رئيس تحرير «هاولاتي» الكردية: الفرصة مؤاتية لوجود صحافة حرة في كردستان

منتقدا ما وصفه بـ«صحف الظل» التي تساندها مؤسسات حزبية

كمال رؤوف («الشرق الأوسط»)
TT

تصدر في كردستان العراق عشرات الصحف والمجلات، التي تتباين في كونها حزبية أو حكومية أو مستقلة أو شبه مستقلة. ومن بين هذه الصحف تأتي صحيفة «هاولاتي». وقد صدر أول عدد للصحيفة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، بشكل أسبوعي لتستمر في مسيرتها الإعلامية حتى اليوم، بالرغم من كثير من المضايقات التي تعرضت لها من قبل جهات متعددة. وتسلم رئاسة تحريرها، منذ ذلك التاريخ، أكثر من صحافي كردي، والآن يرأس تحريرها، منذ منتصف العام الماضي، الصحافي كمال رؤوف، أحد المؤسسين للصحيفة في بداياتها الأولى، والذي كان في زيارة إلى العاصمة البريطانية لندن، حيث التقت معه «الشرق الأوسط»، فأجرت معه هذا الحوار: > إلى أي مدى يوجد إعلام حر ومستقل في كردستان العراق؟

ـ بعد انتفاضة 1991، وسحب النظام العراقي السابق لمؤسساته من المنطقة الكردية، سنحت فرصة جديدة لمواطني كردستان العراق للتعبير عن آرائهم بحرية، وفسحت المجال أيضا لوجود مساحة واسعة للصحافة الحرة، التي ـ مع ذلك ـ لا تخلو من معوقات ومنغصات كثيرة واجهتها. ولكن مع مرور الأيام أصبح الإعلام الحر أمرا واقعا. واستطاعت مؤسسة «هاولاتي» إصدار أول صحيفة أهلية ومستقلة. أما بخصوص سؤالكم عن مدى وجود صحافة حرة، فبإمكاننا القول بأن الفرصة ـ إلى حد ما ـ مؤاتية لإصدار الصحافة الحرة، والعمل الإعلامي المستقل، مع وجود بعض المعوقات والمشكلات المادية والسياسية.

> كم عدد الصحف والمجلات، التي من الممكن تصنيفها تحت خانة «مستقلة» في كردستان العراق، وهل هناك تنسيق فيما بينها؟

ـ توجد بعض الصحف والمجلات التي من الممكن تصنيفها تحت خانة «مستقلة»، ولكن لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. منها على سبيل المثال، صحيفة «ئاوينه ـ المرآة» ومجلة «لفين ـ الحركة»، وبعض المطبوعات الأخرى. وفيما يتعلق بوجود تنسيق فيما بينها، فإن «ئاوينه» و«لفين» و«هاولاتي» وقعت فيما بينها وثيقة تعاون، لتشكيل اتحاد أو جمعية للتكاتف فيما بينها، وتنظيم العمل الإعلامي للصحافة الحرة والأهلية. وكان الراعي والمنسق لهذه الاتفاقية هو مركز «بدليسي» الثقافي.

> هناك بعض الصحف والوسائل الإعلامية تدعمها شخصيات سياسية، من داخل الحزبين الكرديين أو من خارجهما، هل يمكن اعتبارها وسائل إعلامية مستقلة؟

ـ أحد أهم التحديات التي تواجهها الصحافة الأهلية والحرة، هو أنه إلى جانب وجود الصحف المستقلة الحقيقية، توجد بعض «صحف الظل» التي يساندها ويدعمها مسؤول أو مؤسسة حزبية. وهذه الصحف لا تلقي بالا لعدد المبيعات والجانب الاقتصادي والمادي، لأنها تلقى الدعم المادي الحزبي. وعلى الرغم من أنها تقدم نفسها على أنها حرة ومستقلة، فإنها في الحقيقة، لا نحن ولا الجماهير نعتبرها كذلك، بل نعدها جزءا من الماكينة الإعلامية التي تعود تبعيتها إلى مكاتب الإعلام الحزبية.

> علام تعتمد «هاولاتي» ماديا؟ هل تتلقون دعما من منظمات غير حكومية NGO، أو من حكومة إقليم كردستان، أم أنكم تعتمدون على مردود الإعلانات التجارية، أو أن لديكم مصادر أخرى؟

ـ تعتمد «هاولاتي» على مردود المبيعات والإعلانات التجارية، التي تنشرها على صفحاتها. وكونها من أكثر الصحف مبيعا على الساحة الكردية، استطاعت الصحيفة ـ لحد الآن ـ أن تحافظ على موازنتها الاقتصادية، ولكن هذا لا يعني أن هذا المشروع يخلو من المشكلات الاقتصادية. وبالنسبة لحكومة الإقليم، فليس لديها مشروع لدعم الصحف الأهلية، لأنها ـ بالإضافة إلى عدم موافقتها على كثير من توجهات هذه الصحف ـ لم تستطع أن تتعامل بشكل منصف ومناسب مع كل هذه الأصوات والألوان المختلفة الموجودة في الساحة الإعلامية الكردية.

> هل تواجهون مضايقات للتأثير في حرية عملكم الصحافي، مثل إرسال تهديدات من قبل شخصيات متورطة في الفساد الإداري مثلا، أو ضغوط من قبل جهات حزبية أو حكومية؟

ـ تواجهنا مشكلات كثيرة، لأن إدارة الحكومة ـ في كثير من الأحيان ـ ليست بيد مؤسسات قانونية ودستورية، بل الجزء الأكبر من السلطات بيد الأحزاب الكبيرة. والحزب يسيطر على كل شيء تقريبا. فإذا ما صدر قانون في البرلمان، ولم يكن يتماشى مع رغبة الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني)، فمن المستبعد أن يدخل حيز التطبيق. فعلى سبيل المثال، صدر مؤخرا قانون بإيقاف ظاهرة سجن الصحافيين، ولكن لم يكن قد مرت أسابيع قليلة على صدور هذا القانون، عندما أودع السجن عدد من الصحافيين.

