بيتر فين: أخبار الصفحة الأولى أو تغطية قضية مثيرة تحتاج إلى رأي مسؤولي التحرير ومحامي الصحيفة

خبير «واشنطن بوست» في قضايا الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: تغطيتي للحرب في كوسوفو كانت الأبرز

بيتر فين («الشرق الأوسط»)
TT

بيتر فين خبير «واشنطن بوست» في قضايا الإرهاب يعتبر بمثابة «عمدة غوانتانامو» من كثرة ترحاله إلى معسكر الأسر الأميركي وكتاباته التي لم تتوقف منذ نحو عامين عن خالد شيخ محمد أو (ك. إس. إم) كما يعرف بين الجنود والحراس والمحققين.

وبيتر فين أو «بيت» كما يطلق عليه في المعسكر، أو كما يناديه المحققون أو المحامون العسكريون، يتميز ببساطة شديدة وقدرة على التحليل. التقيته في غوانتانامو أكثر من مرة، ولا يبخل على زملائه بالمعلومات التي باتت مخزنه في عقله عن الخمسة الكبار الذين نسقوا ودبروا هجمات سبتمبر (أيلول).

في إحدى ليالي غوانتانامو أمام الخيمة التي يسكنها الصحافيون بعيدا عن خيام الحراس والمحامين، جاءته مكالمة على الجوال بعد منتصف الليل من البنتاغون، وقال لي باهتمام شديد إن الرئيس أوباما سيعلن في الصباح إغلاق غوانتانامو، واستأذنني على عجل لكتابة قصة لأن فرق التوقيت يعمل لصالحه. وعلى موقع «واشنطن بوست» الإلكتروني أكثر من 100 قصة كتبها بيتر فين عن قيادات «القاعدة» المعتقلين في معسكر غوانتانامو، وكذلك عن تقنيات التعذيب التي استخدمت هناك. وجاء معه الحوار عبر البريد الإلكتروني على النحو التالي:

* هل يمكنك أن تخبر القراء العرب القليل عن نفسك؟

- ولدت في أيرلندا، كان والدي شرطيا، والتحقت بـ«يونيفرسيتي كوليدج دبلن»، حيث حصلت على درجة البكالوريوس في التاريخ والسياسة، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية. وفي عام 1986، انتقلت إلى نيويورك، حيث التحقت بكلية الصحافة في جامعة كولومبيا. وهناك، التقيت زوجتي، ولدينا الآن أربعة أبناء، ولدان وبنتان.

* كيف بدأت حياتك المهنية كصحافي.. وهل مررت بلحظة حاسمة تأكدت خلالها أنك اخترت المهنة الصائبة؟

- بدأت الكتابة في أيرلندا، ونشر أول مقال لي في صحيفة محلية صغيرة عندما كنت في الـ16 من عمري. كانت هذه المرحلة في السبعينات من القرن الماضي، وهيمنت وقتها «واشنطن بوست» على الاهتمام بالتحقيق الذي أجرته بشأن فضيحة «ووترغيت»، التي وصلت أنباؤها حتى إلى المدن الأيرلندية الصغيرة، رغم أن مسألة أن ينتهي الحال بي بالعمل لدى «واشنطن بوست» بدت حلما بعيد المنال في عام 1977 عندما كتبت مقالي الأول. ولم أجد نفسي قط في أي مهنة أخرى.

* كمحقق صحافي تنطوي الكثير من مقالاتك على أبحاث قد يستغرق أسابيع وربما أشهر. هل يمكنك أن تطلعنا على كيفية إقناع مصادرك بإطلاعك على هذا القدر من المعلومات القيمة التي قد لا تكشف على الأغلب للآخرين؟

- بالنسبة لي فإن أفضل المقالات التي أكتبها تأتي عبر المراسلة المواظبة. فكتابة الأخبار اليومية ومعرفة اللاعبين الرئيسيين في منطقة محددة تمكنك من بناء نوع من الثقة مع هؤلاء الشخصيات، ومن ثم يصبحون أكثر طواعية في الحديث معك أو إعلامك بشكل خاص بالموضوعات الأكثر حساسية بدلا من أن أبحث عن هذا الموضوع أو ذاك. وأنا أواصل كتابة الأخبار اليومية ومن ثم فإن الأخبار الطويلة التي أكتبها تأتي كنتيجة طبيعية لذلك.

* ما رأيك في محاكمة خالد شيخ محمد. وكم عدد المرات التي حضرت فيها محاكمته؟

- بصراحة، أنا لا أملك وجهة نظر خاصة إذا كان أن السؤال يتعلق بأحقيته في أن يحاكم أمام محاكم فيدرالية أم محاكم عسكرية. فأنا أتعامل مع أفراد من الجانبين حول القضية وهم يتوقعون مني أن أغطي الخبر دون أي أجندة محددة أو تحيز.

