التواصل الدائم مع المستمعين ان لجهة البرامج التي تبثها وطريقة تقديمها أو لجهة مساهمتها في تنظيم الحفلات الموسيقية التي يحييها نجوم الغناء العالميون في لبنان، اضافة الى المواقع الالكترونية التي تقدم الخدمات الموسيقية الالكترونية الشاملة في ما يتعلّق بآخر الاصدارات والأعمال الموسيقية العالمية. ففي حين لا تزال الاذاعات العربية المصنفة ايضا فئة ثانية والأخرى المصنفة فئة أولى، أي تلك التي يدخل ضمن شروط تأسيسها بث الأخبار والبرامج السياسية، محافظة على موقعها بين المستمعين اصبحت هذه الاذاعات الأجنبية ملجأ لا بدّ منه في لحظات الهروب من مشكلات السياسة وتعقيداتها التي لا تنتهي. بينRadio one المتخصصة في بث الأغنيات الانكليزية و Nostalgie وNRJ و MIX f وlight fm وpax fm التي تتنوّع أغنياتها بين الأجنبية والعربية وFrance fm، تتوزّع نسبة المستمعين اللبنانيين المهتمين بالفن الغربي القديم منه والجديد. وفي حين تتفوق الاذاعات العربية على مثيلاتها الأجنبية بفارق ملحوظ، الا أن النسبة التي حصلت عليها الأخيرة في الدراسة التي أنجزتها شركة الاحصاءات STAT IPSOS في عام 2007 وشملت 1824 شخصا بينهم 87.3 في المائة استمعوا على الأقل لمحطة اذاعية واحدة قبل يوم واحد من اجراء الاستطلاع، أظهرت اهتماما لافتا من مستمعي الاذاعات، اذ حصل radio one على نسبة 26.4 في المائة وتلته Nostalgie بنسبة 26.2 في المائة ثم NRJ بـ 23.7 في المائة ثم MIX FM بـ23.3 ثم 14.3 للـ Light fm و11.1لراديو Pax وأخيرا France fm بـ 9.0 في المائة. وتجدر الاشارة الى أن أكبر نسبة استماع حصلت عليها أكثر الاذاعات العربية المحلية متابعة، وصلت الى 49 في المائة والثانية 31.5 والثالثة 30.5، لتنخفض بعدها نسبة الاستماع الى الاذاعة التي احتلت المرتبة الرابعة الى 18.3 في المائة. وفي اجمالي نسبة الاستماع، تبين أن اكثر المستمعين هم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24، الذين يهتمون عادة بالموسيقى الصاخبة والمجنونة. ويليهم أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الـ25 والـ24 لتنخفض النسبة عن الفئتين الاولى والثالثة بعد سن الـ35. ويعزو أستاذ الاعلام في جامعة القديس يوسف في لبنان باسكال مونان ارتفاع نسبة مستمعي الاذاعات الأجنبية المحلية، الى انفتاح لبنان على ثقافات واتجاه أبنائه نحو ظاهرة ثلاثية النطق المتمثلة باتقان ثلاث لغات، الانكليزية والفرنسية والعربية، وهذا ما أثّر إيجابا على انفتاحهم على الموسيقى والفن العالميين. ويقول: «لبنان من أول البلدان العربية التي افتتحت موجات الـFM الخاصة بالأغنيات الأجنبية، وسهّل ذلك الانفتاح على أشهر المغنيين العالميين الذين حضروا الى لبنان وأحييوا حفلات مهمة. وتستمر هذه الاذاعات بالانفتاح على ظاهرة موسيقى الأغنيات الأجنبية التي تجذب الشباب في لبنان كما في العالم، خصوصا أن اللبنانيين لا تقيدهم عقد أو تعقيدات الانفتاح على الآخر، ولا سيما الموسيقى والفن بغض النظر عن اللغة».

