المواد الإعلانية الأكثر حضورا في الإعلام الرمضاني

مختصون لـ «الشرق الأوسط»: تراجع عوائد الإعلان المرئي 4% والصحف 7%

الاعلانات التجارية نافست المسلسلات وبرامج المسابقات على شاشات الفضائيات العربية خلال شهر رمضان الماضي («الشرق الاوسط»)
TT

كشفت أرقام رسمية من جهات متخصصة عن ارتفاع نسبة مخصصات الإعلانات التجارية السعودية في شهر رمضان بصورة ملموسة مقارنة بأشهر العام المختلفة، وسط استحواذ الإعلان المرئي على الإعلان المقروء في نشرات إعلانات شهر الصيام.

ووفقا لبيانات حصلت عليها «الشرق الأوسط» تشكل نسبة الإعلان التجاري المرئي في شهر رمضان 30 في المائة من مدخول السنة بأكملها، بينما تبقى النسبة ذاتها بالنسبة للصحافة المقروءة.

ويربط مراقبون مختصون ارتفاع مشهدية الإعلان التجاري في شهر الصوم عبر الفضاءات العربية لشدة الإقبال على المنتجات الاستهلاكية من الغذاء والملابس، الأمر الذي دعا إلى تغلغل المشهدية الإعلانية في هذا الشهر ليضع المشاهد العربي أمام عصف إعلاني لا مثيل له، رغم تشكيل الطبقة الوسطى وصغار الموظفين السواد الأعظم من الجمهور المتابع لشاشات التلفاز.

من جهة أخرى أكدت الأرقام الرسمية ذاتها انخفاض العوائد الإعلانية المرئية الاعتيادية لشهر رمضان الحالي عن سابقه بنسبة 4 في المائة مقابل ارتفاع نسبة الرعايات 2 في المائة. كما شكّلت نسبة الإعلان التجاري في الصحف والجرائد تراجعا أكبر تقدر نسبته 7 في المائة عن شهر رمضان السابق، الأمر الذي عزاه المختصون إلى الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع شدة المنافسة التي أتاحت خيارات متعددة أمام المستثمر.

وأكد بندر عسيري، المدير العام لـ«الشركة الخليجية للإعلان والعلاقات العامة»، إحدى شركات «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق»، لـ«الشرق الأوسط» أن فرق المشهدية الإعلانية لرمضان الحالي في الفضاء بات أمرا ملموسا من خلال تغطية عدد من القنوات الفضائية لزمن فواصلها التجارية بإعلانات لبرامجها الخاصة، مما عده عسيري مؤشرا على غياب المواد الإعلانية الاستهلاكية اللازمة.

من جهة أخرى رأى مختصون أن تأثير الأزمة المالية أتى متفاوتا في وسائل الإعلام من حيث الشعور به كما أفاد مازن حايك مدير عام التسويق بمجموعة «إم بي سي»، موضحا أن انعكاسات الأزمة الاقتصادية على المنطقة العربية كانت أقل وطأة مما شهدته الأسواق في الدول المتقدمة، وبالتالي كان انعكاسها على سوق الإعلانات بصورة نسبية ومتفاوتة على عدة قطاعات، الأول العقارات، الثاني السيارات، الثالث البنوك والخدمات المالية، الرابع قطاع الكماليات.

وأوضح أن استثمارات الأصناف الأربعة من الناحية الإعلانية تتفاوت ما بين وسيلة إعلامية وأخرى، ما بين الإعلانات المرئية والمقروء وإعلانات الطرق، مستشهدا بالعقارات التي تركز على إعلانات الطرق والمكتوبة والأقل في الوسائل الإعلامية الأخرى، أما بالنسبة للسيارات فتركز على شاشات التلفاز.

وبيّن حايك أن بحث المعلن المستثمر إنما يكون عن عائد لاستثماراته، وبالتالي فلجوؤه يكون إلى الإعلام الرائد والبرامج التي تشهد أكبر نسب متابعة ليضع فيها وحواليها وأمامها وعند انتهائها مادته بهدف الحصول على أكبر فرصة ترويج. وشدد على أنه «لا يوجد إعلام قوي وناجح دون إعلان»، بحيث يبقى الأخير مصدر التموين الأكثر والأكثر قدرة على التدقيق، مؤكدا على أنه دون إعلان وموارد مالية منتظمة لا يكون هناك إعلام قوي وناجح.

