«التايمز» و«صنداي تايمز» تفرضان رسوما على قراءة النسخة الإلكترونية

بدءا من يونيو المقبل وبواقع جنيه إسترليني لليوم الواحد وجنيهين للاشتراك الأسبوعي

ينتظر أن تبدأ صحيفتا «التايمز» و«صنداي تايمز» البريطانيتان فرض رسوم على قراءة النسخة الإلكترونية
TT

صحف تغلق أبوابها وأخرى تقلص نشاطاتها وعدد العاملين فيها وبعضها قررت أن تقدم نفسها للقراء مجانا رغم تاريخها الطويل الذي يمتد لمئات من السنين. الأسباب كثيرة لكن يبقى أهمها وأكثرها وضوحا هو التكنولوجيا الحديثة وثورة الإنترنت.

لكن آخر هذه التحولات في السوق الإعلامي هو ما أعلنته مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» البريطانية، التي يمتلكها إمبراطور الإعلام الاسترالي روبرت ميردوخ. وبدءا من يونيو (حزيران) المقبل، سيضطر قراء صحيفتي «تايمز» و«صنداي تايمز» إلى دفع جنيه استرليني (1.5 دولار) للدخول إلى موقع الصحيفة على الإنترنت لمدة يوم واحد وجنيهين (3 دولارات) مقابل الاشتراك الأسبوعي.

ويعترف جيمس هاردينغ، رئيس تحرير «التايمز» بأن تطبيق استراتيجية الدفع مقابل القراءة التي تنوي الصحيفة تطبيقها بالغة الخطورة، لكنها أخف ضررا من الفشل في الاستفادة من الصحافة وطرحها دون مقابل. وشبّه صناعة الأخبار في الوقت الراهن بصناعة الموسيقى قبل أربع سنوات عندما ظن البعض أن صناعة الموسيقى قد انتهت لأن الأفراد يحصلون الموسيقى مجانا، لكن الآن يقوم الأفراد بالشراء من مواقع التحميل.

وقالت المديرة التنفيذية لمؤسسة «نيوز إنترناشيونال»، ريبيكا بروكس، إن السياسة الجديدة خطوة محورية تجاه جعل العمل الإخباري أكثر فائدة من الناحية الاقتصادية.

وستطلق كلا الصحيفتين موقعين جديدين تماما في مايو (أيار)، يتم فيهما فصل محتواهما الإلكتروني للمرة الأولى، واستبدالهما بالموقع الإلكتروني السابق «تايمز أون لاين». بيد أن توافر كم هائل من المحتوى الإخباري على الإنترنت جعل الكثيرين يعتقدون بأن القرار الجديد ينطوي على مخاطرة كبيرة.

ويتوقع أن تشكل الخطوة جبهة جديدة في الصراع على استقطاب قراء الصحف، الذي ستراقبه الصناعة عن كثب، كما يعتقد بعض المحللين.

ويعرب المديرون التنفيذيون في الصحيفتين، في تصريحات غير رسمية، عن توقعاتهم بخسارة الصحيفتين آلاف القراء الدائمين، وملايين القراء العرضيين.

ويشير مراسل هيئة «بي بي سي» لشؤون الإعلام توم دوغلاس إلى أملهم في أن يكون مبلغ جنيهين استرلينيين من الصغر بحيث يغوي الكثير من القراء باللجوء إلى الاشتراك. وقال المراسل: «يمكننا توقع حملات تسويقية، لعقد مقارنة بين سعر كوب القهوة مع سعر الاشتراك الأسبوعي للصحيفة، حيث تبدو الأخيرة أكثر فائدة».

جاءت هذه الخطوة مع الإعلان عن أن الثري الروسي والجاسوس السابق في الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) الكسندر ليبيديف قرر شراء صحيفة «الإندبندنت» التي تعاني من مشكلات مالية مع نسختها التي تصدر الأحد «اندبندنت اون صنداي» بجنيه رمزي (1.12 يورو) على ما أفادت الخميس الشركة التي تنشر الصحيفتين.

وهذه هي المرة الثانية التي يقوم فيها الكسندر ليبيديف بشراء صحيفة بريطانية. وكان قد اشترى سابقا صحيفة «ايفنينغ ستاندرد» اللندنية الأسبوعية، وبعد فترة من شرائه الصحيفة قرر توزيعها في بداية العام الجديد مجانا بعد أن كانت تباع بمبلغ 50 فلسا (75 سنتا). الصحيفة تأسست قبل 180 عاما وكانت تطبع عدة مرات في اليوم وتغطى أخبار الساعة باستمرار وتوزع على أبواب محطات القطارات الأرضية خلال النهار. وكانت قد وصلت مبيعاتها إلى أكثر من مليون نسخة في اليوم.

