رؤساء تحرير بريطانيون يحذرون: التكاليف القانونية تهدد الصحافة

رئيس تحرير «ديلي اكسبريس»: لو استقال رئيس تحرير كلما كانت هناك قضية قانونية لما بقي منهم أحد

TT

حذر رؤساء تحرير صحف بريطانية، أمس، أعضاء البرلمان البريطاني من أن التكاليف «المخيفة» للدعاوى القانونية باتت تردع على نحو متزايد نشاطات صحافة التحقيقات. ويأتي هذا التحذير في وقت يقوم فيه البرلمان البريطاني بدراسة القوانين الخاصة بالصحافة وقوانين الخصوصية وحق مقاضاة الصحف مع تصاعد القضايا الموجهة ضد الإعلام في بريطانيا.

وقال كل من رئيس تحرير «غارديان»، آلان روسبريدجر، وإيان هسلوب، رئيس تحرير «بريفيت آي»، أمام اللجنة المعنية بشؤون الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان البريطاني، إن الصحف باتت تشعر بالحذر إزاء نشر تحقيقات مثيرة للجدل حول الشركات الكبرى والأثرياء بسبب التكاليف المحتملة للتعرض لدعوى قضائية. وتأتي شهادة الصحافيين البريطانيين المرموقين أمس بعد أيام من شهادة رئيس تحرير صحيفة «ديلي إكسبرس» الشعبية بيتر هيل أمام اللجنة ذاتها، شارحا سياسة الصحيفة بعدما غرمت 550 ألف جنيه إسترليني العام الماضي لأهل الطفلة البريطانية المفقودة مادلين ماكان بسبب تقارير نشرتها صحيفته حول فرضيات احتمال تورط الأهل باختفائها. وقال هيل أمام اللجنة، التي تبحث في قوانين الصحافة في بريطانيا: «إذا استقال رئيس تحرير كلما كانت هناك قضية قضائية ضدهم، لن يبقى هناك أي محررين». ومن جهته، أوضح روسبريدجر أن صحيفة «الغارديان» أنفقت 90 ألف جنيه إسترليني على إجراءات قانونية قبل النشر لضمان خلو سلسلة من التقارير الصحافية التي نشرت أخيرا حول التهرب الضريبي من الأخطاء. وقال: «مع تكبد مثل هذه المبالغ، يمكنكم التعرف على حقيقة الوضع بأنفسكم، فهناك عدد ضئيل للغاية من المنظمات باستطاعته الاضطلاع بمثل هذا النوع من النشاط الصحافي في المستقبل في مواجهة مثل هذا النمط من العقوبات». وقال هسلوب إنه يتلقى خطابات على نحو متزايد من محامين بالمدن والولايات استغلوا قانون حماية الخصوصية في منع مجلة «بريفيت آي»، المعروفة بالسعي عن الأخبار المثيرة، عن السعي لكتابة تقارير صحافية. وأطلع أعضاء البرلمان على خطاب تلقاه من شركة محاماة تدعى «تشيلينغز» تخبر خلاله المجلة بالتوقف عن التحقيقات التي تجريها حول رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات بالهيئة الوطنية للصحة، ريتشارد غرينغر. وقال: «هذا دليل على خطأ فكرة أن قانون حماية الخصوصية يجري استغلاله فقط من قبل المشاهير من الشخصيات التافهة ويمكن استغلاله فقط في القضايا التافهة وأن الصحافة الجادة لا ينبغي أن تأبه به». وأضاف أن قضايا المشاهير جرى استغلالها «كرأس جسر» للسماح بكبح التحقيقات الصحافية المشروعة. واستطرد «إن الصحافيين العاملين معي يلقون أسئلة فحسب وفجأة يرد إلينا خطاب».

وقد كان المحررون يقدمون أدلة للجنة فيما يتعلق بالخصوصية ومقاييس الصحافة والتشهير. وقال هسلوب إن التوصيات التي قدمها القضاة والتي أوقفت الأخبار عن الظهور قد ارتفعت مع «العملية القضائية». «وتجد نفسك غير قادر على نشر الأخبار لأنهم انتهكوا الثقة أو الخصوصية».

وقال إنه قد تم منعه لمدة أربعة أشهر من استخدام خبر واحد لأن مخبرا خاصا قد أعطى موضوع المقالة إشعارا قبل النشر. وشكا من «إن لدي خبرا جيدا للغاية لكنني لا أستطيع نشره. وسوف يخرج إلى الرأي العام إذا لم أحاول أن أتصرف بمسؤولية».

