نائب رئيس تحرير «الأوبزرفر»: هجوم الإعلام الإلكتروني لن يلغي الصحف الورقية

بول وبستر لـ «الشرق الأوسط»: العمل الصحافي المتميز يتكلف أموالا كثيرة.. والأثرياء من أصحاب الصحف جعلوا منها كيانات عظيمة

صالة التحرير في «الغارديان» وفي الاطار بول وبستر نائب رئيس التحرير في صحيفة «الأوبزرفر» («الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية أقدم صحيفة أسبوعية صدرت في بريطانيا، وهي تصدر كل يوم أحد، وهي تميل إلى الخط الديمقراطي الليبرالي، ولها الاتجاهات السياسية نفسها التي لدى شقيقتها «الغارديان»، وقد صدر العدد الأول منها في الرابع من ديسمبر 1791. وتميزت «الأوبزرفر» خلال السنوات الماضية بكثير من الضربات الصحافية، منها كشف المباحثات السرية لإنهاء الصراع في أفغانستان عبر «عملية سلام شاملة» ترعاها السعودية، عبر عدد من القياديين «الأفغان العرب»، وأكثر من تقرير موسع عن حرب غزة، وانتخابات إيران، وسعي رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون لخطب ود وعقول مسلمي بريطانيا. «الشرق الأوسط» في لندن التقت بول وبستر، نائب رئيس تحرير «الأوبزرفر»، الذي تحدث عن التهديد الذي تواجهه الصحف الورقية من الأزمة المالية، والصحف الإلكترونية، إلا أنه أكد أن الصحافة الورقية باقية ولن تختفي، وتحدث أيضا عن الأثرياء من أصحاب الصحف الذين لهم الفضل في إنشاء كيانات إعلامية عملاقة، بالإبقاء على المراسلين الأجانب وأصحاب التخصصات والقيام بالتحقيقات وأنشطة البحث الميداني التي تتطلب كثيرا من الأموال. فإلى نص الحوار:

* نسمع حاليا كثيرا من الكلام عن نهاية الصحف، هل هذا صحيح؟ وكيف تعمل «الأوبزرفر» في الوقت الحالي؟

ـ بالتأكيد تواجه الصحف مستقبلا صعبا جدا، ومن الواضح أنها تعاني بسبب الركود، ولكن على المدى الأطول فإنها تعاني كلما زاد عدد الناس الذين يحصلون على الأخبار من الإنترنت، ولذا يشتري الناس الصحف بأعداد أقل، ومن ثم فإن هناك أزمة صحف على المدى البعيد، حيث لن تحصل على عوائد الإعلانات، فلن يشترى أصحاب الإعلانات أماكن إعلانات داخل الصحف بمعدلات كبيرة إذا ما اختفى قراؤها. وهذا شيء سيكون على المدى البعيد جدا، وعلى المدى القصير، أعتقد أن الصحف الجيدة، مثل الصحف التي لديها استعداد كي تكيف نفسها، ستكون قادرة على البقاء، فما زال الناس في حاجة إلى الصحف وما زال الناس يستمتعون بقراءتها، ولذا فإن الصحف التي تحصل على تمويل ودعم جيد سوف تبقى على المدى القصير والمتوسط. أنا متأكد من ذلك.

* هل تعتقد أن هناك تهديدا للعمل الصحافي ومستقبل الصحف من وسائل الإعلام الإلكترونية؟

ـ نعم، أعتقد أن هناك تهديدا من وسائل الإعلام الإلكترونية، لا سيما من الشباب الذين اعتادوا الالتفات إلى الإنترنت وإلى الإذاعة والتلفزيون كي يحصلوا على الأخبار التي يريدون. وعليه، فإن عادات الجيل الأقدم تتغير، ولذا، نعم، أعتقد أن هناك تهديدا قويا جدا مع حدوث ذلك في مختلف أنحاء العالم. ويظهر هذا الأمر بصورة واضحة جدا في أميركا وهو يحدث هنا أيضا، وأنا متأكد من أنه يحدث في دول أخرى. ويتمثل التهديد المهم في أصحاب الإعلانات الذين يجدون وسائل أخرى للإعلان عن منتجاتهم.

