روبرت نوفاك.. اليميني طويل اللسان

صاحب أشهر عمود صحافي استمر 45 عاما

TT

فقدت الصحافة الأميركية أول من أمس، روبرت نوفاك (78 عاما)، اليميني، طويل اللسان، وكاتب أطول عمود في تاريخها (45 عاما). عام 1963، بدأ كتابة العمود الذي سماه «انسايد ريبورت» (تقرير داخلي)، إشارة إلى اعتماده على مصادر خاصة داخل الحكومة الأميركية وداخل الكونغرس. غير أنه اعتمد على طول لسانه أكثر في البرامج التلفزيونية التي قدمها أو اشترك فيها، وامتدت لثلاثين عاما تقريبا، مع ظهور تلفزيون «سي إن إن». مثل: «كروس فايار» (تقاطع إطلاق النار)، و«كابيتال غانغ» (عصابة العاصمة، واشنطن).

بدأ نوفاك الصحافة عندما كان في المدرسة الثانوية في مسقط رأسه، جوليه (ولاية إلينوي)، حيث كتب في الصحيفة المحلية «جوليه هيرالد نيوز». وعندما دخل جامعة إلينوي، درس الصحافة، وكتب في صحيفة الجامعة: «ديلي الليني». لكنه، منذ ذلك الوقت كان مناكفا. تعارك مع رئيس التحرير، وانتقل للعمل في صحيفة محلية خارج الجامعة. ثم تعارك مع أستاذ، وترك الجامعة قبل أن ينال شهادة. (بعد أربعين عاما، عوضته الجامعة عن المقررات التي لم يدرسها، واعتبرت خبرته الطويلة وشهرته الكثيرة جزءا من نقاطه الأكاديمية، وأعطته شهادة البكالوريوس في الصحافة).

حارب في حرب كوريا (قسم العلاقات العامة)، وبعد نهاية الحرب انضم إلى وكالة «اسوشييتدبريس»، في مكتبها في انديانابوليس (ولاية انديانا). ثم نقلته الوكالة إلى واشنطن العاصمة، حيث تخصص في تغطية أخبار الكونغرس، ومنذ ذلك الوقت، عرف كيف يكسب أعضاء الكونغرس، ويجاملهم، ويرضيهم، وينال منهم سبقا صحافيا بعد سبق صحافي.

وخلال سنوات قليلة، وجد نفسه أكثر من مخبر يجمع الأخبار، وذلك لأن علاقاته مع أعضاء الكونغرس صارت صحافية وسياسية أيضا. وصار واضحا له، وهو ابن الغرب الأوسط، أنه يستطيع إضافة قليل من السياسة إلى الصحافة، وخاصة الخط المحافظ. رغم أنه، منذ أيام الجامعة كان يؤيد الحزب الديمقراطي. كما وجد مصادر ممتازة داخل الكونغرس، من الحزبين. لهذا، وفي عام 1963، بدأ، مع زميله رولاند ايفانز عمودا يوميا: «تقرير ايفانز ونوفاك السياسي». عمود إخباري مع بهارات سياسية محافظة.

استمر العمود بنفس الاسم حتى بعد وفاة ايفانز عام 2001. وحتى بعد أن أعلن نوفاك، في العام الماضي، أنه مصاب بسرطان المخ. لكنه، بعد شهور قليلة، عندما لم يقدر على الكتابة، أوقف العمود.

لا يمكن وصف نوفاك بأنه جمهوري لأنه كان ينتمي للحزب الديمقراطي. وكان من كبار مؤيدي الرئيسين كنيدي وجونسون. لكن يمكن وصفه بأنه محافظ، من النوع الذي يريد حرية اقتصادية دون تدخلات حكومية كثيرة. ومن النوع الذي يريد سياسة خارجية تعتمد على القيم الأميركية. لهذا منذ البداية، اختلف مع فكر الحزب الجمهوري: داخليا، كان يراه ضعيفا أمام نفوذ الشركات والمؤسسات الاقتصادية العملاقة. وخارجيا، كان يراه يتسامح مع الدول التي لا تؤمن بالقيم الأميركية.