وأوضحت شركة «اندبندنت نيوز اند ميديا» (أي إن ام) ومقرها دبلن، في بيان أن العملية ستتم في مايو (أيار) المقبل بعد الحصول على موافقة الشركة السابقة المالكة، في ايرلندا. وقد أعرب ليبيديف، 50 سنة، الذي تقول وسائل الإعلام البريطانية إن ثروته تناهز 2.2 مليار جنيه (3.3 مليار دولار)، في أبريل (نيسان) 2009 عن رغبته في شراء تلك الصحيفة. لكن المناقشات بين ليبيديف و«أي إن ام» انقطعت الصيف الماضي لإتاحة الفرصة أمام الشركة لإعادة التفاوض حول ديونها الضخمة (1.3 مليار يورو) قبل أن تعلن في ديسمبر (كانون الأول) أنها تجري مفاوضات «حصرية» مع الثري الروسي.

وتراجع عدد النسخ التي توزعها «الاندبندنت» التي صدرت سنة 1986، مع مرور الزمن مما دفع مالكيها إلى تسريح عدد من الموظفين.

ووزعت الصحيفة 183547 نسخة في فبراير (شباط) 2010 حسب تقييم مكتب النشر، أي بتراجع نسبته 10.88 في المائة مقارنة بفبراير 2009 (205964 نسخة). وتخلفت الصحيفة كثيرا مقارنة بـ«دايلي تلغراف» (685177 نسخة) و«تايمز (505062) و«الغارديان» (284514).

وتصدر مجموعة «اندبندنت نيوز اند ميديا» أكثر من 200 صحيفة ومجلة حول العالم بما فيها «دينيك جغران» الهندية، و«هيرالد» النيوزيلندية و«اندبنت» الايرلندية.

مستقبل الصحيفة غير واضح لحد الآن، والسؤال هو هل سيبدأ مالكها الجديد بتوزيعها مجانا مثل ما فعل مع صحيفة «ايفنينغ ستاندرد» أم سيلجأ إلى ما قام به ميردوخ ببيع خدمة قرأتها على الإنترنت؟

وكان روبرت مردوخ صاحب مؤسسة «نيوز إنترناشيونال»، قد شن حملة شرسة ضد مواقع الإنترنت التي تقدم المحتوى الإخباري الذي تصدره مؤسسته، وخص «غوغل» بالانتقاد على كونها الأبرز في ذلك.

وأضافت ريبيكا بروكس أن قرار فرض الرسوم يأتي في لحظة فارقة بالنسبة للصحافة، ونحن فخورون بصحافتنا ولا نخجل من القول بأننا نعتقد بأنها تستحق ذلك.

وأشارت إلى أن المطبوعات الأخرى التي تمتلكها مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» مثل «ذا صن» و«نيوز أوف ذا وورلد» ستمضي على نفس النسق في فرض رسوم على الاطلاع على المحتوى الإلكتروني الخاص بهما في وقت لاحق.

وقالت: «هذه مجرد بداية. ستكون التايمز وصنداي تايمز البداية بالنسبة للإصدارات الأربعة في المملكة المتحدة والتي تنتقل إلى النظام الجديد. وسنواصل تطوير منتجاتنا الرقمية وعملية الاستثمار والابتكار لعملائنا». وتستخدم صناعة الإعلام معيارا عاما يتوقع أن يدفع نحو 5 في المائة من زوار المواقع الإخبارية من أجل المحتوى. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن زوار «التايمز» و«صنداي تايمز» من القراء المنتظمين يبلغون نحو 1.22 مليون زائر.

بيد أن كلير أندري، من شركة «أندريه أناليسز» لأبحاث الإعلام، تشير إلى أن من يظن أن صحيفة «التايمز» ستحصل على نسبة 5 في المائة هو شخص حالم.. لكن إذا حاولت فرض رسوم فإن النموذج الذي اختاروه هو النموذج الأفضل.

وتمتلك «نيوز كورب» صحيفة «وول ستريت جورنال» التي تملك واحدا من أفضل أنظمة الاشتراك من أجل الاطلاع على المحتوى، إذ يبلغ عدد مشتركيها على الإنترنت 407 آلاف مشترك.

بيد أن بعض المحللين في مجال الإعلام يشيرون إلى أن «وول ستريت جورنال» تقدم محتوى متخصصا وأن تقاضي رسوم من أجل الحصول على الأخبار العامة نموذج مختلف.

ويبدي ألان روزبريدغر، رئيس تحرير صحيفة «الغارديان»، شكوكا متزايدة تجاه الدفع مقابل الدخول إلى الموقع، وتعهد بالحفاظ على محتوى صحيفته مجانيا على الإنترنت. ووصف هذه الخطوة في يناير (كانون الثاني) بأنها نموذج «فكرة». على عكس عدد من المحللين، لا تتوقع إندري اتباع أي من الصحف البريطانية الأخرى هذا النموذج في القريب العاجل.

ولا تعتقد أن استراتيجية ميردوخ ستمثل الرمية الأخيرة في المقامرة لبعض صحفه الخاسرة. وإذا ما فشل ميردوخ فسوف يفكر في شيء آخر. فقد كان يدعم الشركات الخاسرة لسنوات.

كما أعلنت صحيفة «نيويورك تايمز»، التي طورت هي الأخرى تطبيقات لجهاز آي باد، أن المعلنين يتسابقون لشراء مساحات إعلانية على تطبيقات آي باد من المؤسسات الإعلامية ومن بينها «التايمز».

