«فاستر تايمز» و«ترو ـ سلانت».. صحافة جماعية بحوافز رأسمالية

تعتمد على استراتيجيات قائمة على تجاوز الحواجز التقليدية

أصبحت العديد من المواقع الإخبارية والاجتماعية على الإنترنت منافسا قويا للصحف التقليدية في حجم القراء والإعلانات («نيويورك تايمز»)
TT

العام الماضي، طرأت على ذهن سام آبل فكرة أن ما يحتاج إليه العالم هو نمط جديد من الصحف، وهي فكرة متعارضة مع الإجماع القائم داخل سوق الصحف. في ذلك الوقت، واجه الكثير من كبريات المؤسسات الإعلامية الكبرى الإفلاس، وكان يجري تداول أسهمها في سوق الأوراق بأسعار تقدر بالبنسات.

وطرح المحللون تساؤلات جادة حول ما إذا كانت بعض الإصدارات المعرضة للخطر - بما فيها صحيفة «نيويورك تايمز» - قد تتوقف عن الصدور في غضون فترة قصيرة. في تلك الفترة، تسبب الركود في تفاقم مشكلة جوهرية: أن المنتج المادي للصناعة، وهو الصحف المطبوعة، كان يسير نحو نفس مصير الهاتف ذي العجلة الدوارة، ولم يكن أحد توصل إلى بعض السبل لتحقيق عائدات عبر شبكة الإنترنت على مستوى تلك التي اعتادت النسخ المطبوعة تحقيقها. لكن آبل - 34 عاما - الذي يمتهن الكتابة، لم يكُن على استعداد للتخلي عن الصحافة كصناعة مدرّة للربح. وشرع في إخطار الأصدقاء بشأن خططه للشروع في إنشاء إصدار عبر شبكة الإنترنت باسم «ذي فاستر تايمز».

وبالفعل، استقال آبل من عمله لبعض الوقت كمدير لشؤون الإعلام التفاعلي بموقع Nerve.com في نيويورك، وبدأ في السعي لتعيين عاملين في مشروعه الجديد. لم يكن من الصعب العثور على أشخاص متحمسين للمشاركة معه، بالنظر إلى أن انكماش قطاع النشر في نيويورك خلّف وراءه أعدادا كبيرة من الكتاب العاطلين يسيطر عليهم العبوس والاكتئاب. إلا أن النبأ السار هو أن ذات العوامل التي قوّضت أرباح الصناعية - وهي قضاء الشبكة العنكبوتية على حواجز الاطّلاع على المحتويات الصحافية - هي التي جعلت من اليسير والرخيص بالنسبة إلى أي شخص التحول إلى النشاط الصحافي التجاري، اعتمادا على برامج مفتوحة المصدر، استعان آبل بمبرمجين لتعديلها، تمكنت «فاستر تايمز» من الوقوف على قدمها والشروع في عملها بتكلفة أقل من 20.000 دولار.

قبل بدء الموقع عمله الصيف الماضي، عقد آبل ومجموعة من المحررين العاملين معه عددا كبيرا من الاجتماعات داخل مقهى «بروكلين كافيه»، حيث تمتعوا بخدمة إنترنت مجانية. من أحد جوانبها، كان من المفترض أن تعمل «فاستر تايمز» كإصدار تقليدي، يعمل على وضعه صحافيون مدربون يتناولون مجموعة واسعة النطاق من القضايا وتوجههم سياسة تحريرية واحدة متناغمة. أما النقطة التي انحرف فيها آبل عن النهج التقليدي لأسباب فرضتها الضرورة فكانت مسألة الأجور والرواتب، حيث لم يكن بمقدوره تقديم رواتب وبدلات، أو حتى أجور كتلك التي يتقاضاها العاملون بصورة حرة. وعليه، لجأ آبل بدلا من ذلك إلى تقديم وعد للمساهمين في الموقع بتقاضي نسبة 75% من قيمة عوائد جميع الإعلانات التي توضع بجانب مقالاتهم. وستبدأ الأجور قليلة، لكن حال ازدهار أوضاع «فاستر تايمز»، حسبما يأمل آبل بالطبع، فإن الأوضاع المالية للكتاب العاملين معه ستزدهر بالتبعية. وقد وصف آبل الإصدار الجديد بأنه «صحافة جماعية»، لكنه في حقيقة الأمر كان تجربة صغيرة في مجال الحوافز الرأسمالية، حيث سيستفيد المساهمون مباشرة من عملهم، طبقا لتقدير السوق لقيمته.

وهنا يكمن الإنجاز الأكبر، بالنسبة إلى «فاستر تايمز» والكثير من المؤسسات الصحافية المشابهة الناشئة ومجمل عناصر الصناعة الإعلامية من قديم وحديث. في ما يبدو، عجز الجميع عن التوصل إلى سبيل لتقييم المنتج الصحافي. لكن هذا القول لا يرمي إلى التحسر والشكوى من تراجع معايير الجودة أو عدوان المدونين الهواة على عالم الإعلام.

في الواقع، ربما يعود الفضل إلى الشبكة العنكبوتية إلى تمتع الناس بقراءة أعمال صحافية أفضل من أي وقت مضى. وهنا تحديدا تكمن المشكلة: لقد هيمنت الكميات الضخمة للكلمات على نموذج تجاري اعتمد في يوم من الأيام على الندرة ومحدودية الاختيار.

