وهم «الحياد»؟

القنوات اللبنانية في مواكبتها للانتخابات المقبلة.. بين تأكيدها على الموضوعية وحقيقة ملكيتها وتحالفاتها مع سياسيين

سمر أبو خليل مقدمة برنامج «انتخابات 2009» اليومي على «نيو تي في» («الشرق الأوسط»)
TT

بين الإعلام والدعاية الانتخابيين تتوزع خريطة البرامج السياسية في وسائل الإعلام اللبنانية مع اختلاف في الضيوف الذين يخضعون لتصنيف «سياسي طبقي». المشهد الإعلامي المنقسم لم يتبدل كثيرا، لا سيما أن «الرؤوس الانتخابية» هي نفسها التي تملك هذه الوسائل، علما أن القانون لا يجيز لأي وسيلة إعلامية إعلان التأييد لأي لائحة انتخابية، لكن يبدو أنه غاب عن واضعي مواده أن الانتماء السياسي في لبنان لا يحتاج إلى إعلان بعدما صار واقعا ملموسا على الرغم من محاولة القنوات، بصعوبة واضحة، إضفاء «لمسة موضوعية» على سياستها لتبعد أحكام قانون الإعلام الفضفاض الذي يحتوي في معظمه على مواد قابلة للاجتهاد.

وفيما يحدد القانون «الإعلام الانتخابي» بكل مادة إعلامية يجري بثها من دون مقابل، يعرف الدعاية الانتخابية بكل ما يتعلق ببرامج الجهات المرشحة وحملاتها التي تبث مقابل بدل مادي، أما الإعلان الانتخابي فهو كل نشرة ترويجية لجهة مرشحة يتم بثها أيضا مقابل بدل مالي.

في هذا الإطار، يقول مدير الأخبار والبرامج السياسية في قناة «المنار» التابعة لحزب الله، محمد عفيف لـ«الشرق الأوسط» هذا القانون يشوبه الكثير من الثغرات، لا سيما بتطبيق التوازن بين الأفرقاء، خاصة إذا رفض المرشح الظهور على إحدى القنوات. ويقول: «لم نخصص دورة برامج خاصة بالانتخابات النيابية لأننا لا نؤيد فكرة دفع المال، ولكن من الطبيعي أن تتركز برامجنا على الانتخابات، كما أننا خصصنا برنامجا خاصا بهذا الحدث يعرض 3 مرات أسبوعيا وسيتحول إلى يومي منذ منتصف مايو (أيار) المقبل».

من جهة أخرى، فإن عدم التوازن في الإعلام الانتخابي يشمل، إضافة إلى السياسة الإعلامية المتطرفة المتبعة، طريقة توزيع الهواء بين النشاطات الانتخابية، وهذا ما لا يقر به المسؤولون، ففي حين لا تترك قنوات «المنار» والـ«NBN» والـ«OTV» تحركا لفريق «8 آذار» إلا وتبثه، لا سيما إذا كان أبطاله من الحزب نفسه الذي تنتمي إليه القناة، مع شبه تجاهل أو حضور خجول لنشاطات الفريق الخصم، تتبع «المستقبل» الأسلوب نفسه في تغطية تحركات فريق «14 آذار» بشكل عام وتيار «المستقبل» بشكل خاص. فيما بقيت إلى حد ما قناتا «LBCI» و«MTV» على الحياد، نظرا إلى أنهما ليستا مملوكتين من مرجع حزبي، وبالتالي تحاول إدارتاهما المساواة قدر الإمكان بين هوية الضيوف.

لكن عفيف يؤكد أن إدارة قناة «المنار» أخذت قرار التغطية الموضوعية والمتوازنة للجميع. وفي الوقت عينه يقول: «لا نزال نواجه صعابا في استضافة بعض الضيوف من فريق الموالاة». وفي ما يتعلق بنقل المهرجانات الانتخابية على الهواء وتركيز المحطة بشكل أكبر على تلك الخاصة بفريق المعارضة، يقر عفيف بأن الأمر يخضع للانتقائية بحسب أهمية الحدث. ويشير إلى أن «التعاون بين المحطات اللبنانية لا ينقطع رغم المشكلات السياسية، فمثلا نتعاون مع تلفزيون «المستقبل» إذا كان الحدث يعني فريقهم السياسي والعكس صحيح».

