عندما يتحول الاعتذار إلى مادة إعلانية دسمة

صحيفة «إيفنينغ ستاندرد» البريطانية تعتذر لقرائها ومحلات «ماركس آند سبانسر» تعتذر من زبائنها

ستستمر الحملة على مدى الأسابيع القادمة وستظهر الحملة شكل الصحيفة بحلتها الجديدة (تصوير: حاتم عويضة)
TT

في ظل الأزمة الاقتصادية العاصفة ترى كبرى الشركات العالمية تركز على الإعلانات ولو بتخصيص ميزانيات أقل لها وتركز بالتالي على أفكار جيدة تخدم المنتج وتساعد على نشره محليا وعالميا. فلطالما كان للإعلان وقعه، غير أن الحملات الإعلانية الأشهر حاليا في بريطانيا تركز في فكرتها ومضمونها على «الاعتذار» وقد تكون هذه الفكرة من بين أنجح الأفكار التي ابتكرتها شركات الإعلان حتى يومنا هذا لأنها تلعب على الوتر الحساس وعلى مشاعر الناس وتخاطب الأفراد مباشرة وتشعر كل امرئ بأنه هو الشخص الذي تريد الشركة توجيه رسالتها إليه، فبعد حرب طويلة شنتها البريطانية بيكي وليامز على محلات «ماركس آند سبانسر» البريطانية بسبب قيام الشركة بفرض جنيهين إضافيين على كل حمالة صدر يفوق حجمها قياس «دد»، ونقلت وليامز غضبها إلى موقع «فايس بوك» وترأست جمعية «باستس فور جاستيس» لتجعل من الموضوع قضية فرضت في نهاية المطاف على محلات «ماركس آند سبانسر» تغيير سياستها وإلغاء فرض مبلغ إضافي على الحمالات الأكبر حجما، ولم تكتف الشركة بذلك بل قامت باستغلال موقفها السلبي في قالب إعلاني لافت، فقامت بنشر الإعلانات على جميع وسائل الإعلام إضافة إلى وضع ملصقات في محطات مترو الأنفاق وعلى حافلات النقل العام، وقامت الشركة بالاعتذار من خلال الاعتراف بالذنب، وإلى جانب الاعتذار قدمت الشركة خصما يبلغ 25 بالمائة على جميع أنواع حمالات الصدر لتثبت حسن نيتها وتؤكد اعتذارها أمام الملء. وانضمت 11 ألف سيدة إلى حملة وليامز على موقع «فايس بوك» وطالب عدد كبير من النساء على الموقع بمقاطعة سلع «ماركس آند سبانسر» إلى أن يتم النظر في الأسعار.

قد تظهر الحملة «ماركس آند سبانسر» على أنها شركة احترمت زبائنها وقدمت اعتذارها دون أي تحفظ إنما من الناحية الإعلانية البحتة، فيمكن القول إن الشركة استفادت من فضيحتها وحولت سلبيات تعاملها من زبائنها إلى سلاح إعلاني ناجح، فاستغلت الفرصة وقامت بحملة إعلانات تصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار على أهم منابر الإعلام في بريطانيا وأصبحت حديث الساعة، وهذا ما تسعى إليه شركة الإعلان أولا وأخيرا. ففي الكثير من الأحيان تنجح حملات إعلانية قبيحة لأن قبحها يساعدها على الانتشار، فبمجرد التكلم عن الإعلان مهما كان شكله هذا دليل كاف على نجاحه وانتشاره.

ولم تكن حملة «ماركس آند سبانسر» هي حملة الاعتذار الإعلانية الوحيدة في بريطانيا، إنما قامت صحيفة «إيفنينغ ستاندرد» المسائية اللندنية بحملة واسعة النطاق من خلال إطلاق الجريدة بحلة جديدة تم توزيعها يوم الاثنين الماضي مجانا على جميع المارة في طرق لندن، والهدف من هذه الخطوة هو نفض الغبار عن ماضي الصحيفة التي كانت تتسم بالتحيز، وحملة الاعتذار التي تقوم بها شركة «ماك كان إيريكسون» للإعلان ومقرها لندن وهي من أكبر الشركات في هذا المضمار من زبائنها (ماستركارد وأميركان إيرلاين وباركليز ونيسليه) ويعمل فيها أكثر من 65 موظفا، تعتمد على كلمة «الاعتذار» أيضا، والاعتذار هنا موجه إلى نصف مليون قارئ على مدى عشرات السنين.

وعلى الرغم من نجاح الحملة إعلانيا إلا أن هناك عدة تحفظات على الفكرة وأدبيات المهنة، فلاقت الحملة عدة انتقادات لاذعة من قبل عدة جهات بريطانية مفادها أن الصحيفة ضحكت على عقول قرائها على مدى سنين طويلة وها هي اليوم تحصد فشلها بنجاح إعلاني، ويرى البريطانيون أنه لا فائدة للاعتذار، وضمن حملة الاعتذار التي تقوم بها «إيفنينغ ستاندرد» حاليا وعود وعبارات رنانة من بينها «نعدكم بالتغيير» و«نعد بالإنصاف»، وتعليقا على الحملة نشرت صحيفة «الغارديان» في عدد سابق بأن حملة الاعتذار هذه ليست إلا هراء وتعتبر بمثابة إهانة لذكاء القراء والمواطنين وهي سخرية بحد ذاتها.

وفي اتصال مع شركة «ماك كان إيريكسون» قال المسؤول عن حملة إعلانات «إيفنينغ ستاندرد» بول غاردنر إن الفكرة جاءت وليدة اجتماعات عديدة أجرتها الشركة مع إدارة الصحيفة الجديدة، وشارك عدد كبير من المبدعين في مجال الإعلانات في ابتكار الفكرة قبيل البدء بالحملة التي تستمر لمدة أسابيع متواصلة، فالفكرة ترتكز على التغيير والإصلاح، وهذه هي الرسالة التي أرادت الصحيفة إيصالها إلى الناس. في حين لم يعلق آندي مولينز من «إيفنينغ ستاندر» على الحملة واكتفى بالقول إنه من الأفضل التكلم إلى المسؤولين عن الحملة في «ماك كان إيريكسون».

ومن بين الذين أغضبتهم الحملة الإعلانية رئيسة تحرير «إيفنينغ ستاندرد» السابقة فيرونيكا وادلي التي اعتبرتها إهانة لها ولإدارتها السابقة ووصفت الإدارة الجديدة بأنها لا تمت بصلة إلى ما تريده لندن واللندنيون، وقارنت حملات الصحيفة في السابق بحملتها الحالية، وذكرت بإنجازات الصحيفة مثل التركيز على محاسبة جهاز الشرطة والفنون وحملة تبرع بالأموال لصالح الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وشبهت فيرونيكا الصحيفة بحلتها الجديدة بجريدة «البرافدا» الروسية، ملمحة بذلك إلى صاحب الصحيفة الجديد الملياردير الروسي ألكساندر ليبيدوف العميل السابق في جهاز الاستخبارات الروسية.