«واشنطن بوست» تلجأ للتنوع في صالة التحرير لكسب المزيد من القراء

تبحث عن عادات الاستهلاك الإعلامي للشرائح المختلفة من القراء عبر الإنترنت

TT

قبل عامين، حذرت مذكرة كبار المحررين في صحيفة «واشنطن بوست» من أنهم في حاجة إلى توسيع نطاق التنوع داخل صالة التحرير «وإلا سيعانون العواقب».

وكان كاتب هذه المذكرة هو نائب مدير التحرير ميلتون كولمان، الذي أشار إلى التركيبة الإثنية والعرقية سريعة التغير لمنطقة انتشار صحيفة «واشنطن بوست». وقال كولمان، أحد كبار المحررين الآن: «نعلم بالفعل أننا نفقد القراء السود ولا نكسب قراء جددا من الآسيويين ومن الذين يتحدثون باللغة الإسبانية. الهجرة تقود النمو السكاني، خاصة في ضواحينا ذات الأهمية المتزايدة».

وكان لهذه المذكرة صدى خاص الأسبوع الحالي، عندما قدمت «واشنطن بوست» انخفاضات في أعداد العاملين للإحصاء السنوي للتوظيف في صالة التحرير، الذي تعده الجمعية الأميركية لمحرري الصحف. وكانت الأعداد في «واشنطن بوست» منخفضة على الرغم من أنها لم تكن من دون المعايير المتبعة في الصناعة.

وعلى النقيض، لا تزال «واشنطن بوست» رائدة في توظيف الأقليات داخل صالة التحرير. وتولى المحرر التنفيذي ماركوس بروتشلي، ذو البشرة البيضاء، رئاسة صالة التحرير بعد خمسة أشهر من مذكرة كولمان، وبعد ذلك بفترة قصيرة كون فريقا للقيادة قد يكون أكثر تنوعا من أي فريق مناظر بأي صحيفة أخرى كبرى. المستوى الأعلى من المحررين لديه منقسم إلى فريقين متساويين تقريبا من حيث النوع، ويشمل ثلاثة أميركيين من أصل أفريقي وأميركيا من أصل آسيوي وآخر من أصول جنوب آسيوية وآخر من أصول إسبانية. وبصفة عامة، يشكل الصحافيون، ذو البشرة الملونة، نحو 24 في المائة من صالة التحرير، وهي نسبة تعلو بكثير عن المتوسط في الإحصاء الخاص بالجمعية الأميركية لمحرري الصحف، الذي بلغ 13 في المائة تقريبا خلال السنوات الأخيرة. لكن هنا تكمن المشكلة، تشكل الأقليات 43 في المائة من منطقة انتشار «واشنطن بوست»، وجزء كبير من هذه المنطقة يتقدم شيئا فشيئا تجاه وضع «الأقلية الأغلبية». وبالنسبة لـ«واشنطن بوست» ليس كافيا أن تكون على «مستوى جيد من التنوع».

وأقر بروتشلي وفريق القيادة الخاص به بالشيء نفسه في مذكرة عن العاملين يوم الاثنين الماضي، حيث كتبوا: «إننا نواجه خطر فقدان الشعبية ما لم نحاول باستمرار توظيف أفضل الصحافيين من الأقليات».

وبالعودة إلى الماضي، عندما كانت الصحف تحقق أرباحا ضخمة، كان الاهتمام بالآخرين يقود في كثير من الأحيان جهود التنوع. أما اليوم، فهناك ضرورة ملحة للنشاط التجاري. وبالنسبة إلى «واشنطن بوست»، التي تبذل مجهودا كبيرا لاستعادة تحقيق الأرباح والمحافظة على المشتركين، فإن التوصل إلى توسيع نطاق جماهير القراء من الأقلية يمثل فرصة، وربما البقاء.

وقال بروتشلي في مقابلة خلال الأسبوع الماضي: «أعتقد أنه كلما كنت مناسبا في مكانك، حققت مزيدا من النجاح. إن الأمر بديهي». إنه محق. يتعلق التنوع في صالة التحرير بالدقة والأهمية. يستطيع هذا التنوع أن يحقق النفاذ إلى السوق والإيرادات.