بقيت قناة الـ«OTV» كعدد من القنوات الأخرى على شبكة برامجها المعتادة من دون تغيير يذكر مع التركيز على الحدث الانتخابي. وفي حين بقي السلوك الإعلامي المنحاز لفريق «8 آذار» بشكل عام ولمرشحي «التيار الوطني الحر» بشكل خاص على وتيرته، يقول مسؤول العلاقات العامة والإعلانات في المحطة، شادي الهاشم: «نحاول المناصفة قدر الإمكان بين هوية الضيوف في البرامج السياسية، على رغم أن عددا كبيرا من ممثلي فريق الموالاة يرفضون الإطلالة على شاشتنا، ولكننا نحاول الجمع بين مرشحين متنافسين في وقت واحد، أما إذا تعذر الأمر فنوزع الفترة بين الاثنين». وفي ما يتعلق بانحياز المحطة السياسي لصالح مرشح دون آخر وفي طريقة معالجتها للتقارير التي تلقي الضوء على وجهة نظر واحدة وتحجب أخرى، يجيب الهاشم: «من الطبيعي أن ننحاز في سلوكنا الإعلامي إلى فريق دون آخر في ظل الاصطفاف الإعلامي الحاصل، ولكننا نبتعد عن الكذب، ولا ننقل أخبارا غير صحيحة». ويؤكد على التواصل الدائم مع المسؤولين في هيئة الإشراف على الإعلام الانتخابي التي لم توجه إلى الآن أي ملاحظة سلبية للقناة.

في قناة «المستقبل»، لم يختلف المشهد الإعلامي كثيرا، ويقول رئيس مجلس إدارتها نديم المنلا: «نحاول تحقيق التوازن في كل برنامج على حدة، وفي النقل المباشر للنشاطات، إذ نعتمد قاعدة التقسيم على أساس 40 في المائة لفريق الأكثرية، و40 في المائة لفريق المعارضة، و20 في المائة لمن هم خارج الائتلاف العام. لكن من المؤكد أنه عند التنفيذ نواجه صعابا عندما يرفض بعض الضيوف الظهور على شاشتنا، لا سيما ممثلي حزب الله بالدرجة الأولى والتيار الوطني الحر في الدرجة الثانية. وفي ما يتعلق بالنشاطات الانتخابية وإعلان اللوائح، نركز على المناطق التي فيها معارك انتخابية».

