«واشنطن بوست» تنشر أسرار «أميركا بالغة السرية»

في تقرير أعده الصحافيان دانا بريست وويليام آركين خلال عامين

دانا بريست وويليام آركين يتوسطان فريق العمل الذي اشترك في إعداد التقرير («واشنطن بوست»)
TT

خلال أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» 3 حلقات عبارة عن تحقيقات صحافية مكثفة وموثقة ومنسقة، تحت عنوان «توب سيكريت أميركا» (أميركا بالغة السرية)، كتبتها الصحافية دانا بريست والصحافي ويليام آركين، عن المبالغة في الاهتمام بالأمن والاستخبارات الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

في المقدمة، كتبت دانا وويليام أن هذه البرامج الاستخباراتية والأمنية المبالغ فيها «صارت كبيرة جدا، وسرية جدا، وموزعة جدا إلى درجة أنه لا يوجد شخص يعرف كم من المال تكلف، وكم شخص يعمل فيها، وكم برنامج فيها، وكم وكالة ووزارة وهيئة تعمل في الموضوع نفسه، وتجمع المعلومات نفسها، وتوزعها على الناس أنفسهم».

وقي المقدمة، قدما إحصائيات سريعة، منها:

أولا: تعمل 1271 هيئة حكومية و1931 شركة خاصة، في عشرة آلاف مكان في الولايات المتحدة، في برامج لها صلة بالحرب ضد الإرهاب والأمن الوطني والاستخبارات.

ثانيا: حصل تقريبا 854 ألف شخص (قدر سكان واشنطن العاصمة مرة ونصف المرة) على تصاريح خاصة بدخول أماكن «سرية جدا» والاطلاع على تقارير «سرية جدا»، مما يوضح أن عبارة «سري جدا» صارت من دون معنى.

ثالثا: منذ هجوم 11 سبتمبر 2001، بني 33 مبنى جديدا لوكالات وأجهزة استخبارات وأمن سرية، وتساوي جملة مساحات هذه المباني مساحة البنتاغون (أكبر مبنى مكتبي في العالم) 3 مرات.

قضت الصحافية دانا بريست والصحافي ويليام آركين سنتين في جمع وكتابة الحلقات، وساعدهما 12 شخصا من الصحيفة نفسها، زاروا عشرات الأماكن، وقابلوا مئات المسؤولين الحاليين والسابقين، واطلعوا على آلاف التقارير، وعلى عشرات الآلاف من المعلومات والإحصائيات.

وبسبب أهمية التقارير، كتب المسؤولون عن تحرير الصحيفة مقدمة مشتركة لها. وركز هؤلاء على نقطتين:

أولا: المصداقية، كتبوا بأن كل إحصائية موجودة، ليست فقط منشورة في مصدر واحد، ولكن في «اثنين أو أكثر».

ثانيا: المحافظة على الأمن الأميركي، كتبوا بأنهم عرضوا التقارير، قبل نشرها، على مسؤولين في الاستخبارات والأمن. أحد المسؤولين عارض نشر معلومات قال إنها ستؤذي الأمن الوطني، وحذفتها الصحيفة. وعارض آخر نشر كل الحلقات من دون أن يحدد نقاطا معينة. لكن رفضت الصحيفة الطلب.

وبقدر ما أثارت المعلومات في التقارير الثلاثة اهتمامات داخل وخارج أميركا، وداخل المؤسسات والشركات التي أشير إليها وخارجها، أثارت اهتمام صحافيين وخبراء صحافة لأنها قدمت بطريقة غير عادية.

وقال صحافيون ومراقبون إن مثل هذه التقارير كانت تنشر في صفحات كاملة وربما مع صورة غلاف تقرير أو صورة شخص أو أشخاص ذكرت أسماؤهم في التقرير. لكن، في نشر هذا التقرير استعملت «واشنطن بوست» وسائل كثيرة وجديدة، منها:

أولا: نشر رسومات وخرائط وقوائم في الصحيفة يزيد حجمها عن حجم المادة المكتوبة.

ثانيا: نشر التقرير في موقع الصحيفة في الإنترنت بوسائل كثيرة وجديدة.

