تقرير «سكايز» يرصد تراجع الحريات الإعلامية في سورية ولبنان والأردن وفلسطين

اعتبر أن الاعتداءات بالجملة والمفرق.. وأهل السلطة ينتهكون القانون

جبران تويني وأشرف ليفي يتفحصان التفجير في سيارة سمير قصير (ا.ف.ب)
TT

أصدر مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية «Samir Kassir eyes» «سكايز» تقريره السنوي لعام 2008، فرصد تراجعا في الحريات الإعلامية والثقافية في كل من لبنان وسورية وفلسطين والأردن. وانتقد عدم إعلان أي مواثيق أخلاقية جدية تنهي التحريض بين وسائل الإعلام، مع الحفاظ على النقد، وتحديدا في لبنان وفلسطين. وأشار التقرير إلى أنه مع انتهاء عام 2008، لم يحاسب أي من قتلة الصحافيين في السنوات الأخيرة في كل من لبنان وسورية وفلسطين والأردن. الدكتور عباس مزنر، الأستاذ المحاضر في كلية الإعلام اللبنانية، يرى أن «حماية الإعلام بواسطة التشريعات غير موجود في بعض الدول العربية، ذلك أن الجهات التي يفترض أن تحمي القانون هي التي تتخطى في كثير من الأحيان الحريات وحقوق الصحافيين». ويقول، «العلاقة شبه معدومة بين الأنظمة العربية والحريات الإعلامية إلا في دولتين أو ثلاث. إلا أن وجود الفضائيات أرغم الحكومات على توسيع هامش الحرية، ما يعوض بعض الشيء غياب الحماية القانونية. إلا أن هذا الهامش لا يزال خاضعا للخطوط الحمراء الحكومية، على الرغم من تراجعها بتسويات بين الأنظمة تعمل على ترميمها».

ويشير مزنر إلى أن «الإعلام في الغرب يعاني من عقبات تتعلق بالحريات، فيفرض عليه نوع من التعتيم المتفق عليه. لكنه لا يقارن بما لدينا».

التقرير أشار إلى «ما ارتكبته القوات الإسرائيلية خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد قتلت أربعة صحافيين، وتعمدت قصف وسائل إعلامية، واستهدفت منازل صحافيين، ومنعت المراسلين من دخول القطاع. إضافة إلى ذلك، تابعت قوات الاحتلال طوال العام الماضي الاعتقال الإداري بحق صحافيين فلسطينيين وتوقيفهم والاعتداء عليهم، معتمدة على قوانين طوارئ تعود إلى عهد الانتداب البريطاني، ومن دون أدنى اعتبار لحقوق الصحافي المعتقل».

كذلك أورد التقرير أن الاعتداءات المسلحة على الصحافيين تزايدت في سورية خلال العام الماضي، على أيدي أجهزة أمنية سورية ولم يقدم أي من المرتكبين إلى المحاكمة. وبالنسبة لحالات الحبس، فقد صدرت في سورية أحكام جائرة ومسيسة بالسجن لعامين ونصف العام، على اثني عشر كاتبا وصحافيا وناشطا بتهمة توقيع «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي». كذلك رفضت السلطات الإفراج عن الكاتبين السوريين ميشال كيلو ومحمود عيسى، على الرغم من قرار محكمة النقض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، القاضي بإطلاق سراحهم. ولا تزال السلطات السورية ترفض حتى زيارة أهالي المعتقلين في سجن صيدنايا، كما ترفض فتح تحقيق مستقل عن حالات التعذيب بحق معتقلي «إعلان دمشق». من جهة أخرى، استمرت السلطات السورية باللجوء إلى قانون الطوارئ بشكل مخالف للدستور ولمواثيق حقوق الإنسان الدولية. واستمر منع تدريس اللغة الكردية في مدارس الدولة ومعاهدها وجامعاتها واستمر حظر النشر باللغة الكردية والاحتفال بعيد النوروز، عيد رأس السنة الكردية. وفي صيف العام الماضي أمر فرع الأمن السياسي في الحسكة بالتعاون مع مديرية بلدية مدينة القامشلي، أصحاب المحلات الكردية بضرورة تغيير أسماء محلاتهم إلى العربية، مع الإشارة إلى أن الأكراد يمثلون عُشر سكان سورية، مكونين بذلك أكبر أقلية من المواطنين غير العرب، وهم يعانون من بعض القوانين العنصرية بحقهم وبحق ثقافتهم ولغتهم، كما يعانون من التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية السورية خارج إطار القانون.