> توجد تيارات وأحزاب سياسية مختلفة في كردستان العراق: رئيسية وصغيرة، إسلامية وعلمانية، يسارية ويمينية، فهل تقفون من المسافة نفسها مع هذه التيارات في تغطية الأخبار أو تحليلها، أو في إفساح المجال للتعبير عن رأيها؟

ـ «هاولاتي» تتعامل مع الأحداث والوقائع كما هي، وكما تحدث، من دون الالتفات إلى من سينزعج بتغطية هذه الأحداث، ومن سيرتاح لها. نحن نهدف إلى تغطية الحقائق كما هي، وأبواب صفحاتنا مفتوحة لكل أصحاب الرأي الحر، لنشر وجهات نظرهم، مع أن أغلب الآراء والمقالات التي تصل الينا وتجد طريقها إلى النشر، هي انتقادات موجهة لحكومة الإقليم والأحزاب الرئيسية.

> ما هي السياسة الإعلامية لصحيفتكم في التعامل مع موضوع الإرهاب والجماعات المتطرفة؟

ـ نحن في «هاولاتي» ـ كمبدأ إعلامي ـ لا نصف أي شخص أو جهة بـ«الإرهاب»، كما أننا لا نلقب أي شخص بـ«السيد المحترم»، أو «المناضل»، وما إلى ذلك، لكننا نكتب ضد استخدام العنف والإرهاب، وننشر تقارير بهذا الخصوص. ونهج صحيفتنا، هو على الضد من التطرف في كل المجالات.

> ترددت في بعض وسائل الإعلام، أن الرئيس العراقي، جلال طالباني، رفع ضد صحيفتكم دعوى قضائية، بتهمة التشهير والإساءة إلى السمعة، إثر نشركم تقارير عن ثروته خارج العراق، ما هي خلفية هذه القصة؟ وإلى أين وصلت الدعوى القضائية؟

ـ الدعوى القضائية لجلال طالباني، هي إحدى الشكاوى التي رفعت إلى المحكمة ضد صحيفتنا، وننظر إليها مثل بقية الدعاوى الأخرى. ونحن عندما ترجمنا مقال مايكل روبن، عن ثروات بعض القيادات السياسية الكردية في الخارج، فإنه بالنسبة إلينا، مثله مثل مقالات نقدية كثيرة، تنشر يوميا في وسائل الإعلام عن القيادات الكردية. ولكن ما سبب كل هذا الانزعاج هذه المرة، هو أن الانتقاد جاء على لسان أحد الباحثين الأميركيين. وأود أن أضيف أنه إذا كان هناك أي تجاوز أو افتراء في هذا المقال، فإن مايكل روبن، هو الذي ينبغي أن ترفع ضده دعوى قضائية قبل «هاولاتي». فالكل أمام القانون سواء.

> كان الدخول إلى موقع الصحيفة على شبكة الإنترنت بشكل مجاني، لكن الآن يحتاج تصفح الموقع اشتراكا سنويا أو نصف سنوي، لماذا؟

ـ مشروع «هاولاتي» الإعلامي بحاجة إلى دعم مادي كبير. لذا اضطررنا إلى أن نتخذ هذه الخطوة، لعل وعسى تسهم في استمرار مشروعنا الإعلامي، ونقدم خدمة أفضل لقرائنا.

> هل تترجم المواد الإخبارية والمقالات في الموقع الإلكتروني للصحيفة كلها إلى اللغة العربية، أم فقط مواد مختارة؟

ـ بعض المواد الإخبارية يطغى عليها الطابع المحلي، ولا يشكل موضع اهتمام القارئ العربي، لذا نحاول أن نترجم فقط الموضوعات التي تهم الجميع.

> هل توجد لديكم أي نية للتوسع في إصدار الصحيفة بحيث تكون هناك طبعة خارج كرستان العراق؟

ـ في زيارتي هذه إلى بريطانيا، كان أحد أهدافها هو دراسة إمكانية إعادة طبع الصحيفة وإصدارها أسبوعيا. لكن، لحد الآن، لم نتوصل إلى قناعة تامة بأننا قادرون فعلا على اتخاذ هذه الخطوة. والمعوق الرئيسي، بطبيعة الحال، هو قلة الإمكانات المالية، وإلا فإننا متأكدون من أن «هاولاتي» هي موضع اهتمام ومتابعة كثير من أبناء الجالية الكردية في الخارج.

> أخيرا.. قبل أشهر صادق برلمان إقليم كردستان العراق على قانون المطبوعات والصحف، هل برأيكم سيقيد هذا القانون بعضا من حريتكم الصحافية؟

ـ القانون فيه نقاط إيجابية كثيرة، ولكن مع ذلك، فيه كثير من الفقرات والمواد التي تنص على غرامات مالية كبيرة، لمن يشملهم بعض العقوبات. وهذا سيؤدي إلى إفلاس أي مشروع إعلامي مثل «هاولاتي» ماديا، وإيقافه أكثر من مرة. إضافة إلى أننا لا نستطيع الوثوق باستقلالية القضاء ثقة تامة، فهناك الكثير من المسائل القانونية بقيت غامضة وضبابية. فعلى سبيل المثال، من الصعب جدا في كردستان العراق، التفريق بين النقد والتشهير، وللمعنيين والمهتمين بالصحافة الحرة آراء متباينة في هذا المجال.