القنوات اللبنانية في تغطية «غزة».. جمعتها العناوين وفرّقتها التفاصيل

المحطات التلفزيونية الرئيسية تزيح خلافاتها السياسية المحلية.. ولو مؤقتا

قناة المستقبل الإخبارية وقناة المنار وقناة ال بي سي
TT

اختلفت الشعارات وتوحّدت العناوين العريضة للإعلام اللبناني في تغطيته الأحداث الدامية التي تشهدها أرض غزة، ليبقى الاختلاف في التفاصيل. فقد تمترست كل محطة إعلامية خلف عنوان عريض وأخذت على عاتقها مهمة نقل الوقائع، وإن بنسبة متفاوتة، وحماسة تصعد وتيرتها وتتدنى وفقاً للتوجهات السياسية التي تتحكّم بهذه الوسيلة أو تلك، والتي ترتبط بشكل أو بآخر بالانقسامات العربية.

الصورة العامة لهذه التغطية يمكن اختصارها إذا استخدمنا المصطلحات المتداولة في الإعلام العربي بشكل عام، بانقسامها إلى معسكرين، هما معسكر «الممانعة والمقاومة» الذي يقابله معسكر «الاعتدال». لكل منهما توجهاته العامة المشتركة التي ترتكز على الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني مع تغيرات في التحليلات والمواقف فيما يتعلّق بالأمور السياسية الأخرى، ولا سيما تلك المرتبطة بالتحركات العربية التي رآها البعض بأنها تخاذل عربي وتواطؤ مع العدوّ، فيما يحاول البعض الآخر تبرير هذا السلوك والإضاءة على الجهود العربية التي تبذل لوقف نار غزة المشتعلة.

«العدوان على غزة» هو العنوان الذي تعتمده قناة «المنار» في تغطيتها المستمرة للأحداث الفلسطينية. الواضح أن السياسة العامة المتبعة في هذه التغطية هي شاملة ودقيقة لكل التفاصيل مع تقارير وافية يعدّها مراسلون منتشرون في المناطق الفلسطينية وأخرى معدّة محلياً على أيدي الفريق الإعلامي في المحطة المتخصص في القضايا الفلسطينية والإسرائيلية، إضافة إلى اللعب على وتر المعنويات الشعبية التي تظهر المقاومة الفلسطينية في خانة المنتصر، وذلك من خلال شريط الأخبار العاجلة التي تركز على عدد الصواريخ التي تسقط على المستوطنات والأراضي المحتلة من دون إغفال ما يدور على أرض غزة من المشاهد الإجرامية والشهداء الذين يسقطون لحظة بعد لحظة. ولم تَغِب عن شاشة هذه المحطة، كما غيرها من المحطات اللبنانية، ما أصاب العالم العربي من انقسامات ومواقف، وصلت إلى حد التخوين، وبدت وكأنها مغالاة في طريقة تحليل الأخبار التي تظهر للمشاهد وكأن إسرائيل وصلت إلى حافة التفكّك. وهذا ما يضعه مدير الأخبار في «المنار» محمد عفيف في خانة إعطاء المعنويات للشعب العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص. أما أبرز ما اعتمدت عليه «المنار» في ترقبها لعدوان غزة فهو المقاربة والمقارنة اللتين تعتمدهما في التحليل، وذلك بالاعتماد على سياق المعركة في حرب يوليو (تموز) 2006 في لبنان، وبالتالي الوصول إلى نتيجة حتمية وهي انتصار المقاومة الفلسطينية. وضمن هذه المقارنة جاء التقرير الذي بثته القناة بعد مرور أسبوع على بدء العدوان ليظهر بالصوت والصورة مدى تشابه الحربين وكيفية تفاعل المجتمع العربي والغربي معهما، ولا سيما قادة الدولتين المعنيتين، فجاءت صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بجانب صورة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة يمسح دموعه خلال عقده المؤتمر الصحافي.. كما سلط الضوء على اجتماع الرئيس المصري مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني.