* يتكلف العمل الصحافي المتميز أموالا كثيرة، كيف يمكن الحصول على تمويل لذلك؟ وكيف يمثل ذلك أمرا ضروريا لصحف مثل «الأوبزرفر»؟

ـ إنه أمر مهم للصحف مثل «الأوبزرفر»، ولذا أعتقد أنه مهم لجعل الصحف ناجحة من جديد، حيث إنه من الواضح أن مواقع الإنترنت لا يمكن أن تتحمل العمل الصحافي الممتاز الذي يجعل من الصحف كيانات عظيمة. وللقيام بتحقيقات، وللإبقاء على المراسلين الأجانب، وللقيام بكل الأشياء التي تجعل الصحف العظيمة تمارس عملها يكون أمامك خياران اثنان: أحدهما أن تجد أناسا أثرياء جدا يمتلكون صحفا، والآخر هو الوصول إلى وسائل لجعل الصحف ناجحة اقتصاديا. والمشكلة مع الأغنياء الذين يمتلكون صحفا هي أنه على الرغم من أنهم يمكنهم بيع الصحف بالسرعة التي يشترونها بها، فإنك ستجدهم يحاولون التدخل غالبا في الطريقة التي تغطي بها الصحف الأخبار وهذا ليس نموذجا جيدا.

* ما مدى أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لتغطيتكم الصحافية؟ وهل تعتقد أن هناك خطر يتمثل في أن القراء سئموا القراءة عن النزاع العربي الإسرائيلي، والعراق، إلخ؟ ـ أعتقد أن منطقة الشرق الأوسط مهمة جدا بالنسبة لقرائنا، وبخبرتنا يمكننا أن نجعلهم لا يملون القراءة عن السياسة داخل الشرق الأوسط. إنهم يعتقدون أن منطقة الشرق الأوسط مهمة لكثير من الأسباب، فهي عنصر مهم لضمان استقرار العالم، كما أنها مهمة لأسباب اقتصادية، ومهمة بسبب آثار الصراع في الشرق الأوسط والعراق وبين فلسطين وإسرائيل، ومهمة لأننا نتأثر بالنتائج لأسباب عدة. أعمل لصالح صحف تغطي الشرق الأوسط منذ 25 ـ 30 عاما، وما عرفته هو أن الناس يبقون مرتبطين عاطفيا بالشرق الأوسط، وأنهم يريدون قراءة المزيد، ويريدون مراسلا هناك، ويتابعون الساسة في دول منطقة الشرق الأوسط عن قرب، فلدينا جنود موجودون في الشرق الأوسط، وهذا شيء مهم بالنسبة لنا.

* ما مدى أهمية أن يكون متوافرا متخصصون لديهم خبرة كبيرة يغطون هذه المناطق؟ وهل يمكن للصحف الإبقاء على الموارد للمحافظة على المتخصصين أم سيصبح جميع الصحافيين أشخاصا يعالجون المعلومات بدلا من الحصول عليها؟

ـ أعتقد أن هذا سؤل جيد جدا، من المهم أن يكون هناك متخصصون، ولا يوجد بديل عن الأشخاص الذين لديهم خبرة أو معرفة بالبلاد التي يكتبون عنها. ومن الأفضل لو كانوا يستطيعون العيش والعمل في هذه البلاد. وفي الوقت الحالي، عدد قليل من يستطيع أن يكون لديه مراسل في العراق، على سبيل المثال، ولكن من المهم جدا أنهم يقومون بذلك بدلا من أن يرسلوا صحافيا عاما من حين لآخر. ومن المهم أن لدينا أشخاصا على اطلاع على الصراع في الشرق الأوسط مثلا، وقادرين على السفر بانتظام إلى إسرائيل وفلسطين، في الضفة الغربية أو غزة، وإلى الدول المجاورة ويمكنهم التحدث بلغتهم وقراءة الصحف ومعرفة الساسة من جميع أطراف الصراع، إنه أمر مهم جدا. وبالنسبة لصحيفة مثل «الغارديان» يجب أن تبقي على مكاتبها في هذه الأماكن لأنه من دونها سيكون الوضع كارثي في محاولة استيعاب دقائق الأمور وتعقيدات هذه الصراعات.

