التشفير التلفزيوني يفجر مواجهة بين المجموعة الإعلامية الأولى والحزب الحاكم في إسبانيا

القانون الجديد يسمح للشركات الوطنية بإذاعة برامجها عن طريق الدفع مقابل المشاهدة

الصراع على حصة المشاهدة الرياضية هو الشرارة الرئيسية للصراع مع الحكومة الإسبانية (أ.ف. ب)
TT

اعتادت المجموعة الإعلامية الأولى في إسبانيا «بريزا»، الناشر للصحيفة الرئيسية «إل بايس» (يبلغ عدد قراءها يوميا 400.000)، على أن تقدم الدعم الإعلامي للحكومة الاشتراكية ولحزب العمال الاشتراكي الإسباني. ولكن أدى القرار الأخير الذي اتخذه وزير الصناعة إلى حالة من الشقاق بين الأصدقاء التقليديين، فقد قرر مجلس الوزراء الإسباني الأسبوع الماضي تحرير نظام التلفزة الرقمية الأرضية الذي يدفع مقابلا له، ويأتي هذا القرار بصورة مباشرة ضد مصالح مجموعة «بريزا». يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي حدد عام 2012 كي تقوم جميع الدول الأوروبية بتغيير نظم الإذاعة من النظام التماثلي إلى النظام الرقمي. ولكن الحكومة الإسبانية قدمت هذا الموعد وحددت الأول من يناير (كانون الثاني) 2010، كآخر موعد للقيام بذلك. ولذا، فقد كان فصل الصيف من العام الحالي فصلا هاما ومزدحما بالنسبة للحكومة الإسبانية في سعيها إلى تمرير جميع القوانين الضرورية في هذا الصدد وتطبيق النظام الجديد على أكبر نسبة ممكنة.

ومن ثم، كان يُنظر إلى بداية الدوري الإسباني لكرة القدم على أنها دفعة حاسمة لإحداث التغييرات الأساسية، ومع ذلك أصبح الدوري الإسباني في مركز هذه الحرب الإعلامية. وهدف الحكومة هو أن يكون هناك في نهاية سبتمبر (أيلول) 2009 نحو 250.000 جهاز فك شفرة يعمل بنظام التلفزة الأرضية الرقمية، والذي يتم من خلاله دفع رسوم مقابل المشاهدة، حسب ما قدر وزير الصناعة ميغيل سيباستيان. وربما كانت كرة القدم وسيلة جيدة لتحقيق ذلك. وقال نائب الرئيس ماريا تريسا فرناندز دولا فيغا: «قبل ثمانية أشهر من انتهاء النظام التماثلي، سيسهل هذا القرار تطبيق نظام التلفزة الأرضي الرقمي في إسبانيا». ولكن، هدف الشركات هو حماية مصالحها الاقتصادية. وقد فتح القرار الأخير الذي اتخذه البرلمان السوق بدرجة كبيرة جدا، وهذا في رأي بعض التحالفات والمجموعات الإعلامية. وبصورة خاصة، فإن القانون الجديد يسمح بأن تقوم الشركات الوطنية التي طلبت من قبل إذاعة محتوياتها عن طريق نظام الدفع مقابل المشاهدة والحصول على ترخيص رقمي على الفور. ولذا، فإن الشركات الأخرى، مثل «ميديابرو» المنافسة لـ«بريزا» في إذاعة كرة القدم، سيكون مسموحا لها بنشر محتوياتها عن طريق النظام الجديد حاليا. وفي الواقع، فإن المجموعة الأولى التي بدأت هذا النوع من البث كانت هي مجموعة «ميديابرو» عن طريق شبكة «غول تي في» التي تقوم بإذاعة ثمانية مباريات مقابل 15 يورو في الشهر، في مقابل «كانال بلاس» (وهي قناة تماثلية يدفع مقابل مشاهدتها تمتلكها «بريزا»، اعتادت أن تبث مباريات كرة القدم) التي تضع رسوما تصل إلى 12 يورو في الشهر.

وقد انتقدت «بريزا» الحكومة على موافقتها على القرار الملكي، حيث إنها بذلك فتحت الطريق أمام نظام التلفزة الرقمي عبر الهواء المتاح وفق اشتراكات شهرية، في الوقت الذي يبدأ فيه الدوري الفرنسي الدرجة الأولى في الصيف. وحسب ما تراه المجموعة، فإن القرار يحابي «ميديابرو» بصورة واضحة، التي لديها أيضا حق إذاعة مباريات كرة القدم وتدعم الرئيس الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثباتيرو، مع وسائل إعلامية أخرى مثل القناة التلفزيونية «لا سكستا» أو صحيفة «بوبليكا».

