مؤسسة صحيفة «آرت» الشهرية: نحقق أرباحا واشتراكاتنا في ازدياد

قالت في حوار مع «الشرق الأوسط» : ننفرد بخبطات صحافية ونحرص على عدم التورط في أسواق الفنون

آنا سومرز كوكس داخل صالة التحرير (تصوير: حاتم عويضة)
TT

صحيفة «آرت نيوزبيبر» قد لا تكون من الصحف اليومية الواسعة الانتشار، لكنها من الصحف المؤثرة في مجال الفنون. تقول عنها صحيفة «الغارديان» البريطانية إن «صحيفة «آرت» هي ضرورة لكل شخص يعمل في الفن». وتفخر الصحيفة بارتفاع نسبة المشتركين فيها، حتى في ظل الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية.

الصحيفة الشهرية التي أسستها آنا سومرز كوكس في عام 1990 انفردت بخبطات صحافية مميزة في عالم الفنون، أثارت الكثير من الجدل، مثل القصة التي نشرت حول بيع نسخة مزيفة لمفتاح الكعبة الشريفة في مزاد لدار «سوذبيز» العام الماضي. آنا سومرز كوكس تحدثت إلى «الشرق الأوسط» في لندن حول الجريدة، وفريق العمل، وأهم القضايا التي تعالجها، وكذلك حول دراسة إصدار نسخة عربية من الجريدة من أبوظبي.

* ما هو تعريفك لصحيفة «الآرت نيوزبيبر»؟

- في البداية يجب أن أقول إن الصحيفة ليست حول الاستمتاع بالفنون، وليست حول تاريخ الفن أو نقده، بل إنها تعنى بالعالم الذي يتشكل فيه الفن، وبالمناخ السياسي والاقتصادي. على سبيل المثال، حملت صحيفتنا في عددها الأخير قصة حول زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث قام بوضع اللبنة الأولى لمشروع متحف اللوفر في أبوظبي، وقام بافتتاح القاعدة العسكرية الفرنسية في أبوظبي. في رأيي أن فرنسا دائما تجمع بين الثقافة والسياسة. كما نعمل دائما في الجريدة على فصل القسم الذي يحمل أخبار سوق الفنون عن باقي الأقسام، فنحن حريصون على عدم التورط في متاهات الأسواق، كما أننا مدركون للقضايا القانونية المتعلقة بهذا.

وكمثال على الموضوعات التي تنشرها صحيفة «آرت نيوزبيبر».. التقرير حول استخدام القوات الأميركية في العراق للمواقع الأثرية لإطلاق الصواريخ. وقتها حصلت الصحيفة على خريطة بأهم المواقع الأثرية في العراق، وحصلنا من «البنتاغون» على خريطة توضح أماكن إطلاق الصواريخ. من خلال تلك المواضيع نوجه الاهتمام إلى الوجود الأعم والأشمل لعالم الفنون، ولكننا لا نقدم مراجعات فنية، أو عرضا للمعارض من منظور نقدي، فدائما ما أقول للصحافيين الذين يعملون معي إنهم يجب أن يكتبوا عن المعارض الفنية، موضحين ما الذي تضمه، ولماذا تقدَّم في ذلك التوقيت.

* هل تحاول الصحيفة الحفاظ على حياديتها باتباع هذا النهج؟

- بالتأكيد. نحن نحاول أن نوضح للقراء ماذا يحدث، وكيف يحدث، وكذلك نطلعهم على آخر التطورات.

* أنتم بهذا تعتمدون على تقديم الأخبار، بدلا من المراجعات والنقد الفني؟

- كجريدة شهرية، نحن نغلق العدد قبل نهاية الشهر بعشرة أيام، وبالتالي فإن أي أخبار ترد إلينا بعد ذلك نقوم بنشرها على الموقع الإلكتروني الذي يتم تحديثه مرة في الأسبوع، إلا إذا كانت هناك أخبار عاجلة. الموقع الإلكتروني أيضا يقدم أفلام فيديو تضم مقابلات مع الفنانين، فنحن نشعر بأننا إذا جعلنا الفنانين يتحدثون حول أعمالهم، فإن ذلك سيحمل نوعا من المصداقية، بدلا من أن نقدم رؤيتنا نحن لما يقدمه الفنان.

* صفي لنا يوم عمل في الجريدة؟

- عملي الآن يعتمد على التنسيق بين النسخة الإيطالية من الصحيفة، والنسخة الإنجليزية، ولكن يومنا، بصفة عامة، يبدأ بإجراء الاتصالات مع المراسلين حول أنحاء العالم، حيث يَشْرَعون في إرسال الأفكار والمقترحات لقصص صحافية قادمة، وبعد ذلك يقوم فريق التحرير في الجريدة بمناقشة المقترحات، وتحديد المناسب منها؛ حتى يبدأ المراسل في كتابة الموضوع. في الأسبوعين الأخيرين من كل شهر، ومع وصول الموضوعات من المراسلين، تبدأ عملية التحرير التي يقوم بها الصحافيون في مقر الجريدة في لندن. كما تمدنا مكاتب الجريدة في كل من نيويورك وإيطاليا بأهم الموضوعات لديهم، ونقوم باقتراح بعض الموضوعات التي أعدت للطبعة الإنجليزية، وللطبعات باللغة الفرنسية والإيطالية.

