كارثة غزة تثير مجددا جدلية «الحيادية والانحياز» في الإعلام الأميركي

انتقادات لوجود ميل لمصلحة اسرائيل لدى وسائل عدة

جانب من تغطية قناة فوكس نيوز الأميركية
TT

يوم الاثنين، اشتكى جون دانينسوفسكي، مدير قسم الاخبار العالمية في وكالة «أسوشييتدبرس» الاميركية (من اكبر وكالات الاخبار في العالم، وتأسست سنة 1846، وتنقل اخبارها، تقريبا، 1000 صحيفة، و5000 محطة تلفزيون وإذاعة) من منع اسرائيل دخول الصحافيين الاجانب الى قطاع غزة. وقال ان ذلك يؤثر على تغطية الإعلام، الأمريكي والعالمي، للاحداث هناك.  وقال: «منع الاعلام الخارجي من غزة يعرقل نشر المعلومات المستقلة، وهي شيء مهم».  في نفس اليوم، نشر موقع «زي نت» الصحافي المعتدل: «يوجد سبب اميركي لاستمرار كارثة غزة الحالية، وهو ان شركات الاعلام الاميركية تغطي الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين تغطية تنحاز انحيازا خطيرا نحو اسرائيل. وليس سرا ان التغطية الاعلامية تعكس الرأي العام وفي نفس الوقت تؤثر عليه. وانها تعكس القرارات الحكومية وفي نفس الوقت تؤثر عليها. لهذا، فان تقديم وجهة نظر واحدة لا يخدم الرأي العام، ولا الحكومة، ولا الاعلام نفسه».

وهكذا، يمكن القول ان التغطية الاعلامية الامريكية لاحداث غزة تأثرت بعاملين: أولا: عدم توفر اخبار مستقلة.  ثانيا: انحياز واضح نحو اسرائيل.

ونقلت وكالة «اسوشييتدبرس» نفسها ان هناك 350 صحافيا اجنبيا في اسرائيل ينتظرون دخول غزة.  وكان اتحاد الصحافيين الاجانب في اسرائيل رفع قضية للسماح لهم بدخول غزة. ووصلت القضية الى المحكمة العليا التي رفضت اعلان رأي نهائي، وأوصت بان تسمح القوات الاسرائيلية بعدد قليل من الصحافيين بدخول غزة «حسب الظروف الامنية».

ومؤخرا، كتب ايثان برونر، من صحيفة «نيويورك تايمز»: «لم تمنع اسرائيل الصحافيين من تغطية حروبها مثلما تمنعهم الآن. ويجب ان تخجل من نفسها. انها تخون المبدأ الذي تقول انها تعيش به». واصدرت منظمة «هيومان رايتز ووتش» بيانا ربطت فيه بين التغطية الاعلامية وانقاذ ارواح المدنيين. وقالت: «يخيف وجود الصحافيين الأطراف المتحاربة من ارتكاب أخطاء، وبالتالي، يساعدنا على حماية المدنيين».

لكن، في الجانب الآخر، هناك من يدافع عن اسرائيل في هذا الموضوع. مثل د. ريجينالد دايل، خبير في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (سي إس آي إس) في واشنطن. أول من امس قال: «يعرف القادة العسكريون في الدول الديمقراطية، مثل الولايات المتحدة واسرائيل، مشاكل تغطية الصحافيين لحروبهم. يعرفون ان الصحافيين يراقبونهم. ويعرفون مخاطر نشر اخبار سلبية عنهم. لهذا، يبحثون عن حل وسط.  لكن، ليس هذا سهلا. لهذا، اذا منعت اسرائيل الصحافيين الأجانب من دخول غزة، تفعل ذلك لسببين: اخلاقي، وعملي».

لكن، اعترف دايل، ان الفلسطينيين، بمساعدة الانترنت والموبايل والفضائيات، نجحوا في ارسال صور المعارك الى الخارج بطريقة مستمرة وقوية.

وقال دانينوسوفسكي، المسؤول في وكالة «اسوشييتدبرس»: «في غياب دخول مراسلينا الاجانب، نعتمد على صحافيين ومصورين فلسطينيين في غزة». واضاف: «لكن، هناك اجهزة اعلام اخرى لا تملك حتى هذه التسهيلات». وقال صحافيون آخرون: «منع تغطية الحرب يزيد توتر الصحافيين القريبين منها… ويؤكد ان اسرائيل تريد ادارة تغطية الحرب».  (في الجانب الآخر، كررت اسرائيل ان منع الصحافيين الاجانب له صلة بتأمين سلامتهم).