ويختلف عسيري مدير «الخليجية للإعلان والعلاقات العامة» مع تأكيدات حايك مدير التسويق بمجموعة «إم بي سي» بشأن تركيز الإعلانات التجارية على المواد الدينية نتيجة لطبيعة الشهر الكريم وروحانيته، مؤكدا أن السواد الأعظم من الإعلام الديني لا يستقبل الإعلانات التجارية كما هو في القنوات الأخرى، مشيرا إلى أن ثقافة الإعلان التجاري غير موجودة للقائمين على القناة لعدة معايير، منها طبيعة الصنيعة الإعلامية التي تتحفظ عليها القنوات الدينية، والتي من أبرزها ظهور النساء فيها أو وجود أنغام موسيقية، خلافا لقناة «الرسالة» التابعة لشبكة «روتانا»، والتي سمحت بظهور نساء غير محجبات ووجود خلفيات موسيقية مصاحبة للإعلانات التجارية.

وأشار عسيري إلى أن انخفاض نسبة إقبال المعلنين على البرامج الدينية يأتي واضحا من خلال عدد الرعاة المحدود، وفي المقابل تتمتع البرامج الترفيهية والمسلسلات الأخرى بعدد رعاة ممن لهم ثقل في السوق الاستهلاكية قد يتجاوز 5 في المائة.

وفي القاهرة أشار الخبير الإعلاني المصري طارق نور إلى تجربة إعلامية جديدة ابتكرها، وهي افتتاحه لقناة فضائية تحمل اسم «القاهرة والناس»، وذلك على مدار شهر رمضان فقط، حيث سيتم إغلاقها بعد انتهاء عيد الفطر المبارك مباشرة. وتدور فلسفة أو فكرة هذه القناة ـ بحسب نور ـ حول الاستفادة من عائد الإعلانات الكبير الذي يدره هذا الشهر الكريم، والذي يشكل نحو 65 في المائة من حجم الكعكة الإعلانية على مدار العام في وضعها الطبيعي، إلا أن هذه الكعكة قد انخفضت هذا العام إلى 30 في المائة فقط بسبب الأزمة المالية العالمية.

وأكد نور لـ«الشرق الأوسط» أنه استفاد كثيرا من هذه التجربة «المربحة»، مشيرا إلى أن أحد أهم ظواهر الإعلانات هذه العام هو العدد الكبير وحجم الإعلانات المتزايد مقابل انخفاض الأرباح واتباع سياسة «حرق الأسعار»، وهو ما لفت إليه بعض المراقبين، حيث قدروا تكلفة الإعلانات بأنها لا تتعدى 12 في المائة على الأكثر من العائد من الناتج عن الإعلانات.

وأشاد نور بالظاهرة المتنامية هذا العام في سوق الإعلانات المصرية، وهي دخول الحكومة المصرية ومؤسسات القطاع العام بقوة وبكم هائل من الإعلانات سواء كانت بغرض التوعية أو الدعاية، مرجعا ذلك إلى وعي الوزراء والمسؤولين بضرورة استغلال نسبة المشاهدة العالية في هذا الشهر الكريم، وتسويق منتجاتهم وخدماتهم، بالإضافة إلى نشر التوعية بسلوكيات معينة كحملات الوقاية من مرض إنفلونزا الخنازير، أو الإعلانات التي تحث على دفع الضرائب، أو إعلانات مستشفى سرطان الأطفال (57357)، وقد لاقت هذه الإعلانات استجابة كبيرة لدى قطاع عريض من جماهير المشاهدين.

الدكتور محمود علم الدين، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه من الطبيعي أن تزيد نسبة الإعلانات في شهر رمضان بسبب نسبة المشاهدة العالية للتلفاز، ومن الطبيعي أيضا أن ينخفض العائد من هذه الإعلانات وأن تقل قيمة الإعلان المادية، بسبب الأزمة المالية العالمية. لكن الكم الكبير لهذه الإعلانات عوض هذا الانخفاض، وساعد القنوات الفضائية والبرامج المختلفة على تحقيق أرباح، وبالتالي الاستمرار في البث حيث تستطيع تغطية التكاليف الباهظة التي تتحملها القناة مقابل شرائها لأعمال تلفزيونية أو القيام بإنتاجها بشكل خاص.

