بخلاف كل العالم.. سوق المجلات في المغرب تزدهر وتستقطب الإعلانات

مجلة قانونية تطمح لتغيير الانطباع حول اعتماد الصحافة المحلية على الحوادث والجرائم للرواج

TT

تسعى مجلة متخصصة في مجال القانون، صدرت مؤخرا في الرباط، إلى تغيير الانطباع السائد في المغرب حول أن الصحف تركز فقط على الحوادث والجرائم لضمان الرواج.

وتطمح مجلة «عدالة» إلى مناقشة قضايا أخرى ذات طابع قانوني أولها العلاقة بالمهنة، يأتي هذا في الوقت الذي تعرف فيه سوق المجلات في المغرب ازدهارا ملحوظا، في حين عرفت تراجعا في العالم، وهي ظاهرة فريدة. ويصل عدد المجلات في المغرب حاليا نحو عشر مجلات نسائية وإحدى عشرة مجلة شاملة. وتستقطب هذه المجلات حصة كبيرة من الإعلانات الموجهة للسوق الداخلية.

ويقول عبد اللطيف وهبي، ناشر مجلة «عدالة» التي صدرت مؤخرا إنها لا تستهدف قضايا الناس ومشكلاتهم، وإنما تشكل مساهمة في ترسيخ الاهتمام بالثقافة القانونية، باعتبارها تكريسا لثقافة حقوق الإنسان. وترمي المجلة، وهي أول مجلة متخصصة تصدر في المغرب في هذا المجال، إلى نشر ثقافة قانونية وسط قراء مختصين وغير مختصين، كما تأمل أن تكون مرجعا في مساجلات ذات طابع قانوني، وكذا التطرق لانشغالات القضاء الجالس أو الواقف. ويتزامن صدور هذه المجلة مع سعي المغرب إلى إدخال إصلاحات جذرية على نظامه القضائي، الذي ظلت توجه له انتقادات متكررة من طرف الاتحاد الأوروبي والمستثمرين الأميركيين.

واشتمل عدد المجلة على رسالة موجهة إلى محمد الناصري وزير العدل المغربي بشأن هيمنة قضاة من النيابة العامة على المجلس الأعلى للقضاء، وتقرير حول قرار المجلس الأعلى للقضاء الذي يبطل فرض رسوم الانخراط على المرشحين لمهنة المحاماة. ومن الاستطلاعات المتميزة التي نشرتها المجلة، وكانت مثار جدل، مسألة قانونية تثبيت آلة تمنع السيارات من التحرك في حالة عدم أداء قيمة استعمال المواقف في شوارع المدن المغربية الرئيسية، خاصة الرباط والدار البيضاء. وكانت المحكمة الإدارية في الرباط أصدرت قرارا يعتبر أن وضع آلة حديدية على عجلة السيارة ومنعها من التحرك، عمل غير قانوني، وفرضت 200 درهم (22 دولارا) غرامة، عن كل يوم تأخير، في حالة عدم إزالة الآلة، وهو أمر أثار كثيرا من النقاش، حيث لا تزال الشركة المكلفة بمواقف السيارات تتجاهل القرار. ويشتمل العدد كذلك على استطلاع حول مسؤولية الصيادلة عن الخطأ في صنع الدواء، والمناقشة حول القوانين المنظمة لمهنة الصيدلة وواجبات المهنة التي لم تتم الإشارة إليها في القانون الجنائي الذي يخضع له الصيادلة، كغيرهم من المهنيين. ومن مواضيع العدد قرار المجلس الأعلى للقضاء بعدم الاعتماد على المكالمات الهاتفية كدليل لإدانة المتهمين بالاتجار في المخدرات. ونشرت المجلة حوارا مع الطيب الساسي الرئيس السابق لهيئة المحامين المغاربة حول سوق مهنة المحاماة وتنظيمها.

وبشأن ازدهار سوق المجلات في بلد تصدر فيه حاليا 20 يومية باللغتين العربية والفرنسية، يرى أحمد نشاطي رئيس تحرير مجلتي «نسمة» النسائية و«المشهد» السياسية الأسبوعية أن سوق المجلات في المغرب ما زالت تحتاج إلى كثير من الاكتشاف والعمل «لأننا لا نملك تاريخا كبيرا في المجلات مقارنة مع الصحف التي تعرف وفرة» على حد قوله. وقال نشاطي لـ«الشرق الأوسط»: «توزيع المجلات حاليا يتراوح ما بين 12 إلى 30 ألف نسخة وهو رقم مخجل من وجهة نظري»، مضيفا: «سوق المجلات ما زالت محدودة سواء النسائية أو الشاملة، واعتبر أن الإقبال على المجلات النسائية لا يعني أن المرأة تقرأ أكثر من الرجل، لأن المجلات النسائية لديها قراؤها من الرجال أيضا، بخلاف الصحف التي تتوفر على كتلة قارئة واحدة تتقاسمها فيما بينها، وفي حالة إضافة أي صحيفة فهي لا تخلق قراء جددا، بل تتقاسم نفس القراء مع الصحف الأخرى، في حين أن المجلات استطاعت أن تخلق فئة جديدة من القراء وسط ربات البيوت والطالبات والموظفات، لأنها تعالج قضايا نسائية واجتماعية مثل الموضة والطبخ، والجمال والديكور، وكذا قضايا المرأة ومعاناتها في عدد من المجالات والقضايا التي حققت فيها المرأة نجاحا كبيرا». وقال نشاطي إن «موضوع الغلاف في المجلة يكتسي طابعا مهما، وأهم شيء أن يكون الغلاف في صلب الحدث ومحاولة البحث عن بعض الأمور المثيرة التي تستقطب القارئ عن طريق مواكبة الحدث من جميع الجوانب، مع صورة معبرة لتتمكن من إيصال الفكرة بوضوح إلى القارئ، لأن الصورة لها تأثير قوي، ومن خلالها يقرر شراء أو عدم شراء المجلة».