على مدار سنوات كثيرة، عملت الصحف والمجلات على نحو ثابت تقريبا، معتمدة على مصدرين للعائدات: المستهلكين الذين يشترون المنتج، والشركات التجارية التي تدفع أموالا مقابل الوصول إلى هؤلاء المستهلكين عبر الإعلانات. وجاءت نوبات من الكساد وولت، وتوسعت صفحات الإعلانات وانكمشت، وبدأت إصدارات وأغلقت... لكن شيئا لم يؤثر على النموذج الأساسي. إلا أن اقتصاديات شبكة الإنترنت بدلت طرفي معادلة الربح.

في هذا السياق قال كين دوكتر الرئيس التنفيذي السابق لإحدى الصحف ومؤلف كتاب «نيوزونوميكس: اثنا عشر توجها جديدا سيصوغ الأخبار التي تحصل عليها»: «لقد بدأ الناس يدركون أن السوق لن تتحمل بعد الآن العبء على كاهلها».

في مرحلة مبكرة، عرضت جميع الإصدارات المطبوعة تقريبا إمكانية الدخول المجاني إلى محتوياتها عبر شبكة الإنترنت، الأمر الذي أثر بمرور الوقت على معدلات توزيع نسخها المطبوعة. نظريا، كان ينبغي أن تتحلى الصناعة بالقدرة على امتصاص الفقدان التدريجي للقراء الذين يدفعون أمولا مقابل الاطلاع على المحتويات. وقد شكلت الإعلانات دوما النسبة الكبرى من عائدات دور نشر الصحف - كانت نسبة الـ80% تقريبا بمثابة القاعدة العامة - ونظرا إلى قدرة الإصدارات على الوصول إلى جماهير واسعة النطاق، بدا من المنطقي توقع أن تتمكن من جني مزيد من الأموال من الإعلانات. إلا أنه بدلا من ذلك جاءت أسعار بيع الإعلانات عبر الإنترنت أدنى بكثير من الحال بالنسبة إلى النسخ المطبوعة، وكانت الأسباب وراء ذلك تتعلق بالمنافسة.

في هذا السياق، أوضح دومينيك فنتو، المدير الإداري لشركة «رازورفيش» للتسويق عبر شبكة الإنترنت، أنه «في عالم المطبوعات، تتوافر لديك مساحة محدودة - والمقصود بذلك صفحات مجلة ما. أما في عالم الشبكة العنكبوتية، أصبحت هذه المساحة لا متناهية».

وقال نيك دينتون، متحدثا عن شركته «غوكر ميديا» - وهي شبكة رائجة ومدرة للربح من مواقع على شبكة الإنترنت تغطي قضايا التكنولوجيا والرياضة وأخبار المشاهير - وكذلك مشروعات أخرى مثل «كريغليست»، وهو موقع مجاني تسبب في خراب بالغ في مجال الإعلانات المبوبة التي شكلت ذات يوم مصدر دخل كبير للصحف: «ربما هذا هو النجاح، أن تتمكن من القضاء على مئات الملايين أو مليارات الدولارات من عائدات أفراد آخرين، لكن دونما الاستحواذ عليها جميعا لصالحك».

لسبب ما، ربما يكون أحمقا، ما تزال الرغبة في العمل في الصحافة تساور الكثيرين. وحتى في خضم فترة الركود كانت هناك ومضات من الإبداع. وظهر على السطح حشد من شركات أصغر لا تحمل خبرات ماضية سلبية ولديها استعداد لتجريب أي شيء. وتوحي دروس التاريخ أن القليل من هذه المؤسسات سيتمكن في نهاية الأمر من البقاء.

جدير بالذكر أن الشركات الناشئة على شبكة الإنترنت تتسم بمعدل انهيار يتراوح بين 70% و90%. إلا أن الاحتمال الأكبر يشير إلى أن نمط التجارب التي تنطوي عليها هذه الشركات ربما توفر نمط الإبداع والابتكارات القادرة على خلق نماذج عمل جديدة مستدامة.

يُذكر أن «فاستر تايمز» ظهرت على الشبكة العنكبوتية في يوليو (تموز) الماضي، وصاحبتها دعاية كبيرة وحفل في أحد متاجر مانهاتن. وقد عيّن الموقع لديه مراسلين في 20 دولة، علاوة على أبواب للموضوعات العلمية والطعام والسفر والفنون، بجانب موضوعات أكثر حمقا مثل الانتقال عبر الزمن.

من جانبه، تعامل سام آبل مع مشروعه بجدية، وفي بيان توضيح مهمة الموقع كتب يقول: «أزمة الصحافة الأميركية في حقيقتها أزمة مالية. إن الآراء المنشورة على المدونات رخيصة التكلفة، بينما تقتضي الصحافة العظيمة تكاليف ضخمة».

لا يمكن نعت ما واجهته المشروعات الصحافية الناشئة على شبكة الإنترنت بأنه ازدهار في مجال الشبكة العنكبوتية، فتلك المشروعات لم يتوافر أمامها رأسمال كبير، ولم تعقد حفلات فخمة للتعريف بها ولم يتوقع أحد أن يجني ثروة من ورائها. لكن هذا الجيل من المشروعات الصحافية الناشئة يشارك على الأقل في خاصية واحدة مع الأخرى السابقة لها التي ظهرت في تسعينات القرن الماضي: القناعة بأنها تشكل طليعة ثورة لا تزال تتحدد ملامحها.

