المواقع الإخبارية الفرنسية تهز معسكر ساركوزي

على خلفية اتهامات للرئيس بتلقي تبرعات غير قانونية

يجد معظم الصحافيين الجادين في المواقع الاخبارية متنفسا لهم للتعبير عن وجهات نظرهم («نيويورك تايمز»)
TT

تتناقل الألسن في حفلات العشاء شائعات حول «ووترغيت فرنسية»، لكن مع وجود اختلاف واحد كبير، على الأقل، بين الحادثتين، وهو أن أمثال وودورز وبرينستينز الذين وقفوا خلف الإعلان عن أكبر فضيحة تطال الرئيس فرانسوا ساركوزي نشروا أعمالهم على الإنترنت لا على صفحات الجرائد.

فنشر موقع «ميديا بارت» الإخباري، في خضم حالة الفوران التي تشهدها فرنسا حاليا إثر توجيه اتهامات لبعض السياسيين بالفساد، مقاله الأكثر دويا على الإطلاق، تضمن اتهامات للرئيس ساركوزي بتلقي تبرعات غير قانونية من ليليان بيتنكورت، 87 عاما، وريثة مؤسسة «لوريال» خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2007.

استنكر المتحدثون باسم الرئيس ساركوزي هذه الاتهامات، وقالوا يوم الخميس الماضي إن مصدر الاتهامات، وهو محاسب سابق لدى بيتنكورت، تراجع جزئيا في إفادته للشرطة، ووجه مساعدو ساركوزي انتقادات حادة للموقع. كما اتهم زافير بيراتراند زعيم حزب ساركوزي اليميني، الاتحاد من أجل حركة شعبية، الموقع، خلال تصريح لمحطة «راديو فرنسا» الأسبوع الماضي، بانتهاج «أساليب فاشية».

بيد أن موقع «ميديا بارت» كشف بمقاله عن قدرته على وضع أجندة إخبارية في فرنسا، حيث أمدت تقاريره الصفحات الأولى في غالبية الصحف الفرنسية على مدار أسابيع. كما أنه واحد من المواقع الإخبارية والاستقصائية العديدة التي تشهد مرحلة من الانتعاش في فرنسا في الوقت الذي تغوص فيه الصحف الورقية في مستنقع الأزمة المالية. وقال فرانسوا بونيت، رئيس تحرير «ميديا بارت»: «أثار هذا الخبر وعي الجماهير، ففيه كل عناصر الخبر، من الشخصية الهامة والعائلة الكبيرة وتحول الآن إلى أحد الشؤون الداخلية للدولة».

وعلى الرغم من التراجع المتواصل لشعبية الرئيس ساركوزي قبل الفضيحة فإن الجدل الذي أثاره المقال كان ذا فضل كبير على «ميديا بارت».

تأسس الموقع قبل عامين على يد إيدوي بلينيل، المحرر السابق في صحيفة «لو موند»، وعدد آخر من الصحافيين الذين عملوا في المطبوعات الصحافية، وانتهج موقع «ميديا بارت» استراتيجية عمل متمردة كأسلوبه في الحصول على الأخبار، وعلى عكس المواقع الإخبارية على الشبكة العنكبوتية يتقاضى الموقع رسوما مقابل تصفحه.

وقد زادت أعداد الاشتراكات في الموقع خلال الشهر الماضي بنسبة 20 في المائة لتصل إلى 30000 مشترك. وأضاف بونيت: «قبل عامين كان الجميع يظنون أننا مجانين قائلين إن المواقع الإخبارية مجانية، لكننا فعلنا العكس».

على الرغم من اتهام مساعدي ساركوزي لـ«ميديا بارت» بانتهاج أجندة سياسية حزبية، والعمل لصالح الحزب الاشتراكي المعارض مع اقتراب انتخابات 2012.

وأشار بونيت إلى أن الموقع كان يحاول العمل كمنتدى للصحافة الجادة المستقلة، في الوقت الذي تخلت فيه الصحف الفرنسية إلى حد كبير عن هذا الدور متأثرة بالأزمة المالية، والخسائر المالية التي تعانيها جميع الصحف اليومية واعتماد البعض على الإعانات العامة من أجل النهوض مرة أخرى، ولجوء قسم كبير منها إلى اللجوء إلى المؤسسات الصناعية الكبرى. فتشكل صحيفة «لو فيغارو»، أوسع الصحف اليومية الفرنسية انتشارا جزأ من إمبراطورية أعمال سيرجي داسال، صديق الرئيس ساركوزي، في حين يمتلك برنارد أرنو المدير التنفيذي لمجموعة شركات إل في إم إتش موا هنسي لوي فيتوت للسلع الفاخرة صحيفة «لي إيكو» اليومية، فيما لجأت صحيفة «لو موند» لكي تتجنب إشهار إفلاسها إلى التخلي عن حصتها الحاكمة لصالح مجموعة من المستثمرين ذوي الصلات بالحزب الاشتراكي.

