رحيل دانيال شور الصحافي الإذاعي المخضرم والمحلل الإخباري

تمكن خلال 6 عقود من نشر قصص مهمة على المستوى الوطني وإثارة رؤساء وزعماء أجانب

دانيال شور («نيويورك تايمز»)
TT

مات دانيال شور، الصحافي الإذاعي المناضل الذي تمكن على مدار ستة عقود من نشر قصص مهمة على المستوى الوطني وإثارة رؤساء وزعماء أجانب إلى جانب استثارة جهاز «كيه جي بي» الروسي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ورؤسائه داخل «سي بي إس» و«سي إن إن»، وذلك صباح يوم الجمعة في مستشفى جامعة جورج تاون عن 93 عاما. ولم يذكر سبب محدد للوفاة.

وكان شور، وهو محلل إخباري بارز لدى «الإذاعة الوطنية العامة» على مدار الـ25 عاما الماضية، أحد صحافيين معدودين كانت لديهم معرفة بصناعة الأخبار منذ الخمسينات حتى العقد الأول من القرن الحالي. ضمه إدوارد مورو عام 1953 إلى «سي بي إس»، وأجرى أول مقابلة متلفزة مع رئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروشوف، وحصل على «جائزة إيمي» لتغطية فضحية ووترغيت.

ووصفه بوب وودورد من صحيفة «واشنطن بوست» عام 1977 بأنه «بالتأكيد واحد من أروع الصحافيين الإذاعيين.. وأحد أشرس الصحافيين داخل القطاع». ولم يخش شور شيئا عندما كان يفضح تصرفات خاطئة تقوم بها الحكومة، كما لم يخش رؤساءه في العمل ومن بينهم رئيس مجلس إدارة «سي بي إس» ويليام بالي ومؤسس «سي إن إن» تيد تورنر.

وكتب في مذكراته «Staying Tuned» (2001): «بسبب عدم قدرتي على قبول تعليمات من رؤسائي، انتهى الأمر بمواجهات مع بيل بالي بعد ربع قرن داخل (سي بي إس) ومع تيد تورنر بعد ستة أعوام في (سي إن إن)، ولا بد أن ذلك له مغزى». وأضاف: «ربما يعني ذلك أني شخص صعب التعامل معه، ولكن بالنسبة إلي فإنها قضية مبدأ».

وأمر الرئيس ريتشارد نيكسون مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يجري تحقيقا معه، ولكن كان المشاهدون يحبون تحديه لذوي السلطان. وتم التأكيد على مكانة شور عام 1973 عندما كان يقرأ قائمة بأسماء أعداء نيكسون خلال بث مباشر من جلسات الاستماع بمجلس الشيوخ بشأن فضيحة «ووترغيت». وبينما كان يقرأ الأسماء العشرين الأول، وصل إلى اسمه (رقم 17)، مع ملحوظة «عدو إعلامي حقيقي». وكتب بعد ذلك: «كانت هذه هي اللحظة الأكثر إثارة في حياتي المهنية». ولكنها لم تكن الأكثر أهمية في تقديره الشخصي.

وجاءت اللحظة الأكثر أهمية عام 1975 عندما كان له سبق صحافي على برنامج «الأخبار المسائية (سي بي إس)» مفاده أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، تحت الكثير من الإدارة، حاولت اغتيال فيدال كاسترو وزعماء آخرين في دول العالم الثالث. وقد أثارت هذه القصة تحقيقا داخل مجلس الشيوخ خلص إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية لم تقتل أحدا بالفعل ولكن «من دون نفي السعي إلى المحاولة»، حسب ما قال شور.

وبينما كان يورد تقارير عن فضائح مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية عام 1976، حصل وحده على تقرير تحقيقي سري للجنة الاستخبارات الدائمة بمجلس النواب. وسيطرت تسريبات من التقرير على العناوين الرئيسية، ولكن عندما لم توافق «سي بي إس» على نشر الوثيقة بالكامل مطبوعة، مثلما فعلت في حالات أخرى، أعطى شور التقرير إلى صحيفة «فيليدج فويس».

ولم تصفه الصحافة الوطنية بطلا، وهو الأمر الذي أثار دهشة شور. ويرجع هذا التضارب إلى تقارير بأنه قبل أموالا مقابل التسريب وأنه سمح لآخرين بأن يعتقدوا بطريق الخطأ أن الصحافية ليسلي ستاهل حصلت على التقرير من مكتبه وأعطته إلى الصحيفة.

