الرقابة الصينية تكبح جماح برنامج تلفزيون الواقع

اعتبرته «مبتذلا» ويروج للقيم المادية ويناقش قضايا تضر بمصداقية الإعلام

اعتراضات عديدة عن برنامج «لو كنت أنت المنتظر» الذي يقدمه التلفزيون الصيني («نيويورك تايمز»)
TT

عندما تحول المشاهدون بأنظارهم إلى أكثر برامج المواعدة شعبية في الصين هذا الربيع، شاهدوا نساء جميلات ورفضا مؤلما وعبادة قوية للمال، مثلما تجلى عندما سأل أحد العشاق المحتملين فتاة حول ما إذا كانت تريد الخروج في نزهة على دراجة، فأجابت: «أفضل الجلوس والبكاء داخل سيارة بي إم دبليو». أو عندما طلب أحد المشاركين مصافحة امرأة فردت قائلة: «صديقي فقط هو الذي يحق له مصافحتي. أما الآخرون فينبغي أن يدفع كل منهم 200.000 رينمنبي للمصافحة الواحدة»، أو قرابة 29475 دولارا.

وقد جعلت هذه اللمحات اللطيفة من برنامج «لو كنت أنت المنتظر» (إف يو آر ذي وان) الذي تنتجه قناة «جيانغسو تي في»، أكثر برامج الواقع التي تحظى بمشاهدة على مستوى البلاد. ومن هنا، بدأت الرقابة تحول انتباهها باتجاه البرنامج.

في أواخر مايو (أيار) الماضي، أصدر مسؤولو الدعاية بالحكومة المركزية توجيها ينعت البرنامج بـ«المبتذل» وينتقده لترويجه للقيم المادية ومناقشة قضايا جنسية علانية و«اختلاق قصص كاذبة، مما يضر بمصداقية الإعلام».

وعليه، خضع برنامج المواعدة والبرامج الأخرى المشابهة له لتحول شديد، حيث اختفت منها السيارات السريعة والشقق الفاخرة والتفاخر بالحسابات المصرفية العامرة بالمال. الآن، يعمل المتسابقون على اجتذاب بعضهم بعضا عبر قصص عن الخدمة المدنية ووعود بإقامة علاقات طيبة مع الحموات. ويستعين أحد هذه البرامج حاليا بأستاذ جامعي بأحد المعاهد التابعة للحزب الشيوعي كحكم.

الملاحظ أن المسافة الفاصلة بين معدي البرامج الصينيين ونظرائهم الغربيين في ما يخص تلبية الطلب على المواد الترفيهية ذات الطابع الشهواني. بيد أن هذه البرامج تتحرك بصورة محتومة نحو الصدام، عاجلا أم آجلا، مع معايير الذوق والملائمة داخل الصين التي تفصلها مسافة ضخمة للغاية عن نظيراتها في الغرب.

من جانبه، قال أويانغ هونغشينغ، بروفسور الإعلام بجامعة سيشوان: «من الناحية التقليدية بالنسبة إلى الحكومة، هناك الكثير من الوظائف لصناعة التلفزيون يأتي الترفيه في آخرها».

رغم أن جميع المحطات التلفزيونية لا تزال مملوكة للدولة، فإن المحطات المملوكة للحكومات المحلية باتت تتنافس الآن بعضها مع بعض للفوز بأكبر معدلات مشاهدة وتوزيع عبر الكيبل الوطني وعائدات الإعلانات. وتتجه عائدات هذه المحطات إلى وكالات محلية. لذا، غالبا ما يفكر المسؤولون على المستوى المحلي بدرجة أكبر في زيادة ميزانياتهم عن آداب اللياقة الواجب مراعاتها في وسائل الإعلام العامة.

وعلى الرغم من ذلك، يحتفظ مسؤولو الدعاية بالحكومة المركزية بحق التدخل، في وقت لا يملكون أي مصلحة مالية في عائدات البرامج.

بدءا من يناير (كانون الثاني)، أصبح برنامج «لو كنت أنت المنتظر» في قلب العاصفة. تشبه كل واحدة من حلقات البرنامج لعبة، حيث يجري تقديم 24 امرأة لحشد من الرجال العزاب المؤهلين للارتباط بهن. ويخضع الرجال لأسئلة عسيرة ومؤثرات صوتية تعلن الرفض على نحو يحط من ثقتهم بأنفسهم. تستغرق العملية برمتها 30 دقيقة يجري عرضها بعد تحريرها في قرابة 10 دقائق على الشاشة.

قبل التغييرات التي أدخلت مؤخرا، مالت محاولات التودد بين المشاركين والمشاركات نحو التركيز على الجوانب المالية، وكانت الإجابات سريعة وقاسية. وهيمنت على مقاطع الفيديو الرامية للتعريف بكل متشارك صور ممتلكات المرء من سيارة ومنزل.

في إحدى الحلقات قبل خضوعها لتدخل رقابي، سألت امرأة خاطبا محتملا عمره 33 عاما: «تقول إنك بارع في عملك، فكيف إذن لا تزال مجرد بائع؟».

