«ويكيبيديا» وإمكانية تحقيق النمو

تستهدف دول «جنوب العالم» لتحقيق نمو سنوي قدره 12% في عدد الزائرين الفريدين

TT

بعد سنوات من النمو الهائل والسخرية المتكررة والجدل اللاذع، قد يكون موقع «ويكيبيديا» عثر على التحدي الأخير له: النجاح والقبول العام.

تجمع المئات من المساهمين بالموقع والأنصار في مدينة غدانسك الساحلية في بولندا في عطلة نهاية الأسبوع للتعارف والتحدث واستماع بعضهم إلى بعض والتفكير بشأن مستقبل موقع «ويكيبيديا»، وهو موسوعة على الإنترنت يحررها مستخدمون ويشيد بها الكثيرون منذ أيامها الأولى.

لقد بدأ هذا الموقع بمهمة صعبة التنفيذ تتمثل في مشاركة المعلومات حول العالم، ولا تزال هذه المثالية موجودة. يعقد مؤتمر ويكيمانيا بقاعة للموسيقى على إحدى الجزر الواقعة في نهر موتلاو، وتلوح في الأفق الرافعات المنحنية والعاطلة عن العمل إلى حد كبير في أحواض بناء السفن في غدانسك، التي تعد مهد حركة التضامن. وكانت القمصان التي يرتديها الحاضرون تحمل الكلمات التالية: «حرروا المعلومات في مدينة الحرية».

لكن بعد ست جولات من مؤتمر ويكيمانيا، لا يزال هناك أسئلة عملية عالقة بشأن وقائع هذه المؤتمرات: من أخذ قوتنا السحرية؟ وكيف يمكننا استعادتها؟ وهل ينبغي لنا استعادتها؟ قال ليام وايت، أحد المساهمين في «ويكيبيديا» وأحد مؤيديها منذ فترة طويلة: «إنها تنمو بسرعة ليست بالكبيرة. وفي الوقت الذي تنمو فيه، ليس لدى الناس أماكن كثيرة للبداية. إنها مشكلة».

ووصل وايت قادما من لندن، حيث قضى خمسة أسابيع، بصفته أول مساهم في «ويكيبيديا» يعمل مع المتحف البريطاني. ولاقى خطابه يوم الأحد بشأن كيف عمل مساهمو «ويكيبيديا» والقائمون عليها معا من أجل تحسين تغطية مقتنيات المتاحف، ترحيبا من جانب جمهور كان سعيدا لأن جهوده قوبلت بالتقدير من جانب أحد معاقل الثقافة الغربية.

ومن المؤكد أن العالم سيكون مقلوبا رأسا على عقب، إذا تم إنقاذ «ويكيبيديا» - التي يتم السخرية منها باعتبارها رمزا للهواة - من جانب خبراء مثل الخبراء الموجودين في المتحف. بيد أنه في الوقت الذي تنمو فيه هذه الموسوعة، التي تحتوي على أكثر من ثلاثة ملايين مقال باللغة الإنجليزية، لا يزال الخبراء أحد الموارد غير المستغلة إلى حد كبير. ومع صعود نجم «ويكيبيديا» قد يصبح الخبراء مهتمين على نحو مفاجئ.

وفي الولايات المتحدة رعت مؤسسة «ويكيميديا» أكاديمية لتعليم خبراء في المعاهد القومية للصحة كيفية المساهمة في هذا الموقع ومراقبة ما يظهر هناك. وقال وايت إن مؤسسات أخرى، مثل مؤسسة «سميثسونيان»، طالبت بالحصول على مساهم مقيم في «ويكيبيديا» من أجل تسهيل مساهمات أعضاء طاقم العاملين بها في هذا الموقع.

وفي أحد الخطابات في غدانسك، ألقى البولندي داريوس جيميلنياك الضوء على فكرة عمل الخبراء كمساهمين. وقال إنه لاحظ أن الطلاب في الغالب يظلون مساهمين في «ويكيبيديا»، لكن الأساتذة سرعان ما يتركون هذه المهمة. وكان تفسيره لذلك هو أن «ويكيبيديا» لا تعد سوى لعبة بالنسبة إلى الأفراد يحصلون من خلالها على مكانة عالية. فعلى سبيل المثال، حصل مراهق عرض تقريرا دقيقا عن حرب الثلاثين عاما على جمهور ضخم وتقدير من جانب أقرانه. لكن، لماذا يتنازل أحد الأساتذة عن مكانته ليكتب في «ويكيبيديا»؟ وقال: «يتم نشر أعمال أساتذة الجامعات بالفعل، ويستطيعون إلقاء محاضرات وإجبار الأفراد على الاستماع إلى أفكارهم».

لكن بدلا من البحث عن الخبراء لإنجاح قوتها السحرية، تستهدف مؤسسة «ويكيميديا»، وهي منظمة غير هادفة للربح تقدم مواقع «ويكيبيديا» الإلكترونية بأكثر من 250 لغة، الفئات السكانية المحرومة في جميع أنحاء العالم لتحقيق أهدافها الطموحة للنمو.