وظهر ذلك بوضوح في موقفه من مشاكل الشرق الأوسط. عارض غزو العراق، وعارض «نيوكون» (المحافظون الجدد) الذين شجعوا الغزو، ثم هتفوا له. لكنه كان حذرا في عدم إغضاب اللوبي اليهودي والصحافيين اليهود. لهذا، كان نقده لإسرائيل واليهود مبطنا وغير مباشر.

لكن، يقال إنه في المجالس الخاصة كان ينتقد إسرائيل واليهود، خاصة في المجالس اليهودية. وسبب ذلك أن والديه كانا يهوديين (هاجرا من بولندا وليتوانيا). وكان هو يهوديا علمانيا، ولم يمارس الطقوس اليهودية، وكان قليل الحديث عن الموضوع. وقبل عشر سنوات، اعتنق المسيحية الكاثوليكية. ويقال إن ذلك شجعه على نقد إسرائيل ومؤيديها.

بالإضافة إلى نقد غزو العراق، أيد الرئيس السابق كارتر، قبل سنتين، عندما تعرض لهجوم من قادة يهود بعد إصدار كتابه عن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، الذي قارنه بالتفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. وأيضا أيد الفلسطينيين، وبعد أن تحول من اليهودية إلى المسيحية، ركز على الظلم الذي يقع على الفلسطينيين المسيحيين.

ومهما كانت آراؤه السياسية، صار عموده من سجلات التاريخ الأميركي خلال نصف القرن الماضي:

في عام 1972، خلال الحملة الانتخابية التي نافس فيها الرئيس نيكسون السناتور ماكغفورن، انتقد نوفاك الثاني نقدا شديدا، واتهمه بالاشتراكية واليسارية وتشجيع المخدرات والإجهاض. لم يكن نوفاك سببا مباشرا في هزيمة ماكغفورن، لكن تركيز عموده على هذه المواضيع ساعد الرئيس نيكسون.

في عام 1978، شن هجوما عنيفا على الرئيس السابق كارتر، وحمله مسؤولية الغزو الروسي لأفغانستان (لأنه لم يهدد الروس مسبقا). ثم حمله مسؤولية الثورة الإيرانية (لأنه كان زار إيران في عهد الشاه وقال إن وضع الشاه مستقر).

وفي عام 1980، زاد هجومه على كارتر. ومرة أخرى، لم يكن الهجوم سبب هزيمة كارتر أمام ريغان، لكنه ساعد ريغان.

وفي عام 1992، هاجم الرئيس بوش الأب، رغم أنه جمهوري، وذلك لأن بوش غير رأيه وأيد فرض ضرائب على الشعب الأميركي. وكرر نوفاك أنه ضد الضرائب الكثيرة، ومع الحكومة التي لا تتدخل كثيرا في شؤون الناس.

وفي عام 1998، قاد حملة شعواء ضد الرئيس السابق كلينتون، بعد فضيحة مونيكا لوينسكي، سكرتيرة البيت الأبيض. ودعا إلى إقالة كلينتون، وانتقد الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الذين صوتوا ضد الإقالة.

وفي عام 2003، رغم أنه عارض غزو العراق، اشترك في حملة الرئيس بوش الابن ومساعديه الذين تعمدوا تشويه سمعة السفير الأميركي السابق في العراق، ويلسون، الذي عارض الغزو، بأن قالوا إن زوجته فاليري بالم كانت تعمل جاسوسة في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كان هو الذي كشف اسم الجاسوسة، رغم أنه، في وقت لاحق، تنصل من المسؤولية، وحملها لمصادره الخاصة، التي يعتقد أن واحدا منها كان نائب الرئيس تشيني.

بسبب هذه وبسبب غيرها، جمع نوفاك عددا ليس قليلا من الأعداء. وخاصة في الحزب الديمقراطي، ووسط الليبراليين. لكن، كما أوضح حادث الجاسوسة فاليري بالم، استطاع نوفاك أن يجعل عموده ليس فقط مصدر أخبار انفرد بها، ولكن، أيضا، أداة سياسية أثرت، خلال نصف قرن، على مجريات الأحداث في واشنطن.