هل يترك الشاب غاريت غراف بصمته على «واشنطنيان»؟

تَنقّل من كاتب خطابات في الحملة الانتخابية إلى رئيس تحرير

غاريت غراف
TT

قد يكون غاريت غراف أكثر الصحافيين الشباب جاذبية في واشنطن، ولكنه أمضى وقتا طويلا مسؤولا عن الدعاية الانتخابية ليتعلم فن الردود السياسية الماهرة.

جلس الصحافي الشاب البالغ من العمر 28 عاما في مكتبه الأنيق المنظم في مجلة «واشنطنيان»، وكان يرتدي معطفا سترة رياضية وربطة عنق أرجوانية اللون. وسُئل لماذا لا تنشر المجلة التي تولى رئاستها المزيد من التقارير الحديثة، فوضع إصبعه على شفتيه وأخذ يفكر في السؤال، ربما لا يريد أن يسيء إلى سلفه الموجود في قاعة بالأسفل.

قال غراف: أتفق معك بالتأكيد على أن ذلك هو المفهوم. فهناك حاجة إلى «إنعاش» المجلة، ولكن الصحافة «الخدمية»، التي قدمت موضوعات حديثة تصدرت الغلاف مثل «عطلات نهاية الأسبوع في الخريف» و«الأطعمة زهيدة السعر» و«من داخل 10 منازل رائعة» و«26 سببا لحب الحياة هنا»، «هي التي تحقق رواجا في أكشاك البيع. وأعتقد أن القارئ قد يفقد اهتمامه لو لم تجذبه الموضوعات على الغلاف».

وقد ارتقى غراف الذي يتميز بحديثه اللين السلم المهني، من كاتب خطابات في الحملة الانتخابية إلى مدون إعلامي، ومن صحافي حر في واشنطن إلى رئيس تحرير، وذلك بسلاسة ملحوظة. وكان يخطط لأن يحل محل جاك ليمبرت (75 عاما)، الذي كان يدير المكان منذ أربعة عقود، دون أي مشاعر سلبية.

يقول ليمبرت، الذي تولى غراف منصبه: «إنه أكثر الشباب اللامعين الذين قابلتهم في الصحافة عندما عينته، وكان يبلغ 23 عاما، وأعتقد أنه ألمع صحافي يبلغ من العمر 28 عاما اليوم. إنه ذكي للغاية ومليء بالطاقة وأفضلهم جميعا، وهو يفهم جيدا في العالم الرقمي بطريقة لا يستوعبها بعضنا من القدامى».

وتقول الناشرة كاثرين ميريل ويليامز إنها عندما تولت نشر «واشنطنيان» «كانت أكبر مخاوفي، ماذا سيحدث إذا اصطدم جاك بحافلة؟ إن غاري شخص يتمتع بموهبة فردية وهو بارع في الإنترنت والطباعة، وتجري الصحافة في دمه».

وتعد ويليامز أيضا جزءا من الانتقال بين الأجيال في المجلة التي تمتلكها أسرتها منذ مدة طويلة. وقد تولت مسؤوليتها عام 2006، عندما توُفّي والدها بعيار ناري أصاب به ذاته في أثناء رحلة إبحار في خليج تشيسابيك.

والسؤال المطروح حاليا هو: كيف يمكن التعامل مع تلك الصيغة الشهرية من الغذاء المريح والآمن؟ ومع الاعتراف بأن أشهر الموضوعات في المجلة هي تلك التي تتناول تقارير عن المطاعم وموضوعات النميمة، يقول غراف إن لديه شغفا كبيرا بالصحافة المطولة.

وفي عدد شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أول عدد يرأس تحريره، نشر موضوعا ثريا بالتفاصيل عن زوجين من واشنطن متهمين بالتجسس لصالح كوبا. ولكن ظهرت على الغلاف صورة كبيرة لمدرسة توماس جيفرسون الثانوية (على الرغم من أن العنوان المصاحب لها كان مناقضا على نحو غير معتاد: «لماذا يجب أن تكره هذه المدرسة» وكانت الإجابة: لأنها قد تكون جيدة للغاية). ويأتي الوضع المعتاد للمجلة متفائلا، وكان موضوع الغلاف لعدد أغسطس (آب) حول عمليات الإنقاذ من الحرائق في بيثيسدا هو «الخبر الملهم».