لكن، موقع «زي نيت» الاعلامي المستقل نشر تقريرا قال فيه ان انحياز الاعلام الاميركي لاسرائيل يظل المشكلة الاكبر. اعتمد التقرير على بحث شمل ثلاث صحف امريكية رئيسية هي: «واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز»، و«لوس انجلوس تايمز».

بحث التقرير عن عبارة «اريد ألا ينام انسان الليلة في غزة»، والتي قالها اولمرت، رئيس وزراء اسرائيل. ورغم ان العبارة نشرت في قرابة 300 موقع صحيفة وتلفزيون واذاعة، الا ان واحدة من الصحف الثلاثة الرئيسية لم تنشرها. اهمية العبارة هي انها تدل على ان اسرائيل تتعمد العقاب الجماعي «لأكثر من مليون فلسطيني، رغم ان حربها ضد مقاتلين يحسبون بالآلاف فقط».

بل ان عبارة «عقاب جماعي» نفسها لم تنشر في أي من الصحف الرئيسية الثلاثة. ماعدا مرة واحدة عندما استعملها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو ينتقد ضرب اسرائيل لغزة. لكن، لم تنشر هذه الصحف هذه العبارة عندما استعملتها جمعية حقوق الانسان الاسرائيلية «بتسليم»، وقالت انها جزء من سياسة اسرائيل التاريخية نحو الفلسطينيين.

ووجد التقرير ان الصحف الرئيسية الثلاث نشرت، خلال فترة معينة، كلمة «ارهاب» ثلاثين مرة وهي تتحدث عن الفلسطينيين. لكنها نشرت كلمة «احتلال» ستة مرات فقط وهي تتحدث عن سياسة اسرائيل في الضفة وغزة. ولم تنشر إلا مرات قليلة جدا كلمة «الحائط، الجدار» (الجدار الاسرائيلي)، او «تدمير المنازل» (منازل الفلسطينيين).

وقال التقرير: «يقدم الاعلام الاميركي تغطية مكثفة لما يجري، وينشر صورا، وينقل شرائط فيديو. لكن يظهر ميولا واضحا نحو اسرائيل».  واضاف: «يقدم الاعلام الاميركي اخبار وصورا عن عذاب الفلسطينيين. لكن، يظهر تفضيلا لعذاب الاسرائيليين على عذاب الفلسطينيين. ولا يلتزم الاعلام بقانون النزاهة الصحافية، وهي المساواة في تغطية اكثر من جانب، وفي تقديم آراء اكثر من جانب».

في الاسبوع الماضي، نشرت الصحف الثلاث افتتاحيات رئيسية ايدت فيها ضرب اسرائيل لغزة. لم تقل ذلك مباشرة، لكنها قالت انها تؤيد «حق اسرائيل في الرد على الهجمات عليها». ولم تشر الافتتاحيات الى اشياء اخرى مهمة كان يجب ان تشير اليها: أولا: قبل الضرب الجوي وقبل الغزو، كان هناك حصار استمر قرابة السنة.  ثانيا: ضغطت اسرائيل واميركا لالغاء نتائج الانتخابات الحرة التي فازت فيها «حماس».  ثالثا: أيدت هذه الصحف غزو العراق. لكن، في وقت لاحق، اعتذرت «نيويورك تايمز» و«لوس انجلوس تايمز». ولم تعتذر «واشنطن بوست».

بالنسبة لصحيفة «واشنطن بوست»، يمكن تقسيم تغطيتها لاحداث غزة خلال اسبوع الى قسمين: اخبار، وآراء. ويمكن القول ان الاخبار كانت مكثفة، ولاسبوع كامل، ظلت غزة على صدر صفحتها الاولى، مع عناوين وصور كبيرة:

ـ الاحد: «طائرات اسرائيل تضرب غزة» (مع صورة كبيرة للدمار).   ـ الاثنين: «اسرائيل تستعد لحرب طويلة» و«انخفاض الطعام والادوية» (مع صورة كبيرة). ـ الثلاثاء: «اسرائيل تعلن حربا شاملة» و«ام فلسطينية تدفن بناتها الخمس» (مع صورة الام، وصورة مجاورة لاسرائيلية تبكي قرب جندي اسرائيلي يحميها).

