مشروع قانون لجعل آيسلندا ملاذا للصحافيين

بتوفير حماية جريئة لحرية التعبير

TT

آيسلندا: المكان الذي يعيش فيه الصحافيون أحرارا. أفضت فضيحة مصرفية إلى إفلاس هذه الجزيرة الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها بالكاد 300 ألف نسمة تقريبا، قبل أكثر من عام. ومع ذلك، تدرس الدولة حاليا اتجاها جديدا، وهو أن تجعل من بلادها ملاذا للصحافيين والناشرين عن طريق توفير حماية جريئة لحرية التعبير والعمل الصحافي التحقيقي. ويضم المقترح، الذي يحمل اسم «مبادرة الإعلام المعاصر داخل آيسلندا»، داخل تشريع واحد نصوصا من مختلف أنحاء العالم: قوانين خاصة بمن يكشفون عن وقوع مخالفات وقواعد عن مقدمي خدمات الإنترنت من الولايات المتحدة؛ وقوانين لحماية المصادر من بلجيكا؛ وقوانين خاصة بحرية تداول المعلومات من أستونيا واسكوتلندا، بالإضافة إلى دول أخرى؛ وقانون ولاية نيويورك لمواجهة الاتهام بالتشهير؛ وطريقة رفع دعاوى قضائية داخل المحاكم مثل المحاكم البريطانية.

وتقول بيرجيتا جونزدوتير، عضو البرلمان التي ترعى المبادرة: «سوف نصبح نقيض ملاذ الضرائب. يحاولون جعل كل الأشياء مبهمة، ونحن نسعى لإضفاء الشفافية».

وبالنسبة لكثير من المراقبين، فإن هذا التشريع يمثل انقلابا على تاريخ آيسلندا الحديث. فقد أدت صفقات سرية لعدد قليل من المصارف داخل آيسلندا، علاوة على ضعف الرقابة والتنظيم، إلى ديون كارثية بلغت تسعة أمثال الناتج المحلي الإجمالي. وللرد على ذلك، سوف تصدر آيسلندا القانون الأكثر جرأة.

ويوجد 19 راعيا لمبادرة الإعلام داخل البرلمان الآيسلندي، ويمثل هذا الرقم قرابة ثلث أعضاء البرلمان. وهم يمثلون كل الأحزاب على الصعيد السياسي، حسب ما قالته جونزدوتير. ومن المقرر تناول القانون بالنقاش خلال الأسبوع الحالي. وعلى الرغم من أن الحكومة ذات التوجهات اليسارية التي تولت سدة الحكم بعد الأزمة لا يمكن أن تعلن موقفا رسميا إزاء المقترح، حسب ما تقوله البرلمانية، فإنه من المفترض أنها ستكون متعاطفة مع الفكرة. وبدأ يتشكل تصور لجعل آيسلندا دولة رائدة عالميا في حماية العمل الصحافي في ديسمبر (كانون الأول) بمساعدة شخصيتين بارزتين في موقع Wikileaks.org وهما جوليان أسانغ ودانيل شميدت. ويذكر أن مبدأ الشخصيتين، الخاص بنشر كل شيء تقريبا، ساعدها على تكوين خبرة بمختلف قوانين الإعلام في كل أنحاء العالم. وقاما بوضع الخطوط العريضة للفكرة في الاجتماع السنوي لجمعية الحريات الرقمية الآيسلندية، وانتقلا إلى هناك في يناير (كانون الثاني) لمساعدة المناصرين المحليين والساسة على وضع مسودة للتشريع.

ومثلما تقوم الشركات التجارية بالانتقال إلى دول مثل جزر الكايمان أو سويسرا للاستفادة من الحماية القانونية أو استخدام القانون لحماية الأرصدة البنكية، سوف تنتقل الدوريات إلى آيسلندا، أو على الأقل سوف تنقل خوادم الكومبيوتر التي تستخدم لبث مواقعها الإليكترونية، من أجل الحصول على الامتيازات والتمكن من الاستفادة من موارد الطاقة الكثيرة داخل آيسلندا. ويقول الموقع، الذي يشرح المقترح ويجيب على تساؤلات خاصة به: «يمكن أن تصبح آيسلندا بيئة مثالية للناشرين ووسائل الإعلام الدولية التي تعتمد على الإنترنت لتسجيل خدماتها والمشروعات الجديدة ومراكز البيانات ومنظمات حقوق الإنسان. ويمكن أن يمثل ذلك دفعة للاقتصاد ويخلق فرص عمل جديدة». ويقول سامري ماكارثي من منظمة الحريات الرقمية، إن توقيت هذا الاتجاه كان مثاليا. فسكان آيسلندا كانوا يتجاوزون صدمة الأزمة الاقتصادية ويتعاملون مع فكرة أنهم في حاجة لمساعدة مالية من جيرانهم الأوروبيين.

