جهود لتقليص سيل الأخبار حول التسريب النفطي في خليج المكسيك

الصحافيون الراغبون في توثيق تأثير التسريب يجابَهون برفض متكرر من «بريتيش بتروليوم» والسلطات المحلية

استمر منع مراسلين ومصورين من تغطية جوانب من قضية البقعة بغض النظر عما إذا كانت حالات المنع استثنائية أم لا («نيويورك تايمز»)
TT

عندما اتصل مسؤولون من شركة «ساوزرن سيبلين» في بيل تشيس لويزيانا بمركز قيادة إدارة الطيران الفيدرالية المحلية التابعة لخفر السواحل للحصول على إذن بالطيران على منطقة يحظر فيها الطيران فوق خليج المكسيك، كانوا يقومون من خلال ذلك بما اعتبروه طلبا بسيطا وروتينيا.

ورغب أحد الطيارين في اصطحاب مصور من صحيفة «تايمز بيكايون» من نيو أورليانز لالتقاط بعض الصور للبقعة النفطية التي تغطي سطح الماء. وجاء الرد من جانب أحد مقاولي «بريتيش بتروليوم» الذي رد على الهاتف في وقت متأخر من الشهر الماضي من داخل مركز القيادة سريعا وقاطعا: «الطلب مرفوض».

في هذا السياق، قالت روندا بانيبنتو التي تملك مع زوجها، ليل، شركة «ساوزرن سيبلين»: «تعرضنا لاستجواب مكثف بأسئلة من نوعية: من على متن الطائرة؟ ويعمل لحساب من؟ وبمجرد أن ذكرنا وسائل الإعلام، جاء الرد بالرفض».

الملاحظ أن الصحافيين الذين يناضلون من أجل توثيق تأثير التسريب النفطي يجابهون رفضا متكررا لدخولهم مناطق عامة تأثرت بالتسريب، ليس من قبل «بريتيش بتروليوم» ومقاوليها فحسب، وإنما كذلك السلطات المحلية المعنية بفرض القانون وخفر السواحل والمسؤولين الحكوميين.

بالنسبة لبعض منتقدي جهود الاستجابة لحادثة التسريب التي تبذلها «بريتيش بتروليوم» والحكومة، تبدو حالات الإبقاء على وسائل الإعلام بعيدا عن موقع الحدث مثالا آخر على مشكلة أوسع تكمن في تعمد المسؤولين تحديد ماهية صور البقعة النفطية التي يمكن للرأي العام الاطلاع عليها.

من ناحية أخرى، اشتكى علماء من بطء تدفق المعلومات حول الحادثة من «بريتيش بتروليوم» ومصادر حكومية. على سبيل المثال، مرت ثلاثة أسابيع بين وقوع التسريب للمرة الأولى في 20 أبريل (نيسان) في «ديب ووتر هوريزون» وعرض الصور الأولى لتدفق النفط من أنابيب نفطية أسفل سطح الماء من جانب «بريتيش بتروليوم».

في هذا الصدد، صرح النائب إدوارد جيه ماركي، عضو الحزب الديمقراطي من ماساتشوستس، الذي ناضل ضد «بريتيش بتروليوم» لإجبارها على الكشف عن مزيد من المقاطع المصورة للتسريب النفطي أسفل الماء التي جرى تصويرها، بأنه «أعتقد أنهم يعمدون إلى تقليص إمكانية الوصول إلى هذه المواد. إنها شركة لم تعتد الشفافية. ولم تعتد خضوع نشاطاتها للتفحص العام».

على الجانب الآخر، قال مسؤولون في «بريتيش بتروليوم» وكيانات حكومية إن حالات حرمان وسائل إعلام من الاطلاع على مجريات الحادثة كانت الاستثناء، لا القاعدة، موضحين أن الشركة والحكومة بذلتا الكثير من الجهود لاستيعاب مئات الصحافيين الذين انتقلوا إلى منطقة خليج المكسيك لتغطية الحدث. يذكر أن إدارة الطيران الفيدرالية، استجابة للانتقادات التي تعرضت لها في أعقاب حادثة «ساوزرن سيبلين» سالفة الذكر، عمدت إلى تنقيح القيود التي تفرضها على الطيران في المنطقة، بحيث تسمح لوسائل الإعلام بتنفيذ طلعات جوية على أساس دراسة كل حالة على حدة.