صباح أحد أيام مارس (آذار) بينما كانت تعوي رياح في شارع برودواي، زرت رؤساء تحرير موقع «ترو - سلانت». كان مكتب الشركة القائم مطليا باللون الأبيض وبسيطا وكئيبا إلى حد ما، كما لو كان تصميمه يرمي إلى عكس مناخ التقشف السائد حاليا. اعتمادا على خمسة موظفين فحسب، نجح «ترو - سلانت» في بناء جمهور واسع منذ أن بدأ عمله العام الماضي، حيث يزوره قرابة مليون قارئ مرة واحدة على الأقل شهريا، وهو عدد مشابه لعدد جمهور موقع مثل «فيليدج تشويس» أو «تشارلوت أوبزرفر». ويدين الموقع بالفضل وراء نجاحه المتواضع المتنامي لأكثر من 300 فرد يسهمون به ويعملون لجزء من الوقت. ويعد الموقع شبكة واسعة غير محكمة من المدونين ممن يخلقون فيض مستمر من المحتوى مع أقل قدر ممكن من التدخل من جانب رئاسة التحرير. وتصف الشركة ما تقوم به بـ«صحافة تجارية» وتؤكد أن هذا هو مستقبل مهنة الصحافة.

جاء ظهور «ترو - سلانت» على يد رجل يبلغ من العمر 57 عاما يُدعى لويس دفوركين. وقد بدأ حياته المهنية داخل الصحف والمجلات، وكثيرا ما يتضمن حديثه إشارات إلى رؤساء تحرير لامعين من حقبة سابقة. وأخبرني ذات مرة: «إنني في سن تمكّنني من العمل كجسر بين ذلك العالم والآخر القائم حاليا بغض النظر عن وصفه».

أما خبرة دفوركين الأهم فاكتسبها خلال عمله أخيرا في موقع يعنى بالأقاويل والشائعات المرتبطة بالمشاهير ويدعى «تي إم زد»، والذي نجح في اجتذاب أعداد جماهيرية ضخمة على شبكة الإنترنت. منذ سنوات قليلة ماضية، بدأت فكرة تراود دفوركين أثمرت في النهاية عن «ترو - سلانت». والتساؤل الآن: هل يمكن أن تتيح التكنولوجيا فرصة إقامة منظمة إخبارية من دون أي هيكل هرمي تحريري على غرار تلك المألوفة حاليا؟

في «ترو - سلانت»، أخبرني دفوركين أنها «تعمل بمثابة المنتج والمبدع والمبرمج الوحيد للمحتوى الذي تقدمه. ويقلص هذا الترتيب تكاليف هيكل العمل، وهو أمر محوري».

يُذكر أن دفوركين بدأ الموقع باستثمار متواضع لا يتجاوز 3 ملايين دولار حصل عليه من «فيوز كابيتال» و«فوربس ميديا». ويعمل جميع كتاب «ترو - سلانت» لجزء من الوقت ويتقاضون رواتب هزيلة مقارنة بتلك التي تعرضها المؤسسات الإعلامية البارزة.

من جانبه قال دفوركين: «صالات التحرير باتت عالية التكلفة وتتضمن نشاطات لخلق محتويات غير متناسبة مع تكلفتها ولا يمكن دعمها بعائدات الإعلانات في العالم الرقمي. هذا من المستحيل».

عبر شبكة الإنترنت، تتمتع الجهات الإعلانية بقوة هائلة، لأنه من السهل اقتفاء أثر من ينقر على ماذا، وأصبح بمقدورها دفع أموال متناسبة مع عدد المرات التي يجري خلالها مشاهدة إعلاناتها. على سبيل المثال، بدلا من إرسال إعلانات عن الخصم الذي يفرضه على مبيعات الأحذية إلى ملايين المشتركين في الصحف المطبوعة، الذين ربما لا يسعى بعضهم لشراء أحذية، بمقدور أي متجر الآن شراء مساحات بصفحات تعرض أنباء عن الموضة ويبلغ عدد زائريها 50.000 زائر. أو يمكنهم وضع إعلانات على مواقع بوابة عليها إقبال شديد مثل «ياهو» و«إيه أو إل»، أو يمكن للمتجر دفع أموال لـ«غوغل» لإدماج إعلانات في نتائج البحث لديه، أو يمكنه اللجوء إلى واحدة من الشبكات الإعلانية الرقمية الضخمة التي ظهرت في السنوات الأخيرة وشراء الصفحات المتبقية التي لم تُبَع بعد بأسعار زهيدة. وبذلك يتضح أن شبكة الإنترنت تتيح تقليص الأموال المهدرة بصورة كبيرة وتوفير قدر أكبر من الخيارات في الوقت ذاته.

بوجه عام، في الوقت الذي تدفع الإعلانات مبالغ كبيرة مقابل حجز أماكن معينة، مثل الصفحات الرئيسة لمواقع على الشبكة، فإن الإعلانات التي يجري نشرها بجانب مقالات فردية يجري بيعها بمعدلات تتراوح بين بنس وخمسة سنتات لكل مرة يطّلع فيها قارئ على الإعلان.