وقد قال هسلوب إن الخصوصية قد أصبحت عائقا لنشر الأخبار مثلما الحال مع التشهير في الماضي قبل تعديل قوانين التشهير. وقال هسلوب: «إنني معتاد أقل الآن على التشهير. وليس هناك عدد كاف في هذه الأيام التي تبعث على السخرية. ولكن هناك الكثير من استخدام الخصوصية، وأعتقد أن الخصوصية هي التشهير الجديد. وإذا أردت أن تجعل الآخرين صامتين، فإن الخصوصية هي الطريقة التي يمكن استغلالها لأن التشهير صعب للغاية».

وقال «إنه مع ذلك، فقد ظل التشهير تهديدا أكثر خطرا للصحافة، وذلك بسبب التكلفة الأكبر للدفاع عن قضايا التشهير. وقد رأى أن تكلفة معركة «الغارديان» مع «تيسكو» حول الادعاءات بأن ترتيبات ضرائب شركات السوبر ماركت – التي تمت تسويتها سرا – يمكن أن تقارب مليون جنيه إسترليني. وهذا رقم كبير لإعلان خبر واحد».

وقد قال روسبريدجر «إن متاجر «تيسكو» قدمت لـ«الغارديان» فاتورة بنحو 800 ألف جنيه إسترليني منها 350 ألف جنيه إسترليني لـ«تيسكو» لتبرير ما يعنيه تجنب هذه الضرائب». وأضاف محرر «الغارديان» أنه كان قلقا أكثر بشأن التشهير عن الخصوصية وقال إنه أراد رؤية المزيد من القضايا في المحاكم قبل إقرار التشريع. وقال: «لا أعتقد أنه كانت هناك قضية حاول فيها أحدهم إسكات صحيفة بالدفاع عن الصالح العام».

وقال هسلوب إن معادلة قضية خصوصية رئيس «فورملا وان» للسيارات ماكس موسلي، والتي تلت نصره القضائي ضد صحيفة «ذا نيوز أوف ذا وورلد» الشعبية، لا يجب أن تشكل أساسا لأي تحد للقانون. وقال: «إنه من الخطر أن ندع السيد موسلي يفرض غضبه على ما حدث له ليسمح له بتحدي القانون».

وفي وقت سابق، أخبر محرر «ذا نيوز أوف ذا وورلد» كولين ميلر، اللجنة المشتركة أن المعركة الصحافية مع موسلي قد تكلفت نحو مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلى فاتورة قانونية 900 ألف جنيه إسترليني و60 ألف جنيه إسترليني تم دفعها في مقابل الأضرار. ورفع موسلي دعوى ضد الصحيفة للتشهير به من خلال خبر مقابلته مع خمس عاهرات. وقد دافع ميلر عن نشر الخبر، قائلا إن موسلي كان شخصية عامة ومسؤولة عن مؤسسة تصل إلى 125 مليون عضو في جميع أنحاء العالم. وقد كانت «ذا نيوز أوف ذا وورلد» صحيفة عائلية وكان من الممكن قبول الآباء وأطفالهم لقراءة خبر موسلي على الإفطار، وأضاف قائلا: «لا أتفق مع الرأي القائل بأن الخبر لم يكن ملائما لصحيفة عائلية. وقد تفاجأ بأن موسلي نشر قضية خاصة لأن الصحيفة تعتقد أن دليلها ضده كان «دامغا».

وقد تم تحذير العاملين في الإعلام كذلك من أن المشاكل المالية يمكن أن تسبب المشاكل للصحافة، وقال روسبريدجر إن «الظروف المالية للصحافة مؤلمة» وأضاف أن المشاكل الاقتصادية «تضر بالصحف المحلية أولا. فنحن نواجه احتمالا لأول مرة منذ عصر تنوير المجتمعات بعدم وجود مصادر متنوعة للأخبار. والتهديد الذي يهدد الصحافة خطير للغاية. ومعظم الصحف المحلية ليس لديها موارد لعمل التحقيقات. وكلما اقتربنا من عين العاصفة، زاد الانحدار، وكلما زاد خفض التكاليف، زادت المشاكل، فالمراسلون ليس لديهم مكاتب وليس لديهم الوقت للقيام بعملهم».

وكانت قضيتا «موسلي« و«ماكان» من أكثر القضايا إثارة للجدل في المملكة المتحدة خلال السنوات الماضية حيث أثارتا تساؤلات حول التوازن بين نشر الأخبار المثيرة وعدم التشهير. وفُتح تحقيق رسمي في البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وطلب من العاملين في مجال الإعلام البريطاني تقديم الشهادات المكتوبة للجنة بحلول شهر يناير (كانون الثاني) من هذا العام قبل أن تبدأ جلسات الاستماع في البرلمان وقبل أن تعطي اللجنة توصياتها فيما يخص مستقبل الإعلام وحقوق النشر في بريطانيا.