توقف «أوان» يسلط الضوء على المهنية وعلاقة الصحافة الكويتية بالسياسة والمال

18 صحيفة يومية بالعربية والإنجليزية والأردية استفادت من قانون 2006 للمطبوعات

شكوى من إهمال قانون العمل لحقوق العاملين في الصحف الكويتية (أ.ب)
TT

قررت صحيفة «أوان» الكويتية التوقف عن الصدور مطلع هذا الأسبوع، مرجعة السبب إلى ضائقة مالية صعّبت استمرارها، ودفعتها إلى إنهاء خدمات طاقمها الفني والإداري والصحافي اعتبارا من الاثنين الماضي، الذي كان آخر أيام صدورها.

ويصدر في الكويت حاليا 14 صحيفة محلية تصدر باللغة العربية و3 بالإنجليزية وواحدة بالأردية، إضافة إلى عدد كبير من المطبوعات الأسبوعية والشهرية، مستفيدة من فسحة منحها لها قانون المطبوعات والنشر الصادر في 2006، والذي فتح المجال أمام أي فرد أو شركة لإصدار صحيفة يومية، بعد أن كان هذا الباب مغلقا أمام الجميع خلال الفترة الممتدة بين 1976 و2006، وهي الفترة التي شهدت تأسيس صحيفة «الأنباء» كخامس صحيفة محلية يومية تصدر بموجب قانون المطبوعات والنشر السابق الصادر عام 1961، والجديد الصادر في 2006، والذي ارتفع بموجبه عدد الصحف اليومية إلى 17 صحيفة يومية قبل انسحاب «أوان» وقبلها «الصوت» التي توقفت عن الصدور في فبراير (شباط) 2009 بعد أن عانت من تداعيات الأزمة المالية العالمية.

ويحسب لقانون المطبوعات والنشر الجديد أنه كسر احتكار امتيازات إصدار الصحف اليومية، إلا أنه أسهم، كما يرى مسؤولون، في نشر حالة من الفوضى انعكست على المجتمع وعلاقات الكويت الإقليمية، وهو ما توقف أمامه رئيس البرلمان جاسم الخرافي الأسبوع الماضي خلال لقائه المشاركين في ملتقى الإعلام العربي، حينما قال إن مشكلة الديمقراطية في الكويت ليست في البرلمان أو الحكومة، بل تكمن في وسائل الإعلام، بإشارته إلى عدم التزام الصحف اليومية بقانون المطبوعات ونشرها عددا من المحاذير أو تحولها إلى معاول هدم طائفية تجيّش الاصطفاف الطائفي بين الشيعة والسنة أو أبناء البادية والحاضرة، وكذلك عدم التزامها برسالتها التوعوية، ناهيك عن مساسها للدول الإقليمية كالعراق وإيران ولبنان من زوايا طائفية، ومستفيدة من مناخ وفره لها النواب الذين يستخدمونها لتمرير أجنداتهم. وتزامن ذلك مع مطالبات الناطق الرسمي باسم الحكومة الكويتية، الوزير محمد البصيري، وسائل الإعلام بضرورة تحري الدقة في متابعة تفاصيل التحقيق مع أعضاء يشتبه بانتمائهم إلى شبكة تجسس تابعة للحرس الثوري الإيراني، وهي القضية التي تحولت من قضية أمن دولة إلى مشروع أزمة طائفية بين الشيعة والسنة في الكويت، حتى قرر النائب العام أمس حظر نشر كل ما يتعلق بالقضية في وسائل الإعلام، لحين الانتهاء من التحقيق.

وسبق للناطق الرسمي باسم الحكومة الكويتية أن أعرب عن أسفه لعدم تناول وسائل الإعلام هذا الخبر المتعلق بأمن الدولة بمسؤولية وطنية، ليتحول الحديث بعدها إلى إشارات حملت نفسا طائفيا بين نواب البرلمان الشيعة والسنة، وما تبعهم من صحف.

ويرى خالد هلال المطيري، رئيس تحرير صحيفة «الجريدة»، مثل هذه الاتهامات بأنها متوقعة، لأن الصحافة دائما ما يثار عليها الملاحظات السلبية، ولا أحد يهتم بما تقدمه الصحف الرصينة والجادة. ورأى رئيس تحرير «الجريدة»، وهي ثالث صحيفة يومية تصدر بموجب القانون الجديد، أن قانون المطبوعات والنشر الحالي سلبي، ويقيد الصحافيين ويحد من حركة الصحافة، والمنع به أكثر من الإباحة، وسبق أن سرت أنباء عن فرض مزيد من القيود التي نرفضها، وعبرنا عن رأينا تجاه هذه المسألة بالرفض المطلق لها لأننا بالأصل ننظر للقانون الحالي على أنه سلبي.

