إعلاميو العراق منقسمون حول وجود قوانين تنظم عملهم

تأكيدا على أن البلاد محاطة بمجموعة من القوانين المتداخلة فيما بينها

تباينات بين آراء الإعلاميين العراقيين حول القوانين المنظمة لعملهم (الشرق الأوسط)
TT

مع استعداد البرلمان العراقي لإقرار ثلاثة قوانين تتعلق بالإعلام، سيصحو الإعلام في هذا البلد وهو محاط بجملة من القوانين، بعضها قديم والآخر استحدث بعد سقوط النظام، منها (قانون الإعلام العراقي، وقانون نقابة الصحافيين، وقانون المطبوعات، وقانون شبكة الإعلام العراقي، وقانون هيئة الإعلام والاتصالات، وقانون حماية الصحافيين، وقانون شبكة الإعلام والاتصالات، وقانون الاتصالات وشبكة تكنولوجيا المعلومات، وأخيرا مقترح قانون الصحافي العراقي). كل هذه القوانين قال عنها طارق حرب، رئيس جمعية الثقافة القانونية العراقية «إن الإعلام ليس بحاجة لها رغم أن الجديد منها لا يحمل نصوصا تحد من حرية التعبير أو تطويق العمل الصحافي».

وأضاف حرب لـ«الشرق الأوسط» «من المؤمل قيام البرلمان العراقي بمناقشة جملة من قوانين الإعلام، مثل (قانون هيئة شبكة الإعلام والاتصالات، والمركز الوطني للإعلام وأنشطة القنوات)، ومشاريع القوانين قدم بعضها من قبل الحاكم المدني بريمر مثل (شبكة الإعلام) ضمن القانون 66 لسنة 2004، و(هيئة الاتصالات وشبكة الاتصالات وحماية الصحافيين)، وهذه بمجموعها أصبحت حزمة قوانين إعلامية تضاف للقوانين القديمة التي عدلت بموجب الحديثة».

وأشار حرب إلى أن العراق لا يحتاج قطعا لهذا الكم الهائل من قوانين الإعلام «وردتني معلومة عن أن الحاكم المدني بريمر صادف صحافيا عراقيا ووجه إليه سؤالا يقول: كم قانونا إعلاميا لديكم؟ فرد الصحافي اثنان فقط، قانون نقابة الصحافيين وقانون المطبوعات، فاستغرب بريمر وفكر في إصدار قوانين أخرى نحن لسنا بحاجة لها، وكان من الممكن تعديل القديمة بشكل يلائم المتغيرات». وتابع «يتمتع الصحافيون العراقيون حاليا بالمزيد من الحريات التي نص عليها الدستور، حتى إن تأسيس فضائية لا يحتاج موافقة في العراق بل يحتاج موافقة جهات معنية بإعطاء الترددات فقط»، متوقعا تأجيل إقرار كل هذه القوانين للدورة البرلمانية المقبلة، بسبب الوقت القصير من عمر البرلمان الذي سيدخل في إجازة طويلة قبل بدء الانتخابات بعدة أيام تستمر لثلاثة أشهر».

من جهته، بين محمد إسماعيل الخزاعي، عضو البرلمان ومقرر لجنة الثقافة أن «البرلمان قرأ فعلا قانون شبكة الإعلام والاتصالات القراءة الثانية ويستعد للتصويت عليه منفردا، إلا إذا اقترح بعض الأعضاء تأجيله للدورة المقبلة».

وأضاف الخزاعي لـ«الشرق الأوسط» أن «مقترح قانون هيئة شبكة الإعلام والاتصالات، والتي ستتبع لمجلس النواب كما في هيئات المساءلة والعدالة والانتخابات والنزاهة والإعلام وغيرها، من الممكن أن يجابه باعتراضات قد تنجم عن خلاف حدث مؤخرا بسبب توجهات هيئة الإعلام العراقية التي اتهمت بميولها للحكومة العراقية، وابتعدت عن كونها هيئة عراقية مستقلة لا تأخذ توجيهاتها من أي جهة كانت وتمول من ميزانية الدولة».