من جهته، قال ديفيد إتش نيكولاس، المتحدث الرسمي باسم «بريتيش بتروليوم»: «تمثل توجهنا العام على امتداد فترة الاستجابة لهذه الحادثة الخاضعة لسيطرة القيادة الموحدة وتعد أكبر حادثة تسريب نفطي من نوعها، في السماح بأكبر قدر ممكن لوسائل الإعلام والأطراف الأخرى المعنية بالاطلاع على المعلومات ودخول مناطق العمل من دون تهديد العمل الذي نقوم به أو سلامة أولئك الذين نسمح لهم بالدخول إلى مواقع العمل».

وبغض النظر عما إذا كانت حالات المنع استثنائية أم لا، استمر منع مراسلين ومصورين من تغطية جوانب من قضية البقعة النفطية.

الأسبوع الماضي، حاول السيناتور بيل نيلسون، عضو الحزب الديمقراطي من فلوريدا، اصطحاب مجموعة من الصحافيين معه في رحلة عبر خليج المكسيك إلى متن سفينة تتبع خفر السواحل. وأعلن مكتب نيلسون أن خفر السواحل وافقوا على اصطحابه مراسلين ومصورين. لكن في العاشرة مساء تقريبا في الليلة السابقة لتنفيذ الرحلة، اتصل مسؤول من مكتب الشؤون التشريعية في وزارة الأمن الداخلي بمكتب نيلسون ليخبره بأنه ممنوع اصطحاب صحافيين.

من جهته، قال بريان غولي، المتحدث الرسمي باسم السيناتور: «قالوا إن سياسة الاستجابة التي تنتهجها وزارة الأمن الداخلي لا تسمح بوجود مسؤولين منتخبين وصحافيين على نفس (الأصل الفيدرالي). ولم يكشفوا مزيدا من المعلومات».

وأضاف المكتب أن نيلسون طلب من جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن الداخلي، تقديم تفسير رسمي لهذا الموقف.

من ناحية أخرى، قال كابتن رون لابريك، المتحدث الرسمي باسم خفر السواحل، إنه بعد مرور قرابة أسبوع من جهود تطهير البقعة النفطية، شرعت إدارة خفر السواحل في تطبيق سياسة تحظر على ممثلي وسائل الإعلام مرافقة المرشحين لمناصب عامة في زياراتهم لمنشآت حكومية، وذلك «للمساعدة في إدارة الأعداد الضخمة من الطلبات من جانب وسائل إعلام وزيارات المسؤولين المنتخبين».

في حادثة منفصلة وقعت الأسبوع الماضي، أخبر مقاول في «بريتيش بتروليوم» مراسلا ومصورا من «ديلي نيوز» من نيويورك بأنه ليس بإمكانه الدخول إلى شاطئ عام في غراند أيل في لويزيانا، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا بالبقعة النفطية. واستدعى المقاول العمدة المحلي الذي أخبر المراسل، ماثيو ليزياك، فيما بعد أن ممثلي وسائل الإعلام يتعين عليهم ملء استمارات، ثم تجري مرافقته من جانب مسؤول في «بريتيش بتروليوم» للدخول إلى الشاطئ.