الدكتور باسكال مونان من الجامعة اليسوعية في بيروت، يعتبر أن «الدول التي تخاف من الديمقراطية تحول الصحافة إلى سلطة في خدمة السلطة. وبالتالي يدفع الصحافيون فاتورة الحريات بالدم أحيانا. ولأن الصحافي هو صلة الوصل مع الجمهور، وتستهدفه الأنظمة والمجموعات والفصائل التي لا تريد أن تصل الكلمة الحرة والوقائع إلى الشعوب لأنهم يريدون قولبة الرأي العام في قالب واحد. حينها يدفع الصحافي ثمن سعي السلطة إلى تجنيده في خدمتها. وقد يكون الثمن حياته». التقرير رصد الاعتداء على عدد كبير من الصحافيين في لبنان، إلا أن الأبرز كان إقدام عناصر مسلحة من حزب الله على إقفال تلفزيون «المستقبل» وجريدة «المستقبل» و«إذاعة الشرق»، وعلى إقفال إذاعة «سيفان» الأرمنية في بيروت. كذلك تم إحراق أحد مباني تلفزيون «المستقبل» في منطقة الروشة في بيروت على يد عناصر مسلحة من الحزب السوري القومي الاجتماعي. كما اعتدى متظاهرون ومتجمهرون (موالون للحكومة أو معارضون لها) بالضرب على صحافيين ينتمون إلى مؤسسات إعلامية مختلفة في بيروت أثناء تغطيتهم الاضطرابات. ولم يحاسب قضائيا أي شخص على هذه الاعتداءات، مما يعد تشجيعا على ممارسات إضافية مشابهة، مثل تعرض الصحافي عمر حرقوص للضرب المبرح في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 على أيدي من الحزب السوري القومي الاجتماعي.

من ناحية القوانين، يشير تقرير «سكايز» إلى بقاء القوانين والإجراءات النقابية الصحافية على ما هي عليه. وحتى نهاية عام 2008، لم يستطع القضاء محاسبة قتلة الصحافيين سمير قصير وجبران تويني، الذين حاولوا اغتيال الإعلامية مي شدياق. ويجد مزنر أن «الواقع الإعلامي اللبناني يتخطى القوانين والمواثيق ويورط نفسه لأنه دخل في اللعبة، وصار جزءا من الصراع». ويعتبر أن «الحل الحقيقي للتحريض الذي يمارسه الإعلام ويدفع ثمنه الإعلاميون يكون عبر الحل السياسي. فالمطلوب تحسين الخطاب السياسي. لأننا نعرف أن الاصطفاف في لبنان هو نتيجة الواقع السياسي الذي يستغل الطوائف. وتحسين الخطاب لن ينتج معجزات فورية، ذلك أن الأمر يحتاج إلى متابعة عبر فترة انتقالية كفيلة بتغيير المزاج الشعبي لكل فريق سياسي». أما على مستوى الأطراف الفلسطينية، فيورد تقرير «سكايز» أن الاعتداءات استمرت على الصحافيين، واستمر تجاوز القوانين، في العام الماضي، بشكل مقلق للغاية من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وينص القانون الأساسي الفلسطيني، وهو بمثابة الدستور، على قيام الشرطة الفلسطينية وليس أجهزة أمنية أخرى بالتعامل مع الصحافيين المدنيين تبعا لأصول مدنية واضحة.