وأضاف الخزاعي أن «الغرض من تشريع هذا القانون هو إنشاء هيئة تنظم كل ما يتعلق بالإعلام، وأن تخضع لرقابة البرلمان، حيث يضم القانون 32 مادة، ويمكن أن تفتتح مكاتب لها في جميع محافظات العراق، وتخصصها الدقيق هو الالتزام بتنظيم والرقابة على تنفيذ المبادئ والتوجهات العامة للدولة بموجب الدستور، وتستقل بكل تخصصاتها عن أي سياسات فرعية لأحزاب أو حكومة أو غيرها، كما أن لديها برامج توجيه ورعاية الحق العام لجميع أبناء العراق، وتقرير لغات أخرى غير العربية، والالتزام بالمعايير المهنية وعكس الآراء السياسية، ومتابعة البرامج الإعلامية، والمساهمة في نشر المعايير الديمقراطية السياسية والاجتماعية ونشر ثقافة الحوار وتعميق روح المواطنة، وأن تكون منبرا حرا لعكس آراء المواطن»، مشيرا إلى أن هذه الهيئة ستضطلع بمهام كثيرة لكن أهمها نشر الثقافة السياسية الجديدة التي يحتاجها المواطن في حياته والتكيف مع النظام العراقي الجديد ودولة القانون والمؤسسات والمواطنة وغيرها. وعن طبيعة العلاقة ما بين هذه الهيئة والإعلام في العراق قال عضو اللجنة الثقافية «إن الغرض من تكوين الهيئة هو بناء إعلام حر مستقل يتسم بالمهنية والشفافية خدمة للمصالح العامة، منطلقين من أهمية دور الإعلام في بناء مجتمع ديمقراطي، والالتزام بالخط العام المتعارف عليه دوليا، بعيدا عن التأثيرات السياسية والحكومية»، مشيرا إلى أن البرلمان تبنى من خلال إقامة مؤتمر تنظيم العمل الإعلامي بالعراق دراسة إعداد مسودة قانون آخر يتعلق بتنظيم العمل الإعلامي بالعراق، والمؤتمر استمر لثلاثة أيام بمشاركة شخصيات إعلامية ورجال قانون وأعضاء برلمان، وتناولوا واقع الإعلام العراقي والتشريعات القانون وميثاق الشرف المهني». وأوضح أن القوانين المتعلقة بالإعلام كثيرة، منها قانون حماية الصحافيين، وقانون تأسيس النقابات والاتحادات، وقانون المطبوعات، وكل هذه القوانين ستكون ضمن مهام الهيئة المزمع تأسيسها، وهي هيئة أصلا شرعت في زمن الحاكم المدني بول بريمر، ووفق تجارب دولية، وحل وزارة الإعلام العراقية، وهذا لا يمنع من تنظيم قانون ينظم العمل الإعلامي في العراق للتعامل مع القنوات الخاصة والحزبية والأجنبية، وهو أمر معمول به في جميع الدول المهم عدم ترك الأمر أشبه بالفوضى.

وأكد الخزاعي أنه «للأسف ما زلنا نعاني من ضبابية حول طبيعة العمل الإعلامي في العراق، ونسعى جاهدين لتنظيم كل هذه الأمور وفق قوانين قدمت من جهات متعددة، فمثال ذلك الإعلامي العراقي يعاني من حق الحصول على المعلومة، وقد يصطدم بقوانين لجهات أمنية حول سرية معلومات وغيرها، وهناك حق تداول المعلومات، كل هذه متعلقات يجب أن تنظم».

من جهته، بين الخبير القانوني العراقي طارق حرب، أن المادة (103) من الدستور نصت على «يعد كل من البنك المركزي وديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات ودواوين الأوقاف السنية والشيعية هيئات مستقلة ماليا وإداريا، وينظم القانون عمل كل هيئة، وهكذا حدد الدستور المركز الدستوري والقانوني لهيئة الإعلام والاتصالات، فهي هيئة مستقلة إداريا وماليا فقط وهي ليست من الهيئات المستقلة بجميع أمورها، وذلك خلافا للاستقلال المطلق الذي قررته المادة (102) من الدستور (للمفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة هيئات مستقلة..) في حين أن المادة (103) قررت ارتباط الديوان وهيئة الإعلام بمجلس النواب، والارتباط يعني الرئاسة والإمرة، وهو يختلف عن مجرد الرقابة المقررة لمجلس النواب». وتابع «الأمر الثاني الذي يجب ملاحظته أن هيئة الإعلام والاتصالات التي تتولى البحث في مشروعها ليست هيئة الإعلام العراقية أي شبكة الإعلام العراقي لاختلاف مهام الهيئتين كما سنرى، صحيح أن قانونيهما صدرا في يوم واحد هو (21/3/2004)، وتم نشرهما في عدد واحد من الجريدة الرسمية، لكن شبكة الإعلام العراقي ينظمها أمر سلطة الائتلاف (66) لسنة 2004، وهيئة الإعلام والاتصالات ينظمها أمر سلطة الائتلاف (65) لسنة 2004 أيضا، كذلك لا بد أن نلاحظ أن هيئة الإعلام والاتصالات هي من الهيئات الجديدة في النظام القانوني العراقي فلا يعرف هذا مدى أهمية هيئة الإعلام والاتصالات التي أناط بها هذا المنشور في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العمل على تقوية (كلب الحراسة) ودوره الذي تقوم به أجهزة الإعلام لرعاية المصلحة العامة. كما أنها صاحبة الاختصاص في منح رخص (إجازات) شبكات خدمات الاتصالات والإعلام».

