فريد زكريا لـ «الشرق الأوسط»: إدارة الوقت الجزء الأكثر صعوبة في حياتي المهنية

الإعلامي الأميركي المسلم: «لماذا يكرهوننا؟» أهم مقال في حياتي.. كتبته بعد هجمات سبتمبر وتناقلته جميع وسائل الإعلام

TT

* لا يوجد حل عسكري خالص في أفغانستان.. وطالبان جزء من النسيج الأفغاني ويجب احتواؤهم

* وزير الخارجية الأميركي الأسبق قام بنحو 23 رحلة إلى سورية لأنها بلد غير مستقر

* اخبار العراق أكثر تكلفة ماليا.. ولكننا نبحث عن بدائل مثل مراسلين محليين أكفاء

* الأخبار مثل «الكاتشاب» في المطاعم ولن تبور بسبب الإنترنت

* لم أشعر بالتنصت أو الرقابة في أميركا.. ولكني أشعر بها عندما أزور الصين ومناطق في الشرق الأوسط

* قضايا السياسة كانت جزءا من حياتي اليومية وأنا صبي صغير

* فريد زكريا‏..‏ واحد من أكثر الشخصيات تأثيرا في الإعلام الأميركي ويحظى بجماهيرية واسعة في الولايات المتحدة وخارجها، من موقعه كرئيس تحرير الطبعات الدولية لمجلة «نيوزويك» يطل على نحو ‏24‏ مليون شخص حول العالم، مقدم برنامج «جي بي إس» على شبكة «سي إن إن» الإخبارية، الذي يستضيف صفوة السياسيين والاقتصاديين في العالم‏..‏ فريد زكريا ‏(46‏ عاما‏)‏ مفكر معروف ومؤلف لكتب مهمة حول مستقبل الديمقراطية ومكانة أميركا في العالم‏،‏ وهو تلميذ المفكر الأميركي الراحل صامويل هنتنغتون في جامعة هارفارد، اشتهر بسبب مقالاته وتقاريره المطولة، ويحظى بدرجة قرب ملموسة من دوائر صنع القرار في واشنطن لأكثر من عقدين منذ حصوله على الدكتوراه من جامعة هارفارد‏،‏ ثم توليه رئاسة تحرير «فورين أفيرز» الدورية الأولى في السياسة الخارجية عالميا، التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأميركي وهو في سن الـ‏28.‏ وفي حواره مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مكتبه في مجلة «نيوزويك»، تحدث دكتور زكريا كما تلقبه مساعدته الخاصة جيسكا ديل بلير عن نشأته في الهند وهويته كهندي مسلم هاجر إلى أميركا قبل أقل من ثلاثين عاما لتفتح الهجرة أمامه آفاقا واسعة من العلم والشهرة قبل أن يخوض في مشكلات التعامل مع قضايا الشرق الأوسط وأفغانستان من جانب إدارة الرئيس باراك أوباما‏،‏ إلى قضايا الديمقراطية والحكم الرشيد والتحول الاقتصادي، ونصائحه إلى الصحافيين الشباب، ومستقبل الصحافة المكتوبة أمام هجمة الإنترنت، والصحافة الاستقصائية المكلفة، ووصفه لرئيس التحرير الناجح، ومواهب الصحافي الشاطر، وأهم مقال كتبه في حياته «لماذا يكرهوننا؟» من ثمانية آلاف كلمة كتبه في غضون ساعات بعد وقوع هجمات سبتمبر (أيلول)، وهو يبحث في الجذور الثقافية لدى المسلمين الذين دفع عدد من أبنائهم لارتكاب تلك الحادثة البشعة. فإلى نص الحوار:

* كيف بدأت حياتك المهنية كصحافي، وهل أصبحت عند لحظة معينة على يقين بأنك اخترت الوظيفة الصائبة؟

