ماذا يعني أن تكون محرر ثقافة؟

الصحافي المتخصص في جريدة «نيويورك تايمز» يروي تفاصيل عمله وحيثياته

TT

يشغل سام سفتون منصب محرر الشؤون الثقافية لدى صحيفة ذا نيويورك تايمز، ويتولى الإشراف على الصفحات اليومية التي تتناول الفنون وكذلك الأقسام التي تظهر بإصدارات الصحيفة في عطلة نهاية الأسبوع وقسم فنون وفراغ. يذكر أنه سبق لسفتون العمل كمحرر لقسم الطعام. وقبل انتقاله للعمل بصحيفة تايمز، عمل كاتباً ومحرراً بمجلة توك، ومراسلاً وناقداً ومديراً إدارياً بإصدار نيويورك برس الأسبوعي. وفيما يلي نص الحوار الذي جرى معه بخصوص عمله في صفحات الثقافة: > لاحظت أن تايمز، مثلما الحال مع الكثير من الصحف الأخرى، تقدم تغطية موسعة لنتائج الاستطلاعات التي يجريها بوكس أوفيس والاستطلاعات المعنية بأعداد مشاهدي البرامج والمسلسلات التلفزيونية وما شابه ذلك. إلا أنني اشعر بالفزع إزاء تحول التغطية الصحافية للشؤون الفنية، في الكثير من الحالات، إلى مجرد لعبة أرقام. لماذا، على سبيل المثال، أصبح من الضروري إخبارنا بصورة شبه يومية عن المسلسلات التلفزيونية التي تحظى بأعلى نسبة مشاهدة؟ مثل هذا الأسلوب للتغطية الذي يقوم على فكرة فائز وخاسر جيد بالنسبة لبعض الصفحات الرياضية، لكن هل يمثل أهمية بالنسبة للفنون؟ متى سنبدأ في مشاهدة أعداد الحضور في كل حفل موسيقي؟ ـ سأقدم إجابة موجزة، أعتقد أن الأمر سيتطلب بعض الوقت. أما إذا أردت الحصول على إجابة مطولة، فأعتقد أنه من المثير أنه بالنسبة للكثيرين منا ما يعد ملائماً في التغطية الصحافية، (مثل القول بأن: «... خاض مباراة أمام أوريولز أمام 90.547 مشجع..») لن يكون مناسباً للتغطية الفنية، (مثل القول بأن: «... رقصت على أنغام السيمفونية الغربية أمام 2.100 من الجمهور...») أما الإجابة الأهم فهي أن التغطية الفنية، داخل تايمز على الأقل، لم تتحول إلى لعبة أرقام. إن ذلك ببساطة لم يحدث، ومن الخطأ افتراض أنه لمجرد أننا نشير إلى الأرقام، فإن ذلك يستحوذ على مساحة تخص المقالات أو الكتابات النقدية أو تغطية الأخبار الثقافية. إن ذلك لم يحدث، فنحن نهتم كثيراً بتغطية الأنباء الفنية. وبالفعل، نقوم بتغطية نسب المشاهدة التلفزيونية والأرقام الصادرة عن بوكس أوفيس، ونكتب بالفعل عن الألبومات الغنائية التي تحتل المركز الأول على مستوى البلاد، ونكتب بالمثل عن مبيعات الكتب والسوق الفنية. إننا نهتم بأمر الأرقام لأنها تتميز بالأهمية حتى وإن كان من الممكن التغاضي عنها، وهي الحال في جميع الحالات تقريباً. (ويرجع أحد الأسباب وراء ذلك إلى أن المحال الكبرى لا تكشف عن أرقام مبيعاتها سوى في إطار العاملين بداخلها. في الوقت الذي تقوم هذه المحال الكبرى بتداول الكثير من المواد، كما هو الحال مع السلع الثقافية مثل الكتب والاسطوانات المدمجة) هل هذا أمر يجب الشعور بالفزع حياله؟ ربما يعتقد بعض النقاد ذلك، لكن الأرقام تعد مسألة يجب التعرف إليها. ونحن نحاول ألا نركز كل اهتمامنا عليها، لكن يبقى من المهم معرفتها. > هل تتطلب صحيفة تايمز من ناقدي الأفلام والمسرح لديها أن يكونوا قد ألفوا من قبل فيلماً أو مسرحية قبل أن تضمهم إلى قائمة العاملين لديها؟ ـ الإجابة ببساطة لا ـ وهي إجابة ربما لا تقتنع بها. لكن انتظر لحظة ربما أعرض عليك حجة مقنعة. في الواقع، إن ما نتطلبه من النقاد العاملين لدينا هو المعرفة ـ التفهم العميق والواسع للعوالم التي يقومون بتغطيتها، والتعطش الدائم لمعرفة المزيد عن تلك العوالم، بمعنى الاطلاع على المزيد من المسرحيات أو الأفلام أو الفنون أو الموسيقى. إن كتابة فيلم عمل شاق، مثلما يعلم الجميع. كما أن القيام بدور في مسرحية هاملت ليس بالأمر اليسير. بيد أن كتابة مقال نقدي لفيلم ما ليست بالمهمة التافهة، خاصة عند القيام بذلك في ظل موعد زمني محدد. لذا، فإن ما يهم حقاً ليس ما قمت به، وإنما ما تعلمه وكيفية تعبيرك عنه. > أتساءل حول السبب وراء عدم تقسيم صفحات الموسيقى إلى قسمين: أحدهما للموسيقى الكلاسيكية، في إشارة إلى الموسيقى الكلاسيكية التقليدية سواء شرقية أو غربية، والآخر للموسيقى الشعبية، في إشارة إلى موسيقى الروك والجاز وما يطلق عليه الموسيقى «العالمية». هل عدم التقسيم يعود إلى خوف التايمز من إثارة غضب فريق ما؟. ـ إن أمامنا شوطا طويلا لنقطعه في طريق تصنيف مراجعاتنا للأعمال الموسيقية، لكن لا أعتقد أن مجرد تقليص الأعمال إلى فئتين «كلاسيكية» و«شعبية» يفي بالغرض. على سبيل المثال، بغض النظر عن تقديرك له، لا يمكن اعتبار كامرون مطرباً شعبياً. وكيف يمكنك أن تصنف مطربة مثل باربرا كوك؟ أعتقد أنه من الضروري أن نستغني كلية عن مسألة التصنيفات، وأن نطلق على الموسيقى اسم «موسيقى»، بغض النظر عن مصدرها. في الواقع، «ليس هناك ترتيب هرمي داخل الفن تماماً مثلما أنه ليس هناك ترتيب هرمي بين البشر»، حسبما أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك عند افتتاحه متحف كوي برانلي. > لماذا يجب نشر المراجعات على الفور بعد أول عرض للعمل؟ في إنجلترا، تظهر المراجعات للأعمال الموسيقية بعد عدة أيام أو أسابيع من يوم الافتتاح؟ ـ إننا نعمل على أساس مبدأ أن يوم الافتتاح لعمل ما يعد حدثاً كبيراً، ونطلب من الناقدين العاملين لدينا تقديم مقالاتهم في أسرع وقت ممكن بعد مشاهدتهم العرض الأول. يمكن أن تصف الاستجابة البريطانية بأنها متروية ومتأخرة، لكننا نريد أن نعلم ما الذي جرى على المسرح بالأمس، ونود أن نعلم بشأنه الآن. ألا تراودك الرغبة ذاتها؟ > يميل الأشخاص العاديون إلى ربط مصطلح «فنون» بأشياء مثل الرسم والموسيقى والرقص والمسرح. ولا أحد يفكر في شبكات الأخبار أو الرياضة أو حرب العراق أو العلوم أو الهولوكوست أو الإساءة الجنسية أو السياسة على أن لها علاقة بالفنون.