بيد أن ذلك لا يعني أنه من المستحيل جني أموال، فمثلا إذا تمكن «ترو - سلانت» من الإبقاء على تكاليف الإنتاج منخفضة والإقبال عليه مرتفعا، يمكنه حينئذ جمع قدر كافٍ من البنسات والسنتات يخلق له أرباحا. وبالنسبة إلى جهة نشر على شبكة الإنترنت، فلتحقيق ذلك سبيلان: أولهما التأكيد على مستوى الجودة وإنتاج قدر محدود من المواد على أمل أن يجذب كل منها عددا كبيرا من القراء. وثانيهما أن يبحث الناشر عن الكم، ويعمد إلى إنتاج الكثير من المواد الصغيرة التي تتعاظم عند وضعها معا. يذكر أن صالة التحرير في «ترو - سلانت» تفرز قرابة 125 قطعة محتوى يوميا.

ويتبع الكثير من الشركات هذه الاستراتيجية بكميات أعلى. على سبيل المثال، يتمتع موقع Examiner.com الذي يملكه المياردير فيليب أنشوتز جمهور هائل وجيش من العاملين الذين يسهمون فيه يصل تعداده إلى 36.000 على مستوى البلاد. ويسهم هؤلاء الأشخاص بموضوعات حول أنباء المجتمعات المحلية والقضايا المتعلقة بأنماط الحياة والحيوانات الأليفة، ويتقاضون 1% مقابل كل مشاهدة للصفحة. وتحاول «إيه أو إل» توجها مشابها يقوم على ما يطلق عليه «صحافة المواطنين» عبر موقع يُدعى «باتش». وربما يكمن المثال الأنجح على ذلك في «هفنغتون بوست»، التي يبلغ عدد موظفيها 70 من أعضاء هيئة التحرير يتقاضون رواتب، و6.000 من المدونين لا يتقاضون أجرا. وأخيرا، اختير الموقع واحدا من بين أفضل 10 مواقع على شبكة الإنترنت تُعنى بالقضايا الجارية، طبقا لتقرير أصدرته «نيلسن أونلاين»، متفوقا بذلك على مصادر بارزة مثل «واشنطن بوست». تنتج «هفنغتون بوست» في المتوسط 500 مادة يوميا، معظمها مواد مجمعة من مصادر أخرى، بينما ينتج Examiner.com أكثر من 3.000 مادة.

الملاحظ أن الجمهور الذي يقبل عبر شبكة الإنترنت على هذه المصادر يدخل إليها على نحو متزايد عبر أبواب جانبية، عبر روابط في مدونات مواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك». إلا أنه يمكن القول إن أهم الأدوات للوصول إلى جمهور عريض تتمثل في محرك البحث «غوغل». وإذا تمكنت من الصعود إلى قمة نتائج البحث الخاصة بالموقع، فمن المؤكد أنك ستنال أعدادا ضخمة من مرات النقر. ويحاول معظم الإصدارات هذه الأيام تحسين ترتيبها على «غوغل» من خلال عملية لا يعرف بأمرها سوى القليلين تعرف بتعزيز فاعلية محرك البحث. ويتميز البعض بمهارة أكبر في هذا الأمر عن آخرين. وهذا هو السبب في أنه خلال بحثي في منتصف أبريل (نيسان) عن عبارة «بركان إيافيالايوكل» ظهرت صورة بالقرب من قمة النتائج في «هفنغتون بوست».

ويتحول بعض المواقع الجديدة المغامرة مثل «أسوشييتد كونتنت» و«ديماند ميديا» إلى تبديل العملية برمتها، سعيا لخلق محتويات مصممة خصيصا لإرضاء الأذواق على «غوغل». ولا تنعت هذه المواقع ما تقدمه بالعمل الصحافي أو تبدي اهتماما بشأن الأخبار التي تشكل سبقا صحافيا، لكنها أكدت أنها تحقق عائدات كبيرة من الإعلانات، وتراقب جهات أخرى استراتيجياتها من كثب.

في هذا السياق، قال ستيفين كيد، الذي يتولى الإشراف على عملية إنتاج المحتوى في «ديماند ميديا»: «لقد أدركنا أن تلك تشكل فرصة كبرى، وأن العوامل الاقتصادية وراء المحتوى وتوزيع الإعلام تبدلت، وأن هذا التغيير قائم إلى الأبد». وأعلنت الشركة أنها حققت عائدات بلغت 200 مليون دولار العام الماضي، وتشير تقارير إلى أنها تجري محادثات مع «غولدمان ساكس» حيال ضمان اكتتاب أولي عامّ.

من ناحية أخرى، يعتمد النموذج التجاري لـ«ديماند ميديا» على مهارات الآلاف من المساهمين العاملين بصورة حرة الذين ينتقون الموضوعات التي يتناولونها من قائمة أوتوماتيكية تضم أكثر من 200.000 موضوع مكتوب ومصور جرى جمعها اعتمادا على طلبات البحث عبر الإنترنت. وتميل الموضوعات في معظمها إلى الرد على تساؤلات عملية وتنشر على مواقع غير مشهورة مثل «إيهاو» و«يوتيوب»، التي ترتبط معها «ديماند ميديا» باتفاق للتشارك في الأرباح. وتقول الشركة إنها صاغت نظاما حسابيا قادرا على تحديد حجم عائدات الإعلانات التي يحققها كل موضوع بدقة.