ندين منصور مديرة اذاعة Light fm تؤكد أن الاذاعة التي أنشئت في عام 1989 أخذت على عاتقها مهمة ترفيه المستمع اللبناني وتسليته في أجواء موسيقية هادئة بعيدا عن الهموم ومشكلات الحياة، وهذا ما جعل أعمار مستمعينا تتراوح بين 25 و50 عاما. وتقول «نعمل بشكل دائم على تقديم الأفضل الى مستمعينا في اطار اللّحاق بكل المستجدات الفنية في العالم». وفي ما يتعلّق بالاعلانات التي تبث عبر أثير الاذاعة تشير منصور الى «ان تمويل الاذاعة يعتمد عليها ولا تتدخّل الادارة سلبا أو ايجابا في انتقائها، بل تترك المهمة للمعلن الذي يختار الأوقات والبرامج التي يراها مناسبة للاعلان عن السلعة أو الخدمة». من جهته يرى مدير اذاعة Radio One التي تحتفل بعيدها الخامس والعشرين، عبدو كحالة أن اللبنانيين شعب منفتح ومختلف لا يقبل بأي شيء، الأمر الذي يتطلّب نتاجا مميزا في العمل الاعلامي بشكل عام والاذاعي بشكل خاص، وهذا ما تحاول Radio One القيام به، فأحضرنا بذلك العالم الى لبنان، كي نكون على قدر ثقة المستمعين ومتطلباتهم. ويضيف «بعد 25 عاما من انطلاقتنا، ها نحن نتطوّر يوما بعد يوم ونواكب آخر المستجدات على الصعيدين الموسيقي والتكنولوجي، ويعمل لدينا أربعة اعلاميين بريطانيين ونحرص على التفاعل مع الجمهور عبر بث البرامج المباشرة التي تعتمد على تلقي الاتصالات لنشعره أننا على تواصل دائم معه، وكل هذه الأمور مجتمعة جعلتنا نتصدّر الاذاعات الأجنبية المحلية بامتياز، وهذا ما تدلّ عليه الاحصاءات منذ 18 سنة الى اليوم والاعلانات التي نعتمد عليها في تمويل الاذاعة ونحصل عليها بشكل دائم ولا سيما في الأوضاع السلمية، رغم أن تكلفة الإعلان التي تبلغ 35 دولارا هي الأغلى بين سائر الاذاعات، ولا تختلف بين وقت وآخر أو بين برنامج وآخر، لكن الاختلاف يكمن في العروض التي نقدمها للمعلن».

ويشير كحالة الى أن مستمعي Radio One هم الذين يئسوا من الأخبار السياسية اللبنانية ومعظمهم من الشباب ما دون الـ18 عاما ويشكلون 50 في المائة من مستمعي الاذاعات الأجنبية وخلال الفترة الصباحية نستقطب أكبر عدد من المستمعين الذين تتراوح أعمارهم بين الـ25 و35 عاما، أما محبو الأغنيات الأجنبية الذين تتجاوز أعمارهم الاربعين فيتوزعون على كل الاذاعات الموسيقية المحلية.

ويعرف عن اذاعة nostalgie والتي افتتحت رسميا في لبنان في عام 1995 أنها متخصصة في الدمج بين الأغنيات الفرنسية والانكليزية التي تعود الى عصر الغناء الرومانسي مع داليدا وشارل ازنافور وفريق البيتلز وجو داسان وخوليو ايغليسياس، ولا سيما تلك الممتدة بين الستينات والسبعينات والثمانينات، اضافة الى الحديثة منها، وذلك عبر استخدامها أحدث التكنولوجيا، ورغم أن عدد موظفيها لا يتعدى الخمسة أشخاص، فيمكن القول إن لهذه الاذاعة موقعها في أوساط اللبنانيين ولا سيما المثقفين الفرنكوفونيين من مختلف الطبقات الاجتماعية، الذين تتراوح اعمارهم بين 20 و60 عاما.

ويميز مونان بين اداء هذه الاذاعات الأجنبية السبع. ويعتبر أن بعضها ممتاز، ويقوم بعمله بحرفية تامة ويحترم طريقة الأداء الاعلامي والتواصل مع الجمهور فيما يبقى البعض الآخر دون المستوى المطلوب ولا تستحق أن تبث، وهذا الأمر ينطبق ايضا على نوعية الاعلانات التي يصنّف بعضها في خانة المفيد. فيما يسيء بعضها الآخر الى المستمع وعقله وذكائه.