- لا، لم يكن عندي هذه اللحظة. لقد بدأت حياتي المهنية في عالم الصحافة بطريقة غريبة للغاية. كانت أمي تعمل صحافية؛ وكانت واحدة من المحررين في المجلات الكبرى في الهند، ثم أصبحت محررة في صحيفة «تايمز» في الهند، لذا فقد نشأت بين الصحف والمجلات. لقد كان ذلك تقريبا هو النشاط التجاري للأسرة، نظرا لأن والدي كان أحد السياسيين وكانت أمي صحافية، لذا فإن قضايا السياسة كانت جزءا من حياتي اليومية. وعندما كنت في المدرسة الثانوية، أسست مجلة، لكنني لم أكن أعتقد أنني أقوم بهذا العمل بصورة مهنية. كنت أعتقد في الحقيقة أنني سأعمل في المجال الأكاديمي. وأثناء دراستي في جامعة هارفارد، اتصلت بي مجلة «فورين أفيرز»، وفي بادئ الأمر لم أكن مهتما بذلك، لأنني كنت أعتقد أنني أقوم بشيء أكثر أهمية ومنزلة؛ لكن كنت كلما أفكر في الأمر، كنت أدرك بصورة أكبر أنني شغوف به، لذا أحببت القيام بهذا العمل. وبصورة تدريجية ابتعدت عن عالم الأكاديمية واتجهت إلى عالم الصحافة، وانتقلت من مجلة «فورين أفيرز» إلى «نيوزويك»، ومن «نيوزويك» إلى «سي إن إن». والنتيجة الآن هي أنني صحافي مائة في المائة، لكن لم تكن هناك نقطة معينة اتخذت عندها هذا القرار. يبدو الأمر وكأن شيئا ما دفعني تجاه هذا القرار.

* هل يعمل أي من أشقائك أو شقيقاتك في المجال الصحافي؟

- لا، يعمل شقيقي مديرا لأحد صناديق التحوط.

* كيف تنجح في تقسيم وقتك بين كتابة المقالات، وإدارة إحدى المجلات والبرنامج الذي تقدمه على قناة «سي إن إن»؟

- حسنا، الأمر صعب للغاية، وتعد إدارة الوقت هي الجزء الأكثر صعوبة في حياتي المهنية لأنني أكتب أعمدة ومقالات وأغطي القصص الإخبارية، وأقدم برنامجا تلفزيونيا، وأعمل بالتحرير في مجلة «نيوزويك»، وألقي أيضا محاضرات مختلفة، لذا ففي بداية الأمر ينبغي لي القول بأن لدي طاقم عمل جيدا للغاية، واثنين من المساعدين الأكفاء والمجتهدين، لكن ما يتعين علي القيام به في الحقيقة هو أن أكون منضبطا للغاية بشأن إدارة الوقت، وأسأل نفسي بشأن الأمور المهمة التي ينبغي لي إنجازها. وفي هذا السياق، يتعين علي في كثير من الأحيان أن أحدد لنفسي وقتا للتفكير؛ لأنني أستطيع ملء يومي بالكامل باجتماعات ومواعيد، والالتقاء بأناس يريدون التحدث إليّ، لكنني أعتقد أن الجزء المهم في وظيفتي هو التفكير. لذا، في العادة في الصباح، أو عند نقطة معينة خلال اليوم، أحاول تخصيص عدة ساعات للقراءة والتفكير، وأسأل نفسي ما هي الاتجاهات الأكثر أهمية وما هي الخلفيات التحليلية لما يحدث في العالم؛ وكيف أستطيع أن أقدم للقارئ والمشاهد المنظور الذي لا يراه. وهذا هو الجانب الذي غالبا ما يفقد في حياة مشغولة للغاية؛ بغض النظر عن الوظيفة التي تقوم بها؛ فبغض النظر عن الوظيفة التي تؤديها، في الحياة المشغولة تحتاج إلى تخصيص بعض الوقت فقط لتنهمك في التفكير.