* لو أنك كشفت ما تراه خبرا مهما، هل من الضروري أن تحصل على موافقة مسبقة من رئيس التحرير؟

ـ أنا أتحدث بصورة دائمة مع المحرر المختص بشؤون الأمن القومي في الصحيفة. وعند هذه النقطة لا يتطلب الأمر السعي إلى الحصول على إذن أو الحصول على موافقة أو رفض، فالتجربة وحدها هي القادرة على صنع الإحساس الجيد وما مدى صعوبة الحصول عليها وكم الوقت المطلوب لذلك. كما أن رؤساء التحرير يثقون بحكمنا بأن الأمر جدير بالمتابعة. وبالمثل فقد يطلبون مني القيام بشيء قد لا يتضح لي أو يطلبون مني التنحي عن أمر للقيام بمهمة أخرى تكون أكثر إلحاحا أو أهمية.

* غطيت بصورة موسعة القضايا المتعلقة بمعتقل غوانتانامو.. فما رأيك في مبادرة الرئيس أوباما بإغلاق المعتقل؟ وهل تعتقد أن الخطة ستعاني من بعض التأخير نتيجة لحادثة طائرة دلتا؟

- مرة أخرى، أحاول تجنب تكوين آراء حول القضايا التي أغطيها أو ما إذا كان لدي رأي فأتجنب التصريح به لأنني أتعامل على الدوام مع أشخاص يأخذون اتجاهات ومواقف مختلفة حول القضايا اليومية. وإغلاق غوانتانامو واحدة من بين هذه القضايا. وأعترف لك بأنني لا أرغب في السفر إلى سجن تومسون بولاية ألينوي في الشتاء (يتوقع أن يكون تومسون سجنا بديلا لمعتقلي غوانتانامو الذين سيستمر احتجازهم بموجب قوانين الحرب أو الذين أدانتهم اللجان العسكرية أو من أدينوا في المحاكم الفيدرالية مثل خالد شيخ محمد الذي سيحتجز في سجن فيدرالي وليس في منشأة عسكرية.

* أنت تعد الآن واحدا من الصحافيين المشهورين.. فهل تعزو هذا النجاح إلى تغطيتك لمحاكمات غوانتانامو؟

- أنا لم أغط وقائع غوانتانامو سوى 18 شهرا، وقبل ذلك عمل مراسلا لـ«التايمز» في الخارج لمدة عشر سنوات حيث عملت في البداية في وارسو مدة عامين ثم في برلين لأربع سنوات وأخيرا أربع سنوات في موسكو. كما أنني أعمل في البوست لمدة 15 عاما كاملة. لذا إذا كنت مشهورا، وأنا لست متأكدا من ذلك فربما يكون ذلك نتيجة تراكمية لكل تلك السنوات.

* هل تعلمت الكثير بشأن ثقافة الشرق الأوسط والإسلام من المقالات الكثيرة التي كتبتها عن غوانتانامو؟

- عندما كنت في برلين في الفترة بين عامي 2000 و2004 غطيت الأمور المتعلقة بالتطرف والإرهاب ومكافحة الإرهاب وسافرت كثيرا إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج كما قمت بعدة زيارات خاطفة للعراق وإذا ما كنت قد تعلمت شيئا بشأن الثقافة الشرق الأوسطية، فقد اكتسبتها حينئذ لكن لسوء حظي أنني لم أكن أتحدث العربية.

* ما هو مستوى البحث الاستقصائي المرتبط بالمقالات التي تكتبها؟

ـ الأمر يعتمد على الخبر في حد ذاته. أعتقد أنه حتى كتابة وإعداد تقارير بشأن الأخبار اليومية التي تكتب في بضع ساعات يمكن أن تكون مكتملة الأركان إذا ما قدمنا الحقائق الأساسية ووجهات النظر المختلفة بشكل عادل، أما المقالات الطويلة فيمكن أن تستغرق أسابيع، وتتضمن الكثير من المقابلات، إضافة إلى قراءة متعمقة للوثائق. فأخبار غوانتانامو على سبيل المثال كانت تتضمن الاطلاع على سجلات المحكمة وحضور جلسات استماع فعلية.

* هل تعتقد أن من الأهمية بمكان أن يقوم صحافي متخصص بتغطية أخبار معينة، على سبيل المثال ذو معرفة متخصصة بشأن العراق أو أفغانستان؟

- نعم، فكلما تعمقت في الثقافة واللغة الخاصة بالمكان والأفراد اللذين تغطي عنهم زادت جودة المقال الذي يظهر في النهاية في الصحيفة. فتغطية أنتوني شديد للعراق أبرز مثال على ذلك.. فهو يتحدث العربية ومتشرب لثقافة المكان وهو كاتب رائع ينقل شيئا حقيقيا لقرائه.

