مدير شركة «الغد» الليبية للإعلام: سيف الإسلام رشحني لكنه لم يمارس أي ضغوط من أجلي

سليمان دوغة لـ «الشرق الأوسط»: سندشن وكالة أنباء خاصة تنقل الحدث كما هو.. وقناة «المتوسط» ستتحول إلى مغاربية

سليمان دوغة مدير شركة «الغد» الليبية للإعلام («الشرق الأوسط»)
TT

قبل بضعة شهور قليلة فقط كان سليمان دوغة أحد أبرز الإعلاميين والصحافيين الليبيين المقيمين في الخارج والمصنفين على أنهم من المناوئين لنظام حكم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، أو على الأقل من المروجين بقوة لشعارات التغيير وحتمية الإصلاح التي طالما دعا إليها المهندس سيف الإسلام القذافي، النجل الثاني للعقيد، والذي ينظر إليه على أنه رأس الحربة في مشروع (ليبيا الغد)».

المشروع الذي بدأ اجتماعيا واقتصاديا وتحول بالتبعية إلى مشروع سياسي، وكان من البديهي أن ترافقه ذراع إعلامية، لا سيما في ظل رفض نجل القذافي للوضع الصعب والمأسوي للإعلام الليبي الرسمي، وهكذا تحول المشروع إلى اسم لشركة إعلامية تدير صحيفتين يوميتين هما «قورينا» و«أويا»، وهما الاسمان الرومانيان القديمان لمدينتي طرابلس وبنغازي الليبيتين، بالإضافة إلى قناة «الليبية» الفضائية التي تحول اسمها لاحقا إلى قناة «المتوسط»، وانتقل مكان بثها من العاصمة الليبية طرابلس إلى الأردن ثم إلى بريطانيا في ظروف مثيرة للجدل.

في الحوار التالي يتحدث سليمان دوغة لـ«الشرق الأوسط» في القاهرة عن تفاصيل ما كان، ويتطرق للمرة الأولى إلى مدى تأثير حركة اللجان الثورية التي تعتبر العمود الفقري للنظام المعمول به في ليبيا منذ عام 1977 على مجمل المشروع الإعلامي والسياسي لنجل القذافي.

* ثمة جدل على ما يبدو أحاط بتعيينك في شركة «الغد»، وقيل إن سيف الإسلام القذافي كان أبرز مؤيديك، ما صحة الأمر؟

- ما حدث أنه كان هناك رفض من أحد أعضاء الجمعية العمومية، واحتجّ بأنني لم أكن في ليبيا فترة الحصار، وبالتالي ليس من العدل أن يسلم المنصب لشخص قادم من الخارج. طبعا هذا الكلام غير دقيق لأنني مواطن ليبي بسيط ومن أسرة متوسطة الحال كبقية أبناء الشعب، لم أولد وفي فمي ملعقة ذهب، وخرجت من ليبيا عام 1995، أي أنني عشت مع بقية شعبي كل السنوات العجاف، من الغارة الأميركية وحتى سنوات الحصار.. على كلٍّ أنا احترمت هذا الجدل لأنه أمر طبيعي، واحترمت أكثر موقف سيف الإسلام، فالرجل على الرغم من أنه هو من رشحني لهذا المنصب، وكان قادرا على فرضي، فإنه لم يمارس أي ضغوط، وترك الأمر ليحسم بعملية ديمقراطية، واحترم رأي المخالفين الذين بذل الأخ صالح عبد السلام، رئيس مجلس إدارة الشركة، جهدا مشكورا لإقناعهم.

