الإعلام الجديد يعجز عن إبعاد اليابانيين عن وسائل الإعلام التقليدية

رغم حالة الجمود الاقتصادي تظل الوسائل الإخبارية على حالها دون أن تمسها موجة التغيير

رجل يقرأ إحدى الصحف اليابانية حيث يتصدر صفحتها الأولى خبر استقالة رئيس الوزراء الياباني (إ. ب. أ)
TT

على امتداد سنوات، شكلت صحيفة «جانجان نيو» الإلكترونية تحديا من حين لآخر للصحافة اليابانية التي يغلب عليها طابع الهدوء والإذعان، حيث عرضت مقالات كتبها قراء أقدموا على إثارة موضوعات تعد من المحظورات مثل صيد الحيتان وتواطؤ الصحافة مع الحكومة. ومع ذلك، لم يجتذب الموقع أعدادا كافية من القراء، وكذلك لم يجتذب إعلانات، الأمر الذي اضطره في نهاية الأمر إلى إغلاق معظم عملياته منذ ثلاثة شهور.

وتعد «جانجان نيوز» الأخيرة من بين أربع صحف إلكترونية كانت تطرح مقالات وضعها قراء وصاحب افتتاحها جلبة كبيرة هنا، لكنها جميعا أنهت نشاطها أو اضطرت إلى تقليص عملياتها على مدار العامين الماضيين.

الملاحظ أن الإخفاق هنا لم يقتصر على مواقع ما يدعى «صحافة المواطنين» فحسب، حيث من الملاحظ أنه لم ينجح أي نمط من الصحافة عبر شبكة الإنترنت في خلق تحد حقيقي أمام وسائل الإعلام الإخبارية اليابانية التي تتبع نهجا موحدا، لكنها مصابة بحالة أشبه بالتصلب.

في هذا الصدد، أعرب كين تاكوتشي، رئيس ومؤسس «جنجان نيوز» عن اعتقاده بأن «اليابان لم تكن على استعداد بعد. إن هذا مكان يصعب فيه خلق مصدر بديل للأخبار». يذكر أن تاكوتشي سبق له تولي منصب عمدة ويتبع توجهات إصلاحية، إلى جانب كونه صحافيا، وقد بدأ الموقع عام 2003.

في الوقت الذي حفزت فيه حالة الجمود الاقتصادي التي تعانيها اليابان منذ أمد طويل على تفكيك بطيء للنظام الذي ظهر في البلاد خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية، الأمر الذي تعزز بتحول تاريخي في الحكومة العام الماضي، فإن أحد أعمدة هذا النظام، وسائل الإعلام الإخبارية، ظلت حتى الآن بصورة نسبية من دون أن تمسها موجة التغيير.

وقد اتخذت الحكومة الجديدة خطوات مبدئية نحو تحقيق انفتاح ببعض الأندية الصحافية الحصرية التي هيمنت على تغطية أخبار الوزارات المحورية القوية في طوكيو، لكن لا يزال يتعين عليها إجراء مزيد من التغييرات الكاسحة. لعدد من الأسباب المتنوعة ما بين ثقافية واقتصادية، لم تنل الثورة الرقمية بعد فوضى كبرى بوسائل الإعلام الإخبارية هنا على غرار ما حدث في الولايات المتحدة ومعظم الدول المتقدمة الأخرى. ولا يزال يهيمن على الساحة الإعلامية نفس الكيانات العملاقة المحدودة القائمة منذ عقود، مثل «يوميوري شيمبون»، أكبر صحف العالم والتي يفوق معدل توزيعها اليومي 10 ملايين نسخة.

من ناحية أخرى، تزدهر في اليابان المدونات الشخصية، وتجتذب غرف الدردشة مجموعات تتنوع ما بين عاشقي الحيوانات الأليفة والوطنيين الساخطين. ورغم ذلك، عجزت المواقع التي تقصر اهتمامها على الأنباء عن ترسيخ وجودها، وتخضع إدارة معظم هذه المواقع لإدارة منظمات إخبارية كبرى والتي عادة ما تعامل هذه المواقع كعناصر جانبية.

الملاحظ أنه لم تظهر في اليابان سوى العديد من المدونات والمواقع الإخبارية البديلة على غرار تلك التي ظهرت في دول أخرى، مثل «هفنغتون بوست» في الولايات المتحدة. أما المواقع المعدودة التي نجحت في جذب الأنظار إليها، مثل «جيه - كاست نيوز» و«ذي جورنال»، فقد أخفقت في اجتذاب أعداد كبيرة من القراء إليها.

الواضح أن مواقع صحافة المواطنين حظيت بالقدر الأكبر من الاهتمام هنا، الأمر الذي يعود بصورة كبيرة إلى اضطلاعها بدور الريادة في تحدي الخطوط الحمراء المفروضة في وسائل الإعلام وتوجيه النقد إلى الأندية الصحافية اليابانية، إلا أنها بعيدة تماما عن النجاح التجاري. قبل «جانجان نيوز»، أغلق منذ عامين موقع يدعى «أوهمينيوز جابان» بدأ عمله من كوريا الجنوبية وحظي بتمويل جيد، بينما أنهى موقع «تسوكاسا نت» أعماله في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأقدم موقع آخر «بي جيه نيوز» على تقليص العاملين به، ليعتمد في النهاية على محرر واحد يفتقد حتى إلى مكتب خاص به.

ويوعز تاكوتشي وآخرون معنيون بالعمل الإعلامي إخفاق هذه المواقع إلى عدد من الأسباب، في مقدمتها ضآلة عائدات الإعلانات بدرجة بالغة بما لا يكفي دعم عمل صالة التحرير.

