الإذاعات الفضائية في أميركا.. الإغراء صار واضحا

أصبحت شبه جهاز مؤكد داخل السيارات الجديدة

TT

يوم الثلاثاء نشرت مؤسسة «موتلي»، التي تراقب الاستثمارات في نيويورك، أن أسهم شركة «إذاعة سيريوس إكس إم»، اعتمادا على الحجم، صارت واحدة من أكثر الأسهم بيعا وشراء في الولايات المتحدة.

وأضافت «موتلي»: «صار الإغراء واضحا نحو هذه الإذاعة الفضائية»، وذلك لسببين: الأول أن صارت شبه جهاز مؤكد داخل السيارات الجديدة. والثاني أن قوّاها الاندماج الذي أُعلن في الصيف الماضي بين شركتي «إكس إم» و«سيريوس».

حدث ذلك رغم أن الأزمة الاقتصادية، التي بدأت قبل سنتين تقريبا، أثرت علي أسهم الشركة، كما أثرت على أسهم شركات غيرها، خصوصا لأن مغامرة الشركة بالتركيز على راديوهات السيارات واجهت صفعة قوية في السنة الماضية عندما انخفضت كثيرا مبيعات السيارات. بل واجهت بعض شركات السيارات الإفلاس.

لكن قبل شهرين أعلنت الحكومة برنامج «كاش فور كلاكرز» (مساعدة نقدية للسيارات القديمة). كان هذا برنامجا أجازه الكونغرس لتشجيع شركات السيارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وخصصت الحكومة ثلاثة مليارات دولار نقدا لتوزع على الذين يتخلصون من سياراتهم القديمة («كلاكرز») التي كانت تستهلك كميات كبيرة من الوقود. وفعلا، مثل شركة «فورد»، وضعت كثير من شركات السيارات راديوهات فضائية في سياراتها الجديدة.

وهكذا، يبدو أن ظاهرة الإذاعات الفضائية، التي ظهرت فجأة في الولايات المتحدة، كادت تسقط فجأة. لكن الشركة والمستثمرين فيها لجأوا إلى سلسلة مغامرات أعادتها إلى محورها. في الشهر الماضي أعلنت شركة «سيريوس إكس إم» أن عدد المشتركين فيها قارب عشرين مليون شخص.

تساءل ريك موناريز (محلل استثماري في مؤسسة «موتلي» الاستثمارية): «كيف استطاعت هذه الشركة أن تبيع للناس إذاعات كانت مجانا؟».

وأشار موناريز إلى كلمة صارت موضوع جدل خلال السنة الماضية بسبب انهيار بنوك ومؤسسات استثمارية في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك) بسببها، وهي كلمة «ريسك» (مغامرة). قال إن الشركة غامرت، لكن بشيء شبه مضمون: أولا سيشتري الناس قنوات إذاعية كانت مجانا إذا كانت واضحة، وكثيرا، وفي كل مكان: وفي المنزل والسيارة واستاد كرة القدم، وخلال الركض في ميدان عام، وخلال نزهة خلوية.

ثانيا: ستعجب الفكرة الشركات الاستثمارية. وفعلا، اقتنعت شركة «ليبرتي كابيتال» بشراء نصف أسهم الشركة: ثلاثة عشر مليون سهم مميز، حولتها إلى أكثر من مليار سهم عادي.

وتعتمد الشركة على اشتراك عشرة دولارات كل شهر. لكنها استطاعت أن تغامر، وتحول هذا المبلغ، ليس فقط إلى رصيد نقدي، ولكن أيضا إلى رصيد استثماري. عندما يدفع كل مشترك عشرة دولارات، يزيد رصيد الشركة النقدي بمقدار مائتي مليون دولار. ونظريا، يتحول ذلك إلى عشرة مليارات رصيد استثماري.

لكن تبقى ديون فعلية تزيد عن ثلاثة مليارات دولار، ويبقى تأثير ذلك على قوة ـ إن لم يكن حجم ـ أسهم الشركة. ويبقى الخوف من اعتماد تجارة على تجارة (الإذاعة الفضائية والسيارات). ويبقى، على الأقل في الوقت الحاضر، إحجام المستهلك الأميركي عن العودة إلى استهلاك الماضي، استهلاك عصر الطفرة.

قبل عشرين سنة، كانت فكرة، وقبل عشر سنوات، بدأت متأرجحة، وقبل سنتين، كادت تفشل، وفي السنة الماضية بعد إدماج شركتي «سيريوس» و«إكس إم» عادت إليها الحياة.

بدأت الشركتان بداية متأرجحة لأن الفكرة كانت جديدة، ولأن شراء برامج إذاعية مجانية كان جديدا، ولأن المستثمرين كانوا مترددين، ولأن الحكومة كانت حذرة. في سنة 1997 منحت الحكومة رخصة لكل من شركتي «سيريوس» و«إكس إم»، بعد مفاوضات صعبة لسببين: أولا: بسبب تزاحم الموجات اللاسلكية، لأن الموجات الإذاعية التي ستستخدمها الشركتان كانت ستؤثر على موجات غيرها. ثانيا: بسبب الخوف من تحالف بين الشركتين يقضي على المنافسة الرأسمالية.

