عبارات خادشة للحياء تتسبب في إيقاع عقوبات متتالية ضد الإذاعات الخاصة في المغرب

الهاكا: تجاوزت الالتزامات الموقع عليها أثناء منحها رخص البث > أصحابها: يصعب التحكم في البث المباشر

من الضروري أن تمارس حرية الإعلام المرئي والمسموع في ظل احترام الكرامة الإنسانية والأخلاق العامة («الشرق الأوسط»)
TT

رغم أن عمر الإذاعات الخاصة في المغرب لا يزيد عن 4 سنوات، فإنها حققت نجاحا قياسيا، بسبب المساحة الواسعة لحرية التعبير التي منحت لها، والتي جعلتها تتميز وتتفوق على الإذاعات الرسمية، التي ظلت لعقود محتكرة هذا المجال.

بيد أن هذه الحرية التي منحت للإذاعات لم يستطع أصحابها التحكم فيها أو بالأحرى فهمها على الوجه الصحيح، فأصبحت بعض برامجها التي تبث على الهواء، تستعمل ألفاظا نابية تخدش الحياء العام، وأحيانا أخرى تعالج مواضيع من زوايا لا تحترم المهنية.

وهذا ما تؤكده قرارات المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في المغرب، الذي يعرف اختصارا باسم «الهاكا» وهي هيئة مستقلة تشرف على مراقبة القطاع، لضمان عدم الإخلال بالقوانين والالتزامات المهنية والأخلاقية في القنوات التلفزيونية والإذاعية، حيث تصدر من حين لآخر عقوبات ضد هذه الإذاعات بسبب تجاوزها للقوانين والالتزامات الموقع عليها أثناء منحها رخص البث.

ومنذ الأول من يونيو (حزيران) الحالي أصدر المجلس 3 قرارات في غضون أسبوع، ضد إذاعات خاصة بسبب عدم تحكمها في مضامين البرامج التي تبثها على الهواء. وتستعمل في هذه البرامج العامية المغربية ممزوجة بالفرنسية. وهي لغة تختلف كثيرا عما تعود عليه المستمع المغربي في الإذاعات الرسمية، حيث تستعمل لغة رصينة وجادة أكثر من اللازم.

ويقول أصحاب هذه الإذاعات إن قلة خبرة العاملين بها، وحداثة عهدها، هي التي تؤدي إلى مثل هذه التجاوزات، أو بسبب عدم إدراك ما هو مسموح وغير مسموح به، علما أن المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع لا يتدخل مطلقا في مضامين البرامج، ومنح للإذاعات حرية التطرق إلى جميع المواضيع، شريطة الالتزام بالضوابط المهنية والأخلاقية.

وفي هذا السياق قرر المجلس الخميس قبل الماضي تخفيض مدة الترخيص الممنوح لإحدى الإذاعات المغربية الخاصة من 5 سنوات إلى 4، وفرض غرامة مالية عليها بسبب ورود ألفاظ مخلة بالحياء في أحد برامجها الموجهة للشباب والمراهقين.

وقال المجلس إن العقوبات التي فرضت على إذاعة «هيت راديو» سببها «ورود لفظ نابي ومخل للحياء وصادم لشعور المستمعين بشكل متكرر في حلقتين من برنامج (لومورنينغ دو مومو) يمس صراحة بالأخلاق العامة. وسبق للمجلس أن عاقب نفس الإذاعة بسبب برنامج (بث حر) عامي 2007 و2008 بوقف البث لمدة 15 يوما وأداء غرامة مالية مقدارها 100 ألف درهم، بسبب الإخلال بالأخلاق العامة».

وتبث الإذاعة برامج موجهة للشباب والمراهقين تطرح من خلالها مواضيع مثيرة، من قبيل الخيانة الزوجية، والاغتصاب، والشذوذ، ويطلب من المستمعين إبداء آرائهم وتقديم تجاربهم الشخصية حولها عن طريق الاتصالات الهاتفية، بيد أن طريقة مناقشة المواضيع تخرج في كثير من الأحيان عن نطاق اللياقة، لتتحول إلى تحريض على الرذيلة والاستهتار بالأخلاق سواء من طرف المتصلين أو المذيع نفسه.

وأكد المجلس أن قرار معاقبة «هيت راديو» جاء «بعد الاطلاع على المخالفات في حلقتي برنامج (لومورنينغ دو مومو) يومي 18 و27 مايو (أيار) الماضي على وجه الخصوص، التي تشكل إخلالا بالالتزامات القانونية الواردة في قانون الإعلام المرئي والمسموع، وشروط عمل الإذاعة، وميثاق الأخلاقيات الذي وضعه المتعهد للهيئة العليا للاتصال المرئي والمسموع».