خصصت موقعا في الإنترنت للتقرير منفصلا عن موقع الصحيفة، وربطته بموقع الصحيفة. وفيه الآتي:

التقرير نفسه، مقدمة المسؤولين عن التحرير، مقدمة كاتبي التقرير، نقاش مع كاتبي التقرير في أول يوم، مناقشات بين القراء، آخر الأخبار التي لها صلة بالتقرير، رابط مع نقاش في موقع «تويتر»، ورابط مع نقاش في موقع «فيس بوك»، أسئلة وأجوبة لتبسيط الموضوع للقارئ العادي، قوائم الهيئات الحكومية والشركات التي وردت أسماؤها، خريطة للولايات المتحدة فيها أماكن هذه الهيئات والشركات، خريطة لمنطقة واشنطن فيها تفاصيل أكثر، خريطة من «غوغل» لهذه الأماكن من أقمار فضائية، تقسيمات وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) توضح الأقسام الاستخباراتية والعلاقات بينها، إلخ.

وبعد تطور فيديو الإنترنت، نشر الموقع مناظر عن مواضيع مثل: تقديم طلبات للالتحاق بمؤسسات وشركات الاستخبارات والأمن، مقابلات مع مسؤولين وخبراء في الاستخبارات والأمن، تعليقات مسؤولين وخبراء عما ورد في التقرير، إلخ.

وفي أيام نشر حلقات التقرير نفسها، نشرت الصحيفة والمواقع الإلكترونية أخبارا لها صلة بالتقرير مثل:

مؤتمر صحافي عقده الجنرال المتقاعد جيمس كلابر، مساعد وزير الدفاع الذي رشحه الرئيس أوباما لوظيفة مدير الاستخبارات الوطنية (المنسق لكل الأجهزة الاستخباراتية)، قال فيه إنه قرأ تقرير «واشنطن بوست»، وسيكون حريصا على «تقليص التناقضات، وزيادة التنسيق والتعاون».

وجلسة استماع في الكونغرس مع الرجل، تطرقت لتقرير «واشنطن بوست»، وأسئلة من أعضاء اللجنة.

ومؤتمر صحافي عقده ديفيد غومبيرت، نائب مدير الاستخبارات الوطنية (سيكون كلابر رئيسه).

وردود فعل للتقرير في صحف أميركية وغير أميركية، حيث علقت صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان: «واشنطن بوست تتطلع إلى أعلى»، حيث أثنى التعليق على التقرير، لكنه استغرب توقيته، وبداية نشره يوم الاثنين، وليس يوم الأحد (أكثر الأيام توزيعا للصحف).

وعلقت مجلة «صالون» في الإنترنت تحت عنوان: «الحكومة الأميركية الحقيقية»، إشارة إلى أن «واشنطن بوست» مؤسسة عملاقة ومؤثرة، وربما أكثر تأثيرا من الحكومة الأميركية لأنها «صحافة محايدة ونزيهة، بينما ليس سهلا وصف السياسيين والمسؤولين بأنهم محايدون ونزيهون».

وعلقت مجلة «أتلانتيك» الشهرية تحت عنوان: «هل تستحق المعلومات الاستخباراتية ما يصرف عليها؟». وقالت إن التقرير يوضح أنه لا بد من مناقشة هذا الموضوع، والمقارنة بين الصرف المادي وبين العائد الحقيقي.

وعلقت إذاعة «إن بي آر» الوطنية شبه الحكومية تحت عنوان: «واشنطن بوست تقول إن الأجهزة الاستخباراتية مكلفة وغير منسقة». وأشارت إلى أن دانا بريست اشتركت في كتابة التقرير، وأنها كانت فازت بجائزة «بوليتزر» قبل 4 سنوات لأنها كشفت سجون «سي آي إيه» السرية للمتهمين بالإرهاب، على الرغم من أن الرئيس السابق بوش طلب، شخصيا، عدم نشر الخبر لأنه «يؤذي الأمن الوطني».

ووسط الخبراء:

قال ميريل براون، خبير إعلامي، وكان رئيس تحرير في أخبار تلفزيون «إم إس إن بي سي»: «في عصر الإنترنت، لم يعد يوم نشر أي تقرير هاما بقدر ما صار هاما طريقة نشره في الصحيفة وفي الإنترنت».

وقال هنري جيمس، خبير إعلامي، وكان نائب رئيس تحرير صحيفة «أتلانتيك كونستتيوشن»: «رأيي هو رأي كلابر، الذي سيكون مسؤولا عن كل الأجهزة الاستخباراتية، وهو أن (واشنطن بوست) كشفت بأن الله وحده يعلم طرق عمل وتنسيق الأجهزة الاستخباراتية والأمنية».

وربما لخص النقاش راجو ناريستي، من كبار المسؤولين في «واشنطن بوست»، حيث قال: «صار هذا أول تقرير أقوى في الإنترنت عنه في الصحيفة».