* ما هي عدد ساعات العمل التي تقضيها خلال الأسبوع، وهل ذلك يترك لك الكثير من الوقت لكي تقضيه مع الأسرة؟

- أعمل لساعات كثيرة. إلا أنني محظوظ لأنني أستمتع بعملي، لذا لا أحسب عدد الساعات التي أعملها. في الغالب، أعمل في المنزل كما أعمل في المكتب. لكنني حريص للغاية بشأن محاولة المحافظة على قضاء عطلات نهاية الأسبوع مع أسرتي، وأحاول بكل تأكيد قضاء فترة إجازة وراحة خلال العام. ولست من هؤلاء الأفراد الذي لا يأخذون فترات أجازة خلال عشر سنوات؛ آخذ إجازة من العمل كل عام. أعتقد أن الفرد يحتاج إلى الراحة. فقبل كل شيء، فإن جميع أفراد الأسرة يحتاجون إليك، ويحتاج الفرد أيضا إلى الابتعاد قليلا عن حلبة السباق. كما أن ذهن الفرد أيضا يحتاج إلى الراحة، لذا فإنني أخلد إلى الراحة على الأقل ثلاثة أسابيع كل عام. لدي ثلاثة أطفال، والشيء الجميل في أن يكون لديك أطفال صغار هو عندما تعود إلى المنزل لتقضي أوقاتا معهم، وفي عطلات نهاية الأسبوع تكون بعيدا تماما عن العمل، لأنك عندما تكون مع أطفالك، فلا يهم أن تكون الملك أو الملكة أو أشهر محرر، فهم يريدون منك أن تتعامل مع اهتماماتهم؛ لذا فهذه وسيلة جيدة لتريح نفسك، لأنك تدخل في عالمهم. عمر هو أكبر أطفالي، وليلى هي الوسطى، وصوفيا هي الأصغر سنا.

* هل لديك فريق عمل خاص يساعدك بشأن البرامج التلفزيونية وفي المجلة؟

- لدي فريق عمل جيد للغاية في التلفزيون، مثل المخرجين، لكن على عكس ما يعتقده الناس، ليس لدي فريق من الباحثين. ليس لدي مثل هذا النوع من الفريق، لأنني أقوم بنفسي بعملية البحث. لقد اكتشفت حتى الآن أنه إذا كان لديك أناس آخرون يقرءون من أجلك، فإنهم في الحقيقة لا يفهمون القضايا كما تفهم. لذا، لدي أفراد يساعدونني في البرامج التلفزيونية، مثل الاتصال بالضيوف والقيام بأعمال التحرير، وهكذا. لكن الأمور التي أبحث عنها وأكتبها أقوم بها بنفسي؛ لا أفوضها إلى أي فرد للقيام بها. فمن خلال القراءة والبحث والتحدث إلى الناس فقط تحصل على فهم حقيقي لما يحدث.

* في وجهة نظرك، ما هي القصة الإخبارية الأكثر تكلفة التي تستغرق معالجتها وقتا طويلا في مجلة «نيوزويك»؟

- يعتمد الأمر على الطريقة التي يحسب بها الفرد التكلفة، لكنني بكل تأكيد أقول لك إن بعض الأخبار التي جاءت من العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت هي الأخبار الأكثر تكلفة. لقد كانت حرب العراق هي الحرب الأكثر صعوبة من حيث التغطية، وذلك نظرا لتكلفة الأمن. كان يتحتم علينا أن يكون لدينا صحافيون يصحبهم حراس مدربون من قبل قوات المارينز الملكية السابقة في بريطانيا، وكانت عملية الحفاظ على الأفراد والحفاظ على الوجود هناك تتكلف مئات الآلاف من الدولارات.

