صحافي وضعته «القاعدة» على قمة مهنة المتاعب

كبير مراسلي «الأوبزرفر» جاسون بيرك لـ «الشرق الأوسط» : أجد ذاتي في الشريط القبلي وتخوم أفغانستان

جاسون بيرك («الشرق الأوسط»)
TT

منذ نهاية عام 2001 وحتى اليوم، برز العديد من الصحافيين في المجلات والصحف والمحطات الفضائية المتخصصين في قضايا شؤون الإرهاب، طاردوا أسامة بن لادن بالكلمة والصورة في جبال تورا بورا، واليوم يطاردونه في منطقة وزيرستان الحدودية، التي تتعرض قراها لقصف صاروخي أميركي بطائرة دون طيار من حين إلى آخر.

أحد أبرز هؤلاء الصحافيين، جاسون بيرك، كبير محرري «الأوبزرفر» البريطانية، الذي يشغل حاليا مسؤول الجريدة تحريريا في أوروبا، ومقره العاصمة الفرنسية باريس، فقد كتب المئات من المقالات عن طالبان أفغانستان التي زارها عام 1998، وتنقل في رحاها بين كابل وقندهار وجلال آباد وكونر، يكتب عن الإسلام الأصولي والعمائم السوداء، وتخصص بيرك منذ سنوات في شؤون طالبان والأفغان، وكتب أكثر من كتاب عن تجربته في مطاردة الإرهابيين والمشبوهين المنتمين إلى «لقاعدة».

وألّف بيرك كتابا مهما بعنوان «القاعدة.. قصة الإسلام المتطرف». وقد باع هذا الكتاب نحو 45 ألف نسخة في بريطانيا، وتُرجم إلى سبع لغات حول العالم، من بينها اليابانية والتركية واللاتفية. والكتاب في حد ذاته دراسة متأنية وبمثابة مرجع للمشتغلين في الحقل الأصولي، يتعلق بـ«القاعدة»، نشأتها وتكوينها منذ تأسيسها في بيشاور في صورة مكتب الخدمات على يد أسامة بن لادن وعبد الله عزام الزعيم الروحي لـ«الأفغان العرب». ويعتمد جاسون في الكتاب على تفسيره لـ«القاعدة» كفكرة أصولية يؤمن بها العشرات والمئات الآن حول العالم، لا كمنظمة إرهابية. وجاسون بيرك صحافي بالفطرة؛ يعشق الأماكن الخطرة، وكثيرا ما كنت أتبادل معه الرأي عبر الهاتف، ولكن لم أكن أتخيل أن جاسون بيرك ذو المعلومات الثرية يصغرني بنحو 15 عاما، خلال زيارته لـ«الشرق الأوسط»، حيث قال إنه يجد نفسه في أفغانستان وباكستان أكثر من أي مكان في العالم. وهو رجل حاد الذكاء ذو بديهية عالية، ينفذ إلى القلوب من خلال نكاته السريعة المتدفقة، يتحدث الإنجليزية والفرنسية والأوردو وقليلا من العربية. وقد يكون العامل الأهم الذي ساعد بيرك في مهمته، هو عمله مراسلا لصحيفة «الأوبزرفر» في باكستان منذ عام 1998 وتخصصه في شؤون شرق آسيا، قبل أن تضرب «القاعدة» البرجين في هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية. ويُشيد بيرك بالمصادر الأصولية التي زودته بكثير من الأخبار الخاصة في أفغانستان، حيث تعرف إلى بعض قيادات حركة طالبان، وأجرى أول حديث مع الرئيس برويز مشرف بعد تسلمه السلطة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999. وانتقل بعد ذلك إلى المغرب العربي والشرق الأوسط، حيث غطى أحداث العراق والانتفاضة الفلسطينية. ويُعتبر بيرك أول مراسل غربي يصل خوست مركز قيادة جلال الدين حقاني وزير حدود الملا عمر و«القاعدة» في أثناء الحرب الأميركية على أفغانستان. ولبيرك آراء مثيرة حول «القاعدة» فيقول: «بن لادن كان يدير منظمة متماسكة لديها ناشطون وخلايا في أنحاء مختلفة من العالم، ليست هنالك منظمة تسمى «القاعدة»، بل هناك فكرة تسمى «القاعدة»، وليست هنالك شبكة عالمية لها قائد معين وكوادر يطيعون الأوامر دون تردد، ولديها مجسّات تمتد إلى الخلايا النائمة في كل من أميركا وإفريقيا وأوروبا». ويقول بيرك: «في صيف عام 1998 تجولت لأشهر عدة داخل تاكسي في أرجاء أفغانستان، التي كانت في حالة حرب، وكانت حركة طالبان تتحول إلى المرحلة الأكثر راديكالية. كانت الطرق مريعة، وكانت الرحلة بمثابة ماراثون مريع بسبب الضربات والخبطات التي أتعبت ظهري والتي تسببت فيها الفتحات والحجارة المنتشرة في الطرق». ويضيف: «كنت أبيت في حانات وفنادق على جوانب الطرق، وغالبا ما كنت أتدثر ببطانية عندما كانت تهبّ الريح المحملة بالأتربة القادمة من ناحية الصحراء. وكان باقي المسافرين والنزلاء يقومون في الخامسة صباحا لأداء صلاة الفجر. ولم أكن أنضم إليهم بالطبع، ولكن كنت أنظر إليهم وهم يضعون بعض الملابس على أماكن متسخة ويصطفّون مع ضوء الصباح الباكر لأداء الصلاة».

