إلفير شفراكيتش لـ «الشرق الأوسط»: الإعلام في البوسنة يموله الأوروبيون والأميركيون

مدير عام تلفزيون «هيات»: لدينا 18 عاما من النشاط الإعلامي.. وتعرضنا لضغوط مختلفة

إلفير شفراكيتش («الشرق الأوسط»)
TT

رغم مرور أكثر من 18 عاما على تأسيسها، لا تزال المحطة التلفزيونية البوسنية «هيات» تتعلم، كما يقول مديرها إلفير شفراكيتش، من الآخرين، وخدمات المحطة ليست موجهة لأربعة ملايين من البوسنيين داخل البوسنة، وإنما لمئات الآلاف من البوسنيين في الخارج، وملايين الكروات والصرب والمقدونيين والمنتنغريين والألبان والسلوفينيين الذين يجيدون اللغة البوسنية، أو الصربية، أو الكرواتية، وهي لغات تكاد تكون واحدة.

وقال مدير «محطة هيات» التلفزيونية البوسنية، إلفير شفراكيتش لـ«لشرق الأوسط»، وهو من مواليد سراييفو عام 1962، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في العاصمة البوسنية، وتخرج من كلية الهندسة الكهربائية عام 1990. عمل في عدة شركات، كما عمل مترجما، وفي عام 1993 اختير مديرا لـ«محطة هيات»، وهو يديرها منذ 18 عاما. لم يعمل في الصحافة من قبل، وهو راض عن الأداء. في عام 2000 انتدب متخصصين للعمل معه في المحطة. يقول عن عمله الذي عشقه: «هيات هي حياتي».

وعن السنوات التي قضاها على رأس العمل في المحطة قال: «قبل 18 عاما سعى عدد من المسلمين في البوسنة إلى تكوين تلفزيون (هيات) ليكون صوتهم بعد انهيار يوغوسلافيا. وكان عددهم 5 أشخاص، وكان من المقرر إنشاء تلفزيون وإذاعة وجريدة، بيد أنه لم يتم إنفاذ سوى الجانب المتعلق بإقامة تلفزيون. وبدأ البث في 24 فبراير (شباط) 1992.

وفي الثمانية عشر عاما الماضية كانت هناك إنجازات وإخفاقات، كما هو الحال في بقية الأمور والقضايا الأخرى في البوسنة والهرسك. وفي مايو (أيار) 1992 دمر مقر التلفزيون بقذائف الصرب، وما بقي من أجهزة صالحة في المبنى تمت سرقته. وبسبب ذلك توقف التلفزيون عن العمل في الشهور مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، ويوليو (تموز)، وفي أغسطس(آب) عام 1992 استأنفنا العمل والحمد لله، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف التلفزيون عن البث.

أثناء الحرب، وحتى 1996، لم يكن لدى تلفزيون (هيات) سوى كاميرتين وسيارتين فقط، وفي أغسطس 1997 تم تطوير عمل القناة، بعد حصولنا على معونة خارجية من الولايات المتحدة، ثم من الاتحاد الأوروبي. وفي 2004 تم تطوير عمل القناة، وأصبحت تغطي كل البوسنة والهرسك، كما تم ربط برامجها عبر (الستالايت) بحيث يمكن مشاهدتها في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. وبذلك يمكن للبوسنيين، ولمن يجيدون اللغة البوسنية، متابعة برامج (هيات) أينما كانوا. وفي الوقت الحاضر لدينا 240 موظفا وموظفة، وبعون الله سننتقل إلى مقرنا الجديد في مايو القادم، ويقع في ضاحية فوغوتشا القريبة من سراييفو، ولأول مرة سيكون للتلفزيون مقر خاص، لأننا ندفع إيجارا إلى الآن. وحتى نهاية العام سنستخدم كل إمكاناتنا لاستغلال المجالات والآفاق الرحبة للتخصصات التي يتيحها لنا المقر الجديد.

من مايو إلى سبتمبر (أيلول) القادم سنعمل وفق النظام السابق، ومن سبتمبر سنستخدم جميع إمكاناتنا التي يتيحها لنا مقرنا الجديد».

وعن التحديات والصعوبات والضغوط التي اعترضت مسيرة 18 عاما من العمل، قال: «تعرضنا خلال مسيرتنا للعديد من الضغوط والصعوبات والتحديات، سواء من بعض الأحزاب السياسية، أو المجموعة الدولية، أو من عصابات الجريمة المنظمة، وهذا كان منتظرا، وهو جزء من العمل في الميدان الإعلامي الحر. في تربينيا (جنوب البوسنة) تعرض فريقنا لبعض المشاكل، واعتدي عليه بالعنف، بزعم أن تلفزيون (هيات)، يحرض على العنف ردا على مآسي المسلمين في تربينيا.

ولكن كل ذلك مر كما يجب والحمد لله، ولم يعرقل عملنا، ولم يؤثر على توجهاتنا. ومن ذلك تعرض مقر التلفزيون سنة 2008 لهجوم بقنبلتين يدويتين، وهذا على سبيل الذكر لا الحصر. وكان ذلك هجوما مقصودا على العاملين في التلفزيون، والحمد لله لم يتعرض أحد لأذى، وإن تعرضت واجهة المبنى لأضرار مادية، وسقط بعض زجاج المقر. كما تعرضنا لتهديدات عبر الهاتف، وتم اعتقال بعض منسوبي التلفزيون. كل ذلك مر، رغم أننا لا نعتبر ما تعرضنا له مأساة كبرى، أو تهديدا يمكنه أن يجبرنا على وقف العمل».