ولا تحظى المجلة الشهرية بالحصانة من الركود، على الرغم من أن ويليامز تقول إنها ما زالت تحقق أرباحا. ويصل التوزيع إلى 137000 نسخة. ويعتزم غراف التركيز بصورة متساوية على الموقع الإلكتروني، الذي يجذب القراء الشباب ويجذب 340000 زائر شهريا. وقد تم تخفيض 5 صحافيين من هيئة التحرير المكونة من 35 صحافيا في العام الحالي.

وقد نشأ غراف، الوافد حديثا نسبيا إلى العاصمة، في مونبيلييه عاصمة فيرمونت. وكان والده مديرا لمكتب وكالة «أسوشييتد برس» في فيرمونت، وكانت والدته مؤلفة كتب أطفال وبعد ذلك تولت رئاسة تحرير مجلة «فيرمونت لايف»، وكان زوج والدته ناقدا دراميا في «هيرالد تريبيون» في نيويورك. وعندما بلغ غراف 14 عاما أصبح مساعدا صحافيا في فترة الصيف للحاكم الديمقراطي في الولاية هوارد دين، وظل يكتب البيانات الإعلامية بعد تخرجه في المدرسة، وأنشأ أول موقع إلكتروني لدين في عام 1997.

والتحق غراف بهارفارد (وانتظم في فترات تدريب أيضا في واشنطن في «إيه بي سي» و«أتلانتك»)، حيث خصص أربعة أعوام لإخراج صحيفة طلابية. وفي إحدى المرات نشر هو وزملاؤه في كريمزون أن الجامعة اختارت لاري سومرز رئيسا قادما لها، ولكن رفضت لجنة البحث تأكيد الخبر، وصرحت لـ«بوسطن غلوب» في اليوم التالي: «قد ينشر الصغار أخبارا خاطئة في بعض الأحيان».

وعندما أطلق دين أول حملة رئاسية له، كان غراف نائب المسؤول الصحافي. وكان يقدم تقاريره إلى جو تريبي، مدير الحملة الانتخابية الصارم، الذي كان في بعض الأحيان يمزق عمل المساعد المسالم ويلقيه في وجهه.

ويذكر تريبي: «لقد كان مذهلا. ولا يهم كم مرة قلت له اذهب واكتب الخطاب من جديد، فكان يأتي بشيء أفضل». ويقول تريبي إنه إذا أعطى غراف قضية يتعامل فيها مع الصحافة «ربما فشل بها في المرة الأولى. ولكن كان هناك أمر بشأنه. عندما كان يفشل في الأمر، كنت أثق به من جديد وكان يتحسن في المرة الثانية».

ورفض غراف أن يقول ما إذا كانت الصحافة غير منصفة لدين: «لا يهم كيف تجيب على ذلك السؤال، فالأمر ينتهي وكأنه عنب مر». ويقول إنه رأى موضوعات متميزة وأخرى رديئة، مضيفا: «تعاملنا مع صحافة غير مسؤولة إلى درجة لا تصدق في تلك الحملة».

وبعد سقوط دين في الانتخابات، انتقل غراف إلى واشنطن وأطلق مدونة «فيشباول دي سي» عن طريق «ميديا بيسترو»، في ما يشبه الدعاية الذاتية. وفي أثناء الجدل الذي أثير حول سماح البيت الأبيض تحت رئاسة بوش لجيف كانون، الذي ظهر ماضيه المسيء في أثناء عمله في موقع إلكتروني لعميل جمهوري، تقدم غراف للحصول على إذن من البيت الأبيض. وسجل جهوده على الإنترنت، وظهر في عدد من البرامج على قنوات الكابل، ونشرت نيويورك تايمز عن انتصاره كمدون عندما حصل على أوراق اعتماده. ويقول غراف: «لقد حققت شهرتي على الإنترنت لمدة 15 دقيقة».