* مع اكتساب الإنترنت المزيد من القراء هل تعتقد أن الصحف باتت مهددة بالانقراض؟.. وما رأيك في القرار المقترح بأن يدفع القراء مقابل قراءة إلى المحتوى الإخباري على الإنترنت، بدلا من الحصول على المعلومات بصورة مجانية؟

- هناك من يكرسون طاقاتهم للإبقاء على الطباعة ليس فقط الصحف بل والكتب أيضا. أنا لا أملك حلا لكني أتفق مع الرأي القائل بأن الطباعة مهددة بالفعل. هذا التهديد حقيقي، وقد كلف بعض الصحافيين الجيدين وظائفهم نظرا لتوجه بعض الصحف إلى ترشيد الإنفاق. ولذا أعتقد أن القارئ يجب أن يدفع لقاء ما يحصل عليه، وأن الخروج بصحافة عظيمة يكلف الكثير، لذا فنحن بحاجة إلى تمويل أعمالنا بطرق جديدة، والدفع عبر الإنترنت ربما يكون بصورة ما نوعا من الحل. والإجابة الكاملة لا تزال تستعصي على التعريف، والوقت ينفد من بين أيدينا.

* كانت للأزمة الاقتصادية آثار قوية على الكثير من الصناعات. كيف تعتقد أن الصحف الكبرى تسير في هذه الأوقات الصعبة (خاصة صحيفة «الواشنطن بوست» ذات القيمة الأبرز)؟

- كما أشرت من قبل فإن الصحف تصارع ولا تزال تتخبط في محاولاتها للبحث عن مصادر جديدة للدخل لتعويض انخفاض نسبة التوزيع والإعلانات الضائعة التي غادرت إلى الإنترنت. وقد لجأ بعض العاملين في الصحيفة إلى برامج التقاعد الاختياري، لكن «البوست» لا تزال جريدة قوية وتقوم بعمل جيد. وفريق عمل الجريدة لا يزال أكبر مما كان عليه أيام ازدهار الجريدة أو الأيام السعيدة للجريدة لدى كشفها فضيحة ووترغيت.

* كشف أخيرا أن 1 من بين كل 10 خريجي جامعات غير قادر على إيجاد وظيفة داخل المملكة المتحدة على الرغم من ارتفاع دخول أصحاب الدرجات العليا. فما هي نوعية المؤهل المطلوب للعمل في جريدة متميزة وما مدى أهمية الحصول على مثل هذه المؤهلات؟

- التعليم الجيد أساس مهم لأي شاب. لكنني أجد أنه بمرور الوقت بدأ الأمر يصبح أقل أهمية فيما إذا كنت ذهبت إلى الجامعة وكيف تخرجت فيها. فرؤساء التحرير يهتمون ببنية المقال الذي كتبته كصحافي. والصحافة ذات التأثير هي تلك التي تجذب الانتباه وتوضح الطريق أمام القارئ وأمام صحف أخرى، مثل «الواشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» - ليس بالضرورة شهادة جامعية من هارفارد على الرغم من أن ذلك يعد أمرا رائعا. وأنا متأكد من أنني عندما قدمت إلى هنا لم يكن أحد علم الكثير، أو أي شيء، عن شهادتي الجامعية التي حصلت عليها من كلية دبلن، لكنهم نظروا إلى عملي في صحيفة «فورت وورث ستار تليغرام» في تكساس صحيفتي السابقة وهو ما منحني الوظيفة.

* ما هو نوع الكتابة التي تفضلها أنت شخصيا (على سبيل المثال المقالات التحقيقية أو المقال الرئيسي)؟

- أنا أحب الأخبار اليومية لكن مع القدرة على العودة للقيام بالمزيد من التحليلات المتعمقة. أنا أحب مغامرات المراسلين الخارجيين وحرية التجول والقيام بالاكتشافات غير المتوقعة، وأن أكتب عنها للأشخاص المهتمين بها في العالم. وكما قد تستشعر فإنني أشتاق إلى التجوال في الخارج.

* ما هي أفضل قصة صحافية قدمتها حتى اليوم؟

- إذا ما كنت مجبرا على اختيار أبرز قصة صحافية لي على مدار الـ15 عاما الماضية فربما تكون تغطيتي للحرب في كوسوفو والتي فزت نتيجة لها بجائزة جون إف كنيدي للتغطية الدولية. كما كانت تلك التقارير جزءا من الذي أسهم في النهاية بفوز «الواشنطن بوست» بجائزة بوليتزر.