* من هو في رأيك الصحافي الناجح في مجال الفنون؟

- في البداية يجب القول إن الصحافي الجيد يجب أن يتقن الكتابة بلغة واضحة، ومقروءة، كما يجب أن يتمتع بحاسة التقاط الأخبار، ومتابعتها بشكل ميداني. يجب على الصحافي الجيد أن يعرف كيف يكوِّن قائمة بالمصادر التي تمده بالأخبار، والحفاظ على علاقات مستمرة مع تلك المصادر. كما أن الصحافي الجيد من مميزاته الصدق والنزاهة، فنحن ننشر مواضيع قد تعرضنا للملاحقة القضائية إذا كانت تنقصها المصداقية. ولهذا، يجب على الصحافي الاحتفاظ بالمستندات، ونص الأقوال التي يحصل عليها من مصادره.

* هل تذكرين خبطات صحافية نشرت حصريا في صحيفة «آرت»؟

- هناك الموضوع الذي نشرناه حول استخدام القوات الأميركية للمواقع الأثرية العراقية. وهناك أيضا التقرير الذي أعددناه حول نهب محتويات متحف بغداد، وهو من أكثر التقارير التي نشرت حول الموضوع مصداقية، فقد عملنا وقتها بالتعاون مع المتحف البريطاني ومصادر أخرى في بغداد. وقتها حصلنا على كتاب يصور كل القطع الموجودة في متحف بغداد، وفي خلال يومين قمنا بوضع صور كل القطع على موقعنا الإلكتروني؛ حتى يتسنى للجمهور معرفة أشكال تلك القطع المسروقة، تحسبا لظهورها في الأسواق والمزادات العالمية.

عموما، نحن نركز، ومن خلال حملة مستمرة، على الحفاظ على المواقع الأثرية، وما يجاورها، كما نشرنا معلومات مهمة حول ارتفاع نسبة المياه في مدينة البندقية الإيطالية؛ مما قد يهددها بالغرق، وذلك للفت الانتباه إلى ضرورة التحرك بسرعة للحفاظ على المدينة وحمايتها من الغرق.

* الصحيفة تنشر أخبارا حول نتائج المزادات العالمية، مثل القصة التي نشرت حول مفتاح الكعبة المزيف الذي بيع في لندن العام الماضي؟

- بالنسبة إلى مفتاح الكعبة، كانت هناك شائعات تفيد بأنه غير حقيقي، وكنا أول من نشر خبرا يفيد بأن المفتاح كان مقلدا، وأن دار «سوذبيز» ألغت عملية البيع، وأعادت النقود إلى المشتري، خاصة أن الدار لم تعلن ذلك.

* ولكن كيف يمكن لمن يريد اقتناء القطع الأثرية والفنية معرفة ما إذا كانت تلك القطع المعروضة هي القطع الحقيقية؟

- من مصلحة دار المزادات أن تكون القطعة حقيقية، بدلا من أن تتعرض للإحراج فيما بعد، فدور المزادات تهتم بالحفاظ على سمعتها، وهو ما يمكن أن نسميه معادلة الجمع بين المبادئ والمصلحة الخاصة. وعموما، دور المزادات لديها خبراء على مستوى عال من العلم، ولكن الأخطاء تحدث دائما، وهو أمر طبيعي.

* هناك مرات تعلن فيها الدور عن بيع قطع، مثل الصور التاريخية أو الوثائق، وتظهر في نفس الوقت جهات أخرى تؤكد أن الدار لا تملك النسخ الأصلية. في مثل تلك الحالة ماذا تفعل الصحيفة إذا أرادت الكتابة عن المزاد؟

- يجب على الصحيفة في تلك الحالة استشارة خبير متخصص. وفي العادة، يرحب خبراء المتاحف البريطانية بإعطاء الرأي في مثل تلك المسائل. وحيث يكون هناك خلاف في الرأي، يجب الحصول على رأي ثالث ورابع. وكصحيفة، يجب علينا أن نعرف.. فمثلا خلال عملنا على موضوع مفتاح الكعبة، ذهبنا إلى الخبير الذي تعاملت معه دار «سوذبيز» للتأكد من أصل المفتاح.

ولكن هنا ينبغي القول إن عامة الجمهور قد لا يعرف أنه من الصعب في بعض الأحيان عمل ذلك، فهناك دائما مساحة للشك يطلق عليها «الشك المقبول». ومن خلال عملي السابق كأمينة متحف، أعرف جيدا معنى هذه العبارة.