وبعد ذلك بفترة قصيرة، عمل غراف صحافيا حرا مع مجلة «واشنطنيان». وكان أول عمل يكلف به هو: كتابة لمحة عن شخصيته. وكان غراف منهجيا وحذرا وعادلا، وارتكب خطأ واحدا فقط في ما يتعلق بالترتيب الزمني. وبعد ذلك شارك في أعمال أخرى، وعيّنه ليمبرت في تحرير قسم «تعليقات العاصمة». ووجد غراف أيضا بعض الوقت لتأليف كتاب عن السياسة والتكنولوجيا تحت عنوان «الحملة الأولى»، وهو يعمل حاليا على تأليف كتاب آخر عن مكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بي آي».

وبعد أن قرر ليمبرت في الربيع الماضي العودة إلى القيام بدور تحريري أقل، صعد غراف إلى المنصب الثاني في المجلة ليصبح رئيس التحرير التنفيذي. ويقول: «أرادت كاثي أن تختبرني قليلا في ما يتعلق بعملية صناعة القرار». ويبدو أنه اجتاز الاختبار. وركزت تقارير وسائل الإعلام التي تناقلت خبر تعيينه على صغر سنه، كما أشار غراف في سعادة على مدونته.

ووصفته مدونة «غاوكر» بـ« الصغير الصاعد القادم». وجاء العنوان الرئيسي في «بورتفوليو»: «يجب أن يرأس تحريرهم فتى صغير». ومنذ ذلك الحين نشرت «بورتفوليو»: الفتى ما زال صامدا.

وقال ويليامز: «أبحث عن رئيس تحرير يستمر على المدى الطويل. وبالنسبة إليّ، كونه صغير السن ميزة إضافية».

وغراف زائر منتظم لحفلات توقيع الكتب والاستقبال، أحيانا مع صديقته كاثرين بيرو، مساعدة رئيس جامعة جورجتاون. ويقول إنه يستمتع بالأوساط الاجتماعية، ولكنه لا يحاول تحقيق شهرة لذاته. ويقول: «بالنسبة إليّ، لست شخصا يكرس 17 ساعة في الأسبوع للدخول إلى شبكات التعارف الاجتماعي على الإنترنت».

وبالنسبة إلى هيئة التحرير، كان صعود غراف السريع، في الوقت الذي تم فيه التخلي عن بعض العاملين القدامى، مثيرا للغضب. ويقول محرر «واشنطنيان» هاري جافي: «أعتقد أنه قام بعمل جيد بطمأنته للعاملين بأنه لن تكون هناك تغييرات كبيرة».

«لقد اهتم بالجلوس مع كل محرر وكاتب. وتعد تلك مرحلة انتقالية سلسة لأن جاك ليمبرت ما زال موجودا بين أعضاء مجلس التحرير».

وما زال سؤال واحد مطروحا: هل يمكن لمساعد دين السابق، الذي يصف ذاته بـ«الليبرالي» على صفحته على «فيس بوك»، أن يكون رئيس تحرير عادلا ومتوازنا؟

أشار غراف إلى أن ليمبرت تولي مسؤولية «واشنطنيان» بعد العمل مع هيوبرت همفري في حملة عام 1968. ويقول، بالإضافة إلى ذلك، إن «عائلة ميريل تنتمي بقوة إلى الحزب الجمهوري» حيث عمل فيل ميريل مع ثلاث إدارات جمهورية.

ويقول غراف: «دائما ما كانت المجلة تبذل جهدا كبيرا، في مدينة خاضعة للانتماءات الحزبية، لكي تصبح غير منحازة إلى حزب ما. ولن أترك تلك التركة أبدا. ولن تدعني كاثي أفعل ذلك وأنا لا أريد ذلك أيضا».

هل يملك الصحافي الذي لم يبلغ عامه الثلاثين بعد ما يثبت به كلامه؟ تبدو الإجابة واضحة، ولكن من جديد، يختار غراف كلماته بحذر.

ويقول: «لقد قمت في السابق بالإثبات للناس أنني قادر على فعل ما أكلف به أو أحصل عليه، معتمدا على كيفية النظر إلى الأمور».

* يعمل كيرتز أيضا في «سي إن إن» ويقدم برنامجا أسبوعيا عن الإعلام باسم «مصادر موثوق بها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»