منتجة برنامج «اليوم» على قناة «الحرة»: الحكومة الأميركية تدعمنا ولكن لا تملي علينا

فران مايرز قالت لـ «الشرق الأوسط» إن الإرهاب استقطب الفضائيات الأجنبية إلى منطقة الشرق الأوسط

فران مايرز (تصوير: حاتم عويضة)
TT

كان الحوار يستهدف الحديث عن تجربة برنامج تلفزيوني مستحدث في منطقة الشرق الأوسط، عبر استقاء توجهاته وخطوطه العامة من منتجته الأميركية فران مايرز، لكن الآراء التي تحملها والتجارب الكبيرة التي خاضتها في المجال قاد بالحوار إلى توازن مطلوب بين سيرتها العملية وسيرة البرنامج.

برنامج «اليوم» الذي يقدم حيا على مدى 3 ساعات في 3 فضائيات من شبكة الحرة، منطلقا في 5 دول مختلفة، من 3 قارات في الوقت ذاته، يعد الأول من نوعه في الفضائيات الناطقة بالعربية، في تحد كبير تقوده مايرز التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن تجاربها فيه، خلال زيارتها لندن الأسبوع الماضي، فإلى نص الحوار:

* يتساءل العديد من المتابعين عن الجرأة التي دفعت بك لإنتاج برنامج يبث على الهواء مباشرة بلغة لا تفقهين عنها شيئا؟ ـ اعتبر نفسي صحافية تلفزيونية محترفة، حيث نلت درجة الماجستير في الصحافة، واعتبر العمل في قناة ناطقة باللغة العربية أمرا مثيرا ومذهلا، وبالفعل العربية لغة غريبة علي، ولا أعرف عنها شيئا، ولكن الأمر يقارب تجربة عملي السابق في شبكة ناطقة باللغة الاسبانية، ولكني أستطيع التأكيد أنني أنتجت أنجح البرامج التلفزيونية الحية للناطقين بالاسبانية في الولايات المتحدة الأميركية والعالم.

* هل تسمين ذلك تحديا أم شغفا بالجديد، وهل تعتقدين أنه يمكن استنساخ ذلك النجاح في شبكة «الحرة»؟

ـ نعم أعتقد ذلك، وهو تحد أستطيع أن أخوضه استنادا إلى طبيعتي في الإصرار على خوض التحديات، اذكر انه في عام 1989 عندما كنت أعمل في قناة تلفزيونية أميركية، تلقيت اتصالين من اكبر شبكتين ناطقتين بالاسبانية في العالم هما (تليموندو) و(أونايونافيشن) الدوليتين، طرحتا علي العمل، وكنت حينها حاملا بطفلي الأول في الشهر السابع، كان ذلك التحدي الأكبر الذي خضته، فاللغة غريبة وأنا امرأة حامل، فقبلت بالعمل مع شبكة (تليموندو) التي كانت في عجلة لتنفيذ البرنامج، وخلال ستة أسابيع كان البرنامج قد انطلق على الهواء مباشرة باسم «هكذا يحدث». وعقب نجاح البرنامج الذي كان ينطلق في فترة المساء، تم إطلاق برنامج مشابه للفترة الصباحية باسم «بريميرا أورا» وتعني «الساعة الأولى»، ثم جاء برنامج «مليوديا» وتعني «ساعات الظهيرة»، فكان العمل متلاحقا، وحقق النجاح المرجو بمخاطبة المشاهدين عبر برامج حية ومباشرة، وعشت أجواء اسبانية قادتني للتعطش لتعلم تلك اللغة.

* كثير من العاملين في مجال الإنتاج يعتمدون على المعاونين وأفراد الطاقم في تنفيذ البرامج، والتجهيز والإعداد، وتوزيع الأدوار بشكل مؤسسي، ما هي طريقة فران مايرز في العمل؟

ـ نعم، أتخذ الشكل المؤسسي في العمل لتجهيز برنامج «اليوم»، ولكني أحرص أن أقف بنفسي على الإعداد وأتابع تشكيل الاستديو واختيار الموسيقى وأعمال الغرافيك والديكور، واعتبر أنني محظوظة هنا بالنسبة لوجود صحافيين متميزين من أبناء المنطقة العاملين في البرنامج.

* معلوم أن برنامجكم «اليوم» يقدم حيا وبإمكانات وتقنيات كبيرة، ما هي الجهة التي تمول البرنامج؟

ـ البرنامج، وكذلك شبكة الحرة، التي تتكون من قناة الحرة التي تستهدف منطقة الشرق الأوسط، وقناة الحرة العراق، والحرة أوروبا، يتم تمويلها من قبل الحكومة الأميركية، عبر أموال الضرائب مثلها في ذلك مثل بقية الشبكات الأميركية، كراديو أميركا وراديو آسيا وغيرهما.