وأشار إلى تنوع الإعلانات إلى ثلاثة أنواع هي: تجارية تقليدية، وإعلانات الصورة الذهنية التي تدعم سمعة بعض الشركات لدى الجماهير، بالإضافة إلى إعلانات التسويق الاجتماعي التي تتناول قضايا توعية جماهيرية، وهذا التنوع شيء جيد جدا ومفيد ومطلوب استمراره، بعد أن كانت الثقافة الاستهلاكية هي السائدة لدى منتجي ومروجي الإعلانات.

ولفت الدكتور محمود الانتباه إلى تنامي المسؤولية الاجتماعية لبعض شركات القطاع الخاص من خلال إعلاناتها عن مشروعات ومساهمات خيرية. لكنه أوضح أن من أشد الظواهر السلبية، التي أثارت انتقادات كبيرة هذا العام، طول الفقرة الإعلانية التي تتخلل البرامج والمسلسلات، فكيف يكون البرنامج مدته ساعة ويعرض إعلانات تفوق هذا الوقت؟! وهو أمر يصيب المشاهد بالملل، وأصبحت الإعلانات «ضيفا ثقيلا جدا على المشاهد».

ويرجع الدكتور محمود ذلك إلى عدم وجود قواعد أو الاتفاق على ضوابط وتنظيمات داخل المجتمع الإعلامي تحدد نسبة الإعلانات إلى البرامج أو المادة المعروضة، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسات حديثة وعلمية مع وضع العائد الاقتصادي أيضا في الاعتبار.

يشار إلى أن أكثر الفترات ازدحاما بالإعلانات بشتى أنواعها على كل القنوات هي تلك الفترة الواقعة بين الإفطار وحتى قرب منتصف الليل، حيث تكون نسبة المشاهدة مرتفعة، وتقل هذه النسبة في الفترة الواقعة بين منتصف الليل وحتى نهار اليوم التالي.

وأضاف أنه من أبرز الظواهر السلبية أيضا في إعلانات هذا العام، هي أن معظمها يفتقد الإبداع الفني الحقيقي، فالمخرجون يلجأون إلى طرق ساذجة في إخراج الإعلانات، وأصبحت كلها عبارة عن حالة صخب وأغانٍ مزعجة بعيدا عن الكلمات الهادئة المعبرة، بل إن بعضها قام بالسطو على تراث الأغاني القديمة، مستشهدا بإعلان إحدى شركة الهاتف الجوال الذي استعار أغاني للراحلين عبد الحليم حافظ وسعاد حسني، وهذا يعد فقرا إبداعيا.

ومع ذلك أشار الدكتور محمود إلى عدم وجود إعلانات منافية للآداب في الشهر الكريم أو إعلانات أثارات انتقادات، بل إن كل ما عرض كان يتوافق مع روحانيات الشهر الكريم وتقاليده. ناهيك عن انتشار ظواهر إعلانية متعددة، كإعلانات الجوائز المالية الكبيرة التي تتنوع مجالاتها الرياضية والدينية والثقافة، وكذلك بروز «إعلانات الكرتون» التي تجذب شخصياتها قطاعا كبيرا من الجماهير، خصوصا الأطفال.

وفي النهاية يتضح من ذلك أن المواد الإعلانية أصبحت هي الأكثر حضورا في الإعلام الرمضاني، وأصبحت بمثابة المادة الأساسية للعرض، فيما تحولت المسلسلات والبرامج إلى مواد ملحقة بها، بل إن بعض القنوات، التي ربما لم تحصل على نسبة إعلانات كبيرة، قررت الاستعاضة عن نقص الإعلانات بالإعلان عن برامجها، أو المسلسلات التي تعرض عليها لجذب المشاهدين إليها، وبالتالي الإعداد للحصول على جزء كبير من الكعكة الإعلانية في العام المقبل.