* تكون التكلفة المادية عالية للغاية فيما يتعلق بالتحقيقات طويلة المدى، خاصة تلك التي يتم إجراؤها في البلدان الأخرى، مثل العراق. من يدفع تكلفة إجراء مثل هذه التحقيقات، وهل تم رفض أي من الأفكار المقترحة للتحقيقات في مجلة «نيوزويك» بسبب التكلفة؟

- إننا نقوم بدفع التكلفة. لم نحاول من قبل على الإطلاق الحصول على أي شكل من أشكال التمويل. ولم نقرر على الإطلاق إلغاء أي فكرة بسبب التكلفة، لكن على مدار السنوات العشر الماضية حاولنا العثور على وسائل أقل تكلفة للقيام بنفس الأعمال. لقد حاولنا العثور على مراسلين محليين أكفاء، وقد يكونون على مستوى عال من الكفاءة مثل أي مراسل أميركي يعمل لدينا كامل الوقت في أماكن مثل بيروت والقاهرة. وقد نحاول أيضا العثور على أحد السكان المحليين أو أي فرد تلقى التدريب في أميركا؛ لذا فإننا نبحث عن طرق بديلة لتغطية الأخبار، لكن على حد علمي لم نتخذ قرارا قط بإلغاء أي تحقيق نظرا لأن تكلفته عالية للغاية.

* إلى أي مدى تعد منطقة الشرق الأوسط مهمة بالنسبة للتغطية الإخبارية لديكم؟

- تظل منطقة الشرق الأوسط مهمة بالنسبة للتغطية الإخبارية لدينا، والسبب في ذلك هو أن هناك كثيرا من المشكلات في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي لا يعد سارا للشعوب في المنطقة. لقد اعتدت على إخبار أحد أصدقائي السوريين، الذي كان يتباهى بأن وزير الخارجية الأميركي وارين كريستوفر قام بنحو 23 رحلة إلى سورية، بأن عليه أن يدرك أن السبب في ذلك ليس لأن سورية بلدا غنيا أو مستقرا أو يحظى بالرخاء، لكن لأنه غير مستقر وخطير ويعاني المشكلات. وهذا ليس واحدا من علامات القوة. لا تزال منطقة الشرق الأوسط مكانا يحتوي على كثير من التعقيدات المختلفة وتعد المركز الحيوية لموارد الطاقة في العالم، ويعني المزج بين الموارد الموجودة بها والمشكلات التي تعانيها أنها ستكون المكان الذي سنركز عليه اهتمامنا. وقعت آخر حربين خاضتها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وإذا كانت هناك حرب أخرى ستخوضها الولايات المتحدة، فمن المرجح إلى حد ما أنها ستحدث في الشرق الأوسط. وهذا ليس سوى الواقع المؤسف للديناميكية المعقدة في هذه المنطقة.

* هل تعتقد أنه من المهم على نحو خاص أن يكون لديك صحافيون متخصصون لتغطية أخبار معينة، مثل أن تكون لديهم معرفة خاصة بتنظيم القاعدة أو أفغانستان أو العراق؟

- أعتقد أنهم من المهم أن يكون لديك أفراد لديهم القدرة على التعمق في أي بلد. ففي بعض الأحيان، يكون هؤلاء الأفراد قد عاشوا لفترة طويلة في هذا البلد، وربما لا. أعتقد أنه لا ينبغي لي أن أقول إن هناك قاعدة محددة بشأن هذا الأمر. عندما ذهب نيكولاس كريستوف إلى الصين، لم يكن يعرف الكثير بشأنها في البداية، لكنه أصبح بعد ذلك صحافيا ناجحا في تغطية أخبار الصين، بل وفاز بجائزة بوليتزر. بصفة عامة، أعتقد أن ما هو مهم هو أن يكون لديك أفراد لديهم قدرات عالية في التفكير وقادرون على التعمق بصورة أكبر. ولا أرى أن ذلك يعني بالضرورة أن يمضوا حياتهم كلها في القيام بشيء واحد.

