طلاق «سي إن إن» و«أسوشييتد برس»

بعد 30 عاما من الشراكة التكاملية.. وزيادة مشكلات المؤسستين المالية والإدارية

بعد مرور 30 عاما من الشراكة التكاملية انفصلت المؤسستان الأميركيتان «سي إن إن» و«أ.ب» («نيويورك تايمز»)
TT

مع زيادة مشكلات الإعلام الأميركي المالية، بسبب زيادة قنوات التلفزيون وزيادة الإقبال على الإنترنت، أعلنت مؤسستان رئيسيتان «الطلاق» بعد ثلاثين سنة.

فقد أعلن تلفزيون «سي إن إن» يوم الاثنين الماضي وقف التعامل مع وكالة «أسوشييتد برس» (أ.ب)، بعد اختلاف حول حقوق نشر أخبار وصور وفيديوهات كل من التلفزيون والوكالة. حسب تقاليد الوكالة، توزع المؤسسات الصحافية نشاطاتها، وفي الوقت نفسه، توزع الوكالة نشاطات المؤسسات.

وفي اليوم نفسه، أرسل جيم والتون، رئيس شبكة تلفزيون «سي إن إن» خطابا بالإنترنت إلى العاملين في الشبكة قال فيه «توقفنا عن استخدام صور ومواد وكالة (أ.ب). وسنواصل تقديم صور ومواد مميزة ومفيدة. وأيضا موادنا نحن، وهذا شيء أنا فخور به». وفي اليوم نفسه، أصدرت «أ.ب» بيانا قالت فيه «لسوء الحظ، لن يستطيع مشاهدو تلفزيون (سي إن إن) الاستفادة من الأخبار العاجلة والمهمة التي نوزعها عبر العالم».

لكن، يبدو أن «سي إن إن» احتاطت مسبقا. فقبل إلغاء العقد مع «أ.ب»، اتخذت قرارين:

أولا: وقعت على عقد مع وكالة «رويترز» التي تصدرها مؤسسة «طومسون» البريطانية.

ثانيا: طورت خدمة أخبار خاصة بها، بهدف تلبية حاجتها، ثم توزيع أخبارها على مؤسسات صحافية أخرى.

وقال موقع «هافنغتون بوست» على الإنترنت إن انخفاض الإعلانات في الصحف الأميركية، الذي صار، خلال السنوات الخمس الماضية، ظاهرة تدعو للقلق عند هذه الصحف، أجبر كثيرا من هذه الصحف على تخفيض مصروفاتها، وواحد من بنود التخفيض صار الاشتراكات في وكالة «أ.ب».

وشهدت السنوات القليلة الماضية سلسلة مفاوضات بين «أ.ب» وكثير من الصحف حول هذا الموضوع. وفي السنة الماضية، انخفضت عائدات «أ.ب» ثلاثين مليون دولار بسبب اضطرارها لتخفيض الأسعار التي تبيع بها أخبارها ومنتجاتها الأخرى. ويتوقع أن تنخفض العائدات خمسة وأربعين مليون دولار مع نهاية السنة الحالية.

لكن، لا يبدو أن هذه الأرقام عالية بالمقارنة مع دخل «أ.ب» السنوي الذي يزيد على سبعمائة مليون دولار. وفي السنة الماضية، ربحت «أ.ب» أكثر من تسعة ملايين دولار.

على الجانب الآخر، وبسبب انخفاض المشاهدين بسبب قنوات الكابل وانتشار الإنترنت، انخفضت، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، نسبة مشاهدة تلفزيون «سي إن إن» بنسبة تقارب نصف ما كانت عليه خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.

وإذا كانت «أ.ب» تواجه مشكلات مالية فإن «سي إن إن» تواجه مشكلات أكثر منها، مالية وإدارية.