من جانبها، بينت تيسير المشهداني، عضو البرلمان العراقية، في قراءة لقانون هيئة الإعلام، أن الدستور، وحسب قانون الحاكم المدني بريمر، يؤكد أن هناك هيئة مستقلة هي هيئة الإعلام والاتصالات، وهذه الهيئة ترتبط بمجلس النواب وفي تلك الفترة كان هناك القانون 65 الذي ينظم عمل هذه الهيئة، إلا أنها تشكو الآن من نزاع قانوني، وتعتبر هذه الهيئة اليوم عبارة عن تصريف أعمال حيث تحتاج إلى قانون ينظم عملها وهيكليتها، وبالتالي فإن الحكومة قد تأخرت في كتابة مثل هكذا قانون، حيث اقترحت لجنة العمل والخدمات الآن في مجلس النواب وبجهد مكثف بعد قراءته والاطلاع على مسودة مجموعة من القوانين أن تنظم فكرة لصياغة قانون يحتوي على ثلاثة أبواب وهي (قانون الاتصالات بشكل عام، قانون وزارة الاتصالات، قانون هيئة الاتصالات والإعلام).

وبشأن القوانين الأخرى التي تنظم عمل الإعلام في العراق قالت المشهداني «نعم هناك القانون رقم 66 الذي أقر في زمن الحاكم المدني والذي ينظم عمل شبكة الإعلام، إلا أن هناك توجها في مجلس النواب إلى تشكيل هيئتين هما هيئة الإعلام وهيئة الاتصالات، ولكن هذا الشيء لم يشر إليه الدستور، لذلك من الضروري إجراء تعديل على الدستور كي يشير إلى هاتين الهيئتين لغرض أن تقدم اللجنة الثقافية تشريعا لمثل هكذا قانون. علما بأنه من ضمن صلاحيات الوزارة الاتحادية أنها ترسم السياسة الإعلامية وبالتالي سوف ترسم سياسة الاتصالات والإعلام في العراق بشكل عام».

أمين سر نقابة الصحافيين العراقيين سعدي السبع أكد لـ«الشرق الأوسط» أن النقابة أعطت موضوع تشريع القوانين أهمية كبرى، فهناك قوانين قديمة يجب أن تلغى أو تعدل بعض نصوصها كما يجب تشريع قوانين جديدة تلائم الوضع الجديد للإعلام في العراق، مشيرا إلى أن «جملة من الإيجابيات للعمل المهني الإعلامي ستجدونها بعد إقرار قانون حماية الصحافيين الذي يحوي الكثير من البنود المتعلقة بحرية التعبير وحماية الصحافي وتوفير أجواء ديمقراطية له».

أما زياد العجيلي، رئيس مرصد الحريات الصحافية، فأوضح أن هنالك رأيين في موضوع قوانين الإعلام، فهناك من يؤيد تشريع قوانين تنظم عمل الصحافة وتضمن حريات العمل الصحافي وحرية التعبير وحرية الحصول على المعلومة، وهناك رأي ضد إيجاد قوانين صحافية، فمجرد وجود قانون يعني أن هناك حدودا تبدأ من نقطة ألف وتنتهي بنقطة ياء، وعلى الجميع التقيد بها، مشيرا إلى أنه يذهب مع الرأي القائل بحرية الصحافة وحرية إبداء الرأي وحرية الانتقاد وكل شيء داعم لحرية الإعلام في العراق.