وقالت «التايمز» إن شركة «تشيس سافير» لبطاقات الائتمان اشترت الوحدات الإعلانية للصحافية لمدة 60 يوما بعد تقديم جهاز آي باد.

ويقال إن شركة «فيدإكس» اشترت مساحة إعلانية على تطبيقات آي باد من صحيفة «وول ستريت جورنال» والصحف الأخرى.

كما حجزت شركة «تويوتا» و«الخطوط الجوية الكورية» وشركة «فيديليتي» مساحات إعلانية على تطبيقات آي باد لمجلة «تايم».

أشارت «وول ستريت جورنا»ل إلى وجود ستة معلنين، من بينهم شركة «كوكا كولا» و«فيدإكس» الذين حجزوا مواقع للإعلانات في صحيفة «وول ستريت جورنال» في صفقة إعلانية تتكلف 400 ألف دولار.

ويذكر أن الصحف الأميركية والمجلات تعاني في الآونة الأخيرة من انخفاض عائدات الإعلانات وتدني نسبة المبيعات وهجرة القراء إلى الأخبار الإلكترونية على الإنترنت ونظر الكثير من الناشرين إلى جهاز آي باد كمصدر حديث للدخل من الإعلانات والاشتراكات.

ويضع القرار المطبوعتين على قدم المساواة مع المؤسسات الإخبارية الأخرى التي تفرض رسوما على الدخول إلى مواقعها الإلكترونية.

ومع انحسار توزيع الصحف المطبوعة وتراجع عائدات الدخل - سواء على صعيدي الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية - تحاول الشركات الإعلامية البحث عن مصادر جديدة للدخل من القراء على شبكة الإنترنت على الرغم من المخاطر بإمكانية هجرة بعض القراء نتيجة لفرض الرسوم.

وقد فرضت صحف «وول ستريت جورنال»، المملوكة أيضا لشركة «نيوز كورب»، وصحيفتا «فينانشيال تايمز» و«نيوزداي» رسوما على زيارة موقعها على الإنترنت. وكان صحيفة «نيويورك تايمز» قد أعلنت عن نيتها تطبيق ذلك. وستقوم كل مؤسسة بتحديد طرق الدفع الخاصة بها.

وكانت مؤسسة «نيوز كورب» قد أعلنت في أغسطس (آب) الماضي أن بعضا من مطبوعاتها ستفرض رسوما للاطلاع على محتواها الإلكتروني. وقد هدد مالك الشركة ومديرها التنفيذي، روبرت مردوخ، العام الماضي بإزالة أخبار مطبوعاته من مؤشر بحث «غوغل» لتشجيع الأفراد على الاشتراك في المحتوى الإلكتروني.

وقال مردوخ في بيانه: «في لحظة فارقة للصحافة، تأتي هذه كخطوة حاسمة نحو جعل الصناعة الصحافية أكثر فائدة اقتصادية».

ولم تقدم الشركة أية إشارة إلى التوقيت والكيفية التي تخطط من خلالها لفرض الرسوم على المحتوى الإلكتروني لموقع صحيفة «ذا صن»، الصحيفة اليومية الأعلى توزيعا في بريطانيا. لكن بروكس قالت إن هناك المزيد من التغيرات التي سيتم إدخالها على الموقع ونموذج الإنترنت سيعلن عنها في وقت لاحق. وقالت: «هذه مجرد بداية وستكون التايمز وصنداي الخطوة الأولى للإصدارات الأربعة للمؤسسة في بريطانيا التي تنتقل إلى النظام الجديد. وسنواصل تطوير منتجات رقمية ونستثمر ونبتكر لعملائنا».

غياب الموقع المخصص لصحيفة «صنداي تايمز»، الأعلى قراءة في بريطانيا، ينظر إليه الإعلاميون على أنه انحراف عن الإطار الطبيعي.

وقد وزعت «ذا صنداي تايمز» في الفترة من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي وحتى يناير من العام الحالي نحو 1.2 مليون نسخة، بانخفاض بلغ 3.8 في المائة عن العام السابق وفق شبكة «إيه بي سي» التي تراقب توزيع الصحف والتي تديرها صناعة الصحف. كما وزعت الصحيفة اليومية نحو 451 ألف نسخة خلال الفترة ذاتها بانخفاض بلغت نسبته 12.6 في المائة عن العام السابق، بحسب تقرير الشبكة.

كما تشير شركة «كوسكور»، شركة أبحاث السوق المتخصصة في التسويق على الإنترنت، إلى أن عدد زوار صحيفة «التايمز» خلال شهر فبراير 2.4 مليون زائر، بانخفاض بلغت نسبته 21 في المائة عن العام الماضي.

لكن ذلك جعلها الصحيفة السادسة في ترتيب الصحف الأكثر شعبية في بريطانيا حيث تأتي في المرتبة الأولى «ميل أون لاين» ثم «ذا ديلي ميل» ثم «ذا ميل أون صنداي» تعقبها «ذا صن».