لهذا، اشترطت «إف سي سي» (لجنة الاتصالات الفدرالية) على الشركتين أن لا تشتري واحدة الأخرى.

لكن بعد مرور عشر سنوات اشترت شركة «سيروس» شركة «إكس إم». ولم يخلُ الشراء من مغامرة ومن حيلة استثمارية وسياسية.

استعجلت الشركتان الاندماج قبيل نهاية عهد الرئيس بوش، والذي، مع قادة الكونغرس الجمهوريين، كان أقل ترددا من قادة الكونغرس الديمقراطيين في وضع عراقيل أمام الإدماج، وفي الخوف من احتكار مجال الإذاعة الفضائية. لكن الآن قد لا يقدر الرئيس أوباما على نقد شركة ناجحة، خصوصا مع استمرار المشكلة الاقتصادية.

قبل «سيريوس» و«إكس إم» كانت هناك شركات، مثل «موزاك» الموسيقية، بدأت تعمل في مجال الإذاعات الفضائية، لكن كانت هذه غير مباشرة. يستقبلها صحن فضائي، ثم يحولها إلى قنوات داخل عمارة سكنية أو عمارة مكتبية (كان الأغنياء يقدرون على وضع صحن فضائي لاستقبال هذه الموسيقى. لكنها كانت مكلفة وغير عملية من ناحية استثمارية).

رغم ذلك، كانت ميزة إذاعة الصحن الفضائي هي الاتصال المباشر مع قمر فضائي، لأنه، رغم تطور التكنولوجيا، تظل مشكلة الاتصال المباشر، حتى بالنسبة إلى شركة «سيروس وإكس إم» وراديوهات السيارات الفضائية. في كثير من الحالات يختفي الاتصال عندما تدخل سيارة مرأبا أو نفقا، ذلك لأن الشركة تستعمل موجة «تو جي إتش زد» القوية، وهي مباشرة، ولا تحتاج إلى صحن فضائي. لكنها، طبعا، لا تدخل مباشرة المرائب والأنفاق، وحتى المباني، سواء مكتبية أو سكنية أو إعمارية.

وهناك مشكلة أخرى، وهي كروية الأرض التي تمنع الاعتماد على قمر فضائي فوق، مثلا، خط الاستواء. لحسن الحظ بالنسبة إلى الشركة الأميركية، تكفيها ثلاثة أقمار فضائية لتغطية الولايات المتحدة التي تمتد أفقيا أكثر من رأسيا.

وكما كان الحال، يظل الراديو الفضائي يواجه منافسة راديو الموجات القصيرة والمتوسطة والطويلة. وبالنسبة إلى الأميركيين، توجد منافسة أقوى من راديو موجات «إف إم» و«إيه إم».

فضائي أو غير فضائي، تظل موجات «إف إم» أكثر وضوحا، وأكثر محلية، أي أنها تغطي الأخبار المحلية. ولهذا يعتمد عليها كثير من الناس. وطبعا، ليس عمليا أن تخاطب كل محطة «إف إم» أو محطة «إيه إم» مستمعيها المحليين عن طريق قمر فضائي.

وساعد الاندماج بين شركتي «سيروس» و«إكس إم» على مدى التغطية، لأن الأولى كان عندها ثلاثة أقمار فضائية، والثانية كان عندها قمران. الآن، صارت هناك خمسة أقمار متوفرة.

وأيضا، ساعد الاندماج على زيادة المحطات الإذاعية. تتنوع هذه بين الموسيقية والإخبارية، ربما بنسبة النصف. وتنقسم الإخبارية إلى دينية، وسياسية، واجتماعية، ويمينية ويسارية، ومحترمة وغير محترمة (لأن لجنة الاتصالات الفدرالية لا تملك سلطة قانونية لتنظيم الموجات الفضائية، كما تفعل بالنسبة إلى الأرضية والقريبة من الأرض).

أولا: زيادة الاشتراك (سيساوي كل دولارين أربعين مليون رصيد نقدي فعلي، وبليوني رصيد استثماري نظري).

ثانيا: التحول من مجرد الاستماع إلى الإذاعة إلى تسجيلها (باشتراك نقدي إضافي)، وبخاصة تسجيل الأغاني.

ثالثا: التحول إلى «إنتر آكتف» (التبادل الإعلامي)، لتكون الإذاعة الرقمية مثل التلفزيون الرقمي: تستقبل وتقبل، مما يفتح الباب أمام مجالات جديدة مثل التصويت الإلكتروني، والتسويق الإلكتروني. باختصار، الراديو الفضائي، ربما مثل الفضاء نفسه، لا نهاية له.