لعبة فيديو لبنانية تضع السياسيين في أيدي الشعب

شخصيات مبنية على رؤساء الأحزاب والتيارات.. ولكل منها حركات قتالية خاصة

خلفية للموقع وتظهر صور مصغرة لشخصيات السياسة اللبنانية المتقاتلة («الشرق الأوسط»)
TT

بعدما اعتاد اللبنانيون أن يكونوا متلقّين سلبيين تغزوهم خطابات سياسييهم عبر وسائل إعلامهم وتوجههم الى حيث يرتأون، ها هم اليوم أصبحوا بكبسة زر قادرين ليس فقط على التحكّم في مسؤوليهم بل باستطاعتهم النيل منهم كذلك، افتراضيا على الاقل، سيما إذا ما كانوا في المقلب الآخر من توجهاتهم السياسية.

فقد تحول اهتمام اللبنانيين هذه الأيام الى موقع مغاير لمواقع الأخبار الالكترونية التي أدمنوا الاطلاع عليها يوميا. هذا الموقع يتيح لهم فرصة القضاء على من يعتبرونهم في خانة الاتهام السياسي بالنسبة اليهم، وبالتالي هم المصدر الدائم لكل ما يحل ببلدهم وينعكس على اوضاعهم.

وهكذا وجد اللبنانيون ضالتهم في موقع يمنحهم لعبة «دمى سياسية الكترونية» ليستطيعوا بواسطتها صب جام غضبهم على الزعماء مستخدمين كل الوسائل الممكنة من القتال المباشر الى صواريخ الكاتيوشا وسبائك الذهب... ويستهل الموقع بمقدمة مختصرة تهدف الى إيصال الرسالة التي يسعى اليها الشباب الثلاثة الذين ابتكروا هذا المشروع المتأرجح بذكاء بين الاعلام والكاريكاتور. مبتكرو الموقع قلبوا الأدوار وحولوا زعماءهم الى دمى في أيدي شعبهم. تقول المقدمة: «من المتداول والمعروف ان العالم مسرح كبير يعرض مشاهد عدّة في أماكن مختلفة، وقد صنّفنا كأمة لبنانية بمسرح للدمى تحرّكنا مصالح الآخرين.. ولنسأل كم مرة كان مصير لبنان صنع في لبنان، فمنذ القدم كنا ولا نزال دمى تحرّكنا مصالح الكبار، مرة على أسس طائفية ومرّة على أسس مذهبية.. لكننا شعب لا يفقد الأمل. لن نفرّط بوطننا هذه المرّة، فالأرض لنا وحب الوطن في أعماقنا ولن نتركه أبدا، ان للشعوب صحوة ولو متأخرة. لأول مرة نقلب الأدوار ونعكسها، سنكون نحن محركي الدمى وهم هذه الدمى».