* أنت أول إعلامي من خارج المنظومة الرسمية ينضم إلى قطار الإصلاح والتغيير، وهي شعارات يرفعها نجل العقيد. كيف ترى الأمر؟ وهل تتوقع صعوبات من حركة اللجان الثورية؟

- يجب أن نعترف بأن الإعلام الذي تحدث عنه سيف الإسلام وأراده أن يكون في ليبيا من أول يوم، ليس رسميا، على العكس، الرجل انتقد بشدة الإعلام الرسمي في بلاده، وطالب بتصحيح جذري لصورة «الإعلام الجماهيري»، الذي تحول إلى إعلام إقطاعي وإقصائي باهت، ومحتكر من قبل أشخاص معدودين، ولذلك فأنا محسوب على إعلام «الغد» الذي يقوده سيف الإسلام، أما عن حركة اللجان الثورية فلا أعتقد أن الحركة ستضع أي عراقيل لسبب بسيط، وهو أن أغلب قادتها باتوا يؤمنون بمشروع «ليبيا الغد»، وهم موجودون في شركة «الغد» وخارجها وبعضهم زملاء أعزاء لي وإخوة. قد تجد خلافا هنا أو هناك، هذا شيء طبيعي، وهو الوضع السليم، فنحن لسنا بحاجة إلى دولة تقام أسسها على نظرية الخائب بوش «معي أو ضدي».

* يتحدث نجل القذافي دوما عن إعلام جديد ومختلف، ما هي ملامح خطته الإعلامية إن صح التعبير؟

- سيف الإسلام تحدث عن رؤية وهوية لإعلام «الغد» تقوم على إعادة بناء الإعلام الجماهيري بشكله الصحيح. وأشار في أحد خطاباته إلى نموذج مدرسة «بي بي سي»، وهي في رأيي أول من طبق هذا النوع من الإعلام -منذ عام 1927- إعلام يموله الشعب ويخضع لسلطته ورقابته، ويمارس نقده للأنظمة والحكومات المتعاقبة بموضوعية وشفافية واحتراف.. معظم الإعلام العربي اليوم لا يزال تحت رهن الثنائية القديمة: إعلام حكومي يطبل ويزمر.. أو إعلام معارض يشتم ويلعن. وحتى أكون معك صريحا، ما هو موجود على أرض الواقع لا يزال بعيدا عن مستوى الطرح الذي طرحه الأخ سيف الإسلام، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه فريق الإدارة الجديدة الآن.

* تكلمت عن وكالة أنباء خاصة، هل ستكون موازية للوكالة الرسمية أم للترويج لمصطلحات التغيير؟

- لا هذه ولا تلك.. ببساطة إنها محاولة لنقل الحدث «كما هو».

* انتقالك المفاجئ من صفوف المعارضة إلى الحكم يثير الجدل وعلامات الاستفهام, هل ترى الأمر عاديا؟

- أولا ليس انتقالا مفاجئا.. كل من يعرفني سواء من خلال توجهي في صحيفة «ليبيا اليوم»، أو من خلال ما أكتبه، يعرف جيدا أنني «إصلاحي».. دعوت وأدعو إلى ضرورة إصلاح أوضاع بلادي من الداخل.. ولم أؤمن بجدوى الانقلابات العسكرية يوما ولا إزاحة النظام واستبداله بآخر، حاربت أي تغيير يأتي عبر دبابة أميركية أو بريطانية، وقلت إنني مستعد للقتال إلى صف النظام إذا تعرض وطني للغزو.. ولكن عندما لم يكن هناك مجال للحديث من الداخل انتقدت من الخارج، أما اليوم فإن هامش الحرية الموجود اتسع لي ولغيري من المئات الذين رجعوا، فلماذا الإصرار على المعارضة من الخارج؟ هل هي «معارضة من أجل المعارضة»؟!

* بادرت إلى إعلان مرتبك على الفيس بوك, لماذا؟ هل هو نوع من إبراء الذمة مقدما أم لتقول إنك تنوي الشفافية؟

- ليبيا تعاني من فساد مستشرٍ، حالها كحال بقية الدول العربية، وللأسف فإن منطق «الغنيمة والأنفال» بات يسيطر على عقول أغلب الذين وصلوا إلى تلك المناصب بسبب الولاء وليس الكفاءة، فالمنصب بالنسبة إلى هؤلاء «فرصة العمر» للثراء الفاحش، فيما يعاني غالبية الشعب من أوضاع اقتصادية ومادية صعبة جدا.. إذا كنا نطالب هؤلاء بالشفافية ونظافة اليد فالأَولى أن نمارس تلك الشعارات على أنفسنا.. «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ».. وأعدك بأن يكون هذا نهج شركة «الغد» كلها وليس فقط المدير.