ويقول ماكارثي، الذي ولد لأبوين أيرلنديين ولكنه يعيش في آيسلندا منذ أن بلغ الحادية عشرة: «خلال الفترة التي سبقت الأزمة (الفقاعة) كان المواطنون يشعرون بالإثارة بما يقومون به. وفجأة اختفى ذلك الحلم. وكان أمام الناس إما أن ينغمسوا في حالة حزن بسبب ذلك والشعور بإحباط، أو السعي للتوصل إلى طريقة جديدة لأداء الأشياء».

وبالنسبة لبعض الخبراء فيما يتعلق بالطريقة التي سيغير بها الإنترنت من القوانين الإعلامية، فإنه يجب الثناء على المبادرة الآيسلندية، بسبب طريقة التفكير التي تتسم بالجرأة أكثر من تقديمها حماية قانونية حقيقية.

ويقول ديفيد أرديا، الذي يدير مشروع قانون وسائل الإعلام داخل مركز بيركمان بكلية القانون بهارفارد: «يعد المقترح خطوة رمزية إلى حد كبير، ولا يعني ذلك أنه غير مهم». وأضاف: «من المحتمل التعرف على آثاره على المدى الطويل».

وعلى سبيل المثال، أثنى على فكرة تقديم مجموعة من المقترحات تتعلق بالطريقة التي يتم من خلالها جمع الأخبار وتوزيعها وقراءتها، وهكذا ينظر إلى قضايا مثل خصوصية الإنترنت وحماية محركات البحث والتعويض مقابل دعاوى الدفاع التافهة على أنها جزء من حماية حرية التعبير. وأضاف: «ثمة فائدة في التفكير بخصوص بناء بيئة لتعزيز العمل الصحافي الجيد». وأضاف: «لقد أظهرت مؤسسات السلطة استعدادا لاستخدام نفوذها لمنع التقارير التي لا تحب، ولذا أي شيء يهيئ بيئة العمل يعد شيئا جيدا».

ولكنه، كانت تحدوه شكوك أكثر بخصوص فكرة أن القانون الآيسلندي يمكن أن يوفر الحماية للعمل الصحافي، بالصورة التي تم تطبيقها في مكان أخر، بسبب التسجيل القانوني أو المكان الذي توضع فيه خوادم الإنترنت. وقال: «من الواضح أن آيسلندا لا تستطيع تمرير قانون يمكن أن يؤثر على القوانين المحلية في دولة أخرى – كأن يغير من القانون داخل الصين أو باكستان أو تركيا». وأضاف: «يمكن أن تقول إن محاكمها لن تطبق أحكاما تصدرها محاكم دولة أخرى»، ولكن ما دام أن الدورية لها مصادر داخل هذه الدولة، فإنها عرضة للمخاطر. وقال «يؤدى معظم العمل الصحافي بين الجمهور، وشيء رائع أن تتمتع الخوادم بهذه الحماية، ولكن، لن يفيد ذلك المواقع المحلية».

وتمثل احتمالية تمرير هذه الحزمة غير المسبوقة من إجراءات الحماية إشارة على التغيير الذي أحدثته الأزمة على الساحة السياسية داخل آيسلندا، وهي الحقيقة التي جسدها صعود جونزدوتير، وهي كاتبة تبلغ من العمر 42 عاما ومصممة وناشطة على شبكة الإنترنت. وخلال مقابلة أجريت معها من العاصمة ريكيافيك، تحدثت جونزدوتير عن حياة تنقل تضمنت العمل في بيع مكانس «كيربي» كهربية داخل نيوجرسي. وقالت إنه قبل دخولها البرلمان في أبريل (نيسان)، كانت تترجم وتصمم الكتب وتنظم احتجاجات خاصة بالتيبت أمام السفارة الصينية. وتقول إن ثلثي أعضاء البرلمان، مثلها، دخلوا البرلمان منذ أقل من عامين. وأضافت: «ما كنت لأقرر يوما أن أترشح للبرلمان، لو لم تحدث الأزمة». وقد أسس حزبها قبل ثمانية أسابيع من الانتخابات، وعلى الرغم من قلة المال تمكن من الحصول على 7 في المائة من الأصوات. وتعقد جونزدوتير لقاءات دورية مع رئيس الوزراء، وتتولى مهمة رعاية مشروع قانون حماية وسائل الإعلام وتمريره عبر اللجنة المختصة وتحويله إلى قانون. وتقول جونزدوتير: «من المتوقع أن يسقط التشريع في غيبوبة عميقة داخل اللجنة، وينصب جهدي على تمريره داخلها. الجيد في أني عضو جديد هو عدم معرفة التقاليد».

* خدمة «نيويورك تايمز»