وكتبت صحيفة «إل بايس» في مقالها الافتتاحي يوم 14 أغسطس (آب) «ما هي الحاجة التي تدفع إلى تمرير هذا القانون في أغسطس (آب) وخلال اجتماع واحد لمجلس الوزراء؟ سبب واحد وهو خدمة مصالح مجموعة من الأصدقاء».

ولكن، قال وزير الصناعة في البرلمان إن الحكومة عاقدة العزم على مواجهة هذه المواقف وإنهاء 20 عاما من الاحتكار، في إشارة إلى «بريزا» التي حصلت حصرا على أول قناة يدفع مقابل مشاهدتها في إسبانيا بناء على قرار اتخذته حكومة اشتراكية في التسعينيات. وأكد وزير الصناعة في كلمته: «تضع الحكومة مصلحة المواطنين قبل مصالح أي مجموعة أو شركة خاصة».

وفيما وراء التحدي الحكومي، هناك مصالح كثيرة: حيث تخشى «بريزا» أن تفقد الكثير من المال مع هذا القانون، لأنها فقدت البث الحصري لإذاعة مباريات كرة القدم، وسط أزمة مالية كبيرة تواجهها المجموعة. وقد تراجعت أرباح «بريزا» بنسبة 88 في المائة العام الماضي. ويمكن أن تصل الخسارة الحالية إلى ملايين اليورو مقابل الحصول على الحق في إذاعة مباريات كرة القدم، وهي غير مستعدة لخسارة هذه الفرصة في إدارة هذا العمل. وتظهر الأرقام أهمية هذه العملية. وقد قال ميغيل سيباستيان في مداخلة له في البرلمان إن أرباح التلفزة الأرضية الرقمية بالنسبة للشركات المشغلة يمكن أن تصل إلى 5.000 مليون يورو خلال الأعوام الأربع المقبلة. وعلى سبيل المثال، فقد حصلت شبكة «غول تي في» على 665.000 عميلا جديدا، يدفع منهم 15,000 بصورة مباشرة إلى القناة، ويحصل 650.000 على الاشتراك عن طريق مشغل آخر. والمشكلة التي تواجه حزب العمال الاشتراكي الإسباني ونظام الإعلام الإسباني هو أن «بريزا» أصبحت تهاجم الحكومة بصورة مستمرة. وقد لاحظت بعض وسائل الإعلام الأجنبية التحول الذي طرأ على اتجاهها التحريري.

وفي 14 سبتمبر (أيلول)، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مقالا حول حالة الشقاق بين المجموعة الإعلامية «بريزا» والحكومة الاشتراكية في إسبانيا. وتحت عنوان «(إل بايس) في خلاف نادر حدوثه مع الزعيم الاشتراكي» قالت الصحيفة الأميركية إن المشكلة في هذا الوضع الحرج تكمن في الأرباح التي تدرها المجموعة الإعلامية من بث كرة القدم. «وهاجم جوان لويس سيبريان، رئيس «غروبا بريزا» ومحرر سابق في «إل بايس» قرار الحكومة واتهم إدارة ثباتيرو «بمحاولة تقويض وسائل الإعلام» عن طريق «حرب ضد المستقلين». وقال بعض مستشاري ثباتيرو إن «الرئيس لا يقبل أي محاولة للابتزاز»، ونقلوا عنه: «إذا كان أي شخص يريد أن يحكم هذه البلاد، فعليه أن يخوض الانتخابات الوطنية».

وأكدت صحيفة «نيويورك تايمز» في مقالها: مع تنامي الخلافات بين المؤسسات، يتابع النقاد عن قرب تغطية حكومة ثباتيرو في «إل بايس». وقد اشتكى بعض القراء من التحول في الاتجاه التحريري للصحيفة الرئيسية. وفي موقع «إل بايس»، يمكن قراءة آراء تقف ضد موقف المجموعة الإعلامية، فيما تستفيد وسائل الإعلام الأخرى من الموقف وتنتقد عن طريق المقالات الافتتاحية ومقالات الرأي الدفاع الراديكالي لمصالح العمل الذي تقوم به «إل بايس». والسؤال في الوقت الحالي هو إلى متى يمكن لمجلس ثباتيرو الوزاري أن يتحمل الضغوط والانتقادات من المجموعة الإعلامية الأولى في إسبانيا، وإلى متى سوف تستمر «بريزا» و«إل بايس» في شقاقها وانتقاداتها للحزب الاشتراكي والحكومة الاشتراكية والقراء الاشتراكيين.

* صحافية من «الموندو» الإسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»