وعن قائمة الأفكار الأوتوماتيكية، أكدت الشركة أنها أقيم من تلك الناتجة عن الفكر البشري. وقال كيد: «محررونا يحبون قطعا هذا الأمر، لأنه يمنحهم القدرة على الاختيار بين ملايين العناوين المحتملة، وهم مدركون أنها جميعا أفكار جيدة». وهي أفكار مربحة أيضا، حيث لا يجري الشروع في كتابة موضوع إلا إذا توقع النظام الحسابي أنه قادر على تغطية تكاليف الإنتاج. ويمكن أن يجني العاملون بصورة حرة مع «ديماند ميديا» ما بين 15 و20 دولارا للمادة الواحدة. وأضاف كيد: «الطريف أننا في بعض الأحيان نسأل أشخاصا يعملون في صحف أو مجلات «كم يكلفكم المقال؟» ويتضح أنه لا فكرة لديهم على الإطلاق بهذا الشأن.

إلا أن هذا الوضع يتغير الآن، فرغم ما يبديه الصحافيون من تخوف حيال النموذج الذي تتبعه «ديماند ميديا»، بدأت بعض جهات النشر التي تشكل التيار الإعلامي الرئيسي في اقتباس أجزاء من هذا النموذج الجديد. على سبيل المثال، أجرت «يو إس إيه توداي» اتصالا بـ«ديماند ميديا» لتوفير محتوى لموقعها المعني بالسفر على شبكة الإنترنت، بينما شرعت «إيه أو إل» أخيرا في بناء موقع على شبكة الإنترنت يدعى «سيد» يتولى رئاسة تحريره سول هانسيل، الذي كان كاتبا لعمود في «نيويورك تايمز». ويستقي الموقع أفكاره من بيانات البحث. وبوجه عام، أصبح في أوساط الصحافيين تقدير أكبر إزاء قدرة الإنترنت على إطلاعهم على ما يرغب القراء في معرفته.

من جهته، قال دفوركين: «يستعصي فهم هذه الفكرة على الصحافيين التقليديين، ومن بين الأسباب وراء ذلك أنهم يجدونها مخيفة، فمن المخيف أن تجد البيانات أمامك، ومن المخيف أن تتعرف إلى جمهورك، وفجأة يتعين عليك الرد عليهم لأن هذا هو ما يرغبون في معرفته».

وعرض عليّ دفوركين وكواتس باتمان، وهو محرر كتب سابق يدير عمليات المحتوى اليومي على موقع «ترو - سلانت»، «لوحة أجهزة القياس» الخاصة بالموقع، وهي بمثابة المكتب الخلفي لصالة التحرير الافتراضية. وكان هناك قرص، مثل عداد سرعة رقمي، يظهر مقدار تصفح صفحات الموقع، وقائمة بالموضوعات الشعبية على موقع «غوغل» و«تويتر»، وعلى رأسها المرتبطة بالمغني الصغير جاستن بيبر (خلال ساعة تقريبا، ظهرت الموضوعات المرتبطة ببيبر على «ترو - سلانت»)، وكانت هناك قائمة بها ترتيب الموضوعات الأكثر قراءة، ووسيلة لتتبع الطريقة التي تمت من خلالها عملية التصفح، إذ ربما يتم من خلال رابط من مدون مشهور أو أداة التوصية «ديغ». والأكثر غرابة أنه كان هناك عرض يعتمد على عد حسابي يظهر للمساهمين ما يقوله الناس الآخرون عن أعمالهم في المدونات.

ويضع موقع «ترو - سلانت» هيكلا للتعويض ليعطي الكتاب حافزا للابتكار من أجل جذب القرّاء. ويحصل المساهمون على رواتب شهرية، وعلى علاوات تعتمد على عدد الناس الذين يقرأون مقالاتهم. ولا تكفي هذه الأموال لتحمل أعباء الحياة، ولكن يعد موقع «ترو - سلانت» سخيا بالمقارنة مع «هافينغتون بوست»، على سبيل المثال، التي لا تعطي المدونين غير العاملين بها شيئا سوى التقدير. ويحصل معظم الكتاب على مئات قليلة من الدولارات شهريا إذا وصلوا إلى مستهدفات التصفح الخاصة بهم. ويحصل عدد قليل من الأسماء البارزة، مثل مات تيابي، على مقدار أكبر قليلا. وفي الواقع، فإن «ترو - سلانت» يدفع إلى الكتّاب أكثر من العائد الذي تدره أعمالهم بمعدلات الإعلان الإلكترونية الحالية. ولم يدر الموقع الناشئ أرباحا حتى الآن، ويقوم حاليا بتجميع دفعة ثانية من رأس المال الاستثماري.

وسألت باتمان عن قيمة المقالة الواحدة بالنسبة إلى «ترو - سلانت» كحد أدنى في المتوسط. وقال لي إنه يقدرها بـ10 دولار.