* ما هي النصيحة التي تقدمها للصحافيين الشباب؟

- الكتابة، ثم الكتابة، ثم الكتابة. ففي كتاب «الخارجون عن المتوقع» (Outliers)، يقول المؤلف مالكوم غلادويل إن هناك قاعدة بسيطة إذا كنت تريد في الحقيقة أن تحقق نجاحا عظيما في أي مجال، وهو أنه يجب عليك الممارسة لنحو عشرة آلاف ساعة، وأمامك أحد الأمثلة على ذلك، وهو فرقة «بيتلز» الموسيقية، لقد قضوا نحو عشرة آلاف ساعة في الممارسة قبل أن يصبحوا فرقة موسيقية شهيرة. ففي أي مجال في الحياة، يصبح الفرد أفضل وأفضل عن طريق الممارسة، لذا فنصيحتي لهؤلاء الصحافيين الشباب هي قضاء الكثير والكثير من الأوقات في الكتابة، ولا تشعر بالقلق بشأن عدم نشر ما تكتب في البداية، لكن فقط استمر في المحاولة. ففي البداية، ستحصل على 19 خطاب رفض، ثم ينخفض العدد إلى 18، وفي المرة المقبلة يكون عدد مرات الرفض 17، لكن عليك الاستمرار في المحاولة.

* ما هي الشروط التي يجب توافرها في أي صحافي كي يستطيع العمل في «نيوزويك»؟

- أبحث عن الأفراد الأذكياء للغاية الذين لديهم قدرات تحليلية قوية، وهذا الأمر مهم جدا، ثم أبحث عن الأفراد المتحمسين، الذين يريدون تحقيق النجاح، ويريدون الخضوع للتدريب والقيام بالممارسة. وأكبر خطأ قد يرتكبه الفرد في التعيين هو النظر فقط إلى الدرجة العلمية التي حازها المتقدمون لأي وظيفة أو أصلهم؛ حيث إن ذلك لا يخبرك عن كثير بشأنهم. من الممكن أن تكون أحد خريجي جامعة هارفارد، لكن ما لم تكن لديك حماسة قوية واستعداد لمواصلة العمل بهذه الحماسة، فإن الدرجة العلمية التي حصلت عليها لن تكون مفيدة. بالطبع، أنظر إلى الجامعة التي درسوا فيها وإلى الإنجازات التي حققوها، لكنني أيضا أحاول التوصل إلى تحليل مستقل بشأن ما إذا كانوا أذكياء أو متحمسين في الواقع أم لا.

* في ظل استخدام الإنترنت بصورة واسعة النطاق، هل تعتقد أن الطبعات الورقية من الصحف تواجه أي تهديدات؟ ما هو رأيك بشأن القرار المقترح بفرض رسوم على القراء مقابل النفاذ إلى المحتوى الإخباري على الإنترنت؛ بدلا من «مجانية المعلومات» الحالية؟

- نعم، لا شك أن هناك تهديدات ومخاطر. استخدام الإنترنت في تطور متواصل، وسيؤدي بصورة كاملة إلى تغيير صناعة الصحافة. والخبر السار هو أنه ليس هناك أي انخفاض في الطلب على المنتج الذي نقدمه، بمعنى أن هناك عددا أكبر من الناس يقرأون المقال الذي أكتبه كل يوم بالمقارنة بأي وقت مضى. والمشكلة هي أننا لم نأت بعد بالنموذج التجاري المعقول؛ وبعبارة أخرى، كيف تحقق الأموال من هذه العملية، التي يقرأ الناس من خلالها الأعمال التي تقدمها على شبكة الإنترنت، وكيف تستطيع أن تجعل هذا النموذج يحقق النجاح في الوقت الذي تنخفض فيه الإعلانات والنموذج القديم المتمثل في النسخة الورقية، وكيف تستطيع تقديم تطبيق على أجهزة «آي باد» أو «بلاكبيري» أو «آي فون». والخبر السار هو أننا لا نقدم أشياء غير مرغوب فيها. إننا نقدم أعمالا يقرأها الناس بقدر كبير من الاهتمام. وما يتعين علينا القيام به بصورة أساسية هو تقديم شيء آخر إضافة إلى الأخبار. لقد أصبحت الأخبار مثل السلعة، يمتلكها الجميع؛ يشبه الأمر تقديم الكاتشاب في أحد المطاعم، الجميع لديه الكاتشاب، ولا يأتي أحد إلى المطعم فقط من أجل الكاتشاب، لذا يتعين عليك تقديم شيء خاص، ويجب أن يكون هذا الشيء هو الأخبار أو التحليلات الاستقصائية المتعمقة، أو تعليقات من معلقين مشهورين. لكن ذلك يجب أن يكون مزيجا فريدا. بالنسبة إلى القراء كي يدركوا أنهم لا يستطيعون الحصول على ذلك على الإنترنت، وهذه هي القيمة المضافة التي يرغب القراء في دفع الأموال مقابل الحصول عليها؛ ويجب أن يكون ذلك كل يوم وفي كل صفحة من كل جريدة.