ـ الاربعاء: الخبر الرئيسي عن اوباما، وبعده: «سياسيون اسرائيليون يتفقون على الحرب».  ـ الخميس: الخبر الرئيسي عن افلاس البنوك الامريكية، وبعده: «خلافات وسط الفلسطينيين».   ـ الجمعة: الخبر الرئيسي والصورة الرئيسية عن احتفالات المسيحيين العراقيين بالكريسماس، وبعده خبر: «قتل زعيم حماس».   ـ السبت: اختفت غزة من الصفحة الاولى.   ـ الاحد: «اسرائيل تزحف نحو غزة» (صورة حرائق غزة).   ـ الاثنين: «اسرائيل تتقدم داخل غزة»، تحت خبر رئيسي وصورة عن وصول اوباما الى واشنطن من شيكاغو.   ـ الثلاثاء: «اسرئيل ترفض ضغطا مكثفا لوقف اطلاق النار»، تحت اخبار رئيسية عن اوباما والكونغرس.

لهذا، يمكن القول ان تغطية «واشنطن بوست» كانت كثيرة وربما في انحياز اقل من المتوقع نحو اسرائيل، او ربما بدون انحياز. لكن، خلال نفس الاسبوع، كانت الآراء والاعمدة لصالح اسرائيل بأغلبية كبيرة:

ـ الاحد: افتتاحية: «اسرائيل ترد»، قالت إن الضربة يجب الا تكون مفاجأة، وذلك بسبب صواريخ «حماس».

ـ الاثنين: جاكسون دايل (اسود) قال ان فشل اولمرت في لبنان، والآن في غزة، لن يقضي على «حماس».

ـ الثلاثاء: داوود كتاب، استاذ اعلام في فلسطين: «هل افادت اسرائيل حماس؟» ورأي آخر كتبه اي جي ديون (ليبرالي): «سلبيات ان نكون اكبر دولة في العالم».

ـ الاربعاء: جوليا شيتين، استاذة جامعية اسرائيلية: «ظلام في ارض القسام»، قالت فيه ان الحرب ليست الحل، ولا بد من التفاوض مع «حماس».

ـ الخميس: روبرت ليبر، استاذ في جامعة جورجتاون: «حقائق قاسية»، قال فيه ان لا بد من اضعاف حماس لتتصالح مع اسرائيل مثلما تصالحت مصر والاردن.

ـ الخميس: أفراهيم سنية، رئيس حزب يميني اسرائيلي: «لماذا تضرب اسرائيل غزة؟» قال فيه ان لا بد من القضاء على «حماس».

ـ الجمعة: شارلز كراوثهامر، مؤيد لاسرائيل: «وضوع اخلاقي في غزة». ومايكل غيرسون، مؤيد لاسرائيل: «النصر لاسرائيل» بوقف اطلاق الصواريخ، ووقف تهريب الاسلحة من مصر.

ـ الاحد: جون بولتون، سفير اميركا السابق في الامم المتحدة: «ثلاث دول»، اقترح فيه ضم غزة الى مصر، وضم الضفة الى الاردن.

ـ الاثنين: لثلاثاء: ريتشارد كوهين، مؤيد لإسرائيل: «حماس بدأت الحرب». وآن ابلبوم، مؤيدة لاسرائيل: «حرب حتى النهاية».

وهكذا، خلال اسبوع واحد، نشرت «واشنطن بوست» أربعين رأيا تقريبا، منها اربعة عشرة عن غزة. ومن هذه اثنان مالا نحو الفلسطينيين، واثنان محايدان تقريبا. وواحد اسرائيلي معارض، وتسعة مالا نحو اسرائيل.

وبالنسبة للتغطية التلفزيونية، يمكن القول ان نفس الشيء حدث: كانت نشرات الاخبار المسائية في القنوات الرئيسية شبه معتدلة، مع تركيز واضح على صور الاسرائيليين في جنوب اسرائيل وهم يتعرضون لصواريخ القسام. لكن، كانت الاغلبية الساحقة للمناقشات والندوات التلفزيونية لصالح اسرائيل.