كنت أجلس مع سام آبل في مقهى مزدحم بالروّاد، وسط عدد من أجهزة الكومبيوتر المحمول المفتوحة. وقال لي: «فكرت في البداية إنه إذا كان في استطاعتي إنشاء منبر صحافي جيد، وإذا كان في استطاعتي القيام بذلك بهامش صغير من التكلفة، فقد تغطي الإعلانات ذلك». ويبلغ عمر موقع «فاستر تايمز» حاليا ثمانية أشهر، وقد كان آبل أكثر حكمة في ما يتعلق باقتصاديات الإنترنت. وخلال الصيف الماضي، وضع الموقع منذ البداية جدول نشر على مدار اليوم، استعمل طاقم عمل متحمسا ونشر رسائل ضيوف من كتّاب كبار مثل غاري شتينغار. وبحلول فصل الخريف، كان عدد المتصفحين شهريا يبلغ 200 ألف متصفح، حسب ما يفيد به موقع «كوانتكاست»، وهو معدل صغير بالمقارنة مع «فوفينغتون بوست» ولكن مع عائد جيد يزيد على 20.000 دولار في رأي آبل. ولكن كانت العوائد من خدمة «غوغل أدسنس»، وهي خدمة وضع إعلانات كان يستخدمها في البداية، بسيطة لدرجة أن آبل كان يتساءل عن الوقت الذي سيعطي فيه الكتّاب حصة نسبتها 75%.

ويقول: «لديّ صديق، متخصص في السلوك الاقتصادي، يقول إذا دفعت إلى الناس كميات قليلة، فإن ذلك أسوأ من عدم الدفع مطلقا». وكانت الدفعة الأولى من المكافآت التي تقدمها «فاستر تايمز» تتراوح بين 5 دولارات و75 دولارا. وزادت العوائد بصورة كبيرة منذ أن بدأ آبل يستخدم خدمة إعلانية أخرى، ولكن لم ترتفع حصص الكتّاب بدرجة كبيرة. وسواء كان ذلك بسبب التقلب أو الانجذاب إلى فرص تدفع أكثر، فإن عددا كبيرا من مساهمي «فاستر تايمز» الأصليين بدأوا في الرحيل تدريجيا. ويحاول آبل البحث عن مصادر بديلة للعوائد، وتقليل اعتماد الموقع على الإعلانات. ويقول آبل: «ما زلت أعتقد أن هناك أشياء كثيرة يمكن اختبارها. ويمكن أن نكون مختبرا لأحدث التجارب».

وخلص الكثير من الدوريات الأخرى إلى نفس النتيجة، وهي أن العمل في حاجة إلى مصادر دعم بديلة. وتبنى البعض وسائل تم تجربتها. ويدعم موقع «ديلي بيست» الملياردير السخي باري ديلر. ويقوم آخرون بمحاكلة قالب «إن بي آر» غير الربحي. ويدر موقع «بوليتيكو» أغلبية العوائد من الإعلانات داخل صحيفة مطبوعة تابعة له. وهناك اشتراكات تفرضها دوريات على التصفح الإلكتروني مثل «وول ستريت جورنال» و«فاينانشيال تايمز»، وقد حققا نجاحا في ذلك. وأعلنت صحيفة «نيويورك تايمز» أنها ستفرض في مطلع العام المقبل رسما على من يستخدمون الموقع بصورة معتادة. ويشك الكثير من المحللين في أن فرض اشتراكات سيكون مثمرا للجميع، وتظهر استطلاعات الرأي أن عددا قليلا من العملاء لديه استعداد للدفع مقابل الأخبار على شبكة الإنترنت. ولكن بدأت بعض المواقع الناشئة تجربة أفكار مشابهة، مثل عرض عضوية استثنائية يعطي من خلالها للقراء المشتركين الحق في الاطلاع على موضوعات محددة. وتقوم «غولوبال بوست»، وهي دورية على الإنترنت تغطي الأخبار الدولية، حاليا بتطبيق هذا البرنامج، وتقدّم للمشتركين في هذه الخدمة فرصة المشاركة في مؤتمر صحافي جماعي لمراسلين بأكثر من 50 دولة، وللتصويت على مقالات يريدون رؤيتها.

ويوجد شيء مشترك في هذه الاستراتيجيات الجديدة، وهي الرغبة في تجاوز الحواجز تقليدية، على سبيل المثال من خلال إزالة الفارق بين العمل الصحافي والإعلانات. ويعرض موقع «ترو - سلانت» السماح للمعلنين باستخدام نفس أدوات التدوين التي يستخدمها المساهمون، وإنتاج محتوى يظهر مع المواد المختلفة الأخرى داخل الموقع، ولكن مع وضع علامات عليها. وتعد صفقات التسويق نقطة هامة في خطط الشركة المتعلقة بالنمو المستقبلي في العوائد. ويقول لويس دفوركين: «في كل مكان أذهب إليه، أجد فكرة تمكين المسوقين من عمل محتوى على المنابر الإخبارية تحظى بقبول. هذه هي الطريقة التي يتحول بها العالم».

ومنذ فترة ليست بالبعيدة، كان ينظر إلى مثل هذه الفكرة على أنها هرطقة، ولا يزال الكثير من صالات التحرير ينظر إليها بهذه النظرة. ولكن من الواضح أن المواقف تتغير. وعبّر ميريل براون، وهو مسؤول تنفيذي مخضرم في مجال الإعلام ومستثمر يقوم حاليا بإنشاء شبكة للمواقع الإخبارية المحلية، عن أمله في التخلي عن الأفكار التقليدية. وفي السابق، كان معظم الصحافيين لا يكترثون لاقتصادات القطاع الصحافي، ولم تكن لديهم رغبة في الانشغال بمعرفة الجانب التجاري. وقد حوّل الركود الاقتصادي الجميع إلى شخصيات رأسمالية، من خلال الشعور بالخوف والحاجة.