* هل تستطيع أن تصف لنا ما الذي يعنيه أن تكون رئيس تحرير ناجح؟

- أعتقد أن أهم شيء هو أن تكون لديك رؤية للمجلة أو الصحيفة: ما هي السمة المميزة للصحيفة التي ترأسها، وما هو الشيء الذي تقدمه ولا يقدمه أي فرد آخر، وعليك التأكد من أنك تقدم ذلك كل يوم وفي كل صفحة. أعتقد أن جزءا من ذلك يشمل أيضا العثور على الأفراد الأكفاء، وإعطاءهم الحرية في الأداء والإنتاج. يمثل التفويض جانبا كبيرا من وظيفتي، لأنني لا أستطيع كتابة جميع المقالات، لذا عليك العثور على الأفراد الأكفاء والماهرين، وأن تعطيهم الحرية في الأداء، وإذا لم يكونوا على هذا القدر من الكفاءة، يجب أن تكون قادرا على اتخاذ قرارات سريعة بشأن تغييرهم. إذا رأيت أن أي فرد لا يعمل بصورة جيدة، فعليك اتخاذ قرار سريع بشأن ما إذا كان من الممكن إعادة تدريبه، أو ما إذا كان عليك تغيير هذا الفرد.

* في رأيك، ما هي أنجح قصة إخبارية قدمتها؟

- بكل تأكيد هي القصة التي كانت بعنوان «لماذا يكرهوننا؟»، التي نشرتها بعد أسبوعين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. لقد كانت نحو 8 آلاف كلمة، ولقد استغرقت كتابتها يوما ونصف اليوم، وتمت إعادة نشرها في جميع أنحاء العالم. وأعتقد أن السبب وراء هذا النجاح هو أن هذا التقرير الإخباري كان نابعا من القلب والعقل. لقد كان نتاجا للفكر والعاطفة. كنت أعتقد أنه من المهم للغاية إخبار الناس بشأن ماذا يحدث في العالم العربي، ولماذا أصبحت هذه القوى قوية للغاية، وكيف تفاعل الغرب مع العالم العربي. كنت أعتقد أن هذا هو الشيء الذي كان يتعين على الناس فهمه، لذا فقد كتبت بطريقة يستطيع أن يفهمها المواطن العادي في أميركا أو أوروبا. وكانت هناك مقالة تقول إن هذا الموضوع يجب أن تقرأه كل أسرة أميركية، ولقد أعجبتني هذه الفكرة، لأنني كتبت هذا الموضوع لتقرأه جميع الأسر الأميركية.