وطلبت منه لجنة الأخلاق بمجلس النواب الكشف عن مصدره. وفي شهادة عام، قال شور: « تعني خيانة؟ أي مصدر خيانة؟ نفسي ومهنتي وحياتي. ولا يمكنني القيام بذلك».

وصوّتت لجنة مجلس النواب لصالح عدم الادعاء ضده. وخلال استجواب أجراه مايك والاس، الإعلامي المخضرم، بدا أن ثمة حالة غضب شديد من شور داخل «سي بي إس». وكان بعض المسؤولين التنفيذيين لا يزالون يشعرون بالغضب من تصريحات لطلاب جامعة ديوك العام السابق التي أشار فيها إلى ضغوط مارسها ولتر كرونيت وإريك سيفاريد ودان راذر على «سي بي إس» كي يخففوا من حدة التغطية الخاصة بنيكسون في الليلة التي أعلن فيها استقالته، وهي التهمة التي نفاها الثلاثة.

واستقال شور بعد أن شعر بأنه أجبر على ترك منصبه. ولم ينه كتابه عن الحادث «تنقية الهواء» (1977) الحديث بشأن هذه القضية. وفي مراجعة للكتاب، انتقد وودوارد المذيع «المتغطرس المقاتل» بسبب «تعظيم الذات» خلال ذكر قصص حياته المهنية.

وكان لديه الكثير ليقوله، وجلبوا له شهرة واسعة، ولذا كان مفتاحا لحل كلمات متقاطعة داخل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست». وبعد أن كان حريصا على الحفاظ على مسافة بين الواقع المتلفز والترفيه، بدا يظهر بعد ذلك في الكثير من الأفلام.

ويقول سكوت سيمون، مضيف نسخة «ويك آند ستردي» الذي عمل مع شور حتى وقت قريب، في مديح على موقع «الإذاعة الوطنية العامة» الإلكتروني: «أنا سعيد أنه بعد أن أصبح مشهورا على مدار الكثير من الأعوام كصحافي شرس صعب المراس، أصبح مستمعو الإذاعة الوطنية العامة يعرفون شور المرح الطيب اللعوب. وداخل القطاع المعروف بأنه يطمس الناس، كان دانيال شور لامعا على مدار قرن تقريبا».

ولد دانيال لويس شور في 31 أغسطس (آب) 1916 لمهاجرين يهوديين داخل نيويورك. وكانت أول قصة إخبارية يكتبها في الـ12 من عمره عندما عرف أن امرأة قفزت أو سقطت من المبنى الذي توجد به شقة أسرته في برونكس. واتصل بالشرطة، وبعد ذلك باع الخبر إلى صحيفة محلية مقابل 5 دولارات.

وتخرج عام 1939 بينما كان يعرف حينها باسم سيتي كوليدج وعمل مع الكثير من الصحف داخل نيويورك. وخدم في استخبارات الجيش خلال الحرب العالمية الثانية داخل الولايات المتحدة، ولكن مع نهاية الحرب سافر إلى أوروبا ليصبح مراسلا أجنبيا.

وتخلى عن حلمه بالعمل مع صحيفة «نيويورك تايمز» عندما اتصل به مورو ليتحدث معه بشأن الالتحاق بـ«سي بي إس». وكان شور قد قابل مدير التحرير لدى «نيويورك تايمز» تورنر كاتليدج، ولكنه رفض ضمه إليها. وقال شور إنه عرف بعد أعوام من ذلك أن كاتليدج كان قد أمر بتجميد تعيين أي مراسلين يهود آخرين.

ومن بين آخر خمسة مراسلين ناشطين عمل معهم مورو، كان شور أشبه بمراسل مطبوعة أكثر من كونه شخصا يظهر على شاشات التلفزيون، حيث ينظر باستخفاف إلى المكياج ويكره الانتظار لإعداد الكاميرات ولم يكن يتطلع إلى استرضاء المصادر. وتعلم استخدام الكاميرات وأعاد فتح مكتب «سي بي إس» داخل موسكو، حيث حصل على سبق المقابلة مع خروشوف عام 1957. وبسبب تحديه للرقابة، واجه مشكلات مع «كيه جي بي» وبنهاية العام طرد من البلاد.

