5 لقاءات في يوم واحد للرئيس الأميركي تحمل رسالة واحدة

نجحت البرامج الحوارية في إظهار قدرة أوباما على بث جرعات متساوية من سحره الرئاسي

صورة وزعها البيت الأبيض للرئيس الاميركي باراك أوباما خلال لقاءاته الخمسة مع كل من (من اليسار باتجاه عقارب الساعة) بوب شيفر من قناة «سي بي إس» وجورج ستيفانوبولس من «إيه بي سي» وجورج راموس من «يونيفيجن» وديفيد غريغوري من «إن بي سي» وجون كينغ من «سي إن إن»
TT

ما انتقل أحد من مكانه ولا غيّر تنسيق الزهور أو سأل سؤالا غير متوقع خلال المقابلات التليفزيونية الخمس المتتالية التي أجراها الرئيس باراك أوباما، والتي أذيعت يوم الأحد الماضي، والتي تم ترتيبها بعناية فائقة، والتي جاءت متشابهة على نحو غريب كالرجال ذوي القبعات المستديرة في فيلم «ذا توماس كراون أفير».

وقد نجحت البرامج الحوارية التي أجراها الرئيس مع قنوات «سي إن إن» و«إن بي سي» و«إيه بي سي» و«سي بي إس» و«يونيفيشن»، والتي سجلت يوم الجمعة في قاعة روزفلت، إلى حد بعيد في إظهار براعة وسائل الإعلام وقدرة الرئيس أوباما على بث جرعات متساوية من سحره الرئاسي في كل منها، فمرة يضحك مع بوب شيفر من قناة «سي بي إس» بمرارة على المتظاهرين الحرونين، ومرة يتحدث مقللا من قدراته إلى جورج ستيفانوبولوس على قناة «إيه بي سي»، مؤكدا على أنه لم يقدم مقترحاته للرعاية الصحية بصورة جعلت الأميركيين يؤيدونها، فقال: «تلك قضية لم أنجح فيها بالشكل الكافي، ومن ثم فأنا أحاول جاهدا تقديمها بالشكل الصحيح لأنني أعتقد حقا أنها الأصوب بالنسبة لبلادنا».

وتعد تلك المرة الأولى التي يحل فيها رئيس للولايات المتحدة ضيفا على هذا العدد من البرامج الحوارية في يوم واحد، الأمر الذي يبرز رغبة أوباما في إصلاح مناقشات الرعاية الصحية وإقناع المتشككين بأن خططه لن تزيد الضرائب على الطبقة المتوسطة. وقد بدا الرئيس المفوه والواثق من نفسه المفتقر إلى التلقائية مذهلا خلال المقابلات التي أذيعت يوم الأحد، ومن ثم بدت الثقة بالنفس في ظهور أوباما على «يونيفيشن» والإعراض عن قناة «فوكس».

ونظرا لاعتياد المشاهدين الأميركيين على دراما السياسة الحية، فقد بدا ماراثون إصلاح الرعاية الصحية لباراك أوباما يوم الأحد أشبه بعرض مستمر لحلقات «تي إن تي».

وقد أثبت الرئيس أوباما في كل لقاءاته ما يعرفه غالبية الأميركيين بالفعل، أنه متحدث لبق ومتمكن ومصمم على تقديم رسالته، لكن لم يبدُ شيء في تلك اللقاءات يمكن أن يلقي الضوء على ما إذا كانت رسالته ستستقبل بالشكل الملائم أم لا. وعندما سأله مذيع قناة «إيه بي سي» عما إذا كان قانون التأمين الصحي سيظل كما هو في حال زيادة الضرائب، رد الرئيس بقوله: «إن ما قلته هو أنك إذا لم تستطع توفير التأمين الصحي، فلا يجب أن تعاقب على ذلك».

وأضاف: «بالنسبة لنا فإن القول بأن عليك أن تضطلع بمسؤولية في الحصول على التأمين الصحي لا يعني على الإطلاق زيادة الضرائب، وهو ما يعني أننا لن ندع الآخرين يحملون أعباءك نيابة عنك أكثر من ذلك».