* هنا يبرز تساؤل مهم، إذا كانت القناة والبرنامج يمولان من الحكومة الأميركية، فما مدى الحياد هنا، وهل تقبلون بإملاءات أو تنفيذ توجهات معينة من قبل الداعمين؟

ـ لا، هذا العمل لا يخضع لأحد على الإطلاق، وذلك ينسحب على برنامج «اليوم» والفيصل هنا هو أساسيات العمل الصحافي ـ بكل بساطة ـ وبموضوعية يتم تناول الحدث وتقديمه وفقا لحدوثه، واستنادا على أدوات الخبر التي تعلمناها في ألف باء، والعلاقة بيننا والحكومة الأميركية محكومة بجدار حماية يمثله مجلس للمديرين مكون من ثمانية أعضاء نصفهم من الحزب الجمهوري والآخرون من الحزب الديمقراطي، وهم مسؤولون أمام الرئيس الأميركي، ومال الدعم يجيزه الكونغرس الأميركي في كل سنة، وليس من حقهم مخاطبتنا على الرغم من أنهم يمولون الشبكة. وأؤكد هنا كمعدة لبرنامج «اليوم» أنني لم أجد تدخلا من أحد في عملي على الإطلاق. إذن فالحكومة الأميركية تدعمنا ولا تملي علينا ما نعمله.

* وماذا عن تقبلكم للرأي الآخر في برنامج مباشر يخاطب منطقة تجلس على صفيح ساخن؟

ـ التفاعلية والآنية هي الفيصل في الإعلام الحديث، ويمكن لكل مشاهد أن يأتي بفكرته وآرائه الخاصة ولكن كمواطن عادي، وليس بصفته الرسمية، نحن نقبل آراء الجميع ولا نقدم آراءنا فقط، نقدم المعلومة، ونستقي تفاعل المشاهد عبر عدة وسائط منها الإيميل والهاتف وغيرهما، ونفعل ذلك لأننا نقدم الإعلام الحقيقي المجرد من الإملاء على المتلقي. واعتقد أن الجمهور العربي المستهدف يحتاج إلى من يضع أمامه الحقائق المجردة، من دون إضافات.

* خلال عملكم في البرنامج، هل تتقبلون أفكار الغير، حتى وإن لم يكن متوافقا مع توجهكم؟

ـ كل شيء ممكن، وأنا كصحافية أتبادل النصح مع زملائي بعدم تعقيد العمل، بل أن نعمل ببساطة كاملة، وفقا للقواعد المهنية الصحافية الست (من، ماذا، متى، لماذا، أين، كيف) فقط وهي الميزان الصحافي لأي عمل تعلمناه عند دخولنا مدرسة الصحافة عندما كنا في الثامنة عشرة من عمرنا، إذا عرض علينا أحد فكرته فهل نقبله، أقول نعم فنحن نسعى لتنويع مصادر المعلومة ونضخ فيها روحا كاملة وشعورا جديدا.

وحتى إذا كانت الشبكة والبرنامج ممولة ماليا من قبل جهة ما فإن هذا لا يخول لهم الوصاية علينا في ما نعمله، لأن هدف برنامجنا هو تقديم المعلومات وليس الآراء المسبقة.

فعند تناول خبر عن انفجار قنبلة في مكان ما، نتساءل، كم شخصا توفي، ثم نأتي بمتحدثين من الجانبين الضالعين في الأمر، وهذا ديدن عملنا يوميا في «اليوم».

ولا يمكننا كصحافيين مهنيين أن نأتي إلى العمل بآراء مسبقة، سواء كأميركان أو سعوديين أو جزائريين وغيره، فقط نعمل كصحافيين مجردين من الغرض، ودائما أقول لرئيس التحرير إذا كنا نعمل بنزاهة، يجب أن نجعل العمل سهلا، ومن دون تعقيدات وفقا للقواعد الصحافية المعروفة.

وان كنا مدعومين ماليا بواسطة الحكومة الأميركية فإنه ليس من المطلوب أن نكون «بوقا» لها أو أن نأخذ بوجهة نظرها، فالأمر ببساطة هو تغليب المهنية الصحافية على العمل لأن هدفنا من البرنامج هو إيراد الحقائق وليس إيراد وجهة نظر للمشاهد، هذا كل ما نفعله. نحن نعمل على تعميق الصلات بين العرب أنفسهم وهناك الكثير من الاتصالات تردنا، وتتحدث عن غياب المعلومة عن الشخص العربي، وعما يجري في مكان آخر من عالمه العربي، لذلك نحن في الحرة لا نقدم العناوين الرئيسية فحسب بل نعمل في عمق المجتمع العربي بتلمس حاجياته ورؤاه.

