على خلفية مقاطعة وسائل الإعلام لجلسات البرلمان بعد فضيحة الشهادات المزورة

TT

ربما يكون مجتمع الإعلام عدائيا للغاية عندما يتعلق الأمر بحقه في حرية التعبير. كان هذا هو الانطباع الذي تكون لدى المرء خلال الحملة التي شنها صحافيون باكستانيون ضد سياسيين امتدت على مدى أسبوع كامل. عندما أقام اتحاد الصحافيين مسيرات ومظاهرات رددوا خلالها هتافات ضد السياسيين ورفعوا لافتات ضد الحكومة عبر البلاد، ورفضوا تغطية وقائع جلسات البرلمان الباكستاني والمجالس المحلية كجزء من المقاطعة على مستوى البلاد.

بدأت المظاهرات نتيجة الحملة الإعلامية الموسعة للفضيحة المتعلقة بالشهادات التعليمية المزورة لأعضاء البرلمان والمجالس المحلية ليتطور الأمر إلى نزاع مرير بين السياسيين الباكستانيين والإعلام.

وكانت تقارير صحافية قد ذكرت أن الشهادات التعليمية لأكثر من 150 عضوا من أعضاء البرلمان والمجالس المحلية الباكستانية مزورة، وهو ما شكل حرجا بالغا للسياسيين الباكستانيين والأحزاب الرئيسية في البلاد.

إضافة إلى ذلك يتوقع أن تمثل هذه الفضيحة خطرا على حياة النظام السياسي، فقد يتعرض هؤلاء السياسيون للإقالة من مناصبهم في البرلمان أو المجالس المحلية حسب القانون الباكستاني.

رد السياسيون، الذين اشتاطوا غضبا إلى حد بعيد من وسائل الإعلام المستقلة، بقرار يدين وسائل الإعلام بقرار من البرلمان، حيث أقر المجلس المحلي لولاية البنجاب أكبر الأقاليم الباكستانية الأسبوع الماضي قرارا يدين وسائل الإعلام في البلاد ويصف حملتها «بالسلوك غير المسؤول، ومحاولة تدمير العملية الديمقراطية».

وقد لقي القرار موافقة جميع أعضاء المجلس بالإجماع وحظي بدعم كل الأحزاب السياسية الرئيسية بما في ذلك حزب الرابطة الإسلامية (نواز شريف)، وحزب الشعب الباكستاني الحاكم وحزب الرابطة الإسلامية الموالي لمشرف.

وكان تمرير القرار نقطة الانطلاق للصراع بين وسائل الإعلام والسياسيين، التي لم تظهر أي علامة على التراجع.

وقال سارماد بشير، صحافي بارز ورئيس نادي الصحافيين في لاهور «لن نتوقف عن الاحتجاج حتى يصدر قرار آخر من مجلس الإقليم يدين القرار السابق». من ناحية أخرى، بدأ السياسيون الباكستانيون في التراجع عن مواقفهم السابقة تجاه وسائل الإعلام، فقال نواز شريف رئيس الوزراء السابق، وزعيم حزب الرابطة الإسلامية (نواز شريف)، الذي شارك حزبه في قرار إدانة وسائل الإعلام «ليس من سياستنا إدانة وسائل الإعلام، فنحن نؤيد استقلالها».

وبالمثل بدأت الأحزاب الأخرى في التنصل من القرار السابق بإدانة وسائل الإعلام.

وربما لم يتوقع السياسيون الباكستانيون رد فعل قويا من الإعلام، فيقول رانا قيصر، رئيس مكتب قناة «نيوز وان» في إسلام آباد: «لم يشهد التاريخ الباكستاني إدانة أي من المجالس المنتخبة وسائل الإعلام بهذه اللهجة القاسية. وربما كان السياسيون يظنون أنهم سيتمكنون من إرهاب الإعلام بهذا القرار، لكنهم بخسوا وسائل الإعلام حقها».

قاطعت وسائل الإعلام الباكستانية (المطبوعة والإلكترونية) وقائع جلسات مجلس إقليم البنجاب يومي الاثنين والثلاثاء ولم يدخل صحافي المجلس. فيقول سارماد بشير: «لم تثبت كاميرا تلفزيونية واحدة في المساحة المخصصة للمحطات التلفزيونية خارج قاعة الاجتماع وامتنع الصحافيون عن عقد أي محادثات مع السياسيين احتجاجا».

وكان للاستجابة الكاملة لوسائل الإعلام أثر كبير على السياسيين، وقال سناء الله ماستخيل، عضو برلمان ولاية البنجاب الذي كان المحرك الأساسي لقرار إدانة وسائل الإعلام «لم ندن وسائل الإعلام بشكل كامل، لكننا أدنا السلوك غير المسؤول لقطاع معين من الصحافة».

هذا التراجع من قبل السياسيين الباكستانيين بدا ممتعا للجمهور الباكستاني الذي شاهد هؤلاء السياسيين يتحدثون قبل أسبوع بنبرة بالغة القسوة ضد وسائل الإعلام. ربما كانت متابعة هذه المعركة نتيجة لدخول القنوات الإلكترونية إلى البلاد، واتساع نطاق ومدى وسائل الإعلام الباكستانية، فهناك أكثر من 50 قناة إخبارية تؤثر على قناعات الرأي العام في كل أرجاء باكستان.

وأكد رانا قيصر أن «وسائل الإعلام الباكستانية خصوصا الإلكترونية منها شهدت نموا قويا ولها تأثير قوي على وسائل الإعلام، ما دفع السياسيين الباكستانيين إلى استخدام هذه القنوات الإخبارية لنشر رسائلهم. أضف إلى ذلك، إمكانية ازدياد شراسة وسائل الإعلام في الحديث عن فضيحة الشهادات المزورة». وقد أرسلت الحكومة خلال الأيام القليلة الماضية شهادات أعضاء البرلمان والمجالس المحلية إلى مفوضية التعليم العليا للتحقق من صحتها، ومن المتوقع أن تعلن النتائج قريبا.

بيد أن السياسيين ليسوا وحدهم الراغبين في إنهاء هذا النزاع مع الإعلام، فيقول سارماد بشير: «طلبنا منهم إما سحب القرار أو إصدار قرار يدين القرار السابق. وأعتقد أن هذا القرار كافٍ لكي يواصل الصحافيون علاقتهم بالقوى الديمقراطية والأحزاب السياسية».