يقول عفيف عن هذه السياسة العامة التي تتبعها «المنار» في تغطيتها لأحداث غزة بأنها «تعتمد على المبدأ الأساسي الذي يرتكز على دعم الشعب الفلسطيني من خلال التغطية المباشرة للأحداث، ليس فقط من فلسطين، حيث لدينا مراسلون في غزة والضفة الغربية، بل من كل أنحاء العالم، وما يحدث من مستجدات من التصريحات والتظاهرات». وفي حين يؤكد عفيف حرص المحطة على نقل وجهات النظر المختلفة، يشير إلى اتخاذ «المنار» موقفاً واضحاً بشأن ما يحصل في الأراضي الفلسطينية وهو التموضع في المعسكر العربي المقاوم بمواجهة المعسكر العربي المنحاز إلى الموقف الأميركي-الإسرائيلي. وفيما يتعلّق باستضافة المحللين للوقوف على آرائهم بشأن ما يحصل في الأراضي الفلسطينية، يقول عفيف: «نتّكل على الخبراء الفلسطينيين لأنهم أبناء القضية والجغرافية إضافة إلى خبراء عسكريين لبنانيين ضالعين في هذا المجال. ولكننا نضطر في بعض الأحيان إلى الاستعانة بمحلّلين لبنانيين معروفين بانتمائهم إلى فريق معين، لأن الفريق الآخر ساكت ومحرج أمام قاعدته الشعبية، كما أننا نعتمد بشكل كبير على ما يقوله الإعلام الإسرائيلي لنتوصّل في النهاية إلى استقراء خلاصة قد يحاول العدو حجبها عن الرأي العام».

في الجهة المقابلة، تقوم إخبارية «المستقبل» التي لم تحتفل بعد بعامها الأول، بجهد ملحوظ استطاعت من خلاله أن تترك بصمة بين القنوات الإخبارية الأخرى، وذلك باعتمادها على فريق عمل منتشر في المناطق الفلسطينية إضافة إلى تخصيص البرامج للإضاءة على ما يدور في غزة. لكن هذا الأمر لم ينسحب على محطتي «المستقبل» الفضائية والأرضية، كونهما غابتا عن سمع أطفال غزة، إلا في النشرة الإخبارية. إذ تركت القناتان العنان لبرامجهما العادية من دون تعديل يُذكر، وعندما قرّرتا عدم الاحتفال بليلة رأس السنة والاكتفاء ببث الموسيقى الكلاسيكية عادتا وتراجعتا عن قرارهما وأعطتا المشاهدين فرصة الاحتفال بالسنة الجديدة في اليوم التالي، وعرضتا الحفلة التي كانت معدّة للعرض في هذه الليلة.

يلخّص مدير الأخبار في قناة «المستقبل» الإخبارية حسين الوجه، السياسة المتبعة في المحطة لتغطية أحداث غزة بالقول «نعتبر أن فلسطين قضيتنا. هي القضية المركزية التي لا بدّ أن نكون منحازين لها ونكون على مستوى الأحداث التي تجري. لذا عمدنا إلى تعديل كل البرامج. استُنفرنا على مدار الساعة». لا يعتبر الوجه أن أحداث غزة شكلت فرصة ذهبية لإثبات إخبارية «المستقبل» نفسها. ويضيف «لا نعمل بالتأكيد وفق هذه القاعدة، وإذا لم يكن لدينا قناة إخبارية، كنا عملنا الشيء نفسه في القنوات العادية. كذلك فإن ردود الفعل التي تلقيناها كانت كلّها إيجابية، لكننا بالتأكيد لم ننتظر فرصة كهذه للظهور بل كنا نتمنى أن نغطي حدثاً مهماً كاستعادة القدس مثلاً. وبكل تواضع، أستطيع أن أجزم أنه ليس هناك وسيلة إعلامية محلية تقوم بالعمل الذي نقوم به». ورداً على من وضع السياسة التي تعتمدها إخبارية «المستقبل» في تغطيتها للأحداث وتحليلها في خانة الاعتدال في مقابل الإعلام المقاوم، يجيب الوجه «منذ اللحظة الأولى التي بدأنا بها البث أكّدنا على أننا قناة لبنانية موجهة إلى اللبنانيين والعرب في الوقت عينه. لكن إذا كانت تغطية المجازر والعمل الذي نقوم به اعتدالاً، فنحن حُكْماً في هذه الخانة». ويضيف: «موقعنا السياسي واضح وهو نقل الصورة الحقيقية لتأليب الرأي العام العربي والدولي على ما يحصل من مجازر في غزة من دون أن نكون طرفاً حيال ما يحصل من انقسامات فلسطينية وعربية على غرار ما تقوم به وسائل إعلامية أخرى تهدف من خلال هذه القضية إلى تصفية حسابات سياسية مع أنظمة عربية أخرى». ففي حين كان الجيش الإسرائيلي يبدأ العملية البرية في غزة كانت المحطة اللبنانية للإرسال الأرضية LBCI تنقل حفلة للفنان اللبناني فارس كرم، فيما المحطة الفضائية كانت تبث مسرحية لبنانية ساخرة. هذا الوضع الذي انسحب على كل برامج القناة من دون أن تتأثّر بما يدور في الأراضي المحتلة. اكتفت القناة بتقديم نشرات إخبارية كافية ووافية ومهنية عن العدوان على غزة، معتمدة على مراسلين لها في عدد من المناطق الفلسطينية والأراضي المحتلة وتقارير معدَّة محلياً تعتمد على الصور والمعلومات الوافدة من فلسطين، مع عدم تغيير في بعض المصطلحات الأساسية كاعتماد صفة «قتيل» للشهداء الفلسطينيين... عبّرت تانيا مهنا التي عملت على أرض الحروب في العراق وأفغانستان عن الصعوبة التي يواجهها الإعلامي خلال إداده التقارير عن بُعد، وقالت «أتمنى أن أنتقل إلى غزة لتغطية الحرب، لكن القرار ليس في يدي. لذا فليس أمامنا في هذه الحالة إلا الاتكال على الصور والتعليقات التي نحصل عليها من هنا وهناك من دون القدرة على التأكد من المعلومات». وتضيف «لكن الأهم هو القيام بمهمتنا كما يجب وبموضوعية، آخذين بعين الاعتبار الناس الأبرياء الذين يقتَلون وإلقاء الضوء على وجهات النظر المختلفة، لأن الحرب لا تكون من جهة واحدة. الطرفان مسؤولان وإن كانت ردة فعل طرف أكبر من الطرف الآخر». يعزو نائب رئيس تحرير الأخبار في LBCI مروان المتني سبب اعتكاف المحطة عن التغطية المستمرة لأحداث غزة إلى طبيعة القناة المنوعة وليست الإخبارية، إذ هناك برامج معينة رُصدت لها إعلانات سابقة علينا عرضها، لذا فالمنافسة تبقى للمحطات الإخبارية، ويجب أن لا نحاسب القيّمين على المحطة وفقاً لبرامجها. ويضيف «الأسباب التجارية تمنعنا من التحول إلى قناة إخبارية، نحتاج إلى قدرات أكبر من تلك التي نمتلكها، لكن هذا لا يمنع أنه عندما نصل إلى وضع متأزم قد نعمد إلى فتح الهواء. لكننا منذ بدء العملية العسكرية البرية كسرنا القاعدة وبدأنا ببث شريط الأخبار العاجلة تحت عنوان (ورد الآن). أنا ضدّ عدم تعديل هوية البرامج في مرحلة كهذه ومع فتح الهواء لتغطية الأحداث، لكن القرار النهائي يعود إلى إدارة المحطة. كذلك فإن الأخبار والبرامج السياسية في LBCI لا تشكّل أكثر من 15 في المائة، ونحن في هذا الجزء نقوم بالمهمة على أكمل وجه ونعمد إلى استضافة خبراء عسكريين ومتخصصين في القضية الفلسطينية ينتمون إلى توجهات سياسية مختلفة».

