رمضان.. «موسم» الصحافة الدينية

تقدم الفوازير وتعيد قراءة التاريخ و تستكتب العلماء

TT

تكاد لا تخلو صحيفة أو مجلة عربية في شهر رمضان من صفحة دينية تقدم أحكام الصيام أو تفسيرا لأحاديث وآيات قرآنية أو قراءات للتاريخ الإسلامي، والغزوات الإسلامي، أو أجزاء من سيرة الرسول منقولة من كتب التراث، أو سير بعض الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم، مع استكتاب بعض علماء الأزهر في أمور خاصة بأحكام الصيام، وأسئلة من نوعية «ما هي مفطرات الصيام، وما حكم إذا أكل أو شرب ناسيا، وما حكم استعمال معجون الأسنان إثناء الصيام»، وهو الأمر الذي يبدأ مع اليوم الأول من شهر رمضان وينتهي بنهايته، غير أن المتتبع لهذه الصفحات بطول المجلات والجرائد وعرضها يكتشف أنها لا تقدم شيئا جديدا، أو مختلفا عن غيرها من الصحف الأخرى، وأن جميعها يدور في إطار مفرغ ، من نفس الموضوعات، والقضايا المطروحة، وربما الكتب التراثية التي تنقل عنها أيضا.

مشكلة الصحافة الدينية في رمضان هي مشكلة العام كله، إذ يمكن لمن يتابع الصحف الدينية على مدار العام، والصفحات الدينية في الصحف الحكومية أيام الجمع أن يكتشف أن مضمونها يتكرر على مدار العام، نفس القضايا، ونفس الموضوعات، وربما نفس الأسئلة التي يوجهها قراء الصفحات والصحف لعلماء الدين للإجابة عنها، ورغم أن هذه الصحافة تزدهر في رمضان ويزداد الإقبال عليها، وتغازل الإعلانات بمسابقات وجوائز إلا أنها تظل كما هي، بنفس المادة التراثية المنفصلة عن الواقع التي تقدمها.

ومن لزوميات الصفحات الدينية أيضا في أول رمضان تقديم إمساكية إما منفصلة وتكون عادة مقدمة من أحد المعلنين وعلى ظهرها الإعلان مع تقديم التمني بصوم مقبول وإفطار شهي، أو إمساكية يومية، في الصفحة الأولى عادة مصحوبة بآية قرآنية ، وتقدم مواعيد الإفطار والسحور مع نفس الأمنية بالصوم المقبول والإفطار الشهي، كشكل من أشكال الترويج والحصول على جزء من كعكة الإعلانات الرمضانية الكبيرة.

«عقيدتي» هي إحدى الصحف الأسبوعية الدينية المصرية، وهي تصدر عن دار الجمهورية، وهي هيئة قومية، تحاول أن تغير هذا المفهوم، وتقدم في صفحاتها، صفحات رياضية دينية، وفنية من منظور ديني، وفي ظن مجدي سالم رئيس تحرير جريدة عقيدتي، المشكلة في الصحف الدينية في مصر أنها منفصلة عن الواقع، ويقول عن جريدته إنها تقدم ثقافة دينية للقارئ كما تقدم مناقشة موضوعية لقضايا المجتمع من منطلق ديني، بأن تناقش قضايا البطالة وتقديم الحلول الدينية لهذه القضايا من خلال علماء الأزهر، بالإضافة لتقديم الفكر الديني.

شهر رمضان في الصحافة الدينية وفي جريدة «عقيدتي» كما يراه مجدي سالم رئيس تحريرها، عبارة عن فتاوى دينية تناقش قضايا الشهر، وإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالصيام وزكاة الفطر وما نحرص عليه خلال الشهر، بالإضافة إلى متابعة الأنشطة الدينية الموجودة بالمساجد والمنتديات الدينية، ويضيف سالم «نسعى أيضا لإبراز دور المجتمع في التكافل الاجتماعي خلال الشهر على مدار الأسابيع الأربعة.

رغم أن سوق الصحافة المصري يمتلئ بعشرات الصحف المتخصصة في كافة المجالات، الرياضية، الفنية، وحتى صحف الجريمة، لكن لا يوجد في مصر سوى ثلاث صحف دينية فقط، تصدر من مؤسسات رسمية تابعة للدولة، هي «عقيدتي» عن مؤسسة الجمهورية، و«اللواء الإسلامي» عن دار أخبار اليوم، و«جريدة صوت» الأزهر عن مؤسسة الأزهر الشريف، ويرفض سالم اعتبار سبب قلة الصحف إلى هذا الحد عدم وجود جماهير لهذا النوع من الصحافة، ويقول ان المشكلة مشكلة مجتمع، وكيفية تعامله مع الإعلام الديني، في ظل عشرات المغريات من فضائيات تعرض كليبات ومسلسلات درامية وأفلام.