وأوضح: «كنت أعمل صحافيا حرا لاثنتين من الصحف البريطانية، وبعد قرابة 5 أعوام من العمل محررا تحقيقيا في صحيفة (صنداي تايمز) اللندنية، استقلت قبل أشهر قليلة، وانتقلت إلى باكستان لتغطية الأحداث التي كانت تجري داخلها وفي أفغانستان. لم تكن لديّ مدخرات، ولا وظيفة فعلية، ولم يكن لديّ حتى هاتفي الذي يعتمد على الأقمار الصناعية، وكنت أعتمد على المنظمات الأهلية، والمنشآت التي تديرها حركة طالبان، وخطوط التليفون القليلة التي كانت لا تزال تعمل في هذا البلد، الذي أتت عليه الحروب، لنقل القصص الإخبارية التي أحصل عليها. وعلى الرغم من ذلك، كنت أشعر برغبة بالغة، وكان هذا ما كنت أحب القيام به. فدائما ما كنت أريد أن أكون صحافيا، فهي الوظيفة الوحيدة التي تتيح لي السفر والتعرف على الأماكن والشعوب ومشاهدة الأحداث التاريخية وهي تقع، وفي الوقت نفسه أتقاضى منها مالا.

ودائما ما كنت أشعر بالانجذاب إلى جنوب غرب آسيا والعالم الإسلامي بصورة عامة، فهناك اللغات والثقافات والتاريخ والشعوب التي كنت دائما أريد التعرف عليها والعيش بينها. وبمرور الأعوام كنت أكتب أفضل القصص لدي».