عنوان الموقع www.wixelstudios.com يحمل توقيع كل من زياد فغالي ورين عباس وكريم ابي صالح، الذين وجدوا في فكرتهم تجسيدا لصراع سياسي واعلامي يعيشونه يوميا. لذا قرروا جمع أبرز الزعماء اللبنانيين في ساحات القتال وجها لوجه بعد أن يتم اختيار البطل والخصم السياسي من اصل سبع شخصيات يمثلون أبرز التيارات السياسية، ليكون محط ضربات اللاعب. وعلى هذا الأساس تتراكم نقاط الزعيم المنتصر في الخانة الخاصة به لتتشكّل في ما بعد لائحة كاملة تشمل تراتبية السياسيين بحسب اقبال جمهور كل منهم على المشاركة في حلبات القتال. وبذلك، يتصدّر الى الآن جمهور زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون اللائحة، ويليه جمهور رئيس الهيئة التنفيذية القوات اللبنانية سمير جعجع، ثم جمهور زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، وبعده جمهور زعيم تيار المستقبل سعد الحريري. وفي المرتبة ما قبل الأخيرة حلّ «شباب حركة أمل» المؤيدون لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ليبقى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط خارج المنافسة إما لخسارة مناصريه في لعبة الدمى أو لعدم اكتراثهم بخوض زعيمهم هذه الحرب الالكترونية.. حتى ساعة كتابة هذا التقرير. لكل من هؤلاء وسائله القاتلة الخاصة، التي تلعب على اوصاف معينة يعرفها المجتمع، فاحد المقاتلين يطلق الكاتيوشا، والآخر يطلق سبائك الذهب، والثالث ينقسم ليصبح 4 اشخاص في وقت واحد. يقول أحد مؤسسي الموقع، زياد فغالي، ان فكرة الموقع ولدت من أرض الواقع السياسي اللبناني وذلك ذات صباح من شهر ديسمبر (كانون الأول) 2006 حين كان ذاهبا الى عمله، واذا به يجد نفسه محاصرا بين أنصار الموالاة من جهة والمعارضة من جهة أخرى حيث كانت المواجهات تدور بالعصي والحجارة، ويضيف «أبرز ما لفت نظري هو سن هؤلاء الشباب، معظمهم لم يتجاوز الـ 17 وهم بالتالي ليسوا إلا دمى تتحرك بأمر من شخصيات أكبر منهم وفقا للغرائز الطائفية وليس بناء على عقيدة معينة». وفي أبريل (نيسان) الماضي كانت الانطلاقة الفعلية لموقع دمى الألعاب السياسية الذي انطلق بلعبة واحدة متمثلة بمعارك الشخصيات السياسية ثم تلتها لعبة أخرى سميت «فرن أبو ملحم» حيث تترتّب على اللاعب مهمة خبز المناقيش والمعجنات على أنواعها وتقديمها للزبائن بأسرع وقت ممكن، وأخيرا كانت انطلاقة لعبة سياسية أخرى اختصرها الفريق المؤسس للموقع بأعلام الأحزاب اللبنانية، وعلى اللاعب أن يبذل جهده لاجتياحها كي يتسلّم مواقعها الجيش اللبناني، وكل هذا العمل هو بتمويل ذاتي من شركة wixelstudios التي تعنى بإنشاء الألعاب الالكترونية ولا تهدف، كما يشير فغالي، الى الربح المادي، مكتفين بالـ«بروباغندا الوطنية». ويقول فغالي «كل لعبة من هذه الألعاب أخذت حقها من التداول واستقطبت عددا كبيرا من مستخدمي الانترنت وقد وصل عددهم الى الآن حوالي 200 ألف شخص، لكن لعبة الأعلام الأخيرة لا يزال وقعها كبيرا، اذ تستقطب أكبر نسبة من هؤلاء اللاعبين». وفي حين لم يتلق الفريق أي ردود فعل سلبية كانت أو إيجابية من السياسيين اللبنانيين بشأن فكرة اللعبة، يؤكد فغالي أن هناك محاذير محددة عمدوا الى تجنبها وأهمها التشويه الكاريكاتوري المبالغ فيه والعنف في اللعبة الموجود في ألعاب كثيرة أخرى، اضافة الى عدم إدخال شخصيات ورموز دينية. يعتبر فغالي أن الهدف الذي أراده الفريق من خلال هذا المشروع مزدوج. ويقول: «من ناحية أردنا إيصال رسالة وطنية تعكس صورة الواقع السياسي اللبناني مع قلب الأدوار، ومن ناحية أخرى نحاول اثبات قدرة الشباب اللبناني على دخول عالم الألعاب الالكترونية وانتاجها بنوعية تضاهي أهم الدول، وهذا ما حققناه، كما اننا بصدد العمل على اطلاق لعبة سياسية جديدة ومميزة ان لناحية الفكرة او لناحية التقنية والشخصيات المستخدمة».

وفي ما يتعلّق باحتمال زيادة عدد «الشخصيات اللاعبة» في الموقع يردّ زياد مازحا: «ننتظر ما ستؤول اليه طاولة الحوار، اذا قرروا التوسيع سنضيف شخصيات جديدة». انتشار لعبة «دمى السياسيين» في الأوساط اللبنانية يشمل كل الأعمار والتوجهات السياسية، كما يقول فغالي، حتى أن البعض اعتبرها ادمانا يلجأ اليها اللبنانيون كـ«فشّة خلق» عما يدور من حولهم من أوضاع سياسية وأمنية متردية. ويضيف «يظهر لنا أن مستخدمي هذا الموقع ليسوا من لبنان فقط، لكن هناك لاعبين من الدول العربية بشكل عام والامارات بشكل خاص من دون أن يتسنى لنا معرفة ما اذا كانوا عربا أم مغتربين لبنانيين، لا سيما أن كل العالم العربي بات ملما بقضايانا ومشاكلنا وبالتالي بشخصيات سياسيينا».