* هل يمكنك أن تصف لنا يوما نموذجيا في الصحيفة؟ على سبيل المثال كيف يتم استقاء أفكار الموضوعات وحضور اجتماعات التحرير وعملية نشر آخر ما كتبته؟

- بالنسبة لي كصحافي إذا كان الأمر يتعلق بخبر يومي فينبغي علي الحديث إلى أكبر عدد من الأفراد، وأحاول قراءة خلفية عن الموضوع من خلال المقالات القديمة، ثم أحاول كتابة مقدمة للموضوع قبيل الظهيرة حتى يتمكن المحررون من تقييمه خلاله تقييماتهم لاختيار الموضوعات التي ستظهر على الصفحة الأولى في اليوم التالي. وتلك النسخة المبكرة ستظهر أيضا على الموقع، لكني أستمر أيضا في كتابة التقرير وأعيد تنقيح القصة، وغالبا ما أرسل النسخة النهائية بين السادسة والسابعة ثم يتم تحريرها ثم أطلع على التصحيح أو أقترح بعض التغييرات مع رئيس التحرير، وقد يقبل بعضها ويرفض البعض الآخر. فإذا ما كانت خبرا للصفحة الأول أو قضية حساسة فإن رؤساء التحرير ينظرون إليها أيضا كما يفعل ذلك محامو الجريدة الذين يبدون اقتراحاتهم أيضا.

ثم يتجه الخبر بعد ذلك إلى محرر النسخ الذي يلقي عليها النظرة النهائية ليتأكد من عدم وجود أخطاء نحوية أو أخطاء هجاء. ثم تظهر النسخة الأخيرة على الموقع في وقت ما قبل منتصف الليل، وأخيرا يراسلني القراء من الرابط للتعليق على المقالات المنشورة، وقد ينبهونني إلى خطأ أو يقترحون أمرا ما ربما أكون قد نسيته أو مسلكا آخر لكي أستكشفه.

* بيتر فين في سطور

* بيتر فين خبير «واشنطن بوست» في قضايا الإرهاب، من مواليد أيرلندا عام 1961، وخريج جامعة «يونيفرسيتي كوليدج دبلن»، حيث حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ والسياسة، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية. وفي عام 1986، انتقل إلى نيويورك، حيث التحق بكلية الصحافة في جامعة كولومبيا.

وهناك التقى زوجته ولديه أربعة أبناء، ولدان وبنتان. وكان أول مقال ينشر له في السادسة عشرة من العمر في صحيفة محلية صغيرة، ولكنه كان منذ بداية مشواره الصحافي يحلم بالعمل في «واشنطن بوست» الصحيفة التي قلبت كل الموازين بتفجيرها فضيحة «ووترغيت»، ويعتبر الفترة التي عمل فيها كمراسل خارجي في ألمانيا ما بين 2000 و2004 هي الأبرز لأنها كونت ملامح شخصيته الصحافية، لأنه غطى كثيرا من الأمور المتعلقة بالتطرف والإرهاب ومكافحة الإرهاب.

وعلى موقع «واشنطن بوست» الإلكتروني أكثر من 100 قصة كتبها بيتر فين عن قيادات «القاعدة» المعتقلين في معسكر غوانتانامو، وعن السجناء اليمنيين، وانتحاري خوست الطبيب الأردني همام خليل أبو ملال البلوي، المعروف بأبي دجانة الخراساني، المفجر الانتحاري والعميل المزدوج الذي قتل ضباطا بالمخابرات المركزية الأميركية في أفغانستان أثناء جلوسه مع زعيم حركة طالبان الباكستانية، وكذلك عدد من القصص المثيرة التي نشرتها «الشرق الأوسط» من قبل بالتزامن مع «واشنطن بوست» مثل: «معتقلو غوانتانامو سيواجهون ظروفا قاسية إذا ما نقلوا إلى سجون داخل الولايات المتحدة»، و«خالد شيخ محمد يستمتع بشمس الكاريبي ويقرأ الصحف والكتب ويمارس التمرينات الرياضية يوميا»، و«نعيم غوانتانامو»، و«سباق خفي بين المدعين الأميركيين للفوز بمحاكمة خالد شيخ محمد»، و«قرار إغلاق غوانتانامو يثير استياء عائلات ضحايا 11 سبتمبر»، بالإضافة إلى عشرات أخرى من القصص عن تقنيات التعذيب التي استخدمت هناك، وقصة عن خالد شيخ محمد الذي ينتظر مثوله أمام محكمة فيدرالية على الأراضي الأميركية باعتبار ذلك فرصة إعلامية سانحة.