ويشير بيرك إلى أن أفغانستان لم تكن هي التجربة الأولى له داخل العالم الإسلامي أو جنوب غرب آسيا، ولم تكن هي التجربة الأولى مع المسلحين والمقاتلين وأعمال العنف والفقر، ولم تكن التجربة الأولى له مع المناظر الطبيعية المتداخلة وقصص الحياة المأساوية، ولكنه وجد نفسه في جميع تلك المناطق في الشريط القبلي وتخوم أفغانستان، عندما كان طالبا في جامعة أكسفورد عام 1991، حيث سافر إلى العراق لقضاء بعض الوقت مع مليشيات البشمركة الكردية شمال العراق، التي تمرّدت على صدّام حسين. وعلى مدى الأعوام التي تلت ذلك أبحر من إندونيسيا إلى المغرب، لينمي اللغات التي يتعلمها ومهاراته الصحافية. وفي لندن، حرص على أن يجعل من نفسه صحافيا أفضل. ولكن، كانت أفغانستان وباكستان هي الأماكن التي يريد أن يكون فيها. ولذا كان سعيدا وهو داخل التاكسي في عام 1998. ويتابع قوله: «سرعان ما علمت أن هذا وقت تتشكل فيه الأحداث، وعلمت كيف أن الصور النمطية غالبا ما تكون خطأ، ووجدت المقاتلين إلى جانب طالبان الذين جاؤوا من الأقليات الشيعية المحلية هناك في الخطوط الأمامية من أجل كسب المال. وكنت في قندهار عندما دشن الرئيس كلينتون الهجوم الذي استهدف مستشفى الشفاء في السودان، والصواريخ التي ضربت معسكرات تدريب القاعدة شرق أفغانستان. وكانت حركة طالبان هي التي وفرت الحماية للغربيين من السكان المحليين الغاضبين. وبوضوح، كانت الأشياء أكثر تعقيدا مما تبدو عليه». ويتطرق بيرك إلى نقطة فاصلة في تاريخه المهني فيقول: «حضرت عمليتي إعدام في استاد كرة قدم بكابل، وكانت إحداهما لامرأة اكتسبت بعدها شهرة واسعة. كنت أشعر بالغثيان والانبهار. وقضيت الكثير من الوقت في الكلام مع متطرفين من الأشكال كافة، الإسلاميين الكشميريين الذين يتسمون بالعنف، والمفجّرين الانتحاريين العراقيين، والمسلحين داخل البنجاب، والانفصاليين اليساريين الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني، ورجال الدين الراديكاليين في المملكة المتحدة، وفي كل مرة كنت أحاول دراسة الدوافع التي تقف وراء هؤلاء. واستطعت أن أجري مقابلات مع مسلحين خلال برنامج تأهيلي في السعودية وداخل سجن في باكستان. وكانت مشكلتي الوحيدة هي الصعوبات التي أواجهها في الحصول على تأشيرات الدخول إلى مجموعة من الدول، بالإضافة إلى الصعوبات التي أواجهها في مقابلة مسلحين بارزين. وفي أحد الأيام عندما كنت أعيش في باكستان، كان يمكن الحصول على تاكسي إلى روالبيندي في الجنوب أو بيشاور في الشمال والاجتماع معهم هناك. ولكن، لم يعد الأمر كذلك، فهناك خطورة كبيرة بالنسبة إليّ كصحافي غربي». الطريق إلى قندهار: يقول بيرك: «كانت الرغبة في التعرف على طبيعة المنحى الراديكالي هي ما دفعني إلى كتابة أول كتبي عن (القاعدة). ومثّل الكتاب نجاحا كبير بالنسبة إليّ، وعلى الرغم من أنه لم يُترجَم إلى اللغة العربية، فقد تُرجم إلى أكثر من 12 لغة أخرى. وكان الهدف هو مواجهة فكرة أن (القاعدة) عبارة عن تنظيم مبهم محكم، والتأكيد على الطبيعة الآيدولوجية لظاهرة التسلح الإسلامي الراديكالي مع جذوره العميقة في العالم الإسلامي، وفي مواجهة العالم الإسلامي للغرب والسياسات الغربية.