وقد رفض الرئيس أوباما مناقشة مقترحاته على إحدى المحطات التي ثبت خطؤها (أو تغيير الموضوع إلى فضيحة أكورن)، وهو ما جعل الأمر أشبه بحرب إعلامية، إذ لم تذِع قناة «فوكس» خطاب أوباما بشأن الرعاية الصحية أمام الكونغرس في التاسع من سبتمبر (أيلول)، ومن ثم لم يتحدث إلى «فوكس نيوز صنداي».

ذلك التجاهل نحو فوكس لم يكن تكتيكيا كما يبدو كإشارة خفية على الإحباط ورد الصاع من قبل البيت الأبيض الذي تسامى بنفسه على الدبلوماسية، لكن أوباما سعى في برامج يوم الأحد إلى محاولة فرض نوع من النظام والمدنية على مناقشة ازدادت سخونة وقوة، بيد أن البيت الأبيض بدا بمقاطعته متمها بما يبدو عداءات تجاه قناة «فوكس» الإخبارية عن منافسيها.

لم يعتد أوباما من قبل أن يكون الشخص الذي يتجنب اللقاءات عالية الخطورة أو مراوغة الجمهور العدائي، لكنه كان أول رئيس يظهر على برنامج «ذا تونايت شو» مع غاي لينو في مارس (آذار)، وعلى الرغم من تلك الزلة فإنه يخطط للظهور في برنامج ديفيد ليترمان يوم الاثنين، حيث يمتلك الرئيس من الفطنة ما يكفي لأن يمزح مع الكوميديانات (وأن يرقص مع إلين ديغنرز). وقد خلب الألباب عندما فند حجج الذين حاولوا تشويه صورته، فقد كانت مقابلته خلال الحملة الانتخابية مع كريس والاس عام 2008 في برنامج «فوكس نيوز صنداي» محورية.

لكن أوباما اختار أن يصدر بيانا، وأن يثير جلبة مضللة على قناة «فوكس نيوز» عبر رفض الحديث معها، وقد استغلت قناة «فوكس» ذلك. وعندما لم يتحدث عن أكورن تعامل مع والاي مع ذلك التجاهل الرئاسي عبر السؤال: «ما الذي جرى بشأن ما تنامى إلى مسامع كل الأميركيين؟». وقال لبيل أوريلي: «إن مساعدي البيت الأبيض عبارة عن مجموعة من الأشخاص كثيري الشكوى لأتفه الأسباب».

من الواضح أن الشعور متبادل، فيقول نائب السكرتير الصحافي لقناة «إيه بي سي» يوم السبت: «لقد فضلت قناة (فوكس) عرض برنامج (أنت تعتقد أنك قادر على الرقص) بدلا من إذاعة مناقشة نزيهة حول إصلاح الرعاية الصحية. إن (فوكس) قناة آيديولوجية أجرى الرئيس بها عدة لقاءات من قبل ويرغب في أن يجري بها لقاءات ثانية».

لم يبدِ الرئيس أوباما صراحة أي عداء في مقابلاته يوم الأحد، فقد كان متوازنا عميق التفكير، والأكثر من ذلك كله أنه كان ثابتا على آرائه، حيث أكد لكل مذيع على أنه لا يخطط في الوقت الحالي لإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وأن الانتعاش الاقتصادي وشيك جدا.

كان أوباما هادئا عندما سأله محاوروه عما إذا كانت العنصرية مسؤولة عن الهجمات الشرسة التي تتعرض لها رئاسته، فرد أوباما بأن وسائل الإعلام هي التي تذكي ذلك الغضب. وقال: «أعتقد أن جزءا مما هو مختف اليوم هو أن دورة الأخبار اليومية على مدار اليوم والقنوات الإخبارية والمدونات، كل هؤلاء يركزون على أكثر العناصر تطرفا على كلا الجانبين. إنهم لا يستطيعون الكف عن إذكاء نار الصراع، فهو الأمر المحبب لدى وسائل الإعلام».

قال أوباما نفس الكلام لديفيد غريغوري في برنامج «واجه الصحافة» على قناة «إن بي سي» حيث قال: «وسائل الإعلام تحب الحديث حول العرق، وهو أمر محبب للإعلام لأنه مسلسل مستمر في التاريخ الأميركي قوي جدا». بيد أن الرئيس أوباما أظهر على الأغلب أن وسائل الإعلام محببة للرؤساء.

* خدمة «نيويورك تايمز»