وأشار المجلس إلى أن حرية الإعلام المرئي والمسموع، يجب أن تمارس في ظل احترام الكرامة الإنسانية والأخلاق العامة، مما يفرض على المتعهد ضمان التحكم في البث في كل الظروف وتحمل المسؤولية الكاملة عن مضمون البرامج التي يضعها رهن إشارة الجمهور في إطار الخدمة التي يقدمها.

وكان المجلس قد قرر وقف بث إذاعة مغربية خاصة لمدة 48 ساعة، في الأول من يونيو الحالي، وفرض غرامة مالية عليها، وذلك على أثر تصريحات نسبت إلى مخرج مبتدئ استضافته الإذاعة وقال فيها إنه يريد أن يصبح «رئيس الجمهورية المغربية».

وعلل المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في المغرب قراره بـ«بإخلال الإذاعة بالالتزامات القانونية الواردة في قانون الإعلام المرئي والمسموع وشروط العمل».

وكانت إذاعة «راديو مارس» الخاصة استضافت في أحد برامجها المخرج المغربي هشام عيوش، وقال جوابا على سؤال وجه إليه بأنه يريد أن يصبح رئيس الجمهورية.

وذكر المجلس أنه بعد رصد الحلقة المذكورة، اتضح أن تصريحا لضيف البرنامج «تضمن مسا بثوابت المملكة المغربية كما هي محددة في الدستور، وخصوصا المتعلقة منها بالنظام الملكي، في الوقت الذي لم تقدم مذيعة البرنامج أي دليل على التحكم في البث كما هو منصوص عليه في شروط الإذاعة».

وألزم المجلس الإذاعة بإذاعة بيان باللغتين العربية والفرنسية قبل وقف البث لقرار المجلس الذي أصدر عقوبة مزدوجة تشمل توقيف بث الإذاعة، وأداء الغرامة المالية التي حددت بـ57 ألف درهم، بسبب عدم التحكم في البث، واعتبار تصريحات الضيف «لا مسؤولة ولا تحترم مقدسات المملكة المغربية».

وأوقف المجلس السبت ما قبل الماضي بث برنامج على إذاعتي «راديو بلوس مراكش» و«راديو بلوس أكادير» لمدة أسبوع كامل، وفرض غرامة مالية قدرها 30 ألف درهم، وذلك بعد تطرق البرنامج إلى موضوع الاستغلال الجنسي للأطفال، حيث اتضح للمجلس «أن البرنامج لم يراع الوضعية النفسية الصعبة للطفل الذي تم أخذ شهادته، وعرضت سلامته النفسية للخطر».

وقال رشيد حياك مدير إذاعة «شذى إف إم» لـ«الشرق الأوسط» إن التجاوزات تحدث في البرامج المباشرة فقط، لأنه يصعب التحكم فيها، معطيا مثالا على ذلك بما صرح به المخرج عيوش في «راديو مارس».

وأضاف أن «الهاكا» هي بمثابة «شرطي» قطاع الإعلام المرئي والمسموع في المغرب، تعاقب كل من تجاوز البنود التي تم التوقيع عليها في شروط العمل، وقال حياك «إن هذه العقوبات تؤدي إلى نتائج إيجابية وسلبية في نفس الوقت، فبالنسبة للنتائج الإيجابية تدفعنا نحن أصحاب الإذاعات لكي نشتغل باحترافية أكثر، ونتحكم في البث، عبر توجيه المذيعين والصحافيين بأن لا يتصرفوا بحرية مطلقة، وأنه غير مسموح لهم بأن يقولوا أي شيء على الهواء» على حد تعبيره.

وزاد قائلا «(الهاكا) تضغط علينا ونحن بدورنا نضغط على العاملين لدينا».

وردا على سؤال حول ما إذا كانت التجاوزات تتم بسبب قلة خبرة المذيعين، أو أنها مقصودة لزيادة نسبة الاستماع، قال حياك «إن خبرة المذيعين والصحافيين لها دور كبير في حدوث التجاوزات، فلو كان الصحافي يتوفر على سرعة البديهة، لاستطاع أن يتحكم في البث ويرد على كل ما هو غير مسموح به، وهذا ما تركز عليه «الهاكا» في قراراتها».

ويرى حياك أن الخبرة لا بد أن تتوفر أيضا في المستمعين المتصلين عبر الهاتف أو الضيوف الحاضرين في الاستوديو.