ويضيف: «كنت أريد أن أبدد الخرافات، مثل أن أسامة بن لادن كان من صنع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أو أن المفجرين الانتحاريين كانوا إما «مجانين» وإما «سيكوباتيين». ومن دواعي سروري أن استُقبل رأيي بأن (القاعدة) عبارة عن جزء من ظاهرة أكبر وأكثر تعقيدا، لا يمكن الوصول إلى حل عسكري لها، استقبالا حسنا. وقد كتبت الكتاب بعد تغطية الحرب في أفغانستان في 2001، وكنت أعمل منذ عام أو نحو ذلك كمراسل أجنبي رئيسي لصحيفة (الأوبزيرفر)، وقضيت معظم 2002 داخل أفغانستان وباكستان، وقمت برحلات إلى العراق. وعدت قبل أن تشهد بغداد والبصرة في عامَي 1999 و2000 الحياة الكئيبة تحت حكم صدام الوحشي والعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة. وسافرت إلى أماكن أخرى، حيث ذهبت إلى إيران والجزائر والأردن، وغطيت أعمال العنف خلال أشهر انتفاضة الأقصى. وما زلت أذكر مشاهد مدهشة في نتساريم بقطاع غزة خلال الأسبوع الأول من الانتفاضة. كما تمكنت من السفر إلى إفريقيا، وهو التغير الجيد الذي وسّع من آفاقي وتفكيري. وبعد ذلك غطيت الحرب في العراق وبقيت فيها خلال 2003 و2004. ومن هذه التجربة جاء كتابي (في الطريق إلى قندهار)». وبالنسبة إلى جولاته في العراق يقول بيرك: «كان القتال الذي دار في النجف في أغسطس (آب) 2004 أعنف المعارك التي شهدتها على الإطلاق، فقد كان رجال الميليشيات العراقية يتصدّون للاعتداء الذي تقوم به الدبابات وجنود المشاة ومروحيات الأباتشي الأميركية. وكان الطقس شديد الحرارة وكانت الضوضاء شديدة، وكانت أطراف المدينة نوعا من الأطلال. وعندما احتدم القتال اختبأت مع بعض زملائي خلف أحد الجدران إلى أن فُتح أحد أبواب المنازل القريبة ودعانا شاب للدخول. وفي داخل البيت قدم لنا أبوه، وهو مزارع محلي في ستينات عمره، ماءً تخالطه الملوحة. كان الجيران قد هربوا من القتال ولكن بقي الرجلان ليحرسا المنزل من اللصوص، وسألناه عمن يتحمل المسؤولية في ذلك، فردّ بأن الأميركيين ورجال الميليشيا على نفس الدرجة من السوء، فقد جاؤوا ليحاربوا في مدينته. وتمنى لو عاد كل منهم إلى المكان الذي جاء منه وأن يتركوه في سلام. وفيما كنت أستمع إلى الرجل العجوز سمعنا صوت شيء ما. كان الرجل يجلس في المنتصف، وكان الرجل حصيفا وأمينا ولا يرغب سوى أن تعود حياته إلى سابق عهدها. وضاع صوت الرجل مع الانفجار والصدمة والصيحات الغاضبة التي أطلقها المقاتلون».

ويفيد: «احتوتني الرغبة في أن أكتب كتابا يُبرِز للكثيرين أن ذلك العجوز كان النموذج الأكثر تمثيلا لما يسمى بالعالم الإسلامي لا القتلة. وعندما فكرت فيه، فكرت في كل الأشخاص الآخرين الذين عرفتهم والذين كانوا على درجة مماثلة من العقلانية وكرم الضيافة والدفء والمعاناة الكبيرة التي يكابدونها، إن قلة من الأشخاص في الغرب يكترثون لأمرهم.

وفكرت في رجال حرب العصابات من الأكراد الذين التقيتهم عندما كنت طالبا في إجازتي الصيفية عام 1991، كما فكرت في الأفغان الذين تجولت بينهم لسنوات في أواخر التسعينات والأصدقاء في باكستان والجزائر ومناطق أخرى من العالم. كل أولئك الذين عرفتهم تقاسمت معهم ـ وما زلت أشاركهم ـ الكثير من الأمور الجيدة».

ويقول: «يفكر الكثيرون الآن بشأن (الصدام بين الحضارات)، كما يتحدث الكثيرون الآن عن المسلمين كوحدة واحدة تحوي أكثر من مليار شخص، لا تتماشي قيمهم وحياتهم مع التقدم والديمقراطية والنمو الاقتصادي. ولقد أملت أن يُبرِز كتابي (في الطريق إلى قندهار) كيف يمكن لتلك الفكرة أن تكون خاطئة وخطيرة. لم يكن الكتاب هجوما عنيفا ولا نزاعا بلاغيا أنيقا، بل كان سردا لما شاهدته، أملت أن يظهر كيف أن نبوءات حرب عالمية ثالثة ضد المسلمين يجب أن يتم التعامل معها بنوع من السخرية التي تستحقها. كما أملت أيضا في أن يكشف الكتاب عن الدوافع الحقيقة لهؤلاء المقاتلين وكيف أن عقيدتهم المنحرفة لها تأثير على الأفراد، وأن يُبرِز شيئا عن دور العنف والأسطورة وأهمية وسائل الإعلام في عالمنا المتصل والمترابط. كما أملت أن يظهر للقارئ نزرا يسيرا عن عمل المراسل في العمل في الميدان».

