إعلامية وزوجة رجل مهم.. تلك هي المسألة

الزواج من شخصية معروفة بين السلبي والإيجابي

بربارة وولترز («الشرق الأوسط»)
TT

غالبا ما يكون زواج الإعلامية من شخصية معروفة، سياسية كانت أم اجتماعية، وسيلة لدعم مسيرتها المهنية. لكن، وفي بعض الأحيان، يكون مثل هذا الارتباط سببا لعرقلة هذه المسيرة. هذا ما حصل في بريطانيا مع واحدة من ألمع مذيعات البرامج الصباحية كايت غاريواي المعروفة بتقديم برنامج «صباح الخير» على إحدى القنوات البريطانية المستقلة، فهي متزوجة من الطبيب النفسي ديريك دريابر الذي يعتبر اليد اليمنى لحملات حزب العمال في بريطانيا، الذي تورط أخيرا في فضيحة الرسائل الإلكترونية التي كان من شأنها أن تسيء إلى سمعة سياسيين بارزين في حزب المحافظين من بينهم دايفد كاميرون. وحصل دريابر على نسخ من تلك الرسائل، مما جعله مشاركا في الفضيحة بعد أن تم زج اسمه في القضية، ما أدى في نهاية المطاف إلى تقديمه استقالته. القضية تضخمت جدا وتناولتها وسائل الإعلام، بما فيها القناة، حيث تعمل زوجته الإعلامية كايت غاريواي، ما وضعها في حالة من الحرج دعتها إلى التغيب عن العمل عندما كانت الأزمة في أوجها. وفي حين صرح مسؤولون في القناة بأن سبب الغياب عطلة كانت خططت لها غاريواي من قبل، أدت الفضيحة التي تورط بها زوج المذيعة إلى حرمانها من فرصة جديدة على نطاق العمل بعدما قامت قناة «آي تي في» البريطانية بالتخلي عن طلب غاريواي لتقديم برنامج «هذا الصباح» الذي يعتبر من أهم البرامج التي تقدمها القنوات البريطانية. فمنذ أن بادرت مقدمة البرنامج فيرن بريتون إلى تقديم استقالتها بعد العمل في البرنامج لمدة 10 أعوام، لتهتم بزراعة الخضار والفاكهة في حديقة منزلها، تهافت عدد من الوجوه البارزة في الإعلام البريطاني لتقديم الطلبات لأخذ مكان بريتون التي ستنهي عقدها مع القناة في نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل. وكان لغاريواي الحظ الأوفر للقيام بعمل بريتون نسبة لخبرتها الطويلة في هذا المجال ومشاركتها في بعض الأحيان في تقديم هذا البرنامج، وهي وجه محبب وحضورها بارز، إلا أن قناة «آي تي في» صرفت النظر عن طلبها لأنها متزوجة من السياسي ديريك دريابر، على الرغم من تصريح غاريواي بأنها لم تكن تعلم بقضية الرسائل الإلكترونية على الإطلاق، غير أن خلفية غاريواي السياسية وطبيعة عملها جعلت منها ضحية الموقف الذي تعرض له زوجها.

ويقول مسؤول في القناة التي تعمل فيها غاريواي إن مستقبل الأخيرة سيكون دائما رهن تصرفات زوجها، ففي حال شارك في فضائح مماثلة في المستقبل فسيكون من شأن هذا الأمر تدمير مستقبل غاريواي المهني، وأضاف المسؤول: «زواج الإعلامية من رجل مهم خطير للغاية في بعض الأحيان».

وفرصة عمل غاريواي في قناة «آي تي في» كانت ذهبية بالنسبة لها، خاصة أنها على أبواب الإنجاب للمرة الثانية في شهر يوليو (تموز) المقبل، وتوقيت بث البرنامج يناسب طبيعة الحياة العائلية للمذيعة أكثر من توقيت البرنامج الذي تقدمه حاليا ويحتم عليها الاستيقاظ عند الرابعة صباحا، لكن يبدو أن حلم غاريواي تبخر بمجرد أنها زوجة رجل مهم.

إلا أن الزواج من رجل مهم ليس سلبيا في كل الحالات، فهو قد يكون ورقة رابحة يتحكم بها الإعلام، كما هي الحال بالنسبة للإعلامية فيونا فيليبس التي استقالت من منصبها كمقدمة رئيسية لبرنامج صباحي على قناة «جي إم تي في» وذلك للاهتمام بعائلتها. كان الوضع مختلفا، فهي متزوجة من شخصية بارزة في القناة التي تعمل فيها. وهذا ما ساعدها على أن تكون المذيعة الرئيسية للبرنامج، كما أن زوجها سهل عليها الكثير، وكانت تحظى بمعاملة مختلفة عن زميلاتها وزملائها من حيث ساعات الدوام وعدد أيام العمل أسبوعيا.