* هل كتبت هذا المقال بصفتك مسلما أميركيا أم صحافيا محترفا؟

- لقد حاولت أن أكتبه بصفتي صحافيا محترفا، لكن مما لا شك فيه أن كوني مسلما أعطاني عاطفة أكبر ومعرفة أكثر شمولا. وكانت هناك نقطة واحدة في المقال، وجاءت في نحو سطرين اثنين فقط، أشرت فيها إلى تجربتي الشخصية. وفي خلال الأسبوع الأول والثاني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كان هناك مثل هذا التأكيد على كيف يتعلق ذلك بالإسلام، وكيف يتعلق بالدين، وكيف يتعلق بما يحتويه القرآن؛ وكان أحد الأهداف الرئيسية في هذا المقال هو القول بأن ذلك لا يتعلق بالدين، ولقد أكدت على أن الإسلام الذي نشأت في ظلاله في الهند يختلف تماما عن الإسلام الموجود في المناطق الأخرى في العالم. فما نشأت عليه كان أكثر تسامحا وانفتاحا على الثقافات الأخرى. أحاول ألا أكتب على نحو صرف وفقا لتجربتي الشخصية، لأنني أؤمن أن على الفرد المحاولة وإقناع الناس من خلال الحجج والبراهين وليس التجارب الشخصية.

* هل بإمكانك أن تصف لنا أحد أيام العمل في «نيوزويك»، مثل الطريقة التي يتم بها تصور أفكار القصص الصحافية وحضور الاجتماعات التحريرية، وعملية الحصول على النسخة النهائية من الأخبار؟

- أقول لك إن أهم جزء في اليوم هو المناقشات والتفاعلات التي تحدث بين الكتاب والمحررين، التي يجلسون خلالها معا في مجموعات صغيرة ويناقشون الأفكار التي يقدمها المراسلون وأفضل طريقة لتنفيذ الأعمال، والتوصل إلى المواضيع والنقاط المهمة. ونقوم بعملية البحث بالطريقة التي تقدم قيمة جديدة. وغير ذلك، تجد أن هناك كثيرا من الاجتماعات الروتينية، التي تخبر فيها الجميع بما تفعله، وتتأكد فيها من أن الصور الفوتوغرافية التي تستخدمها جيدة، أو تنظر إلى تخطيط المجلة. ويتعلق جوهر هذه العملية بالمواضيع الرئيسية والأفكار والجوهر وراء القصص الرئيسية.

* هل شعرت ذات مرة أنك تخضع للمراقبة من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي أو غيره من الوكالات الأمنية؟

- لا، لم يحدث ذلك من قبل. تعاني الولايات المتحدة من المشكلات، لكن الصحافة بصفة عامة حرة وقادرة على القيام بكل ما تريده من دون أي مخاوف من أي نوع. وعندما أكون في الخارج، أكون على يقين من أنني خاضع للرقابة في أماكن معينة، بما في ذلك العالم العربي والصين، لكن ليس في الدول الغربية.

* لقد كتبت مقالة بعنوان: «تعلم كيفية العمل مع رجلنا في أفغانستان، كرزاي». في رأيك، ما هو حل ذلك؟

- لا أعتقد أنه سيكون هناك حل سهل، لكن يجب أن يكون هناك حل سياسي. لا يوجد حل عسكري خالص. هناك أفراد في تنظيم القاعدة وحركة طالبان يقتلون المدنيين، وعليهم أن يتوقفوا عن ذلك، ويجب إلقاء القبض عليهم، بل ويجب قتلهم إذا اقتضت الضرورة ذلك. لكن هناك حركة أوسع نطاقا بكثير داخل طالبان، التي تعد مزيجا من القومية البشتونية مع قدر من التدين الإسلامي، ويجب استيعاب هؤلاء الأفراد بطريقة ما في الحل السياسي النهائي. إننا في بعض الأوقات ننسى أن هؤلاء الأفراد جزء من أفغانستان، لذا فلا يمكنك أن تقدم حلا وتفترض أنهم سيهربون ويختبؤون في آسيا الوسطى، إنهم سيعيشون في أفغانستان، لذا علينا العثور على الحل السياسي الذي يخلق نوعا من الائتلاف، يشمل بعضهم. من الخطأ الاعتقاد بأن حركة طالبان بأكملها متطرفة، ولا يمكن التوصل إلى توافق معها. أعتقد أنه في أي ثقافة من الثقافات يتعين عليك لكي تنهي الحروب الأهلية التوصل إلى توافق بين الجانبين.