سامي الحاج.. من معتقل غوانتانامو إلى صالة تحرير «الجزيرة»

اتهم بتزييف الوثائق وإمداد المتمردين الشيشانيين بالمال

سامي الحاج.. بعد سبع سنوات من الصمت يتحدث إلى وسائل الإعلام («نيويورك تايمز»)
TT

لم يكن من بين المحتجزين - الذين كانوا من الإرهابيين المشتبه بهم، أو المتعاطفين مع تنظيم القاعدة، والأشخاص الذين كانت الولايات المتحدة تعتبرهم أعداء مقاتلين - بمعتقل غوانتانامو بكوبا البالغ عددهم 779 سوى صحافي واحد.

كان المصور سامي الحاج يعمل بقناة «الجزيرة» عندما اعتقلته القوات الباكستانية على الحدود مع أفغانستان في أواخر 2001. وقد اتهمت الولايات المتحدة سامي الحاج، ضمن آخرين، بتزييف الوثائق وإمداد المتمردين الشيشانيين بالمال، وذلك على الرغم من أنه لم توجه أي اتهامات رسمية لسامي الحاج طوال السنوات التي قضاها معتقلا. والآن، وبعد مضي أكثر من عام على إطلاق سراحه، عاد سامي الحاج السوداني ذو الأربعين عاما إلى عمله بالقناة الإخبارية العربية، بل إنه أصبح على رأس فريق عمل مختص بشؤون حقوق الإنسان والحريات العامة. وبذلك تحول سامي الحاج من أسير إلى مراسل؛ يقول الحاج عبر مترجم خلال اللقاء الذي أجري معه في المقر الرئيسي للقناة بالدوحة بقطر: «كنت أريد أن أتحدث طوال الأعوام السبعة. والآن أريد أن أعوض تلك السنوات السبع من الصمت».

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، لم يكن هناك ما يسيء إلى صورة الأميركيين بالنسبة لمشاهدي قناة «الجزيرة» في العالم العربي أكثر من معتقل غوانتانامو. ولهذا السبب، يعد السيد الحاج الذي أصدر سلسلة من ستة أجزاء عن تجربة اعتقاله، هو السلاح الذي من المرجح أن تستخدمه القناة التي لم تلتزم طوال الوقت بالموضوعية الصحافية خلال تناولها لقضية إساءة معاملة سامي الحاج. ففي أحد البرامج، وصف أحمد الشيخ رئيس تحرير «الجزيرة» سامي الحاج بأنه: «واحد من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الإدارة الأميركية السابقة».

ولكن سامي الحاج لم يقصر مهمة فريق عمله على معتقل غوانتانامو أو فترة سجنه. بل إنه عمل على توسيع تغطية الشبكة لقضايا حقوق الإنسان بما في ذلك؛ حرية الصحافة في العراق، والفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، وتداعيات قانون مكافحة الإرهاب المعروف باسم «USA Patriot Act». في يوم أربعاء بمنتصف شهر أغسطس (آب)، كلف سامي الحاج فريق عمل «الجزيرة» بتغطية إضراب بعض السجناء السياسيين بالأردن عن الطعام، وأشار بسعادة إلى إحدى المحطات التلفزيونية المجاورة؛ حيث كان اسم قناة الأخبار الأردنية يتردد أسفل الشاشة. يقول الحاج إن الأمر لا يتعلق بأن تجربته جعلت منه ثوريا، فهو على الرغم من نشأته في بلد يسوده العنف والقمع وعلى الرغم من تجربة اعتقاله، ظل مؤمنا بالديمقراطية وحكم القانون.

من جهته، يقول تيري أندرسون مراسل «أسوشييتد برس» الذي كان محتجزا في لبنان في الفترة ما بين 1985 و1991 على يد أصوليين إسلاميين إنه يستطيع تفهم المهمة التي يقوم بها حاليا سامي الحاج. موضحا: «ماذا الذي تفعله في السجن؟ إنك تتأمل حياتك، وتفكر في الذي كنت تفعله قبل ذلك وكيف قادك إلى تلك النتيجة». ومما لا شك فيه أن مشاهدي «الجزيرة» يعرفون قصة سامي الحاج جيدا، ولكن الأميركيين لا يعرفون عنها شيئا. (كما أن روايته مثل العديد من روايات معتقلي غوانتانامو لا تتفق مع رؤية المسؤولين الأميركيين أو الوثائق). بعدما كان سامي الحاج يعمل في شركة للمشروبات، بذل عدة محاولات للعمل في أذربيجان، ثم بدأ يعمل كمصور لقناة لجزيرة في 2000. وقد تم اعتقاله في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2001، وهو يحاول عبور الحدود مع أفغانستان بصحبة مراسل صحافي.

كان سامي الحاج يعتقد أن الأميركيين يسعون وراء مصور آخر لقناة الجزيرة يحمل اسما مشابها، نظرا لأنه كان قد سجل لقاء مع أسامة بن لادن بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وبعدما اعتقلته السلطات الباكستانية المحلية، أرسل سامي الحاج إلى معتقل أميركي بقاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، يقول سامي الحاج إنه عانى فيه من التعذيب والضرب، ثم تم نقله إلى قندهار ومنها إلى معتقل غوانتانامو في منتصف عام 2002. ويقول سامي الحاج إنه يعتقد أنه تم نقله إلى غوانتانامو نظرا لكونه صحافيا. ويضيف مستشهدا بسوء المعاملة الذي كان يتعرض لها السجناء في باغرام على وجه الخصوص: «لقد رأيت أشياء كثيرة لم يكن من المفترض أن أراها». ويزعم سامي الحاج أنه سئل خلال الاستجوابات المطولة حول تفاصيل تتعلق بأطقم عمل شبكة «الجزيرة» وسياستها والعمليات التي يقومون بها، مضيفا أن بعض الحراس كانوا يطلقون عليه اسم «الجزيرة».