وأوضح حياك أنه «عندما ننتقل من عهد الاحتكار وغياب حرية التعبير في الإعلام إلى عهد آخر يسمح فيه بمناقشة مختلف المواضيع وحتى الساخنة منها، لا بد من أداء فواتير هذا الانتقال من عالم مضغوط إلى عالم يسمح لأي واحد بالإدلاء برأيه بحرية، فنحن نوجد في فترة انتقالية ولا بد من أن يكون هناك ضحايا».

وزاد قائلا «مع الوقت سيكون هناك حذر أكثر، وحتى المتداخلون والضيوف سيعرفون ما لهم وما عليهم». وقال «إنه مع حرية الإعلام فـ(الهاكا) لا تتدخل أبدا في اختيار المواضيع، بل لدينا الحق في مناقشة جميع المواضيع من دون استثناء، ولكن شرط عدم المس بـ(المقدسات) أو الأخلاق».

أما الجانب السلبي في تكرار العقوبات على الإذاعات الخاصة من طرف «الهاكا» فيقول حياك «ستجعلنا نشعر بوجود ضغط علينا، وعندها نصبح محتاطين أكثر، وسنكثف المراقبة على فريق العمل من صحافيين ومذيعين وتقنيين، وسيضيق هامش الحرية، وقد يلجأ أصحاب الإذاعات إلى الاختيار الأسلم، والمتمثل في التطرق لمواضيع عادية لا تثير أي جدل، ومتفق حولها من مختلف الأطراف، أو قد تتحول جل الإذاعات إلى إذاعات موسيقية حتى لا تثير أي مشكلات»، وهذا التوجه، من وجهة نظره، ليس في صالح أصحاب الإذاعات ولا في صالح المستمع المغربي أن «ينصت إلى برامج تستعمل لغة الخشب وتقول إن كل شيء على ما يرام والحياة وردية»، مفيدا «لم يكن هذا هو الغرض من وجود إذاعات خاصة في المغرب، بل كان الغرض هو أن تتحول إلى وسائل إعلام قوية قريبة من اهتمامات المواطنين، الذين لم تكن تتاح لهم الفرصة للتعبير بحرية عن انشغالاتهم في وسائل الإعلام».

وقال حياك إنه على «الهاكا» أن تأخذ بعين الاعتبار أن الميدان جديد في المغرب، وأن الكوادر العاملة في المجال ما زالت في طور التكوين، كما عليها أن تتفهم بأن الإعلام المغربي يعيش مرحلة انتقالية، وطالبها بأن تخفف من المراقبة و«قمع» هذه الإذاعات، وأن لا تتدخل إلا عندما يكون هناك إخلال صريح وواضح بالثوابت أو الأخلاق.

أما عبد الرحمن العدوي صاحب إذاعتي «راديو بلوس أكادير» و«راديو بلوس مراكش»، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن سبب وقوع الإذاعات الخاصة في التجاوزات التي تعرضها للعقوبات من طرف المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع، لا يتعلق بقلة خبرة العاملين في هذه الإذاعات بقدر ما هو نسيان لما تم التوقيع عليه في دفتر التحملات (الشروط) بعد مرور 4 سنوات على إنشاء هذه الإذاعات.

وأضاف العدوي أن مثل هذه العقوبات تأتي للتذكير بضرورة احترام الضوابط المهنية والأخلاقية، مقترحا في هذا الصدد أن يتلقى المذيعون والصحافيون دورات تكوينية سنوية في هذا المجال، مشيرا إلى أن الحرية التي تركت للمذيعين فهمت خطأ على أنه أعطى لهم الضوء الأخضر ليقولوا أي شيء.

وبخصوص العقوبة التي تعرضت لها إذاعته بسبب برنامج عن الاستغلال الجنسي للأطفال، قال العدوي «إن الصحافي تصرف بحسن نية، وتعاطف بشكل كبير مع الطفل الذي تعرض للاغتصاب، وتناسى أن المطلوب أن لا يتم تذكير الأطفال الذين تعرضوا للعنف الجنسي بما حدث لهم، لأن من شأن ذلك التأثير على نفسيتهم».

وقال «نحن نحترم قرار المجلس، وهذا الحدث دفعنا لمراجعة قوانيننا وطريقة عملنا»، مشيرا إلى أن العقوبات تؤكد الدور الأساسي للمذيعين والصحافيين الذين عليهم تجنب الوقوع في الأخطاء، أو تصحيحها والرد عليها مباشرة إذا ما صدرت عن الضيف أو عن المتصلين.

يشار إلى أن عدد الإذاعات المغربية الخاصة 11 إذاعة، ومنحت أول رخصة عام 2006.