واعتبر نشاطي أن المواضيع المثيرة لا تزال تشكل «تابو» في البلاد، وتواكب المجلات هذه العملية وتحقق من خلالها مبيعات مهمة جدا وهذا ناتج عن ثقافة معينة خلقتها صحف الرصيف التي ظهرت في فترة زمنية كانت فيها الصحف الحزبية لها تأثير قوي في تعبئة الشعب. وحاولت وزارة الداخلية تمييع المشهد الإعلامي بخلق تلك الصحف التي اعتمدت على الجريمة والجنس ولا تتوفر على أي شرط من شروط المهنية، على حد اعتقاده.

لكن نشاطي أشار إلى أن التطرق لمواضيع الجريمة والجنس «ليس بالضرورة بغرض الإثارة إذا توفرت فيها قواعد المهنية والمسؤولية»، نافيا ما يقال حول تراجع الاهتمام بالحوار السياسي من المجلات، واعتبر أن الحوار مسألة ثابتة في أي مجلة، سواء كانت حوارات سياسية أو حتى حوارات المجلات النسائية الخفيفة، وقال إن الحوار هو «العدد» وهو جنس خبري لا يمكن الاستغناء عنه، مثله مثل الريبورتاج والتقرير.

من جهتها اعتبرت مرية مكريم رئيسة تحرير «مجلة الأيام» وأسبوعية «الأيام» أن سوق القراءة هي التي حتمت انتقال الصحف الورقية إلى مجلات، وهذا مرده بالأساس إلى سوق الإعلان التي أصبحت تبحث عن مجلة أنيقة بألوان زاهية وجودة عالية في الورق. وأرجعت مكريم ارتفاع عدد المجلات النسائية إلى «الثورة التي أحدثتها مدونة الأسرة ووعي الأسرة المغربية بقضية المرأة، وكذا تطورها وانفتاحها على حقوقها»، وقالت إنه «لا يمكن أن نعتبر ارتفاع عدد المجلات النسائية مرده إلى أن النساء يقرأن أكثر من الرجال، لسبب بسيط هو أن نسبة الأمية وسط النساء أكبر بكثير من الرجال».

وبخصوص اختيار غلاف المجلة قالت مكريم إنه «لا يمكن تحقيق رغبات جميع القراء، لأن الاهتمامات مختلفة، لذا يجب التركيز على موضوع الساعة، واختيار مواضيع رصينة ومعقولة، لكن مع ذلك لا بد من النظر إلى القارئ على أنه زبون محتمل ويجب معالجة المواضيع من الجوانب التي تهمه، وبالتالي مواضيع الساعة والحدثية هي التي تهم القارئ وهي قواسم مشتركة». وعزت مكريم مسألة اهتمام المجلات بمواضيع الجريمة والجنس إلى تعطش القارئ إلى المواضيع التي تحتوي على غموض وإثارة، يحاول فك ألغازها، ومن وجهة نظرها أن الاهتمام بالجنس في المجلات سببه أنه حتى عهد قريب كان من التابوهات، ومواضيعه ما زالت تعرف إقبالا كبيرا من طرف القراء لمعرفة المزيد من المعلومات عنه من خلال الريبورتاجات والتحقيقات، لكن حين يتحقق إشباع لدى القارئ من هذه المواضيع سيقل الاهتمام بها، على حد اعتقادها.

من ناحية أخرى اعتبرت مكريم أن غياب الحوار السياسي القوي، يرجع إلى أن بعض السياسيين يرفضون إجراء حوارات، وأضافت أنه لكي ينجح الحوار لا يكفي أن يكون الصحافي متمرسا وله قدرة على ضبط أسئلته ومحاوره ويبحث في خبايا الشخصية التي يحاورها ومسارها، بل لا بد من محاور سياسي يقبل الرد على الأسئلة ويقبل طلب الحوار أولا وأن يكون الحوار بعيدا عن لغة الخشب أو تلميع صورة سياسي أو حزب معين.

وزادت قائلة إن زخم الصحف والمجلات كان سببا أيضا في ضعف الحوار السياسي لتكرار نفس الشخصيات والتصريحات والمواقف، وأضافت أن الصحافة المغربية كانت دائما تعتبر جنس الحوار «جنسا كسولا» لأن الصحافي لا يبذل فيه مجهودا كبيرا عكس الريبورتاج والتحقيق، مشيرة إلى أن هذه المسألة غير محسومة، لأن هناك عددا من الحوارات التي تكون ضمن الاستطلاع والتحقيق والبورتريه، ومن خلالها يمكن تحقيق السبق، وهذا أمر يحتاج إلى مجهود من الصحافي والطرف المحاور.