ويفند بيرك بقوله: «لم يكن الرجل العجوز مجرد ممثل للأغلبية الصامتة للأصوات المعتدلة في العالم الإسلامي، فقد بدأت الأفكار الأصولية في التزايد حول العالم، حيث تسببت الديناميكية والشكوك التي تسود القرن الواحد والعشرين في انجذاب الكثيرين نحو تلك الأفكار. ويكابد من تبدو الحياة بالنسبة إليهم معقدة وأولئك الذين يرون الفضيلة على أنها شيء مبهم ومن يرون أن العنف ما هو إلا وسيلة للتقسيم لا وسيلة للوصول إلى نهاية، كل هؤلاء جميعا يكابدون في الأعوام الأخيرة كي تسمع أصواتهم. وأتمنى أن يسهم كتابي وكلمات كل الأشخاص الموجودة به في تقديم ولو إسهاما بسيطا للعملية الصعبة والبالغة الأهمية من أجل تصحيح عدم التوازن ذلك».

ويتابع: «منذ ذلك الحين، نرى الصراعات في الشرق الأوسط وفي جنوب غرب آسيا في حالة مد وجزر. ومنذ أن وقعت تفجيرات لندن في عام 2005، باتت مشكلات في أوروبا ذات أهمية كبيرة بالنسبة إليّ، فعملت بصورة موسعة على الراديكالية، لكنني شملت هذه المرة مواطني بلادي، وأتذكر أنني كتبت في منتصف التسعينات بعض المقالات لصحيفة (صنداي تايمز) عن رجال مثل أبو قتادة، في وقت لم يكن يحظى فيه ذلك إلا باهتمام عدد قليل من الأشخاص، ولم يُلقِ أحد في المملكة المتحدة بالا للحرب الأهلية في الجزائر. لكنهم بدأوا يولون ذلك اهتماما في الوقت الحالي. كما قضيت الكثير من الوقت في فرنسا، وتلك قصة أخرى رائعة. وبإمكانك أن ترى في المملكة المتحدة وفرنسا نموذجين مختلفين من تكامل المهاجرين ومفاهيم مختلفة إلى حد بعيد عن الهوية الوطنية. ويتوقع أن تكون تلك التساؤلات عن الاختلاف واختلاف وجهات النظر عن العالم، أكثر إلحاحا في العقود القادمة. وخلال زياراتي الأخيرة إلى باكستان، استطعت أن ألاحظ كيف تترسخ هوية إسلامية قومية محافظة جديدة هناك وهو الأمر الذي سيشكل عاملا هاما في الديناميكيات الإقليمية لا يمكن تجاهله. وهناك مأساة تتكشف للعيان في أفغانستان التي أقدم لزيارتها كل بضعة شهور. وقد قضيت في الآونة الأخيرة أسبوعا مع الجنود الأميركيين الذي قدموا مؤخرا إلى أفغانستان قبل أن أقضي أسبوعين أتحدث إلى السكان المحليين في المناطق التي يقاتل فيها الجنود الجدد». ويضيف: «كما قلت دائما على صفحات (الأوبزرفر) التي أعمل بها، وعلى شاشة التليفزيون، إن من الصعب التفاؤل، فالغرب يعلم إمكاناته الخاصة. وأفغانستان هي مقبرة الإمبراطوريات، تحفر مقبرة واحدة تلو الأخرى، لكن القصة تظل ثرية لكل الصحافيين، سواء أكنت مرافقا لإحدى الدوريات مع القوات أم من خلال اللقاءات مع المقاتلين واكتشاف ما يفكر فيه السكان المحليون أو البحث ـ كما اعتدت أن أفعل العام الماضي ـ عن أخبار محادثات السلام السرية بين الحكومة وطالبان. ذلك هو السبب وراء كوني صحافيا، وهي المهنة التي تظل أفضّل بين كثير من المهن الأخرى رغم المتاعب التي تواجهها الصحف الآن».