بيد أنه بالنظر إلى الثقافة اليابانية التي تبدي الازدراء تجاه من ينشق عن الصفوف، ربما لا تعد البلاد تربة مناسبة لنموذج الصحافة القائم على تحول القارئ إلى مراسل، حسبما أوضح تاكوتشي.

ويمكننا مقارنة هذا الوضع مع كوريا الجنوبية المجاورة، حيث أحدث «أوهمينيوز» ثورة على الصعيد الإعلامي الإخباري بالبلاد مع دخول القصص الصحافية الواردة عن قراء في تحد مع الصحف الكبرى المحافظة. وفي عام 2002 ساعد الموقع في انتخاب رئيس ليبرالي، روه موهيون. وتحول الموقع إلى أداة إعلامية قوية يسهم به 62700 قارئ تحولوا إلى مراسلين، ويطلع على صفحاته مليونا زائر يوميا، وذلك من بين عدد سكان يساوون ثلث سكان اليابان البالغين 127 مليون نسمة.

ورغم ذلك، عندما حاول «أوهمينيوز» نقل تجربته الناجحة إلى اليابان، تعثر. لم ينجح الموقع في جني عائدات إعلانية مناسبة، ولم تتجاوز زيارات صفحات الموقع 400000 زيارة يوميا، ولم يشارك سوى 4800 قارئ في كتابة أخبار صحافية، حسبما ذكر ماساهيكو موتوكي، رئيس التحرير السابق للموقع. ويرى موتوكي وآخرون أن السبب وراء مقاومة اليابان وجود مواقع إخبارية بديلة، إلى الغياب النسبي لانقسامات اجتماعية وسياسية، بينما ازدهر «أوهمينيوز» داخل كوريا الجنوبية التي تشهد حالة استقطاب سياسي عبر محاولة التقرب إلى القراء الشباب الليبراليين.

في هذا السياق، أوضح توشيناو ساساكي، الذي ألف كثيرا من الكتب حول شبكة الإنترنت في اليابان، أنه «فقط عندما ينظر المجتمع إلى نفسه باعتباره يتبع مصالح متعارضة، يشرع في الاطلاع على وجهات نظر ومعلومات بديلة».

من جانبهم، يعتقد خبراء إعلاميون أن اليابان لم تشهد بعد إثارة تساؤلات قوية حول مؤسساتها الصحافية، وأن غالبية اليابانيين لا يزالون متقبلين للصحف والشبكات التلفزيونية الكبرى بالبلاد.

ومع ذلك، ظهرت مؤشرات متنامية على أن الصناعة الإعلامية الإخبارية في اليابان ربما تكون مستعدة للتغيير، وجاءت أكبر هذه المؤشرات في التباطؤ التدريجي لكن المستمر في أعداد قراء الصحف، خاصة بين اليابانيين الأصغر سنا.

على سبيل المثال، تراجع معدل توزيع «أساهي شيمبون»، ثاني أكبر الصحف اليومية توزيعا على مستوى اليابان وعالميا، بمقدار 3 في المائة على مدار العقد الماضي ليزيد على 8 ملايين نسخة قليلا.

عندما انطلق «جانجان نيوز» منذ سبع سنوات، قال تاكوتشي، 69 عاما، إنه يأمل في استثارة التيار الرئيس في الإعلام الياباني وتغطيته غير النقدي للحكومة.

وسرعان ما حظيت «جانجان نيوز»، الذي يعد اسمها اختصارا لـ«الأنباء اليابانية البديلة للعدالة والثقافة الجديدة»، بالإشادة بالمقالات النقدية التي أوردتها عن صيد الحيتان وقضايا أخرى كانت من «التابوهات» من منظور التيار الإعلامي الرئيسي في اليابان. ورغم ذلك، غطت عائدات الموقع بالكاد تكاليف تشغيله. وجاءت صفعة الموت مع موجة الركود التي ضربت الاقتصاد العالمي، مع انحسار عائدات الإعلانات، حسبما قال تاكوتشي. وقد أعاد تاكوتشي افتتاح الموقع في مايو (أيار) كمدونة محدودة بدرجة أكبر بكثير.

وأكد تاكوتشي أن أحد أكبر التحديات التي واجهته تمثلت في الحفاظ على مستوى جودة المحتوى الإخباري للموقع. يذكر أن معظم المقالات التي أسهم فيها قراء كانت في حقيقتها نسخا منقحة من أخبار وردت في وسائل إعلام كبرى أضيفت إليها وجهات نظر القراء. إضافة إلى ذلك، واجه تاكوتشي صعوبة في الاستعانة بصحافيين متمرسين لتردد معظمهم حيال الرحيل عن مؤسسة كبرى للعمل في أخرى لا تزال ناشئة وغير معروفة. ويعتقد الخبراء الإعلاميون أن هذا الوضع ربما يتبدل، خاصة إذا ما بدأت المؤسسات الإعلامية الكبرى في اللجوء إلى إجراءات تسريح عمالة أو إشهار إفلاسها مثلما حدث في الولايات المتحدة.

في هذا السياق، قال شين ميزوكوشي، بروفسور الدراسات الإعلامية بجامعة طوكيو: لقد فشل «جانجان نيوز»، لكن سيحاول آخرون الأمر ذاته. لقد غرس «جانجان نيوز» البذرة.

* خدمة «نيويورك تايمز» معركة النفوذ تشتعل في باكستان