* ما هي المراحل التي تتبعها الجريدة لتغطية قصة متفاعلة؟

- في بعض الأحيان يكلف فريق بمتابعة القصة، وفي أحيان أخرى يكون هناك شخص واحد فقط. أعود مرة أخرى إلى موضوع مفتاح الكعبة، فالمكلف به كان لوسيان هاريس، وهو يحمل دكتوراه في الفن الهندي، وله علاقات وثيقة بعالم المقتنين والمتاحف. والذي يحدث في مثل هذه الحالة هو أننا نطلب من الخبير أن يتابع قصة معينة، وأن يكتب موضوعه. وبعد ذلك، نقوم نحن بقراءة الموضوع؛ ونقرر إذا كان يحتاج إلى إثباتات وأدلة، أم لا. ولهذا، يكون المحامي موجودا لتحديد أهمية وجود الحقائق والأدلة.

* هل تعتمدون على طاقم التحرير بشكل أكبر، أم على المراسلين؟

- طاقم التحرير الموجود هنا يقوم بتحرير وصياغة الموضوعات المرسلة من المراسلين، وفي بعض الأحيان يقومون بكتابة موضوعاتهم الخاصة، فالكل هنا يشارك بموضوعاته، حتى أنا أقوم في بعض الأحيان بكتابة مقالات الرأي، وآخِر مقالاتي كان عن زيارة الرئيس الفرنسي إلى أبوظبي.

* تعملون الآن على إعداد نسخة عربية من جريدة «آرت نيوزبيبر» في أبوظبي. هل من الممكن أن تطلعينا على بعض تفاصيل المشروع؟

- لم يصدر قرار بعد بخصوص النسخة العربية، فالفكرة ما زالت في طور التجربة. اتصلت بنا الجهات المختصة في أبوظبي، وسألونا إذا ما كان لدينا اهتمام بإعداد طبعة باللغة العربية من الصحيفة للمنطقة العربية. ومنذ ذلك الوقت ونحن نجمع المعلومات حول المراكز الفنية في المنطقة والجامعات، وتجارة الفنون، وأيضا حول المحظورات، والحساسيات الثقافية هناك. ومن أجل المشروع كوّنّا فرق عمل في كل من مصر ودبي وأبوظبي، كما قمنا بإعداد نسخة تجريبية من الصحيفة، وأطلقنا عليها مسمى «أخبار الفنون»، حيث تنقسم الجريدة إلى عدة أقسام، منها الأخبار، ثم قسم المتاحف، وقسم أسواق الفنون، وقسم الكتب. وأعددنا مع الجريدة أيضا تصورا لمجلة مصقولة.

سألت المسؤولين وقتها عن سبب رغبتهم في إصدار الجريدة في أبوظبي، وكانت الإجابة أن بناء المتاحف في المنطقة ليس كافيا، وإنما المهم هو بناء الجسور مع الغرب. وأعتقد أن منطقة الخليج بها حركة فنية وتراث أثري ضخم ومراكز علمية، وإنْ كانت غير مرتبطة ببعضها البعض، وربما تكون اللغة العربية التي ستصدر بها الجريدة هي خير رابط.

* هل تمت الموافقة على النسخة التجريبية؟

- لقد قدمنا النسخة إلى الجهات المختصة، وما زلنا ننتظر من أجل معرفة رأيهم فيها.

* هذا يقودنا إلى السؤال عما إذا كان لديكم مراسلون في منطقة الشرق الأوسط؟

- ليس بعد، لدينا صحافي أوروبي يتعاون معنا من منطقة الخليج، لكننا لم نعين أحدا هناك بعد، ولكن أتوقع أن يكون لدينا طاقم تحرير باللغة العربية في أبوظبي، إذا انطلقت النسخة العربية.

* كم عدد اللغات التي تصدر بها الجريدة حاليا؟

- الإنجليزية، والإيطالية، والفرنسية.

* في رأيك، كيف تستطيع الصحيفة الاستمرار في الوقت الذي تعاني فيه الصحف حول العالم؟

- كنا محظوظين هذا العام، فقد توقعنا عند إعداد الميزانية أن تنخفض نسبة الإعلانات بمقدار 20 في المائة، ولكننا ما زلنا نحقق أرباحا. هل ستتغلب علينا الصحافة الإلكترونية؟، هذا سؤال نفكر فيه كثيرا هذه الأيام. في الوقت الحالي لا يبدو لنا أن الصحافة الإلكترونية قد فازت، بل على العكس.. فإن نسبة الاشتراكات في ازدياد.

* ما هي الجهات التي تنشر إعلانات في الصحيفة؟

- دور المزادات، وسماسرة الفنون، وإعلانات الوظائف. هناك أيضا إعلانات عن البضائع الفاخرة.