* ما الذي يمكن أن نتعلمه من الأحداث الأخيرة في إيران عن وسائل الإعلام الحديثة وطريقة عملها؟

ـ من المبكر جدا البت في ذلك. وأعتقد أنه واضح على نحو ما أن استخدام الإنترنت والأدوات ذات الصلة مثل «تويتر» أمر مهم للغاية في تشكيل الأحداث، ولكننا لا نعلم مدى أهميتها، فمن الصعب جدا بالنسبة لنا أن نعرف إلى أي مدى تتسم المعلومات التي تصل إلينا عن طريق هذه الوسائل بالدقة، وعليه، ما زالت هناك حاجة إلى صحافيين جيدين يكونون هناك عندما يتسنى لهم ذلك كي يقوموا بمعالجة هذه المعلومات، وإلا فإنها مصدر محتمل لكميات كبيرة من المعلومات الخاطئة أو الزائفة. وأعتقد أنه واضح أن استخدام أجهزة التليفون الجوال وموقع «تويتر» وخدمة الإنترنت وموقع «فيس بوك» وما لدينا، أمر مهم بالنسبة للناس في إيران للمشاركة في هذه الأحداث، لا سيما بعدما أصبح العمل في إيران صعبا جدا على الصحافيين، ولكن هناك قيد. لن يكون هناك بديل مناسب عن التغطية المناسبة والعمل الصحافي السليم في هذه الدول وفي إيران بالتأكيد.

* أخبرنا عن يوم في صحيفة «الأوبزرفر»؟ هل يمكن أن تخبرنا عن عملية صياغة قصة، التخطيط والاجتماع وتكليف المهام، إلخ؟

ـ تصدر «الأوبزرفر» يوم الأحد، ولذا سوف أخبرك عن الغارديان شقيقتها كما اعتدت العمل هناك. هناك سلسلة من الاجتماعات اليومية بصورة اعتيادية تبدأ نحو التاسعة صباحا وربما يكون الاجتماع النهائي في نحو الخامسة أو الخامسة والنصف مساء، وهذا هو الوقت الذي يجتمع فيه رؤساء الأقسام المختلفة، وعلى سبيل المثال، سوف يتحدثون عما حدث في عدد الأمس، هل كان جيدا؟ أم كان سيئا؟ هل سقطت منهم أية قصص، وبعد ذلك يبدأون في الحديث عن أجندة عدد اليوم المقبل، ويلتزم مسؤولون تنفيذيون محددون بالحضور، مثل رؤساء الأقسام ومن عليهم اتخاذ القرارات، وبعد ذلك يحتمل أن يكون هناك اجتماع في نحو الثانية عشرة واجتماع آخر في الرابعة وآخر في السادسة حيث سوف يبتون في أي من الأخبار سيكون الخبر الرئيس، وما سيكون في الصفحة الثالثة. وحينئذ يقررون أي من القصص سوف توضع على شبكة الإنترنت وأي من القصص سوف تنشر في الصحيفة فقط، ولذا تصبح العملية معقدة أكثر مما يعتقد البعض. ويستغرق كل اجتماع عشرين دقيقة على الأكثر، ولكن الاجتماع الأطول هو الأول الذي يعقد في الصباح حيث يدعى جميع أفراد الفريق ويمكن أن يستغرق ذلك نصف ساعة أو حتى 40 دقيقة، وبعد ذلك يتحدث الناس عن السياسة ويدلون بآرائهم في الموضوعات ويتحدثون عن الصحيفة. وفي أحيان كثيرة تكون فكرة القصص من المراسلين الممتازين مثل جاسون بورك، حيث يتصل المراسل في الصباح ويخبرنا أن لديه فكرة جيدة جدا وأنه يعتقد أنه من المهم النظر إليها سواء كانت في فرنسا أو الشرق الأوسط أو في أي مكان، وبعد ذلك يكون هناك نقاش حول القصة وإذا ما كنا نعتقد أنها تتضمن فكرة جيدة وإذا ما كانت هناك مساحة لها وإذا ما كنا نعتقد أن هذا شيء يستحق التركيز عليه، بعدها نخبره بأن يمضي وينفذها، وسوف نوفر له مصورا. وسوف يتصل بنا المراسل بعد ذلك خلال اليوم ويخبرنا عن التقدم الذي أحرز وبعد ذلك يكون هناك تصور عن المساحة التي يجب أن تأخذها القصة: ألف كلمة أم ألفين، ونبدأ في التفكير في المكان الذي يجب أن تكون فيه داخل العدد، وهل سوف تحتاج إلى خرائط أو غير ذلك، وبعد ذلك يرسل إلينا قصته بعد الظهر في نحو الخامسة أو السادسة، وإذا كنا نعتقد أنها جيدة نعيدها إليه لو كان هناك شيء مفقود أو يحتاج إلى التعديل، ويكون هناك تواصل مستمر بيننا وبين المراسل.