وفي الضفة الغربية، استمر جهازا المخابرات والأمن الوقائي التابعان للسلطة الفلسطينية بانتهاك القوانين بشكل متكرر ومقلق للغاية في تعاملهما مع الصحافيين، وظلا يمارسان التعذيب من دون محاسبة. وبقيت القرارات بالإفراج عن الصحافيين المعتقلين القضائية حبرا على ورق. ويضيف التقرير، «بدورها، استمرت الأجهزة الأمنية للحكومة المقالة في غزة بالتعامي عن كثير من القوانين وأصول المحاكمات بحق الصحافيين المتهمين، مقابل محاولتها إضفاء شرعية عبر استخدام قانون «العقوبات الثوري» عسكري الطابع وغير الدستوري وقوانين للانتداب البريطاني أو أخرى جنائية، فضائحية الطابع، بحق الصحافيين الذين يزعجونها. وكان الجديد أيضا اختلاق تهم جنائية ذات طابع فضائحي استخدمت بحق الصحافيين والكتاب. وعلم مركز «سكايز» عن أخبار جديرة بالتصديق حول ممارسة التعذيب أبرزها «الشبح» (توثيق اليدين خلف الظهر وتعليق المعتقل من اليدين والقدمين). كما استخدمت بحقهم الزنزانة الانفرادية وما يعرف بـ«الباص» وهو غرفة ضيقة جدا ومعتمة وفيها نوافذ تشبه الباص، الذي يذكر بالأسلوب الإسرائيلي، كما وصفه البعض».

أما في الأردن فقد رصد مركز «سكايز»، خلال العام الماضي ومطلع العام الحالي، حالات اعتداء بالضرب، وحالات تهديد لبعض الصحافيين، وبوتيرة تصاعدية. وذلك بعد حادثة الاعتداء على الصحافي جميل النمري في جريدة «الغد» في مطلع العام الماضي. ما شجع ذلك على توالي الاعتداءات بالضرب والتهديدات بالقتل. أما فيما يخص السجن والتوقيف، فقد صدرت خمسة أحكام بالحبس (قابلة للاستبدال) بحق صحافيين في مارس الماضي. كما جرت عمليات توقيف لمدة أيام لأكثر من صحافي في أواخر عام 2008. وقد تجاوزت تلك التوقيفات قانون المطبوعات والنشر، الذي ينص بوضوح على عدم جواز التوقيف، كما ينص على حصر قضايا المطبوعات بمحاكم مدنية. كذلك استمر التضييق على الإعلام المستقل. واستمرت حصرية الإعلام المرئي بيد السلطات. كذلك مارست دائرة المطبوعات والنشر الأردنية رقابة (أو مصادرة) طالت قرابة الثلاثين كتابا خلال العام الماضي. مونان اعتبر التقرير غير كاف إذا لم يستلحق بجملة إجراءات لأنه «لا يكفي أن نتكلم عن الاعتداءات على الصحافيين أو أن نجري جردة حساب سنوية فقط. الجردة ضرورية كانطلاقة باتجاه وضع قوانين لحماية الصحافة وحرية التعبير. لكن يجب النظر إلى عدم تطبيق القوانين الموجودة. وهذه المخالفة يقوم بها مسؤولون المفروض أنهم يمثلون القانون من جهات رسمية». ويشير إلى «ضرورة وضع حد للاعتداء الكلامي على الإعلاميين كما يحصل في لبنان حاليا. وهذا الانتهاك يؤدي إلى تطور الاعتداءات لتصل إلى الضرب والتصفية الجسدية».

إلا أن مونان يضع بعض المسؤولية على الإعلاميين الذين يعتبرون المهنة وسيلة لمجافاة الحقيقة وصناعة البروباغندا. ويطالب بـ«وضع القوانين والتعديلات وتحديد الأخلاقيات لحماية الصحافة والحقيقة وحق المواطن في المعرفة». ويضيف، «يجب أن يكون هناك مرصد لحرية الإعلام والصحافة وأيضا لخرق القوانين وأخلاقيات المهنة. فالكلمة الحرة سلاح ذو حدين. أما إساءة استخدام هذا السلاح فهي تسيء إلى المهنة وإلى المتلقي».