سباق إعلامي نحو انتخابات «اتحاد مراسلي البيت الأبيض»

يعمد المرشحون إلى بناء تحالفات عبر سياسات الصفوف الأمامية والخلفية لفيالق الصحافيين

سباق محموم نحو انتخابات اتحاد مراسلي البيت الأبيض في منتصف يوليو (إ.ب.أ)
TT

استغل هانز نيكولز، مراسل شبكة «بلومبرغ»، الوقت الذي قضاه داخل قاعة الاجتماعات في البيت الأبيض قبل دخول روبرت غيبس، السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، في مساء الثلاثاء للقيام ببعض المناقشات السياسية من تلقاء نفسه.

وبينما أخذ نيكولز في الاقتراب من فيكتوريا جونز، مراسلة «توك راديو نيوز سيرفيس» وعضو «اتحاد مراسلي البيت الأبيض» ومن الناخبين الذين يدلون بأصواتهم بداخله. قال وهو يرتدي قميصا أبيض ورابطة عنق زرقاء، بنبرة واثقة حول الظلم الذي انطوى عليه أسلوب ترتيب مقاعد مراسلي البيت الأبيض خلال حفل عشاء، والحاجة إلى عقد اجتماعات توفر خلفية إعلامية، والحشود التي تتجمع في الصباح الباكر، وعدم الاحترام الذي يجري التعامل به مع ممثلي الصحافة عبر قرارات التأجيل والإرجاء التي لا نهاية لها. قال نيكولز: «كل هذا ورد في بياني».

وأجابت جونز: «لقد أعجبني البيان الذي وضعته».

وحينئذ رد نيكولز وهو ينهض من مقعده: «لذا، ينبغي أن تدلي بصوتك لصالحي، علاوة على تمتعي بشخصية ساحرة».

قد تتركز أنظار البلاد بأكملها ووسائل الإعلام السياسية على انتخابات التجديد النصفي القادمة، إلا أن هناك مجموعة من المراسلين المعنيين بتغطية أخبار الرئيس أوباما تتعلق أذهانهم أيضا بمنافسة انتخابية أخرى تتعلق بهم.

في الرابعة مساء 15 يوليو (تموز)، من المقرر إجراء الانتخابات النهائية التي من شأنها تحديد أعضاء مجلس الإدارة الجديد لـ«اتحاد مراسلي البيت الأبيض»، وهي منظمة تكونت عام 1914 بهدف «تعزيز مصالح أولئك الصحافيين والمراسلين الموكل إليهم مهمة تغطية أخبار البيت الأبيض».

ويعمد المرشحون حاليا إلى بناء تحالفات والإبحار عبر سياسات الصفوف الأمامية والخلفية لفيالق الصحافيين، كما شنوا حملات انتخابية للفوز بأصوات 220 عضوا بالاتحاد يحق لهم التصويت. ويتناول هؤلاء المرشحون قضايا محددة ويخوضون الانتخابات برفقة نواب لهم ويواجهون خصوما سياسيين، بل ويحظون بتغطية إخبارية لشؤونهم. على سبيل المثال، تضمنت صحيفة «كولر ستوري» في عددها الصادر بتاريخ 8 يونيو (حزيران) مقالا بعنوان: «رحيل هيلين توماس يعقد التنافس على مجلس (اتحاد مراسلي البيت الأبيض)».

وتأتي انتخابات هذا العام في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة للعناصر المناضلة داخل الفيالق الصحافية لدى البيت الأبيض، حيث تراجعت أهمية قاعة الاجتماعات الصحافية داخل البيت الأبيض إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في عصر وسائل الإعلام الإلكترونية وسيطرة أوباما على الرسائل الإعلامية الصادرة عن البيت الأبيض، والرحيل الفظ لهيلين توماس الذي أشعل معركة بين كبار الشخصيات الإعلامية لملء مقعدها الأمامي والمحوري.

وفي الوقت الذي يناضل المرشحون عبر حقول ألغام سياسية، يبدو البيت الأبيض مستمتعا تماما بمشاهدة هذا التحول الذي طرأ على الأدوار. في هذا الصدد أعلن بيل بيرتون، نائب السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، قائلا: «إننا نحرص على البقاء بعيدا عن هذا الأمر. نعتقد أنه ينبغي ترك المجال للناخبين للتعبير عن رأيهم».

أما المرشحون فهم: إد هنري، مذيع بمحطة «سي إن إن»، وهو الذي يسعى من دون منافسة لنيل «مقعد التلفزيون». ومايكل شيرير، من مجلة «تايم»، وهو آخر مراسل للمجلة يحضر بانتظام المؤتمرات الصحافية الصباحية الموجزة. ويسعى شيرير من دون منافسة أمامه لنيل «مقعد المجلة». بيد أن رحى المنافسة الحقيقية تدور حول «المقعد الحر» الذي يسعى وراءه نيكولز ولورا ميكلر، من «وول ستريت جورنال»، وكارول لي من «بوليتيكو». وعلقت ميكلر مازحة: «لقد ظننت أني سأترشح في الانتخابات من دون منافسة. لم أتصور قط أنه ستوجد مثل هذه الحملات الانتخابية المكثفة».