وفي خطاب يوم الجمعة في بداية مؤتمر ويكيمانيا، قالت المديرة التنفيذية للمؤسسة، سيو غاردنر، إن المؤسسة تعتزم مضاعفة حجمها العام المقبل عن طريق إضافة 44 موظفا، وتأمل جمع أكثر من 20 مليون دولار. إلا أن تركيزها كان منصبا على الفكرة التي وصفتها بـ«جنوب العالم» - الهند وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط - حيث تهدف المؤسسة إلى تحقيق نمو سنوي قدره 12 في المائة في عدد الزائرين الفريدين، بالمقارنة بمعدل 4 في المائة في شمال العالم.

وتم تعيين عضو جديد بمجلس الإدارة من مومباي، وهي بيشاخا داتا، منتجة أفلام وثائقية وواحدة من مؤيدي قضايا المرأة، على الرغم من معرفتها الضئيلة بموقع «ويكيبيديا»، لكن السبب وراء اختيارها هو خبرتها في إدارة مؤسسة غير هادفة للربح في الهند.

كما يشير اختيار داتا إلى رؤية المؤسسة لموسوعة شاملة نظرا للتنوع الكبير للمساهمين بها من حيث الجنس والسن والمنطقة، على عكس من المجموعة الغربية الشابة والذكورية إلى حد كبير، التي تحرر الموسوعة الآن. وبسؤالها حول ما إذا كانت تتساءل هل تستطيع المؤسسة التأثير على طبيعة المساهمين في «ويكيبيديا»، قالت غاردنر: «أفكر في ذلك طوال الوقت»، لكنها واثقة من أن «المساهمين في (ويكيبيديا) قابلون للتأثير بصورة كبيرة».

وفي حين أن الموسوعة تعتبر إنجازا كبيرا، قالت غاردنر إنها لن تكون «موسوعة للشعوب، عن طريق الشعوب»، حتى تكون المقالات والمساهمون بها أكثر تنوعا.

ولا يقبل جميع الأفراد في الوقت الراهن هذه الفكرة. ففي يوم السبت تحدث مايكل غالفيز، أحد ممثلي «غوغل»، عن الجهود المختلفة التي تبذلها الشركة «لوضع بذرة» مواقع أصغر لـ«ويكيبيديا» بلغات مثل اللغة السواحيلية. ونظرا لأن محركات البحث لا تعد مفيدة سوى عندما يكون هناك وفرة في المواد التي يتم البحث فيها، والتي تتمتع بالمصداقية، دفعت الشركة لمترجمين وقدمت لـ«غوغل» أدوات للترجمة بهدف تقديم المحتوى بلغات كثيرة ينقصها الانتشار الكبير على الإنترنت، بما في ذلك اللغة العربية والكثير من اللغات في جنوب آسيا.

وقال غالفيز إن المستخدمين ساهموا بملايين الكلمات في هذه اللغات، لكنه أضاف: «لدينا بعض الأفراد الذين يرحبون بنا، وهناك آخرون يقولون: لماذا تقومون بذلك؟».

وظهر تحول في وجهة النظر بصورة سريعة. وأشار تقرير أعده إيه رافيشانكار من موقع «ويكيبيديا» باللغة التاميلية - وهي واحدة من لغات جنوب آسيا ضعيفة الانتشار على الإنترنت - إلى أنه في منتصف عام 2009، لاحظ مديرو الموقع بصورة مفاجئة ظهور مقالات من أماكن غير متوقعة. وبعد ذلك بشهور علم القائمون على «ويكيبيديا» أنهم يشاهدون فوائد مشروع لـ«غوغل» يهدف إلى تحسين موقعهم وزيادة كمّ المحتوى المنشور على الإنترنت باللغة التاميلية.

وشرح رافيشانكار ما ينقص هذه الزيادة في المحتوى. فعلى سبيل المثال، غطت المدخلات «عددا كبيرا للغاية من نجوم البوب الأميركيين والأفلام الهندية، التي قد لا يحتاج إليها المتحدثون باللغة التاميلية كواحدة من أولوياتهم». وكان هناك عدم اهتمام باللغة والتشفير. ولم يكن المحتوى أصليا إلى حد كبير، حيث تم ترجمته من مدخلات باللغة الإنجليزية على موقع «ويكيبيديا».

وعلى الرغم من هذه المخاوف، يعتزم موقع «ويكيبيديا» باللغة التاميلية التعامل مع «غوغل» لمواصلة الإضافات. إلا أن موقع «ويكيبيديا» باللغة البنغالية شعر بالضيق بدرجة أكبر، وبكل بساطة أزال المحتوى القادم من «غوغل». وكان المساهمون البنغاليون في موقع «ويكيبيديا» من بين الحضور، وبعد ذلك عللوا هذه الخطوة بأن المادة لم تستوف المعايير التي وضعوها.

ويعد موقع «ويكيبيديا» باللغة البنغالية مشروعا صغيرا، حيث يحتوي على نحو 20 ألف مقال، ويعمل به نحو 15 إلى 20 مساهما، حسبما ذكر بيلايت حسين، أحد مديري الموقع. بيد أن ذلك لا يعني أن الموقع بحاجة ماسة إلى المحتوى. وتعليقا على «غوغل»، قال حسين: «إنهم يقومون بتجربة على (ويكيبيديا)، وهذا ليس مكانا لإجراء التجارب».

* خدمة «نيويورك تايمز»