ويشكّل رجال الأعمال الجدد في القطاع الصحافي قسمين مميزين، فهناك صاحب المؤسسة مثل تشارلس سينوت، الذي كان يعمل مراسلا للشؤون الخارجية في «بوسطن غلوب». وبعدها أصبح مؤسسا ومحررا تنفيذيا في «غلوبال بوست». وهناك أيضا ألكس بالك وتشور سيتشا وديفيد تشو الذين قرروا إنشاء موقع «أول». وهناك صغار رجال الأعمال، وهم الصحافيون الذين وجدوا أنفسهم لا يحصلون على راتب، ويحاولون حاليا جمع دخل من العمل الحر مع عمل أشياء خاصة بهم. وكلا الجانبين مرتبط بقضية التقييم. ويقول سيشا: «لا أعتقد أن أي شخص لديه فكرة عما يجب أن يدفع مقابل القطعة، ربما أكثر من 25 دولارا، ولكن أقل من ألف». وأضاف أنه في الوقت الحالي لا يدفع موقع «أول» الكثير لأي شخص.

وتمثل قضية الطريقة التي يجب من خلالها الدفع للصحافيين نقطة اهتمام كبير بالنسبة إلى الصحافيين، وتحظى بأهمية أيضا بالنسبة إلى القراء بصورة ربما لا يدركوها، حيث تؤثر هيكلة التعويض على المنتج النهائي، لا سيما عندما يتم ربط المرتبات والمكافئات بإقبال القراء، وهو القالب الذي يستخدمه الكثير من الكيانات الناشئة. وتراقب الدوريات القائمة التجربة بفضول وخوف، علما بأن البعض منها يدرس خططا شبيهة. ويعرف المحررون والكتاب أن اقتصادات الإنترنت المعتمدة على معدلات التصفح قد تكافئ أشياء ضعيفة المستوى. وعليهم أن يقرروا إما التعامل مع ذلك وإما قبوله واقعا.

ومن بين أبرز المؤيدين للاتجاه الأخير نري بلودجيت، رئيس تحرير موقع «بيزنيس إنيسدر»، الذي يتناول أخبار المشاهير. ويقدم طاقم العمل الموهوب التابع له أخبار كثيرة، ولكن بلودجيت غير آسف لإضافة أشياء جذابة أخرى. كان بلودجيت يعمل محلل أسهم سابقا وحُظر عليه ممارسة المهنة وسط اتهامات بالاحتيال في الأوراق المالية، ودفع 4 ملايين دولار لتسوية الأمر. وفي مارس (آذار) كتب: «ربما هذا هو الوقت المناسب لطرح نظرية جديدة: ما نتصفحه يعكس بدقة الشيء الذي نهتم به، بغض النظر عما نفكر فيه أو نأمله». وبعد أيام قليلة، شارك بلودجيت في نقاش شديد حول القضية مع الكاتب في «رويترز» فليكس سالمون، وخلصا إلى أنه من أجل الحصول على 50 ألف دولار راتبا سنويا، يحتاج الصحافي إلى أن يكون معدل التصفح الشهري له 1.8 مليون مرة.

وواجه بلودجيت هجوما كبيرا بسبب تعديه على المعتقدات الراسخة في القطاع، ولكن في الواقع فإنه يتحدث صراحة عما يفكر فيه الكثير من المحررين الآخرين في السر. وإذا كنت لا تصدق ذلك، يمكن أن تتفحص قائمة الموضوعات الأكثر قراءة على الموقع المفضل بالنسبة إليك. وحتى الدوريات التي لا تتابع معدل التصفح تكتشف أن تحقيقات معنية تكون في المقدمة. ويقول تشارلس سينوت إنه وسط تغطية «غلوبال بوست» الجادة للحروب والزلازل، وهما موضوعان هامان خلال العام الأول للموقع كان يوجد موضوع يحمل عنوان «نجم الإباحية الأول في الهند» وعرض لملابس قطط يابانية.

وبالطبع لا توجد مشكلة في إعطاء القراء ما يريدون في السر. وتظهر المشكلة عندما تبدأ إنتاج مقالات فقط من أجل ذلك فقط، لأن بعض النقرات أكثر قيمة من نقرات أخرى. وهذه هي النتيجة التي خلص إليها نيك دينتون بـ«غاوكر ميديا»، وهو من بين أوائل من قاموا بالدفع للكتاب حسب معدل تصفح مقالاتهم ولديه شكوك كبيرة حاليا في هذا النهج. وأسس دينتون شركته معتمدا على المدونين المتعاونين من الخارج، ولكن خلال العام الأخير اتجه إلى التعاقد معهم ليعملوا طوال الوقت برواتب محددة وعلاوات مرتبطة بـ«زوار استثنائيين»، وهو مقياس يرى أن يظهر قدرة الكاتب على جذب قراء جدد إلى الموقع. ويقول دينتون إنه غيّر من النظام لأنه اكتشف أن الرغبة في جذب عدد أكبر من القراء تدفع الكتاب إلى إنتاج مواد لا قيمة لها بدلا من كتابة تقارير صحافية أو نشر سبق صحافي، أي بدلا من الاهتمام بالعمل الصحافي.