كذلك لم تتابع الـ OTV ما يحدث في غزة واكتفت بالنشرات الإخبارية للإضاءة على الموضوع نقلاً عن محطات فلسطينية وبالاعتماد على تقارير معدة محلياً في غياب مراسلين لها في الأراضي الفلسطينية، كذلك من دون تعديل في البرامج أو المواضيع التي تبحث في البرامج السياسية. ولمعرفة المزيد عن هذا الموضوع لم تتجاوب المحطة مع اتصالات «الشرق الأوسط» للوقوف على آراء مسؤوليها.

وضمن إمكاناتها المحدودة أيضاً حاولت قناة الـ NBN الإخبارية مجاراة ما يحصل لملاحقة الأحداث الدامية في غزة عبر تغطيتها المستمرة لما يحصل واستضافة المحللين في البرامج الحوارية. «غزة بطعم العزة» هو العنوان الذي اتخذته محطة «الجديد» شعاراً في تغطيتها لحرب غزة، بعدما عدّلت في مجمل طبيعة برامجها لصالح العدوان على غزة، مع التركيز في أسلوب تقديمها للأخبار وتحليلها على ما تصفه بالتخاذل العربي والرؤساء العرب الذين لم يتعلموا وقف المغامرات غير المحسوبة. تعتبر نائبة مديرة الأخبار كرمى خياط طريقة المحطة في تغطية أحداث غزة أن القناة في أحداث كهذه تصبح جزءًا من المقاومة ضمن إمكاناتنا المحدودة مقارنة بالقنوات الإخبارية المتخصصة، رغم أن ذلك يراكم علينا خسائر مادية كبيرة. وتقول «أمام الاحتلال والجرائم الإسرائيلية يجب أن يسقط الإعلام الموضوعي والمعتدل، وبالتالي فنحن لسنا منحازين بل واقعيين، وعندما نرى أن هناك تخاذلاً عربياً، لا يمكن أن نقف على الحياد، بل نعمل على نقل الوقائع كما هي ونستضيف خبراء عسكريين ومحللين سياسيين فلسطينيين ولبنانيين يمتلكون قدراً معيناً من المعرفة في الموضوع الفلسطيني ولهم وجهات نظر مختلفة».