* ما هو مستقبل شركة «الغد» في إطار برنامج سيف السياسي؟

- مشروع سيف الإسلام «ليبيا الغد» مشروع طموح وذو رؤية ورسالة وهوية وطنية صميمة.. يبدأ من التطوير السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي.. يتحدث عن التنمية والصحة والتعليم والقضاء وحقوق الإنسان والحريات.. كيف يمكن لمشروع كهذا أن ينجح إن لم يسانده إعلام قوي يحترم عقول الليبيين، ويساهم في بناء الوعي لدى المجتمع، ويحارب الإحباط والتخلف والجهل والفساد والاستبداد، إعلام يضخ جرعات الثقة والأمل والتفاؤل بغد مشرق ووطن للجميع، إعلام يكشف جوانب القصور والخلل في المشروع ويرشد السفينة وربانها، ولا يقوم بالتطبيل والدعاية السمجة التي أفشلت الكثير من المشاريع الكبيرة التي تبنتها الثورة الليبية؟

* ماذا عن قناة «المتوسط» التي يقال إن مستواها مهزوز ولا تحظى بشعبية؟

- قناة «المتوسط» انطلقت وتأسست في ظروف استثنائية، ولذلك فمن الطبيعي أن تكون هناك أخطاء ويوجد هذا الارتباك والاهتزاز الذي تتحدث عنه. عندما تسلمت الإدارة كنا بين أمرين أحلاهما مُرّ: الاستمرار على هذا الوضع الاستثنائي، أو التوقف من أجل إعادة بناء رؤية ورسالة وأهداف القناة في أن تكون ذات بُعد مغاربي ومتوسطي وفق ثوابتنا وهويتنا العربية والإسلامية والأفريقية.. بالطبع اخترنا أن تتوقف القناة ويعاد بناؤها بحلة جديدة ومحتوى إخباري وبرامجي قوي استعدادا للانطلاق قريبا بإذن الله.

* تحدث نجل القذافي عن موقع إلكتروني وصحيفة بنفس الاسم, أين هما؟

- دعني أكُن معك صريحا، لا يستقيم الحديث عن النوافذ والأبواب لبيت لم يكتمل أساسه أصلا.. نحن الآن في مرحلة إعادة بناء مؤسسة «الغد» من جديد، وهي مؤسسة إعلامية ضخمة كما تعلم، تمتلك عددا من القنوات والصحف اليومية ومواقع إنترنت، وقريبا ستطلق وكالة أنباء ومركز تدريب وترجمة، ولديها طابعة ضخمة، ولذلك فلا بد من ترتيب الأولويات وفق أهداف مرحلية.. ووضع خطة زمنية تتدرج في تنفيذ كل هذه المشاريع، فمثلا بدأنا بموضوع الوكالة لأهميته القصوى حاليا، ولأنه سينظم عملية صناعة وتدفق الأخبار بشكل احترافي ومهني، وسيمكننا من بناء «مطبخ صحافي» قوي ويعزز من قدراتنا التنافسية لوكالات الأنباء الكبيرة. وعالجنا موضوع نقص الكوادر الإعلامية والصحافية في ليبيا بمركز تدريب سيتم إطلاقه عما قريب.. وأعتقد أن أولوياتنا تتجه إلى 3 أمور حاليا: بناء المؤسسة هيكليا وإداريا واستكمال الرؤية والأهداف، وبناء وتجهيز الكوادر الوطنية المدربة، والأمر الثالث تحقيق الاستقلال المالي، وهو ما يريده سيف الإسلام، حتى يتحقق عمليا نموذج «الإعلام الجماهيري» الذي دعت إليه الثورة الليبية وللأسف لم يتحقق حتى الآن.