ويقول إن أحد المستجوبين سأله في إحدى المرات: «كم يدفع بن لادن للجزيرة كي تقوم بعمل كل هذه البروباغاندا حوله؟».

ويقول الحاج إنه أجاب عليهم مؤكدا أن بن لادن ليس شريكا في عملية بروباغاندا تقوم بها «الجزيرة»: «أنت تسأل سؤالا خاطئا. فابن لادن هو صانع الخبر».

وفي المعتقل الأميركي، حاول ممارسة عمله الصحافي من خلال تسجيل شهادات محاميه وأفراد أسرته، وترجمة قصص إساءة معاملة زملائه من المعتقلين، بل إنه قام برسم بعض الرسومات التي تصور إجبار المحتجزين على تناول الطعام خلال إضراب عن الطعام. فيقول الحاج: «شعرت أنني بحاجة إلى تسجيل ذلك للتاريخ. لكي يعرف الجيل القادم قسوة الجريمة التي تم اقترافها». وخلال اللقاء الذي أجري معه، عرض سامي الحاج جرحا عميقا بساقه اليسرى قاله إنه تعرض له عندما دفعه الحراس تجاه قضبان زنزانته بغوانتانامو أثناء ضربه، مضيفا أن الصدمة النفسية التي نجمت عن ذلك الجرح أكثر قسوة من البدنية، مؤكدا أنه ما زال يذهب للاختصاصيين النفسانيين.

وبسؤاله عن قناة «الجزيرة»، قال المتحدث الرسمي باسم البنتاغون إن القوات الأميركية «لا تستهدف العاملين بوسائل الإعلام ولكن العمل بوسائل الإعلام لا يمنح حصانة ضد الاعتقال إذا ما كان ذلك العامل مشتبها به، أو مشتبها بكونه إرهابي». وأضاف المتحدث الرسمي أن المحتجزين كافة كانوا يعاملون بطريقة إنسانية على الرغم من كونهم معتقلين.

ووفقا لزاكري كاتزنيلسون المدير القانوني لجماعة «ريبريف» الحقوقية، فإن التهم الموجهة لسامي الحاج كانت تتغير على مر السنوات التي قضاها في المعتقل: «ففي البداية، كان متهما بتصوير لقاء مع أسامة بن لادن، ولكنهم اكتشفوا أن المصور الذي صور اللقاء هو مصور آخر. وبالتالي اختفى ذلك الاتهام ثم ادعت الولايات المتحدة أن سامي يدير موقعا إلكترونيا للجهاديين. وعندما تأكدوا من عدم وجود مثل ذلك الموقع الإلكتروني، اختفى ذلك الاتهام. ثم قالت الولايات المتحدة إن سامي كان في أفغانستان لترتيب صفقة بيع صواريخ للمتمردين في الشيشان. ولم يكن هناك دليل يدعم تلك الاتهامات على الإطلاق وبالتالي اختفت تلك المزاعم أيضا».

يذكر أن سامي الحاج الذي عاد إلى السودان على إحدى النقالات الطبية قد أطلق سراحه في مايو (أيار) 2005 بعد مطالبات جماعات حقوق الإنسان والحكومة السودانية. يقول المتحدث الرسمي باسم البنتاغون إن إطلاق سراح سامي الحاج من السودان «يشير إلى إيماننا بأن حكومة السودان يمكنها السيطرة على الخطر الذي يمثله سامي الحاج».

ومنذ إطلاق سراح سامي الحاج الذي ازداد وزنه ونشاطه، أصبح يقسم وقته بين قناة «الجزيرة» و«مركز العدالة بغوانتانامو»، وهي الجماعة التي شارك في تأسيسها من أجل المحتجزين السابقين. ويعمل سامي الحاج من خلال ذلك المركز على اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والمسؤولين في إدارته.

وحتى خلال الحوار المترجم، كان الحاج حريصا على اختيار مفردات معينة؛ حيث كان يطلق على المحتجزين بغوانتانامو «الأسرى» لكي يلفت الانتباه لما يقول عنه «مكان خارج القانون».

وعندما ذكر أحد الزوار «تقنيات الاستجواب المطورة» وهو المصطلح الأميركي الذي يشير إلى المعاملة القاسية التي يتعرض لها المحتجزون، أوقف سامي الحاج المترجم معترضا حيث قال له بالعربية «بدلا من التعذيب؟». مضيفا: «إننا نعطي انطباعا خاطئا» باستخدامنا ذلك المصطلح. «فنحن كصحافيين ننتهك حقوق الإنسان من خلال مساهمتنا في تغيير الحقائق».

والغريب أنه على الرغم من اعتقال السلطات الأميركية لسامي الحاج، فإنه ما زال مؤمنا بالنظام السياسي الأميركي. فقد كان يطلع على الأخبار عبر الحراس في الفترة السابقة على انتخابات 2004 وكان واثقا من أن المقترعين الأميركيين سوف يصوتون ضد السيد بوش مما يمكن أن يسفر عن إطلاق سراحه. وعندما أخبره الحراس بأن الرئيس بوش أعيد انتخابه، اندهش وقال: «لقد كنت أعتقد أنني سوف أبقى إلى ما بعد بوش».

* خدمة «نيويورك تايمز»