وعمد متسابق آخر، (20 عاما)، ونجل رجل أعمال ثري، إلى التباهي بسياراته الرياضية ذات الألوان المتنوعة وبيانات مصرفية تشير إلى امتلاكه 6 ملايين رينمنبي (نحو 884.000 دولار).

من ناحية أخرى، نفت ما نوو، (22 عاما)، التي أعلنت تفضيلها البكاء داخل سيارة «بي إم دبليو»، أنها تأبه للمال على نحو مفرط، متهمة منتجي البرنامج بتعمد المبالغة في التركيز على تعليقها لأغراض دعائية. وقالت: «أردت فقط إعلان رفضي له، لكن على نحو مبتكر».

وقد بدأ رجال في إرسال طلبات زواج إلى نوو مرفق بها صور لهم داخل سيارات «بي إم دبليو»، لكنها لم تجب عليهم. واختارت الخروج مع مصور مشارك في البرنامج.

وأقبل المشاهدون على البرنامج للتعرف على الفضائح التي وقعت خلف الكواليس ولمشاهدة المواقف الرومانسية المعروضة أمام الشاشة. وواجه المنتجون اتهامات باختلاق قصص واستغلال ممثلات كمتسابقات. وبعد كل تعليق خارج عن اللياقة أو لحظة حرجة، سرعان ما كانت تظهر مقاطع مصورة لها على مواقع شبكة الإنترنت.

ومع تزايد معدلات المشاهدة، تعالت أصوات النقاد وازدادت، واصفين البرنامج بأنه أصبح نافذة خطيرة لتردي القيم الاجتماعية.

وربما وجد مسؤولو الرقابة في هذا البرنامج فرصة للظهور بمظهر فاعلي الخير، وذلك بتدخلهم لكبح جماح برنامج ترفيهي يرى الكثيرون أنه تمادى وتجاوز الحدود، حسبما ذكر كريس بيري، بروفسور صناعة الأفلام والتلفزيون في «غولد سميث» بجامعة لندن.

بحلول يونيو (حزيران)، عرضت ثلاث منظمات إعلامية تابعة للحزب الشيوعي، وكالة أنباء «شينخوا» وصحيفة «بيبلز ديلي» والتلفزيون الصيني المركزي، مقالات شديدة النقد تجاه محاولة البرنامج الفوز بمعدلات مشاهدة مرتفعة على حساب الجودة. وعليه، تدخلت إدارة الراديو والأفلام والتلفزيون.

وقال زهو هونغ، المتحدث الرسمي باسم الإدارة: «في هذا الموقف، إذا لم نصحح الوضع، سيترك تأثيرا سلبيا على المجتمع برمته. وقد قال الكثير عبر شبكة الإنترنت إنه (ليس بمقدوركم السيطرة على ذلك!)».

الآن، بات من المحظور على هذه البرامج «تسليط الضوء على القضايا الهامشية أو الكشف عن الجوانب السلبية للأشياء أو تناول مواضيع مثيرة للإحباط أو كئيبة أو منحلة أخلاقيا»، طبقا للتوجيهات الصادرة من الرقابة. بدلا من ذلك، يتعين على البرامج «الحفاظ على القيم الاشتراكية الجوهرية».

وقد ألغيت بعض برامج المواعدة مثل «انطلق نحو الحب» (رن توردس لوف) الذي كانت تعرضه محطة «زهيجيانغ تي في». وحرصت جميع البرامج على الحد من الإشارة إلى الثروات المادية والعلاقات الخاصة.

وأضاف برنامج «لو كنت أنت المنتظر» حكما جديدا وهو أستاذة علم نفس من كلية جيانغسو التابعة للحزب الشيوعي.

في حلقة البرنامج بتاريخ 27 يونيو، جلست أستاذة علم النفس هوانغ هان على المنصة وبدا عليها التوتر.

وقالت موجهة الحديث لمتسابقة شابة ساورها القلق من أن تبدو أكبر سنا من عمرها الحقيقي: «كما تعلمين، فإني متقدمة في العمر وأنت فتاة صغيرة في عيني. هذه الأيام، يعمل الجميع لبضع سنوات قبل الشروع في البحث عن ديكشيانغ، أليس كذلك؟»، مستخدمة لفظا قديما للإشارة إلى الحبيب أو الحبيبة.

خلال الحلقة ذاتها، تحدث غوا فانغ، (23 عاما)، بحماس عن عمله التطوعي خلال فترة دورة الألعاب الأولمبية، الأمر الذي أدى إلى محاولة يانغ يي، (24 عاما)، منع نفسها من البكاء لدى حديثها عن رعايتها أيتاما ذوي احتياجات خاصة.

ومنذ إقرار التغييرات الأخيرة، تراجعت معدلات مشاهدة البرنامج، طبقا لما ذكرته مسؤولة به رفضت كشف هويتها. وأوعزت التراجع إلى بطولة كأس العالم، على الرغم من أن البرنامج لم يتداخل مباشرة مع أوقات إذاعة المباريات.

أما عن ردود فعل المشاهدين المعجبين بالبرنامج، فقد علق أحدهم، دو شيبين، (48 عاما)، بقوله: «عمل تطوعي؟ إنه أمر بالغ الكذب والتزوير. من منا لا يسأل عن المنزل والسيارة هذه الأيام عندما يطلب أحد الزواج؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»