بالتالي، فإن معادلة الإعلامية المرتبطة برجل مهم، قد تتحول نعمة وتضيف إلى رصيد صاحبتها أو تنقلب نقمة عليها. وذلك لأن السائد هو تسليط الضوء على المرأة أكثر من الرجل لا سيما في مهنة الإعلام. كما تقول مديرة معهد التدريب الصحافي في الجامعة الأميركية في بيروت ماجدة أبو فاضل، التي تضيف أن «المرأة عندما تكون في الحقل العام تتعرض إلى الضغط. وهي لا تستطيع أن تحيّد نفسها. فخصوصية المشاهير أو رفيقات المشاهير لا اعتبار لها في الإعلام. وهذا أمر يتنافض مع أخلاقيات المهنة، لا سيما عندما يكون الهدف امرأة».

وفي حين تعتبر أبو فاضل أن «الإعلامية المرتبطة بسياسي تتورط في مسألة تضارب المصالح بين مهنتها ومهنة زوجها، بحيث تصبح كفاءتها ملتبسة لجهة حصولها على المعلومات أو تحقيقها إنجازات، قد لا يستطيع زملاؤها تحقيقها بيسر وسهولة». تشير إلى أن «كفاءة بعض الإعلاميات لم تكن وليدة التسهيلات المرتكزة على قرابة أو نسب، سواء لسياسي أو إعلامي أو صاحب مؤسسة إعلامية». وتستشهد بحالة الإعلامية بربارة وولترز التي تشارك في تقديم برنامج «The View» على شاشة «ABC» وتتقاضى ملايين الدولارات كراتب. وهي التي بدأت حياتها المهنية ببرنامج صباحي ترفيهي على محطة «NBC»، لتقدم الأخبار في محطة «ABC» في سبعينات القرن الماضي مع الشهير هاري ريزونير. حينها قامت الدنيا ولم تقعد، بعد أن بلغ راتبها مليون دولار، لتكون بذلك الإعلامية الأولى التي تحصل على هذا الراتب.

وتعود شهرة وولترز إلى مقابلة أجرتها مع الرئيسين الراحلين، المصري أنور السادات والإسرائيلي مناحيم بيغن. وفي تلك المقابلة سألت السادات ما إذا كان يجرؤ على زيارة تل أبيب، فأتاها رده إيجابيا، لتحصل بعد فترة الزيارة التاريخية. كذلك مازحها السادات في تلك المقابلة فقال لها: «أحسدك على راتبك البالغ مليون دولار، فراتبي أقل من ذلك بكثير».

ومنذ ذلك الحين دخلت الإعلاميات نادي الرواتب «المليونية». منهن كايتي كوريك، وفي مجال إعلامي آخر تأتي أوبرا وينفري إحدى أغنى النساء الأميركيات. لكن يبقى الحكم على الإعلامية من خلال رفيق دربها قدرا لا مفرّ منه. وفي هذا الإطار يمكن قراءة الضجة التي أثارها الإعلام الفرنسي لدى إصدار رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي في 19 فبراير (شباط) الماضي، قرارا بتعيين كريستين أوكرانت، زوجة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، المديرة العامة للإعلام الخارجي.

أوكرانت البلجيكية الأصل، وقبل هذا القرار، كانت صحافية شهيرة تميزت بتبوئها مناصب إعلامية مهمة في فرنسا والخارج. بدأت مسيرتها قبل 35 عاما، في التلفزيون الأميركي وشبكة «سي. بي. إس»، ثم انتقلت إلى قسم الأخبار في إذاعة «أوروب 1»، قبل أن تصبح عام 1981 المرأة الثانية بعد هيلين فيدا، التي تقدم نشرة الأخبار في التلفزيون الفرنسي، خاصة نشرة الثامنة مساء وذلك في محطة «Antenne 2». بعد ذلك عملت في «تي إف 1» ثم «فرانس 2»، وتولت رئاسة تحرير مجلة «الإكسبرس». وأخيرا كانت مقدمة برنامج سياسي في «فرانس 3»، قبل أن أُبلغ بقرار تعيينها المدير العام لـ«فرانس موند». وهي المجموعة الإعلامية التي أعلن عن إنشائها ساركوزي على أن تضم كل وسائل الإعلام الخارجي الفرنسي. الهيئات النقابية التابعة للمؤسسات الإعلامية المنضوية تحت راية «فرانس موند» انتقدت هذا التعيين ولوحت بخطوات تصعيدية داخل النقابات الصحافية، فما كان من الحكومة الفرنسية إلا استباق أي تعليق أو اعتراض لتعلن «رفضها الرسمي لكل ما من شأنه النيل من دور أوكرانت وخبرتها المهنية، وتحجيمهما بوضعهما في خانة كونها زوجة وزير الخارجية فقط». أوكرانت، من جهتها، كانت قد أعلنت في أكثر من مناسبة رفضها العرف السائد في إلغاء شخصية وهوية زوجات السياسيين وتحويل منصبهن إلى «زوجة فلان» فقط. وبعد تعيينها أبدت اعتزازها بالمركز الذي «قدمه لها رئيس الجمهورية». وفور تعيينها أكدت ثقتها بأن تسميتها «جاءت نتيجة مراعاة خبرتي الطويلة في المهنة»، وذلك بهدف «تأليف هيئة مسؤولة ومتكاملة من حيث المهنية في العمل»، وفي حديث إلى صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، قالت إن دورها «لن يكون تنظيم المؤتمرات الصحافية للإعلاميين، بل تحسين نوعية المواد الإعلامية التي ستنشر في الإعلام الخارجي وإغناؤها».