وقال بوبي بومان، مراسل ومحرر سابق بالصحيفة ومستشار التنوع بالجمعية الأميركية لمحرري الصحف: «لا تستطيع تغطية أخبار مجتمعك ما لم تشبه هذا المجتمع، (للتوضيح: أشغل حاليا منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية)، فإذا كان لديك مجتمع من لاعبي كرة السلة، فمن الصعب على صالة التحرير الخاصة بعشاق الأوبرا تغطية أخبارهم».

يوجد بمنطقة واشنطن زيادة كبيرة في عدد السكان الذين يتحدثون اللغة الإسبانية أو الهسبانك. إلا أن عدد الهسبانك العاملين في «واشنطن بوست» يشكل ثمانية مراسلين وأربعة محررين إشراف فقط. وبالمثل، فإن عدد الأميركيين من أصول أفريقية يشكل نحو 12 في المائة من إجمالي العاملين، لكن نسبة الأميركيين من أصول أفريقية من إجمالي السكان في أجزاء من المنطقة الرئيسية لانتشار «واشنطن بوست»، تزيد على أربعة أضعاف هذه النسبة.

وقد شكا إلي كثير من العاملين من الأقليات في «واشنطن بوست» من وجود عدد صغير للغاية من الصحافيين ذوي البشرة الملونة في الإدارة الوسطى، خاصة بين المحررين الذين يقررون التغطية. فما المخاطر المنتظرة من رؤية الأخبار من منظور محرر أبيض؟ قد يتم نبذ المناقشات داخل صالة التحرير قبل أن تبدأ إذا ما تعلقت بجماهير الأقليات.

ويعد التنوع أحد التحديات الرئيسية في الوقت الذي تتقلص فيه صالة التحرير من أجل خفض التكاليف. وترك الكثير من الصحافيين في «واشنطن بوست» العمل خلال السنوات الأخيرة بسبب الاستحواذ أو تركوا العمل طواعية. وفي حين من المتوقع حدوث انخفاض آخر في عدد العاملين، لا تزال «واشنطن بوست» تعين أشخاص جددا لشغل وظائف أساسية. ويخلق ذلك فرصا لتحقيق التنوع، لكن استعراض التعيينات الأخيرة يظهر أن البيض يسيطرون عليها.

وأقر بيتر بيرل، الذي يشرف على العاملين بصالة التحرير: «لا أعتقد أن ذلك كان مقدارا كبيرا» من التنوع في التوظيف خلال العام الماضي. وقال يجب أن يكون هناك أقليات بين المرشحين للوظائف، مضيفا: «ذلك توصية، وجميع المديرين هنا يعلمون ذلك».

وقال: «إن المحافظة على الأقليات وتشجيعهم أكثر صعوبة من تعيينهم، وكان لدينا سجل متفاوت». وفي الوقت الذي يتحول فيه تركيز «واشنطن بوست» من الصحافة المطبوعة إلى الإنترنت، سيحدث التحول نفسه في توصيف الوظائف لاستيعاب وسائل الإعلام الجديدة. تبحث «واشنطن بوست» عادات الاستهلاك الإعلامي للشرائح المختلفة من القراء، إلى جانب بحث استراتيجيات تهدف إلى إيصال المحتوى للقراء غير البيض على الهواتف الجوالة. وقال بروتشلي: «لم نصل بعد إلى أية نتائج بشأن ما هي الوسيلة المناسبة».

وبغض النظر عن التكنولوجيا، فإن الشيء المهم هو: هل تستطيع «واشنطن بوست» إيصال محتوى مناسب وذي مصداقية أم لا؟

وقال المراسل السابق بالصحيفة ريتشارد برنس، الذي يكتب عمودا على الإنترنت حول الأقليات والإعلام: «إنك تستخدم التنوع باعتباره ميزة في هذه الأوقات الاقتصادية لتتقدم على المنافسين الآخرين». وإلا ستعاني العواقب.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«بالشرق الأوسط»