* طبيعة برنامج «اليوم» تحتاج لجهد مضاعف، وتجديد يومي في المحتوى وطريقة العرض، كيف يتم الإعداد للتنفيذ؟

ـ أسلفت أن البرنامج يقدم من ثلاث قارات إذا اعتبرنا منطقة الشرق الأوسط قارة، ثم أوروبا وأميركا، والصعوبة تأتي من أن العمل في كل قناة من القنوات الثلاث تعمل بشكل منفصل، لكل منها إدارة برامج ومجموعة عمل وقنوات بث مختلفة، وبرنامج «اليوم» استحدث ليكون برنامجا مناطقيا ويقدم في كل قناة في وقت مختلف مما يعني ثلاث ساعات بثا مباشرا، ولخمس مرات في الأسبوع.

ونحن سعينا لنكون داخل المنطقة، لذا أنشأنا استوديوهات في دبي وفي لبنان وعلى النيل في مبنى ماسبيرو في القاهرة واستوديو في القدس واستديو مصغر في واشنطن دي سي، ويتكلف الإعداد نحو ستة أشهر، نهتم خلالها بأدق الأمور، بشكل الاستوديو وإعداده وموقعه، وأراجع بشكل شخصي الديكورات والمناظر مع المهندسين، واختيار الموسيقى واستجلاب المتعاملين، وطبيعة الموقع وأقوم ببناء المجموعات واختيار طواقم التصوير مع المختصين وغيرهم، وكل ذلك يتطلب نحو 9 رحلات خلال 16 شهرا لدول المنطقة، واعتقد أن نجاح البرنامج يعتمد على النوعية المتميزة من الصحافيين العرب الذين يعملون فيه، والذين يحمل كل منهم خبرات تتراوح بين الخمس والعشرين سنة في المجال.

* هل تعتقدين أن القنوات الموجودة في المنطقة سواء كانت رسمية أو خاصة تخلو من مثل هذه البرامج؟

ـ البرنامج فريد ومستحدث في المنطقة، فعلى الرغم من وجود العديد من البرامج المتميزة إلا أنني أشك في وجود برنامج مثيل «اليوم» على الإطلاق وذلك لطبيعته وتحوله بين عدة استوديوهات وخروجه إلى رجل الشارع في كل المناطق الممكنة، وينتقل حيا بين خمس عواصم خلال ساعات البث التي لا يقطعها أي إعلان تجاري، وهذه إحدى مميزات البرنامج الذي يخلو تماما من الفواصل الإعلانية.. لا بالعربية ولا بأي لغة أخرى.. بالطبع البرامج الحية عبر المراسلين هي خدمة تقدمها كل التلفزيونات تقريبا ولكن على هذه الطريقة المتبعة في برنامج «اليوم» فلا اعتقد بوجود مثيل له.

* الملاحظ على البرنامج طريقة العرض السريعة والتنقل المتواصل بين الموضوعات وبين الاستديوهات، هل تم استقاء السرعة من النموذج الأميركي؟

ـ لا أعتقد ذلك بشكل دقيق، فهذا الشكل من العمل ليس شكلا أميركيا، بل هو من بناة أفكاري أنا، ولكن البرنامج يمتاز بالسرعة الكبيرة على نسق الحياة الأميركية، وهو برنامج بإنتاج عالي التقنية وبموضوعات عالية الفائدة ومناسبة للمشاهد العربي. وعلى الرغم من صعوبة العمل، لكنا نقوم به باحترافية كبيرة، ونهتم أيضا بالصدى الإعلامي، حيث نتلمس حاجات المشاهد عبر الاستماع إلى رأيه باستقبال متميز لحركة التفاعل الكبيرة من المشاهدين عبر الايميل والفيس بوك والاتصالات الهاتفية.

* جميع الفضائيات تستند في تقييم ما تقدمه على درجة المشاهدة وتقبل المشاهد لبرامجها، فكيف تقيس شبكة الحرة نسب المشاهدين، وكم بلغت في أحدث النتائج؟

ـ الحرة تستخدم في مسوحات المشاهدين إحصاءات شركة نيلسون الأميركية المتخصصة في هذا الصدد، وفي آخر مسوحاتها في شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي، أعلنت نيلسون أن الحرة كشبكة مكونة من ثلاث فضائيات حازت على 27 مليون مشاهد في الأسبوع الواحد، ونيلسون التي تعمل في هذا القطاع منذ نحو 60 عاما، تعتمد إحصاءاتها معظم الفضائيات الأميركية وتصدر قراءاتها بشكل دوري، وأهمية التقرير تنبع من ارتباط ذلك بحركة الإعلان في القنوات الفضائية وتوضح للمعلن أين يضع إعلانه. ونحن في الحقيقة نعتمد قراءتها لسبب جوهري يعود إلى حجم التمويل الذي يأتي إلى الحرة من الحكومة الأميركية.