وسبق لوزير الإعلام الشيخ أحمد العبد الله أن أعلن مطلع العام الحالي عزم وزارته إضافة محاذير جديدة وزيادة مبالغ الغرامات المالية المفروضة على المخالفين، مما أدى إلى تشكيل جبهة رفض قادتها الصحف لإيقاف المشروع الذي تبنته الحكومة على خلفية احتقانات بالمجتمع سببتها تصريحات لمرشح سابق للبرلمان وتحدث فيها عن مسألة امتلاك مواطنين جنسيات أخرى عدا الكويتيين، وكذلك انتقاده لأداء نواب المعارضة، مما أدى إلى قيام مظاهرات وتجمعات دفعت بتقديم استجواب لحق وزير الإعلام في مارس (آذار) الماضي، إلا أن الحكومة عدلت عن مشروعها بتغليظ العقوبات في سبيل ترطيب الأجواء ونزع الاحتقان الذي تولد بينها وبين وسائل الإعلام.

وفيما يبدو أن أزمة الصحف الكويتية أكبر من الأزمة المالية، اعتبر الصحافي داهم القحطاني في مدونته أن قرار إغلاق «أوان» كان سيئا لتزامنه مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو بمثابة إهانة للصحافة، بتبيانه الصحافة في الكويت كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وما أن تنتهي الحاجة إليها ترمى في غياهب التاريخ من دون مراعاة أي توقيت.

وأضاف القحطاني «حين يريد أي متنفذ تقوية نفوذه في الكويت فعليه ألا يلعب بمصير أسر الصحافيين لتحقيق أهدافه»، في إشارة إلى حادثة «أوان»، التي رأى أنها استنفدت هدفها، فأغلقت أبوابها ورمت بصحافييها وأسرهم إلى الشارع، دون أن يعطوا مهلة كافية لترتيب أوضاعهم، مما أظهر الصحافة في الكويت وكأنها مجرد ذراع إعلامي يحقق النفوذ في فترة معينة في نظر البعض، وهذا لا يبعث على الاطمئنان. واستغرب من غياب أي دور لجمعية الصحافيين الكويتية أو نقابة الصحافيين، اللتين لم تجريا مفاوضات مع مالك الصحيفة أو ممولها للحفاظ على مستقبل أسر هؤلاء الصحافيين، وعدم قيامهما بالحد الأخلاقي الأدنى للدفاع عن صحافيين أبرياء تعرضوا لظلم يهدد معيشتهم من دون ذنب ارتكبوه سوى أن متنفذا أراد تحقيق مكاسب سياسية خلال فترة وجيزة، وحين بدا أنها تحققت قرر التضحية بهم جميعا، وهو ما يكشف معاناة الصحافة في الكويت من سرطان طغيان المصالح على مبادئ الصحافة، وأهمية بتره عبر حملات مدنية لا تترك للفاسدين مجالا كي ينفذوا من خلاله للصحافة، ليحققوا المآرب ويحموا المصالح ويغيبوا الحقائق بالتشويه والتحوير.

وتتفق منى كريم، التي عملت كمحررة في قسم الثقافة في «أوان» مع أغلب ما قاله القحطاني فبينت لـ«الشرق الأوسط» أن «تجربة أوان لم تكن عادية فعلى الرغم من عمرها القصيرة وانتشارها المحدود فإنها وجدت في مجالات معينة مثل الرأي والثقافة والفنون بشكل جديد على القارئ الكويتي الذي لم يعتد هذا الخط من قبل».

وزادت كريم أن «نهاية هذه التجربة تعطي صورة سوداوية عن الصحافة الكويتية، وكيف أنها مسألة أموال أو محسوبيات سياسية ومن دون هذين العاملين لا عماد لك ولا جمهور، فأجمل ما عاشه الصحافي في «أوان» أنه عمل ضمن خط رصين لا نجده سوى في الصحف العربية الصادرة خارج العالم العربي، ونوعية العمل جيدة تعكس جهدا مميزا، إلا أنها في الأخير لم تعرف كيف تثير انتباه الأغلبية التي تبحث عن الضجة والقيل والقال، لا عن مكان يرفض نقل شتائم مجلس الأمة». واعتبرت كريم أن «إغلاق الصحيفة يعطينا ومضة عما يحصل في الكويت من إهمال لقانون العمل، فالموظفون خرجوا في اعتصام للحصول على تعويضات بعدما شاءت ظروف - لم يعلن عنها بالتفاصيل الكاملة - أن ترمي أكثر من 100 شخص في الشارع، بين رعب انتهاء إقامة العمل ورعب الأبواب المغلقة للصحف الأخرى التي استغل أغلبها سقوط «أوان» ليشتروا موظفيها بأسعار وشروط فصلوها بسعادة».