ويقول دينتون: «عندما نظرنا إلى الأرقام كان واضحا بصورة متزايدة أن الموضوع التقليدي على المدونات أصبح مثل سلعة كاملة». وعندما تتنافس نظم العد الحسابي من أجل الرد على كل سؤال بشري، تبين أن هناك قيمة في إخبار الناس أشياء لم يكونوا يعبؤون بعدم معرفتها. وقد اشترى موقع التقنية التابع لدينتون «غيزمودو» نسخة أولية سرية من جهاز «آي فون» نسيه مبرمج بشركة «آبل» داخل حانة، ونشر موضوعا به صور وخصائص الهاتف. وخلال أسبوعين، بلغ عدد مرات تصفح هذه الموضع 10 ملايين مرة، ويقدر أن 4.4 مليون منهم كانوا أفرادا جددا، وقد جذب ذلك اهتماما كبير بالموقع (ومن بينهم محامو شركة «آبل» والشرطة)، ويقول دينتون إنه يأمل أن يترجم ذلك إلى ولاء من جانب القراء والمزيد من الصفقات الإعلانية المدرة للأرباح.

وإذا كان ذلك يمثل قالب المستقبل، فإن العالم الجديد يمكن أن يبدو شبيها بالعالم القديم كثيرا، ولكن مع صالات تحرير أقل ولاعبين جدد، حيث تحل «بوليتيكو» محل مراسل واشنطن، ويمكن الحصول على تغطية تتناول فريق البيسبول المفضل مباشرة من MLB.com، والذي يعمل به كتاب محترفون في الرياضة. وفي مدن مثل سان دييغو ونيويورك وواشنطن، تهتم المواقع الإلكترونية الناشئة بتغطية أخبار المدينة، أملا في جذب أسواق الإعلان المحلية. وجميع هذه الدوريات تستعمل موظفين لدوام كامل، كما الحال مع مقدمين غير التقليديين مثل «ياهو» التي تنشئ حاليا موقعا جديدا يتناول الأخبار السياسية. وخلال الأشهر القليلة الماضية، كان هناك تقدم ملموس في سوق العمل الصحافي وسوق الإعلانات. وكان هناك ترحيب بجهاز «آي باد» وتطبيقاته التي تعيد المجلات والصحف إلى الشكل التقليدي.

ومع ذلك، من الصعب التنبؤ بعودة ذلك بصورة كاملة، ويسعى الكثير من الدوريات إلى المحافظة على نفسه، من أسماء بارزة مثل «نيوزويك» التي طرحت للبيع أخيرا وصولا إلى كيانات ناشئة مثل «فاستر تايمز». وفي إحدى ليالي شهر أبريل (نيسان)، اجتمع سام آبل مع تسعة من العاملين البارزين داخل الدورية للحديث عن المستقبل. وعرض آبل ما يعتقد أنه الطريق الأفضل للمضي قدما، وهو برنامج عضوية.

ويمكن أن يشترك القراء من أجل الاطلاع على كاتب مفضل بأسعار تتراوح بين 12 و120 دولارا في العام. ويمكن أن يحصل الكتّاب على 70% من العوائد. وفي هذا اللقاء بدأ المحررون عملية عصف ذهني. وكان أحد المساهمين، وهو أستاذ جامعي مترجم لأعمال نيتشه، قد عرض الرد على سؤال فلسفي من اختيار القارئ. وتطوع كاتب الغراميات بمناقشة ملفات على الإنترنت خصوصا بالراغبين في الزواج. وقال آبل إنه سوف يشرك كاتبة جديدة. وقال إنها «خريجة من كلية سارة لورانس، وسوف تبدأ قريبا وتكتب عن الجنس والسلطة».

وقالت أوليفا شيك مديرة التحرير: «لا تبعد عن الواقعية، ولكن المشكلة التي نواجهها في هذه الفكرة هي أننا نريد تقديم الصحافة لا الجنس».

وذكر آبل أن الموضوع الأكثر قراءة على الموقع كان رسالة مدون عن ميغان فوكس. ولم يكن ذلك هو الأثر الذي كان في خلده عندما جاءته فكرة نوع جديد من العمل الصحافي. ولكنه مال إلى التفكير في أنه قد يكون هناك مجموعة من مستخدمي غوغل يريدون قراءة رسائل من مصر وتركيا أو ملحق السفر أو النقد المسرحي، الذي كان - على عكس كل التوقعات - أكبر عنصر جذب للإعلانات في البداية على «فاستر تايمز».

وحيث إني أتابع «فاستر تايمز» بانتظام، فقد تأثرت بعمود يطلق عليه «ضغط مالي»، وتكتبه كاثرين هيغينز، وهي أم من كونيتيكت ستخسر منزلها في عملية نزع ملكية. أرسلت الأم رسالة إلى آبل في أحد الأيام تطلب منه المساهمة. وهناك الكثير من الأصوات الشبيهة داخل «فاستر تايمز»، وهم عبارة عن كتاب انتهى بهم الأمر إلى الجانب السيئ من الركود الاقتصادي. وبغض النظر عما سيحدث في المستقبل، فقد حقق آبل شيئا بأن أتاح لهم مساحة لكتابة تجاربهم، وهو ما يمثل سجل لهذه المرحلة الانتقالية. وهذا هو جوهر العمل الصحافي.

* خدمة «نيويورك تايمز»