إلا أن «بريتيش بتروليوم» لم تستجب لطلبات للتعليق حول الحادثة. خلال الأسابيع القليلة الأولى بعد وقوع حادثة التسريب النفطي، أبقت «بريتيش بتروليوم» بقبضة محكمة على صور حادثة التسريب النفطي في منطقة خليج المكسيك. حتى بعدما كشفت عن أول مقطع فيديو للبقعة النفطية في 12 مايو (أيار)، لم تتجاوز مدة المقطع 30 ثانية. ولم تظهر أكثر الصور تفصيلا إلى العلن حتى مرور أسبوعين آخرين عندما سمحت «بريتيش بتروليوم» لأعضاء من الكونغرس بالاطلاع على فيديوهات سجلتها الأجهزة التابعة للشركة العاملة تحت الماء. من دون إذن من «بريتيش بتروليوم»، عرض بعض أعضاء الكونغرس الفيديو عبر محطات إخبارية مثل «سي إن إن».

بالنسبة للصحافيين العاملين داخل موقع الحدث، خصوصا المصورين الذي يستأجرون طائرات تعمل لحسابهم الخاص، يتمثل واحد من أكبر مصادر الشعور بخيبة الأمل في القيود التي فرضت على تنفيذ طلعات جوية فوق مياه الخليج، حيث يحظر الطيران فوق مناطق واسعة من نهير لويزيانا حتى بينساكولا في فلوريدا. وفي كل مرة ينفذ الصحافيون طلعة جوية فوق المنطقة، يتعين عليهم الحصول على تصريح من الإدارة الفيدرالية للطيران.

من ناحيته، قال جون مكوسكر، مصور لدى «تايمز بيكايون»: «رغم وجود كمية هائلة من النفط، فإن التعرف على النقطة التي يصل عندها تحديدا إلى الشاطئ أو أين يحدث الاندفاع الشديد، هو أمر بالغ الصعوبة. على ارتفاع 3 آلاف قدم، تقوم بالتصوير من خلال السحب، ومن الصعب تحديد الاختلاف بين البقعة النفطية وظل السحاب».

من جانبها، قالت لورا جيه براون، المتحدثة الرسمية باسم الوكالة، إن القيود المفروضة على الطيران ضرورية للحيلولة دون تداخل النقل الجوي المدني مع الطائرات التي تعاون جهود الاستجابة.

وأضافت براون أن مقر القيادة التابع للإدارة الفيدرالية للطيران وخفر السواحل الذي رفض طلب «ساوزرن سيبلين» كان يطبق سياسة تجيز رحلات الطيران الضرورية فحسب، واستطردت بأن مقاول «بريتيش بتروليوم» الذي كان موجودا هناك في ذلك الوقت حضر لأن مركز عمليات الإدارة يقع في أحد مباني «بريتيش بتروليوم».

وأكدت أن «هذا الشخص لم يكن يصدر القرارات حول ما إذا كان مسموحا لطائرات ما دخول المجال الجوي أم لا».

إلا أن حادثة «ساوزرن سيبلين» ليست المثال الوحيد على رفض طلب صحافيين التوجه إلى مكان ما لمجرد أنهم صحافيين، حيث أشارت «سي بي إس نيوز» الشهر الماضي إلى أن طاقمها الإخباري تعرض إلى تهديد بإلقاء القبض عليه حال محاولته تصوير شاطئ عام ظهرت فيه بقعة نفطية على الشاطئ. وأبدت هيئة خفر السواحل لاحقا أسفها لسماع هذا النبأ.

جدير بالذكر أن قدرة وسائل الإعلام على الدخول إلى المواقع شكلت دوما قضية مثيرة للجدل في أوقات الكوارث، لكن الوضع في خليج المكسيك مثير للغضب على نحو خاص لاضطرار الصحافيين الاعتماد على الحكومة و«بريتيش بتروليوم» للوصول إلى الكثير من المناطق المتضررة.

من جهته، شبه مايكل أوريسكيس، مدير تحرير إداري لدى «أسوشييتد برس» الموقف بما يتعرض له المراسلون المرافقون للقوات العسكرية في أفغانستان، وقال: «هناك جهود مستمرة للإبقاء على سيطرتهم على قدرتهم على الدخول إلى مواقع الأحداث، لكن حتى في المواقف التي تتعاون الحكومة معنا، يبقى هذا الأمر مشكلة لأنه يعتمد على الحصول على تصريح من الحكومة».

* خدمة «نيويورك تايمز»