* ما المؤهلات التي يجب أن تكون لدى الصحافي كي يلتحق بصحيفة في الوقت الحالي؟

ـ أغلب الصحافيين لم يدرسوا إعلام بالجامعات، بل إن أفضل الصحافيين في الوقت الحالي من خلفيات مختلفة، والواضح أن هناك كثيرا من الصحافيين بدأ بدراسة القانون أو الكتابة السريعة، وأن تكون لديه مهارات صحافية، ولكن من الخطأ القول إن هؤلاء فقط من يستطيعون أن يكونوا صحافيين جيدين، لأن هناك أشخاصا قاموا بأشياء أخرى في بادئ الأمر وبعد ذلك أصبحوا صحافيين رائعين. وأعتقد أنها حقيقة أن لديك في الوقت الحالي متخصصين في مجالات معينة ولديهم مهارات لغوية رائعة تصنع الصحافيين الكبار. وعلى سبيل المثال، لا يوجد كثير من الصحافيين الذي يعملون في بريطانيا العظمى حاليا يتحدثون العربية وهذا شيء سيئ، ويجب أن يكون هناك عدد أكبر، ولذا فإن هذه الأشياء مهمة جدا. ولا يجب أن تحصر أي صحيفة تفكيرها في مجموعة من المهارات، حيث إن أي شخص يمكنه أن يصبح صحافيا جيد جدا. يجب أن يكون لديه إصرار، ويجب أن يتحلى بالشجاعة، ويجب أن يكون لديه خيال، ويجب أن يكون لديه رغبة قوية في الوصول إلى الحقيقة.

* هل يمكن أن تخبرنا قليلا عن نفسك؟

ـ أنا في الـ54 وأعمل لصالح «الغارديان» وبعد ذلك «الأوبزرفر» منذ 25 عاما، وعملت محررا للشؤون الخارجية، ومحررا للأخبار المحلية، وأعمل حاليا نائب رئيس التحرير في «الأوبزرفر». ولم أكن كاتب تقارير في يوم من الأيام، وكنت صحافي إنتاج، ولذا اعتدت أن أصمم الصفحات وإنتاجها. ولم أعمل مراسلا في الخارج يوما، بل دائما كنت صحافي إنتاج. وحصلت على درجة علمية في السياسة.

* ما أفضل قصة نشرت في «الأوبزرفر»؟

ـ نشرنا قصة تراجيدية عن سفينة تحمل أشخاصا أرادوا أن يكونوا مهاجرين وغرقت السفينة في البحر المتوسط، وأرسلنا صحافيين للبحث عما حدث لهم، وعرفنا من هم، وكيف كان القارب خطيرا، ومن كان الربان، والمعاملة السيئة التي تلقوها. ولذا فقد كان تحقيقا رائعا، كان تحقيقا من الدرجة الأولى.