حمى أوباما تغزو الإعلام مجدداً

في اليوم الثاني لتنصيبه.. عنوان واحد تصدر صحافة أميركا والعالم

عراقيان يتصفحان «الشرق الأوسط» في أحد أكشاك بيع الصحف في بغداد وتبدو صور أوباما متصدرة
TT

هذه عناوين بعض الصحف الأميركية ثاني يوم التنصيب: »واشنطن بوست»: أوباما يتولى السلطة. «ألاسكا نيوز»: باراك أوباما. «أركنسا سنتينل»: وحدة الهدف. «تسكالوسا ألاباما نيوز»: جاء يومنا. «أريزونا ريببليك»: الأمل، وليس الخوف. «لوس أنجليس ديلي»: يوم جديد. «لونغ بيتش، كاليفورنيا»: الأمل وليس الخوف. «أبيل أوف كاليفورنيا»: أوباما يؤكد على المسؤولية. «لوس أنجليس تايمز»: أوباما يدعو للأمل أمام حقائق قاسية. «لويزيانا بريس»: نعم هو. «نيوجيرسي بريس»: التاريخ. «منيسوتا بيونير»: التاريخ. «ساوث كارولينا غازيت»: أوباما. «بفالو توداي»: إعادة بناء أميركا.

وهكذا، كررت الصفحات الأولى من الصحف الأميركية أهم كلمات تاريخية بهذه المناسبة التاريخية، بل وكرر بعضها كلمة «التاريخ».

أما في مجال التلفزيون، هذه عناوين بعض البرامج التي استمرت طول يوم التنصيب: «سي إن إن»: تنصيب الرئيس الرابع والأربعين. «اي بي سي»: يوم التنصيب. «ان بي سي»: الرئيس الجديد.

غير أن أكثر تغطية كانت عن طريق الإنترنت، وأكثر منها كانت عن طريق الموبايل، صوتاً وكتابة. وعندما تجمع قرابة مليوني شخص يوم التنصيب في «مول» (الميدان الرئيسي في واشنطن، والذي يطل عليه البيت الأبيض، والكونغرس، ونصب واشنطن التذكاري، ونصب لنكولن التذكاري)، أعلنت شركات التليفون حالة الطوارئ. واستعملت أجهزة اتصالات إلكترونية نقالة كانت أحضرتها من مدن أخرى، وذلك لمواجهة ملايين الاتصالات التليفونية والإنترنتية من وإلى «المول».

وبينما ركزت عناوين الصحف على الكلمات، مثل «الأمل» و«التاريخ» و«المسؤولية»، ركزت كاميرات التلفزيون على الصور من ناحيتين: أولا: صور الحدث، بداية من خروج أوباما وزوجته من «بلير هاوس» (قصر الضيافة) في الثامنة صباحاً، ثم صلاة في كنيسة مجاورة، ثم قهوة الصباح في البيت الأبيض مع بوش وزوجته، ثم الموكب إلى الكونغرس، ثم أداء القسم والخطاب التنصيبي، ثم حفل الغداء في الكونغرس، ثم العرض العسكري والشعبي أمام البيت الأبيض، ثم عشرة حفلات رقص ليلية حضرها أوباما وزوجته.

ثانياً: صور الناس. خاصة السود. يعتقد أن ثلاثة أرباع الذين ملؤوا «المول» في واشنطن من السود، جاءت أغلبيتهم من ولايات الجنوب (ألاباما، مسيسبي، لويزيانا، الخ ...) التي شهدت أقسى أنواع العبودية، ثم التفرقة العنصرية. لكن، بدا وكان كاميرات التلفزيون تبحث عن السود الذين يبكون وسط الملايين. حتى كبار السود، مثل عضو الكونغرس لويس (كان زميل القس الأسود مارتن لوثر كينغ). ظهر في برنامج مقابلات تلفزيونية، وسئل عن رأيه في أوباما، وفيما حدث. ثم سئل «سؤالا خاصا» عن أحاسيسه. وقبل أن يكمل الإجابة، يبدأ في البكاء.

وهكذا، في خليط من الإثارة التلفزيونية واستغلال مشاعر السود، قدمت قنوات تلفزيونية كثيرة مناظر البكاء هذه. لكنها، طبعا، كانت جزءًا من تغطية الحدث التاريخي.

شيء آخر كان جزءًا من التغطية التلفزيونية التاريخية: «المول»، أكبر ميدان رئيسي داخل مدينة كبيرة في العالم. وعندما ملأه حوالي مليوني شخص، صار ربما مكان حشد لم يشهد له مثيل في كل العالم. وصار أروع منظر بشري تلفزيوني.