وأصبح مراسلا دبلوماسيا متنقلا وأثار غضب الرئيس دوايت أيزنهاور عام 1959 عندما أورد الاستقالة الوشيكة لوزير الخارجية جون فوستر دولاس. ولم تكن علاقاته على ما يرام مع الرئيس جون كيندي، حيث طلب من «سي بي إس» نقل شور من موقعه داخل ألمانيا الغربية لأن كيندي كان يرى أن تقاريره موالية للألمان بصورة مبالغ فيها. وثار زعيم ألمانيا الشرقية ولتر ألبريشت عام 1962 للغاية خلال مقابلة مع شور لدرجة أنه بدأ في الصياح ثم غادر المكان غاضبا. وخلال انتخابات 1964، أثار شور غضب المرشح الرئاسي الجمهوري باري غولدوتر عندما ذكر أن غولدوتر شكل تحالفا مع بعض الألمان من الجناح اليمين وخطط لقضاء بعض الوقت داخل إحدى استراحات أدولف هتلر.

وعندما عاد إلى الولايات المتحدة، تزوج للمرة الأولى في الخميس بليسبيث بامبرغر. وإلى جانب زوجته، من واشنطن، يعيش حاليا أبنخ جوناثان شور بأوكلاند بولاية كاليفورنيا وابنته ليزا شور داخل بوسطن، بالإضافة إلى شقيقه ألفين شور في تشارلوت وحفيدته.

وبعد ترك «سي بي إس» عام 1976، قضى دانيال شور ثلاثة أعوام في المحاضرات والكتابة والتعليم إلى أن طلب منه تورنر الانضمام إلى شبكته الكابلية الإخبارية الناشئة «سي إن إن» ليكون أول مذيع إخباري داخل الشبكة. وبدأت علاقته مع تورنر جيدة جدا لدرجة أن رجل الأعمال الملياردير أرسل طبق استقبال بث فضائي ليثبت في الساحة الأمامية لمنزل شور في وودلي بارك بعدما عرف أن التلفزيون الكابلي لم يكن متاحا داخل واشنطن عام 1980.

وبعد أن وعد بحرية تحريرية على تعليقاته، ظهر شور بدرجة أقل وأقل على الشبكة، ولا سيما بعد أن عارض علنا دعوة تورنر إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أفلام العنف. ولم تجدد «سي إن إن» عقده عام 1985، وبعد ذلك كتب شور هجوما على أخلاقيات تورنر في صفحات الرأي داخل «لوس أنجليس تايمز». وكان رد تورنر ماديا، وحاول رجل يتبع «سي إن إن» استعادة طبق استقبال البث الفضائي، ولكنه لم ينجح في ذلك.

وعلى النقيض، كانت أعوامه الـ25 داخل «الإذاعة الوطنية العامة» أفضل. وكمعلق هناك، فإن خبرته الكبيرة في تغطية أخبار العالم ساعدته على إعطاء رأي بخصوص كل شيء بدءا من قرار المحكمة العليا في السباق الرئاسي عام 2000 («انقلاب قضائي» قامت به «عصابة من خمسة يقودهم فلسفيا المحافظ المخضرم أنطونين سكاليا») وصولا إلى وضع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في سياق تاريخي.

وإلى جانب جوائز إيمي للأعوام 1972 و1973 و1974، حصل شور على الكثير من الجوائز الصحافية الأخرى. وفي عام 2002، انتخب شور إلى الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2009، تحول من استخدام آلة كاتبة إلى الكومبيوتر، حسب ما ذكره في تحديثاته على «تويتر الإذاعة الوطنية العامة». وقد غنى شور مرتين على الأقل على الهواء مباشرة، كانت واحدة مع الموسيقي فرانك زابا داخل واشنطن والأخرى خلال الركود الاقتصادي عام 2008، وعكس خلال ذلك طفولته خلال فترة الكساد الكبير.

وقال شور عام 2003: «لقد وجدت بيتا مرضيا أقضي فيه نهاية الحياة المهنية. لم أعد أبحث عن سبق صحافي، ولكن أركز على السياق ومعاني الأشياء. أتفاعل مع صحافيين في نصف أو ثلث عمري، ينظرون إلي كأني كتاب تاريخ يمشي على قدمين. وإذا سئلت، سأقول لهم الدروس التي تعلمت خلال نحو ستين عاما. وبسبب الضغوط الموجودة حاليا، أنصح بالآتي: خاطر على الأقل مرة واحدة في حياتك بالمحافظة على مبدأ تؤمن به، حتى لو جعلك ذلك تقف ضد رئيسك في العمل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»