تجربة مقدمة الأخبار الفرنسية الشهيرة آن سنكلير تعكس حزما أكبر حيال مسألة تضارب المصالح، فقد آثرت التوقف عن تقديم البرامج السياسية بعد تعيين زوجها دومينيك ستروس وزيرا للاقتصاد والمال عام 1997 (هو المدير العام لصندوق النقد الدولي حاليا)، لتكتفي بتولي منصب إداري في تلفزيون «تي أف 1»، معتبرة أن تولي زوجها منصبا سياسيا يمس صفتها الحيادية. إلا أن البعض يرى في مجرد ذكر أي «معاناة» للمرأة في الحقل الإعلامي «ترف غير واقعي» ويستغرب تصنيف المرأة كمظلومة في الإعلام، ليذهب أبعد من ذلك ويشير إلى أن النساء أصبحن الفريق المهيمن إعلاميا، تحديدا في الصحافة المرئية والمسموعة. إلا أن هذا الرأي يواجه برد مفاده أن الأمر حقيقي من جهة العدد، لكن كثرة النساء في الإعلام ليست سوى نتيجة اعتبار الرجل لهذه المهنة طريقا إلى السلطة. ويستشهد أصحاب هذه المقولة بنسبة الرجال والنساء في مراكز القرار الإعلامي. هنا تميل الكفة لصالح الإعلاميين بشكل كبير. وفي حين يبقى إعلام العالم العربي ذكوريا في قمة الهرم من دون اعتراض الإعلاميات اللاتي يعتبرن أن مجرد وصولهن إلى ممارسة المهنة هو إنجاز لا يستهان به، نلاحظ أن الإعلاميات في الغرب يثرن هذه المسألة تحت خانة الإخلال بالمساواة في الأجر والمسوؤليات والتمييز ضدهن على الرغم من الكفاءات التي يتمتعن بها. وتشير دراسات غربية إلى أن المرأة هي أقل تكلفة من الرجال. وتعلق الكندية مارتين باتلنيان في إحدى كتاباتها على الأمر فتسأل: «ماذا ينبغي أن نفعل للحصول على أجور أفضل؟ هل نضع شاربا أم نحمل الأثقال؟». وتعتبر هذه الدراسات أن المرأة غالبا ما تسند إليها مسؤوليات في مؤسستها الإعلامية عندما لا تجد إدارة هذه المؤسسة رجلا حاضرا ليقوم بالمهمة المطلوبة. كما تورد أمثلة عن تفضيل الرجل، حتى إذا كانت خبرته أقل من زميلاته لمنحه منصبا من دون مراعاة للأقدمية أو الكفاءة أو الإنتاج أو الخبرة. لكن الأمر لا ينتهي عند هذه الخلاصات، ليأتي «الدفاع» من نساء يفضلن أن يكون الرجل رئيسهن. ويوردن أسبابا متعددة، منها أن القيادة تمرس، والرجل أكثر تمرسا في مراكز القرار. كما أنه أقل انفعالا وأكثر قدرة على اتخاذ القرارات بحزم وسرعة بديهة. كذلك هو يختلف عن المرأة التي تغرق في تفاصيل قد تنفع لدى القيام بتحقيق أو مقابلات، لكنها تضر عندما يتعلق الأمر بإدارة مؤسسة إعلامية وتحمل مسؤولياتها، لأن أي هفوة في برنامج تلفزيوني أو صحيفة تكبد المؤسسة خسائر مادية ومعنوية قد يصعب تجنبها.