ويمتلك زافيير نيل، أحد المستثمرين في صحيفة «لو موند» وصاحب شركة الاتصالات أسهما في «ميديا بارت» وموقع «باكشيش» الإخباري.

وقال بونيت إن التبعية المالية للصحافة الفرنسية أوجدت ثقافة الحذر وخلقت حالة من الفراغ الصحافي، الذي شغله في البداية مطبوعات أسبوعية مثل صحيفة «لو كانار إنتشايني»، والآن دخلت مواقع مثل «ميديا بارت» لتسد هذا الفراغ. وأضاف بونيت: «إن الصحافة المكتوبة في فرنسا تشهد حالة مزرية. فلم تعد قادرة على المجازفة على الإطلاق».

ولم تقتصر محاولات ملء هذا الفراغ على «ميديا بارت» فقط، بل حاولت بعض المواقع الإخبارية الأخرى القيام بذلك. ففي عام 2007 أنشأ بير هاسكي، نائب رئيس التحرير السابق في صحيفة «لو ليبراسيون» موقع «رو 89» مع محررين من نفس الصحيفة. في الوقت ذاته دشن صحافي سابق في صحيفة «لو كانار إنتشاني» موقع «باكشيش» عام 2006.

وعادة ما تسبق هذه المواقع الصحف والتلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى في فرنسا في اقتناص الأخبار الصحافية الكبرى مثل نظيرها في الولايات المتحدة موقع «توكنغ بويتنس ميمو»، وهو ما يميز فرنسا عن الدول الأوروبية الأخرى التي تركز غالبية وسائل الإعلام فيها على أهم الأخبار الصحافية، فعندما تكشفت فضيحة نفقات نواب البرلمان البريطاني العام الماضي على سبيل المثال ظهرت التقارير الأولية صحيفة «ديلي تليغراف».

ويقول هاسكي إنه «علامة على ضعف وسائل الإعلام التقليدية في فرنسا، وإذا ما نظرت حولك في أوروبا فلن تجد دولة تضم مواقع مثل الموجودة لدينا».

يجذب موقع «رو 89» نحو 1.5 مليون زائر شهريا، نحو ثلث متصفحي موقع صحيفة «لو موند»، ومع دخل الموقع من الإعلان والخدمات مثل تصميم مواقع الإنترنت يتوقع الموقع أن ترتفع ربحيته العام المقبل.

ويقول موقع «ميديا بارت» إنه يسير على الطريق إلى الربحية في عام 2012، على الرغم من أنه لا يقبل الإعلانات ويعتمد على الاشتراكات، التي تبلغ «9 يوروات» شهريا، كمصدر للدخل.

وعلى الرغم من زعم موقع «رو 89» بنشر الكثير من السبق الصحافي فإن «ميديا بارت» نال اهتماما خاصا نظرا لتحقيقاته الاستقصائية، وكذلك وجود عدد من الصحافيين البارزين بين صحافييه الخمسة والعشرين الذين استقطبهم من صحف «لو موند» والصحف الأخرى.

ويقول تيري دوسار، أستاذ الصحافة في جامعة ساينس بو في باريس: «الصحافة الاستقصائية غير راسخة في الإعلام الفرنسي، ولذا يجد معظم الصحافيين الجادين في هذه المواقع متنفسا لهم للتعبير عن غضبهم ووجهات نظرهم ومثالا على الصحافة القوية».

ويقول منتقدو «ميديا بارت» إن نشر الموقع قضية بيتنكورت، يدخله إلى عالم التشهير.

وكان بلينيل أحد أبرز الوجوه في الصحافة الفرنسية قد استقال من عمله في رئاسة تحرير «لو موند» بعد كتاب له عن الصحيفة بعنوان «الوجه الخفي لصحيفة (لو موند)» والذي اتهمها فيه بالعجرفة والانحياز السياسي خلال فترة رئاسته.

ونفى بونيت الاتهامات الموجهة إلى الموقع بالسعي للنيل من الرئيس ساركوزي قائلا: «دائما ما نوصف بأننا موقع معاد للرئيس ساركوزي. أنا أرفض ذلك، فنحن نهدف إلى تقديم صحافة مستقلة جيدة». لكنه أضاف أن صحافيي الموقع شعروا بالقلق بسبب ما اعتبروه جوانب مناهضة للديمقراطية في إدارة الرئيس ساركوزي. وقال: «إننا في دولة أضعفت فيها سلطات الرئيس مشاركة السلطة».

لكن برتراند زعيم حزب ساركوزي، عاد مرة أخرى لينتقد الموقع يوم الخميس على نشر تسجيلات للمحادثات بين بيتنكورت ومستشاريها الماليين التي تسببت في التقارير التي نشرها الموقع بشأن احتمالات الفساد وتضارب المصالح. وقال برتراند لإذاعة «راديو فرنسا»: «كانت هناك أخطاء خطيرة للغاية في وسائل الإعلام».

ورد بونيت على هذه الاتهامات بأن هناك عددا من السياسيين الذين فقدوا رباطة جأشهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»