ولكن في الأعوام الأخيرة نشرت التايمز مقالات وتحليلات لكتب وأفلام تسجيلية ومعارض تتعلق بكل ما سبق على الصفحة الأولى من القسم اليومي تحت عنوان «فنون»، وغالبا ما تكون تحت عنوان الصفحة مباشرة. فلماذا لم يخصص قسم «الفنون» للفنون فقط؟ أو لم يتم تغيير اسمه ليعكس المجالات التي يغطيها بدقة؟

ـ نحن قسم ثقافي، وعندما نشعر بأننا نسير على نهج آرثر غيلب، نطلق على أنفسنا قسم الأخبار الثقافية، وغليب هو أول من أدخل الأخبار في صفحات الفنون، وأخيرا أصبح مدير تحرير الصحيفة. وفي هذا إجابة على سؤالك: جميع هذه الموضوعات التي ذكرتها الآن تعتبر إلى حد ما ثقافية، أو بها أفكار رئيسة ثقافية، ولهذا نغطيها.

نعم نتناولها في صفحات الفنون. (ونعم، يتناولها قسم الأعمال أيضا. فالتغطية الإعلامية مشروع مشترك بين القسمين.) وأفترض أنه يمكننا إعادة تسمية صفحات القسم. ولكن «ثقافة» سيكون عنوانا مضللا لقسم ما في الصحيفة.

* خدمة «نيويورك تايمز»