قبل ثلاثين سنة وتحديدا في 1980، بدأ عملاق الصحافة الأميركي تيد تيرنر عمل «سي إن إن» (في السنة نفسها، وقع الاتفاقية مع «أ.ب» التي ستلغى الآن). وخلال عشر سنوات سجلت نجاحات أميركية وعالمية. لكن، بدأت مشكلاتها عندما باعها صاحبها، بعد خمس عشرة سنة من تأسيسها، إلى مجموعة «تايم وارنر» (التي كانت اندمجت قبل ذلك بخمس سنوات، بهدف التعاون بين مجلة «تايم» واستوديوهات «وورنر» للأفلام والمسلسلات التلفزيونية). وكان الهدف من دمج «سي أن ان» هو أن تستفيد المجموعة العملاقة من الجانب الاخباري في «سي أن ان»، وتستفيد «سي أن ان» من شبكات المجموعة في مجالات النشر والسينما والتلفزيون والكيبل.

ورغم أن شركة «تيرنر» التي تملك «سي أن ان» لا تزال تتمتع بإدارة ذاتية.

غير أن شخصية تيرنر المتأرجحة، رغم نجاحاته الكثيرة، أثرت على شركاته. وعندما باع «سي إن إن» إلى مجموعة «تايم وارنر»، نُشرت أخبار بأنه فعل ذلك حتى لا تعلن «سي إن إن» إفلاسها، لأنه كان اشترى عمارة عملاقة في أتلانتا (ولاية جورجيا) بمليار ونصف مليار دولار لتكون مقرا للشبكة، لكنه عجز عن دفع أقساط القرض الذي به اشترى العمارة. ونُشرت أخبار بأن قيمة أسهم شركته هبطت بمقدار سبعة مليارات دولار.

وخلال سنواته نائبا لرئيس «تايم وارنر»، دخل في سلسلة معارك علنية، حتى أجبر على أن يستقيل. وفي وقت لاحق، قال أكثر من مرة إنه ندم على بيع «سي إن إن» إلى مجموعة «تايم وارنر».

وفي الوقت الحاضر، رغم نجاح «سي إن إن» خارج الولايات المتحدة، يظل عدد مشاهديها داخل الولايات المتحدة ينخفض تدريجيا، وبصورة تدعو الشبكة للقلق. وأيضا، تدعوها إلى تخفيض مصروفاتها، مثل العقد مع «أ.ب».

على جانب آخر، عكس وكالات أخبار كثيرة، فإن لوكالة «أ.ب» نظاما خاصا يعتمد على نشر المؤسسات الصحافية للأخبار التي توزعها الوكالة مقابل نشر الوكالة للأخبار التي تحصل عليها هذه المؤسسات.

بدأت «أ.ب» قبل مائة وخمسين سنة. وتشترك في نقل أخبارها (والمساهمة فيها) أكثر من ألف وخمسمائة صحيفة، وأكثر من خمسمائة محطة إذاعة وتلفزيون. وتصف الوكالة نفسها بأنها «كووباريتيف» (تعاونية)، أي أنها تنسق نشاطاتها مع مؤسسات صحافية.

غير أن المؤسسات الصحافية العالمية ليست عضوا، وتدفع اشتراكات إضافية مقابل استعمالها لأخبار ومنتجات «أ.ب». في الوقت نفسه، تعتمد «أ.ب» على مراسلين خاصين بها لنقل الأخبار العالمية، ولها مكاتب في أكثر من مائة وعشرين دولة. ويبلغ عدد العاملين فيها أكثر من أربعة آلاف شخص.

بعد الأخبار في الأهمية تأتي الصور التي توزعها «أ.ب»، خاصة الصور التاريخية، لأن الوكالة ظلت تصورها وتجمعها لمائة وخمسين سنة (قبل اختراع الكاميرا، بدأت في جمع الصور المرسومة للشخصيات والأحداث). وتبلغ جملة الصور التي تحتفظ بها في مكتبتها أكثر من عشرة ملايين صورة.

وبعد الصور في الأهمية تأتي الإذاعة، إذ تنقل «أ.ب» أخبارها عبر شبكة إذاعية تغطي كل الولايات المتحدة، وتنقل أخبارا على رأس كل ساعة. ومؤخرا، صارت تنقل أخبارا بالفيديو، وتخطط لتتحول إلى تلفزيون إنترنت. وإذا نجحت في هذا المجال، يمكن أن تنافس تلفزيون «سي إن إن».