ويرى سالم أن أهم أسباب بعد الناس عن الصحافة الدينية انغماس هذه الصحف أو الصفحات في التراث من دون توضيح للقراء، وأن معظمها تأتي بنصوص جامدة من التراث من دون شرحها، مع أهمية هذا الجانب، لكن بعد توضيحه وشرحه، مع أنه يرى أن على هذه الصفحات مسؤولية كبيرة لأنها تتحمل عبء التواصل الأكبر، مشيرا الى أن القارئ يحتاج إلى من يتواصل مع مشاكله وهمومه وشرح حكم الدين فيها من منظور ديني، كما أن الشباب يعاني من البطالة ويحتاج إلى حلول لمشاكله، والعبء على الصحف الدينية كبير في إظهار المشاكل وحلها.

مشكلة الصحافة الدينية الرئيسية في مصر هي غياب التمويل والدعم المالي كما يقول سالم، ويضيف «ولذلك نجد أن كل الصحف الدينية تصدر من مؤسسات قومية، وجميعها تخسر، ولهذا السبب تنفض المؤسسات الصحفية الخاصة يدها منها»، مشيرا إلى أنه كلما ارتفعت نسبة المبيعات ارتفعت نسبة الخسارة، بسبب ارتفاع أسعار الورق وتكاليف الطباعة، موضحا أن الإعلانات تتجه إلى الصحف الفنية والرياضية لأن معظم هذه الإعلانات تستهدف جمهورا يبحث عن أدوات التجميل، وصبغات الشعر. ويؤكد سالم أن الصحافة الدينية في مصر مظلومة، مستشهدا بالحديث لشريف «القابض على دينه كالقابض على الجمر».

الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة يرى أن الصحافة الدينية لم تتطور بالشكل الكافي الذي يسمح لها أن تتواصل مع الجمهور، مشيرا إلى أن ما تقدمه في رمضان هذا العام هو نفسه الذي قدمته في رمضان الماضي والذي سبقه، ويقول «افتح الصفحات الدينية في رمضان في كل الجرائد ستجد فيها الآتي: موضوعات عن أحكام الصيام، أو سير لعلماء أو صحابة للرسول أو موضوعات عن الأحداث الرمضانية الشهيرة مثل غزوة بدر، أو ليلة القدر، أو رؤية هلال رمضان، وشوال بالضرورة، واستكتابا لعدد من الكتاب ذوي الاتجاهات الإسلامية، أو شيوخ الأزهر وعلماء الدين أو صحافيين متخصصين، وقد تجد زاوية فيها ذكريات رمضانية بأقلام شخصيات إعلامية شهيرة، أو استقطاع أجزاء من كتاب التراث والسيرة والفقه وعادة ما تتسم بالتكرار من عام لعام، ومن صحيفة لصحيفة، ويضيف «ولو لاحظنا صفحات الأعوام الماضية سنجدها هي نفس صفحات هذا العام من دون ابتكار».

ويلفت العالم إلى نقطة مهمة، وهي أن الصفحات الدينية في رمضان غالبا ما يصاحبها نوع من التمويل وهو متعلق بالفوازير والمسابقات الرمضانية الشهيرة التي تقيمها كل الصحف بثلاثين سؤالا على مدار ثلاثين يوما ويملأ نصف الصفحة الدينية بسؤال ديني عن آية قرآنية أو حدث ديني في سطر وبقية نصف الصفحة به إعلانات رعاة المسابقة والمعلنين في مربعات صغيرة، أو في نصف صفحة كاملة والذين قد يصلون إلى ثلاثين معلنا، وربما تكون هي المرة الوحيدة في العام التي توجد فيها إعلانات في الصفحة الدينية، مقابل جوائز نقدية أو رحلات حج وعمرة.

الأمر لا يزيد عن ذلك في رأي الدكتور صفوت العالم، ويضيف: فصفحة الأهرام تقريبا تقدم نفس ما كانت تقدمه من ثلاثين عاما، نفس سؤال المسابقة الدينية ونفس نصف الصفحة الخاصة بالإعلانات، ورغم أن الصحف الخاصة عادة لا تقدم صفحات دينية في أيامها العادية، القومية فقط تفعل هذا كل جمعة، إلا أنها تتسابق في رمضان على هذا، فجريدة «البديل» تقدم ثلاث صفحات، وجريدة «المصري اليوم» تقدم أربع صفحات تحاول أن تدمج فيها بين الدين والفن والذكريات الخاصة، كما تقدم «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية» و«روزاليوسف» ما بين صفحتين إلى أربع صفحات يومية مع محاولات جلب الإعلانات. ويعتقد الدكتور العالم أن الصحافة الدينية في مصر تعاني من الجمود والثبات، وهذا سبب انفضاض المعلنين عنها، وانفصالها عن مشاكل المجتمع، واستنادها إلى ما كان يحدث منذ خمسة عشر قرنا من دون محاولة تطبيق هذا على أرض الواقع أو علاج أمراض العصر الراهن.