وعن طبيعة الضغوط السياسية أوضح شفراكيتش أنه «عندما تقطع الكهرباء عن أجهزة الإرسال، أثناء حكم بعض الأحزاب السياسية، أو يرفض أحد السياسيين إعطاء تصريح أو الإدلاء بحديث للتلفزيون، أو عندما يتناول عملنا في حديثه وسيلة إعلام أخرى، فهذا يعد من الضغوط. عندما يتصل بكم أحد للجلوس معكم لمناقشة بعض ما تم بثه هو نوع من الضغوط التي يتعرض لها الإعلاميون. ونحن نقبل حق الرد، وحق الدفاع، ولكن لن نقبل الاتهامات أوالتهديدات بشكل مباشر أوغير مباشر».

وبخصوص شروط التمويل من قبل الجهات التي ذكرها، أفاد بأنه «عندما نتلقى دعما من جهة من الجهات نوقع معها اتفاقا، يتضمن بعض الشروط، من بينها عدم المساس بالطفولة، أو الحيوانات، أو الدعاية للفاشية، أو القومية. ونحن لم نتلق دعما من الأوروبيين، ولكن وسائل إعلام أخرى حصلت على تمويل من الاتحاد الأوروبي، فقط حصلنا على مساعدات من الأميركيين ومن مؤسسة (سورش)، ومن (إسلاميك ريليف)، وذلك أثناء الحرب وبعد الحرب. هذه المؤسسات التي ساعدتنا، أما لماذا لم يساعدنا الأوروبيون، فربما لأننا (خضر) أكثر من اللازم، وربما لا يساعدنا العرب لأننا لسنا (خضرا) بما فيه الكفاية. وعندما تعرضنا لأكاذيب بأننا ندعو إلى العنف، قدمت لجنة من مؤسسة (يو إس إي أيد) للتحقيق في القضية، والتهديد بوقف المساعدات. ولكنهم تأكدوا تماما من أن ذلك كان مجرد إشاعة كيدية، وخطأ في الترجمة. وأن استخدام ألفاظ حادة لم يصدر من تلفزيون (هيات)، ولكن من إذاعة محلية تحمل نفس الاسم، وعلقت على مذبحة سوق ماركالا في سراييفو الذي راح ضحيته أكثر من 60 قتيلا، وما يزيد عن 100 جريح بأنه يجب الرد بالمثل».

وعما إذا كان هناك فرق بين العمل أثناء الحرب وفي فترة السلام، أكد أن الوطنية لا تتناقض مع المهنية «نحن وطنيون، وندافع عن البوسنة والهرسك، وفي أثناء الحرب كنا إلى جانب الجيش البوسني، ومع كل البوسنة والهرسك، وهذا ليس ذنبا. وهي عواطف وأحاسيس طبيعية نحو شعبنا الذي كان يذبح ويقتل لأنه مسلم. وعندما ترى الأطفال بين 5 و10 سنوات يذبحون ويقتلون، لا تفكر، بل كيف يمكن أن تكون محايدا، وما معنى محايد في هذه الحالة؟!!!».

وتابع «أذكر أن مصورنا، فخر الدين ملاحسينوفيتش، كان من أوائل الذين حضروا مجزرة ماركالا، (حدثت المجزرة مرتين، وتسببت في مقتل أكثر من 100، وجرح أكثر من 200 شخص) وعندما رأى الضحايا يتساقطون ترك الكاميرا وبدأ في إسعاف الجرحى، وحملهم في السيارة، ونسي أنه مصور، ولم يفطن لمهمته إلا عندما رأى الآخرين يوثقون الجريمة بكاميراتهم. في هذه الحالة أين تقف العاطفة وتبدأ المهنية؟ أو ما حدود العاطفة والعمل الصحافي في مثل هذه القضية؟ لذلك لا يلومنا أحد إذا كنا إلى جانب الضحايا أثناء العدوان. وإذا عادت الحرب مجددا، لا قدر الله، فسنتخذ الموقف نفسه، والسياسة التحريرية نفسها في قناتنا. بعد الحرب كانت سياستنا مع استقلال ووحدة أراضي البوسنة والهرسك، كدولة يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية. وأن يكون جميع سكان البوسنة والهرسك مواطنين لا طائفيين، والإنسان هو إنسان له جميع الحقوق الإنسانية، سواء جاء من جنوب أفريقيا أو روسيا أو اليمن أو غيرها. في البوسنة يعيش أناس من دول مختلفة، وليس هناك مشكلة في ذلك، فالجميع يمكن أن يتعايشوا وفق الضوابط المعروفة. سياستنا مع حقوق الجميع، مواطني البوسنة ومن يعيش فيها، ونحن سنكون في صفهم. ندافع عن حقوق الجميع، لا سيما الذين كانوا هدفا للعدوان أثناء الحرب».