ولأن «الطبقية السياسية» دخلت على خط الإعلام اللبناني، فقد توزع المرشحون على فئتين، فوضع في الدرجة الأولى أولئك الذين ينتمون إلى أهم الأحزاب المتنافسة في خانة «الإعلام الانتخابي» الذين تتسابق عليهم وسائل الإعلام، فيما يركض «المرشحون المغمورون» وراء «رزقهم الانتخابي» من خلال طلب المشاركة في البرامج المستجدة التي تتطلب دفع أموال مقابل إطلالاتهم، ويصنفها القانون في خانة «الدعاية الانتخابية». محطة «NEW TV» بدأت دورة برامجها الانتخابية من خلال برنامج «انتخابات 2009» الذي تقدمه سمر أبو خليل، ويقتصر ضيوفه على المرشحين المغمورين من دون تبديل في وتيرة البرامج السياسية الأخرى. والإطلالة عبر هذا البرنامج المصنف ضمن «الدعاية الانتخابية» تتطلب دفع مبلغ من المال تتغير قيمته بحسب قدرات المرشح المادية من دون أن يتعدى أو ينخفض عن حدود معينة. وتعتبر مديرة الأخبار والبرامج السياسية في القناة مريم البسام أن الإعلام والإعلان الانتخابيين في هذه المرحلة هما الثمرة المالية التي يمكن للمحطات أن تجنيها من الانتخابات. من جهة أخرى يقول المنلا: «نرفض استضافة مرشح مقابل بدل مادي، ولكننا وجهنا رسائل إلى حوالي 400 مرشح نطلب منهم تزويدنا بمعلومات عن نشاطاتهم، وفي حالة الرفض نحتفظ بالإثبات لتقديمه إلى الهيئة المشرفة. وفي الشهر القادم سنبدأ بث برنامج يومي يعالج الوضع الانتخابي بحسب الأقضية الانتخابية». ويقول المنلا: « لم تتلق القناة أي ملاحظات سلبية في هذا الإطار من الهيئة المشرفة، لكن لدينا ملاحظات على أداء المحطات الأخرى التي لم تتوان عن إطلاق الاتهامات والتشهير بالخصوم، إنْ في مقدمات الأخبار، أو في البرامج». إضافة إلى دورة البرامج السياسية المعتادة التي تبثها قناة «NBN» التابعة لحركة «أمل»، بدأت مواكبة الانتخابات النيابية اللبنانية من خلال برنامجين، أحدهما يصنف في خانة الإعلام الانتخابي وهو «نحو البرلمان» الذي يقدمه عباس ضاهر، و«هذا برنامجي» المصنف ضمن «الدعاية الانتخابية». في الأول يقدم ضاهر فكرة جديدة تعتمد الإضاءة على كل دائرة انتخابية من خلال استضافة مرشحين عنها وممثل من الشركات التي تتولى استطلاعات الرأي. ويعترف ضاهر باستحالة تطبيق مبدأ الشمولية في استضافة كل المرشحين، ويقول: «أحرص الاعتماد على مبدأ التوازن. لكن لا يمكنني استضافة كل المرشحين في كل دائرة، ولا تغييب كتلة كبيرة لمصلحة مرشحين لا يشكلون حيثية سياسية، لكن رغم ذلك أجد صعوبة في إرضاء كل النافذين في منطقة معينة، نظرا إلى أنهم يطمعون بحلقات منفردة ووقت أطول». كذلك، يلحظ قانون الإعلام الانتخابي الامتناع عن التشهير أو الذم بأي من اللوائح أو من المرشحين. لكن الواقع الإعلامي لم يخضع لهذه المادة، بل بقيت مقدمات أخباره وتقاريره تنضح بمهاجمة الفريق الخصم والتشهير به. وفي ما يتعلق بالتقرير الأسبوعي الذي تصدره الهيئة عن السلوك الإعلامي لكل محطة، تقول البسّام «آخر ملاحظات الهيئة كانت ضرورة التخفيف من نبرة مقدمات نشرات الأخبار، وعدم مهاجمة مرشح على حساب مرشح آخر».

بعد أقل من شهر على إعادة انطلاقتها لا تزال قناة الـ«MTV» اللبنانية تخطو أولى خطواتها في البرامج السياسية. كذلك فإن البرنامج السياسي الأساسي على القناة، الذي يقدمه وليد عبود لم يسلك طريقه جديا نحو السياسة، واكتفى في حلقتيه الأولى والثانية بالإضاءة على استطلاعات الرأي حول نتائج الانتخابات، إضافة إلى برنامج آخر يبث قبل نشرة أخبار بعد الظهر ويستضيف خبراء ومحللين، وسيتحول في شهر مايو (أيار) إلى استضافة مرشحين للانتخابات. يقول مدير الأخبار والبرامج السياسية في القناة، غياث يزبك: «حجزنا حقنا في الإعلام الانتخابي لدى الهيئة المشرفة على الانتخابات، ولكن إلى الآن لم نحسم أمرنا في الدخول بلوثة الانتخابات النيابية، لأن ليس لدينا هدف الربح المادي». ويسأل «لماذا يجب تخصيص برامج خاصة بالانتخابات النيابية ما دامت هي الحدث السياسي الأهم ومن الطبيعي أن تكون المادة الأساسية في البرامج والأخبار؟». ويضيف يزبك: «نحرص على استضافة ممثلين من كل الأطراف، حتى إن بعض الأشخاص من التيار الوطني الحر كانوا ضيوفا رئيسيين عندنا، في حين أنه ممنوع عليهم الظهور على محطة الـOTV».