وول ستريت.. بين «الحلم الأميركي» و«كابوس» الواقع

في ظل الأزمة التي يعيشها «شارع المال» في الولايات المتحدة وتعيشها أسواق وبورصات العالم من بعده

صورة لمبنى داو جونز في نيويورك تجمع بين شريط الأخبار الذي يشير إلى تراجع شديد للمؤشر ولوحة دعائية لفيلم «بيفرلي هيلز 90210» الذي يصور اسلوب حياة باذخة لشبان أميركيين (أ.ب)
TT

لفترة طويلة ارتبط اسم «وول ستريت» (شارع المال الشهير في نيويورك)، بمعان عميقة حتى بات «ماركة» قائمة بحد ذاتها، فهو يعني الكثير بالنسبة لكثيرين...

وأهم ما في الأمر ان اسمه بات مرادفا لحال الاقتصاد الأميركي (والعالمي في حالات كثيرة، كما هو الحال مؤخرا)، فبت تسمع عبارات مثل «ماذا سيكون تأثير هذا القرار أو الحدث على وول ستريت؟». كما أن اسمه ارتبط بقصص نجاح تؤكد حقيقة نظرية «الحلم الأميركي»، ومنه وحوله استنبط الكثير من الروايات المعاصرة والأفلام السينمائية. ليس هذا وحسب، بل تسببت قوة ماركة «وول ستريت» بدفع ماركات أخرى إلى الاستناد إليه ومحاولة الاعتماد على الجاذبية التي يملكها هذا الاسم في بناء نفسها، فخرجت صحيفة «وول ستريت جورنال» لتكون الناطق بلسان حال هذا الشارع، وأخبار «سكانه» وهم المضاربون والعاملون في البورصة، وصفقاته وتقلباته التي رفعت أناسا إلى السماء تارة وخسفت بآخرين إلى القاع تارة أخرى.

لكن شارع المال هذا الذي كان ينظر إليه من الخارج باعتزاز، ويتفاخر ابناؤه بانتمائهم له، يتعرض اليوم لأزمة ربما تكون الأسوأ في تاريخه... وليس هذا وحسب، فالعالم يكتشف اليوم كم أن المقولة الشهيرة التي تقول: «حين تعطس اميركا فإن العالم يمرض»، صحيحة... فالتراجعات الحاصلة في بورصات العالم بدت للمراقب وكأنها حمى فعلا تطيح سوقا بعد الأخرى.

والسؤال هو ماذا سيكون تأثير ما جرى وما سيجري على «ماركة» وول ستريت؟ سيما بعد أن بات من في الخارج يشتمه ويلومه على ما لحق به من ضرر، وبعد أن تشرد العديد من ابنائه. وفي هذا السياق، يبدو بارزا ما كانت أوردته صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل نحو أسبوعين، حيث ذكرت في سياق تقرير عن تأثير الحالة الاقتصادية في تراجع «قيمة ماركات» Brand Value لعدد من أكبر الماركات التجارية، على رأسها بطبيعة الحال مجموعة من أكبر بنوك العالم. وبحسب تقرير الـ«غارديان»، فإن الأزمة المالية العالمية، عقب انهيار «لايمان بروذرز» وبيع «ميريل لينش» ومساعدة «اي.اي.جي»، قد تسبب بمسح نحو 50 مليار دولار من قيمة أكبر ماركات العالم في الأسابيع الأولى من سبتمبر، وكان 80% من ذلك المسح متعلق بكبريات المؤسسات المصرفية.

وربما لو كان «وول ستريت» ماركة حقيقية (بمعنى أنها مرتبطة بمؤسسة أو شركة معينة) لكان على رأس المتضررين، لكن بما أننا نتحدث عن ماركة افتراضية، فلا بد من ذكر أن «وول ستريت» مرتبط مباشرة وبشكل قوي للغاية بماركة «افتراضية» أخرى هي ماركة «أميركا». من جهته يعلق سيمون انهولت، مبتكر مفهوم «ماركات الدول» Nation Brands والمؤشر الخاص بها (Nation Brand Index) ومؤلف كتاب «أميركا كماركة»، على سؤال متعلق بمدى تأثر «ماركة أميركا» بالتراجع الحاصل في «وول ستريت»، قائلا ان الأمر بدأ للتو ولا ندري أين سينتهي. ذلك لأن سيمون دائما ما اعتبر أن بناء «ماركة» بلد ما يستغرق سنوات طويلة وأجيالا، وليس من السهل هزها أو تغييرها، ويعود ليقول إن سمعة الـ «ماركة» تتغير على مدى حقبة طويلة وليس أشهر. ويضيف انهولت لـ«الشرق الأوسط» بانه لا يعتقد بأن ما جرى في وول ستريت سيغير من النظرة للولايات المتحدة. ويوضح انهولت: الآراء تنبع من المعتقدات، وما يجري في هذه الحالة هو أن الناس الذين لا يحبون أميركا سيجدون في هذا الأمر سببا جديدا لترسيخ معتقداتهم، فيما سيرى من يحبون الولايات المتحدة بأن المشكلة هي مشكلة الرأسمالية وليس مشكلة أميركا. لكنه يقول من جهة ثانية انه لا شك في انه كلما طالت فترة الأزمة كبر تاُثيرها. من جهتها نشرت صحيفة «هيرالد تريبيون» مقالا حول هذا الموضوع أخيرا، ركزت فيه على مدارس تعليم اللغة الانجليزية الشهيرة حول العالم والتي تعرف باسم «معهد وول ستريت»، وذكرت أن المدارس لا تنوي تغيير اسمها وان تسجيل الطلاب فيها بقي قويا. وتساءل المقال ان كان التحدث يوما بـ«انجليزية وول ستريت» سيعاني من نفس انعدام الشعبية الذي تعاني منه «انجليزية كراوفورد ـ تكساس؟».