* كيف ترين كمنتجة تلفزيونية، القطاع في المنطقة العربية؟

ـ للأسف جهلي بالمنطقة سابقا جعلني أتخيل واقعا غير الذي أراه الآن، وان الساحة خالية من الأعمال التي ترقى إلى العمل المتميز، لكن يمكنني القول إن الشرق الأوسط به شبكات وقنوات متطورة بكل معنى الكلمة على سبيل المثال شبكة الجزيرة والعربية وشبكة إم بي سي من ناحية الشكل والتصميمات والموسيقى والعروض كون ذلك جزءا من تخصصي، فأنا أقوم بمراقبتها كمنافسين لنا في المنطقة، وفي قناة العربية والجزيرة محتوى مرئي فخم يؤكد أنهم يقومون بعمل متميز.

* كيف تنظرون إلى حركة إطلاق الفضائيات في المنطقة، وهل يستفيد منها المتلقي؟

ـ الانفجار الحادث في منطقة الشرق الأوسط بالعدد الكبير من القنوات الفضائية الخاصة اعتبره أمرا ايجابيا، فالزيادة تعني زيادة الفرصة أمام رجل الشارع في أن يجد مكانا لعرض وجهة نظره، وإيصالها للمكان المستهدف، فيما يخص أمور الحياة العامة وطريقة العيش والعيش نفسه، كما أنها تتيح للناس أن يعرفوا الخبر الواحد من مصادر متعددة، مما يبلور رأيا عاما عارفا بما يدور من حوله، وهو أمر لا شك في أهميته، وهذا يشابه أيضا خدمة الانترنت التي أخرجت المعلومات إلى الناس عن كل المشاكل في مختلف البلاد.

* توقف عدد من الصحف في الغرب، وتحول بعضها إلى المحتوى الالكتروني قاد الكثيرين للاعتقاد أن الإعلام الحديث سيسحب البساط من الإعلام التقليدي، ما رأيكم؟

ـ هذا الأمر بالنسبة للصحف قد نراه أمرا واقعا، وسيحدث بحسب ما نراه أمامنا في العالم، واعتقد أن ذلك آت بأسرع مما نتوقع. بعد العطل المفاجئ الذي أصاب شبكة الانترنت في عام 2001 وحتى الآن، يمكن القول إن ثورة قد تحدث في عالم الانترنت، ويجب علينا جميعا أن نشارك في هذه الثورة المذهلة، وعلى الصعيد الشخصي لدي أكثر من 3 آلاف صديق على صفحة برنامجي «اليوم» في الفيس بوك وهذه الصداقات تكونت في وقت قليل جدا وسينمو العدد إلى عشرات الآلاف مع الوقت مما يوضح قوة ثورة الانترنت على مجريات الحياة اليومية للناس وتفاعلها معهم كونه طريقا متميزا للاتصال بين الناس.

* من الملاحظ أن هناك اهتماما متزايدا بالمنطقة العربية عالميا، ونلاحظ ذلك بانطلاق العديد من الفضائيات موجهة إلى المنطقة العربية وآخرها التلفزيون الصيني، وقبله الألماني والروسي والأميركي، ما هو السبب في تقديرك؟

ـ هناك العديد من الأسباب التي تقود القنوات الأجنبية للتوجه إلى العرب، وتشمل الأسباب السياسية، أو لأمور أمنية، مثل محاولة معرفة ومحاصرة الإرهاب، ولا اقصد بذلك أن الإرهاب شرق أوسطي، ولكن القاعدة مثلا نبعت من هنا، ولكن ذلك لا يعني أن المنطقة هي منبع الإرهاب، فقبل أحداث سبتمبر مثلا كان الإرهاب في مناطق أخرى من العالم، فكان في أميركا سوموزا وكان نورييغا على سبيل المثال، وبينوشية، وكان هناك حركات الاختطاف والتفجيرات وغيرها، فالإرهاب أمر عالمي، ولا يختص بمنطقة معينة لذا يسعى الإعلام خلف بؤره، ويجب أن ندرسه ونتثقف عنه.. ويجب أن نعلم كأميركيين ما هو الشرق الأوسط، وكذلك يفعل الروس والصينيون وغيرهم، ويجب أن نعرف اتجاهات الإرهاب وتفكيره وخطوط سيره... ولا يمكن أن نعرف بعضنا إلا بالتواصل.

إلى جانب تلك الأسباب هناك أسباب اقتصادية، ونسبة لما قام به الانترنت من تقريب بين الشعوب فإننا يجب أن نتحاور فيما بيننا كشعوب على هذه الأرض.