وصار واضحاً أن الأميركيين، رغم عقلانيتهم الكبيرة، مثل أي شعب آخر، عاطفيون جداً: يفرحون ويبكون. لكنهم عندما يفعلون ذلك، يصورونه ويدونونه ويخرجونه مثل أروع فيلم لم تخرج هوليوود فيلماً مثله.

وبالإضافة إلى المناظر الرسمية والمناظر الشعبية، كانت هناك الندوات التلفزيونية. ولوحظ فيها شيئان: أولا: وجود معلق أسود وسط المعلقين البيض. وطبعاً، كان لابد من ذلك والتلفزيون يغطي خبر أول رئيس أسود.

ثانياً: نقاش صريح لم يحدث مثله في تاريخ أميركا عن العلاقة بين البيض والسود.

لم يكن الحدث الثاني سهلا، وذلك لأن موضوع العِرق ظل، عبر تاريخ أميركا، حساساً جداً. وحتى خلال العشرين سنة الماضية، بعد زيادة عدد السود في المجالات السياسية والإعلامية والأكاديمية، ظل موضوع العرق محرما في المناقشات العامة.

الآن، لم يعد الموضوع محرماً، لكنه سيظل حساساً.

ترأس تغطية تلفزيون «اي بي سي» جورج ستافانابولس، وقال إن خطاب أوباما كان «دواءً مُرًّا. واجه مشاكلنا من أول جملة، وكان قاسياً، وحمّل كل واحد مسؤوليته: هو، والسياسيين، والاقتصاديين، والشعب».

وفي تلفزيون «بي بي اس»، قالت كوكي روبرتز: «كان خطابا قاتما، بسبب الحروب العسكرية والكوارث الاقتصادية». وفي برنامج تلفزيوني، قال كولن باول، وزير خارجية سابق (أسود، وأيد أوباما رغم أنه ينتمي إلى الحزب الجمهوري): «كان خطاباً غير عادي». وكان هذا وصفاً دبلوماسياً من دبلوماسي كبير سابق.

وأفلح التلفزيون، مثلما لم تفلح الصحف والتليفونات في نقل واحد من أكثر المناظر عاطفية وتاريخية: وداع الرئيس الجديد للرئيس القديم. خرج بوش ولورا مع أوباما وميشيل من مبنى الكونغرس إلى طائرة هليكوبتر، وطبطب أوباما على ظهر بوش، وحضت ميشيل لورا، وقبل بوش ميشيل، وقبل أوباما لورا، وصعد بوش ولورا سلم الطائرة، ووقف أوباما وميشيل يلوحان والطائرة تصعد (في طريقها إلى مطار قاعدة أندروز العسكرية، ثم إلى ولاية تكساس، ولاية بوش).

لكنّ هناك أمراً آخر سجلته كاميرات التلفزيون، ولاحظه كثيرون، هل حصل ارتباك تاريخي خلال قسم التنصيب:

حسب عادة تاريخية عمرها مئات السنين، يوم التنصيب، يقف قاضي المحكمة العليا ليقول القسم، ويكرره الرئيس، بينما زوجة الرئيس تحمل إنجيلا، يضع عليه الرئيس يده اليسرى، ويرفع اليد اليمنى وهو يردد القسم.

لكن، يوم الثلاثاء، حدث ارتباكان من جانب جون روبرتز، قاضي المحكمة العليا:

أولا: قال، وطلب من أوباما أن يكرر بعده: «أنا باراك حسين أوباما.» وقبل أن يكمل أوباما الجملة، بدأ القاضي ترديد بقية القسم. وكان ذلك سبب أول ارتباك من جانب أوباما.

ثانياً: بدلا من أن يقول القاضي: «سأدير في إيمان وظيفة رئيس الولايات المتحدة»، قال: «سأدير وظيفة رئيس الولايات المتحدة في إيمان». ولاحظ أوباما ذلك، وارتبك قليلاً. ولأقل من ثانية، لم يعرف هل يردد القسم خطأ، أو يصححه. لكن، عاد القاضي وصحح نفسه.

قال بعض المراقبين إن لارتباك القاضي صلة بخلافه الأساسي مع أوباما، لأن أوباما، عندما كان في الكونغرس، صوّت ضد القاضي، وهو جمهوري يميني، وأوباما، طبعاً، ديمقراطي ليبرالي.

وقال آخرون إن كلمة «حسين» في اسم أوباما أربكت القاضي.

وقال غيرهم إن الموضوع لم يكن غير ارتباك غير مقصود. وإن القضاة في الماضي، في مثل هذه المناسبات، كانوا يكتبون القسم على ورقة صغيرة، يقرأون منها.