يذكر أن كل مرشح أعلن عن بيان بأهدافه. وفي الوقت الذي قدم نيكولز نفسه باعتباره شعبويا (كتب ذات مرة يقول: «أجلس في القبو حيث أنتمي»)، عمدت ميكلر إلى الظهور في صورة المرسلة المخضرمة (حيث شددت على أنها عملت في واشنطن على مدار 14 عاما، واصفة نفسها بأنها «حازمة»، لكنها في الوقت نفسه «شخصية لطيفة» دعت «لرحلات ترفيهية لمراسلي ومسؤولي البيت الأبيض»). أما لي فأكدت على توجهها العملي الصارم (وكتبت تقول: «أحضر إلى البيت الأبيض في كل يوم وطوال الوقت»، كاشفة عن توجه يقوم على إيمانها بإمكانية تحقيق أي هدف تضعه نصب عينيها). وقد استغل المرشحون كثيرا من الوقت في الترويج لأنفسهم داخل قاعة المؤتمرات الصحافية الموجزة في البيت الأبيض أثناء تناول أقداح القهوة أو عبر الحديث في الهاتف. وعكفوا على إرسال رسائل بالبريد الإلكتروني لأعضاء بالاتحاد لم يدلوا بأصواتهم. وأنشأت كيندرا مار، زميلة لي في «بوليتيكو»، صفحة خاصة بالحملة الانتخابية لزميلتها على موقع «فيس بوك».

خلال مقابلات أجريت معهم، أعرب كل من المرشحين الثلاثة للمقعد الحر عن إحباطهم حيال القدرة المحدودة التي وفرتها لهم إدارة أوباما للوصول إلى، ليس الرئيس فحسب، وإنما كذلك صناع السياسات. وأكدوا جميعا على أن بمقدورهم الحصول على نتائج أفضل من ذلك. (وعلق بيرتون على ذلك بقوله: «يبدو هذا وعدا انتخابيا لا معنى حقيقيا من ورائه»). مثلما الحال مع أي حملة انتخابية، أطلت الأوضاع الاقتصادية السلبية برأسها مع تعهد المرشحين بتقليص تكاليف رحلات الطيران الباهظة. ويتفقون جميعا حول فكرة أن القواعد التي تحدد مآدب العشاء التي يحضرها الصحافيون بحاجة إلى إصلاح، وأن أعضاء الاتحاد بحاجة إلى تطبيق الشفافية التي يطالبون إدارة أوباما بإقرارها في اتحادهم.

وهناك كذلك القضية الساخنة: ما مصير مقعد توماس؟ ترغب كل من «فوكس نيوز»، المملوكة لروبرت مردوخ، و«بلومبرغ»، المملوكة لمايكل بلومبرغ، في الحصول على هذا المقعد. ومن الواضح أنه بعد سنوات من طرحهم الأسئلة على المسؤولين، اكتسب المراسلون الصحافيون المرشحون في الانتخابات القدرة على المراوغة في الإجابة على الأسئلة التي تطرح عليهم.

على سبيل المثال، قالت لي: «سيحدد المجلس القادم من سيتقدم إلى الصف الأمامي. سنناقش هذا الأمر بعد الانتخابات».

وقالت ميكلر التي يملك مردوخ الصحيفة التي تعمل بها: «نحن بحاجة إلى عقد مناقشة علنية حول هذا الأمر».

وقال نيكولز، من «بلومبرغ»: «يجتذب هذا المقعد اهتمام الكثيرين. وعلى المرء أن يتخلى عن انتمائه إلى مؤسسة بعينها ويتخذ القرار الأمثل لمصلحة الاتحاد».

خلال الساعات السابقة لعقد المؤتمر الصحافي، وأثناء استراحة المصورين وشروع أعضاء الوفد السعودي المرافق للملك عبد الله بن عبد العزيز في التقاط صور بعضهم لبعض بجانب المنصة (وقد سأل أحدهم: «أين يوجد مقعد هيلين توماس؟»)، انطلق ناخبون في التعبير عن القضايا التي تستحوذ على اهتمامهم. وقال عضو من أصحاب المقاعد الأمامية إن مراسلي الشبكات التلفزيونية والصحف الكبرى لا يزالون يعتقدون أنهم يتحملون على نحو ظالم عبء وضع تقارير يجري توزيعها لاحقا على وسائل إعلام لا تشارك في تحمل مصاريف السفر برفقة الرئيس. خارج القاعة، وقف سام يونغمان يدخن سيجارة، وقال إن أصحاب المقاعد الخلفية من الصحافيين لهم احتياجات مختلفة، مشيرا إلى أنه سيختار الأكثر تفهما للاحتياجات الخاصة لمنظمة صغيرة كتلك التي يعمل بها. أما أبريل رايان، المراسلة لحساب «أميركان أربان راديو»، التي اشتهرت بصياحها في وجه غيبس (حيث قالت له: «لا تمارس الألاعيب معي»)، فبدت عاقدة العزم على الانتقام. أثناء وقوفها خارج قاعة الاجتماعات قالت إنها خسرت انتخابات العام الماضي بفارق 12 صوتا بسبب مساعي ميكلر لإفشالها. وأضافت رايان بنبرة غاضبة: «هذا العام، جاءت إلي لتطلب مني منحها صوتي!».

إلا أن رايان شددت على تأييدها للي من «بوليتيكو»، وصاحت قائلة: «كارول لي هي خير من يمثلنا».

بدأ المراسلون الأجانب في الجلوس على المقاعد المخصصة لهم في نهاية القاعة، وشرعوا في مناقشة قضية الجواسيس الروس، في الوقت الذي دخل بعض أعضاء الاتحاد ممن ينتمون إلى مؤسسات صحافية مبهمة ولم يكتبوا مقالا منذ سنوات، في مناقشات جانبية. وأخيرا، ارتفع صوت سيدة عبر مكبر الصوت معلنة أن المؤتمر الصحافي سيبدأ في غضون دقيقتين. واستعد المراسلون بالأسئلة التي سيوجهونها إلى غيبس. وجلست ميكلر في مقعد بالصف الثاني على مقربة من نيكولز.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»