لبنان: اقتراحان نيابيان لتنظيم الإعلام وتكنولوجيا المعلومات.. ومخاوف من التقييد

لم يأخذا برأي القيمين عليهما.. والتشريع يطال الإعلام الإلكتروني للمرة الأولى

مخاوف لبنانية من صدور قرارات تقيد استخدامات الانترنت (رويترز)
TT

توقيف ثلاثة شبان على خلفية نشر كتابات مسيئة في حق رئيس الجمهورية ميشال سليمان على صفحات «فيس بوك»، وصرف الإعلامية أوكتافيا نصر من شبكة «سي إن إن» على خلفية تعليق نشرته على «تويتر» غداة وفاة العلامة محمد حسين فضل الله، وحذف الخارجية البريطانية ما كتبته سفيرة بريطانيا في لبنان فرنسيس ماري غاي على مدونتها الشخصية حول العلامة فضل الله؛ ثلاثة أحداث تصدرت المشهد الإعلامي اللبناني في الأسابيع الأخيرة، معيدة السجال حول حدود حرية التعبير وإبداء الرأي.

وتتزامن هذه الأحداث مع ورشة اقتراحات قوانين في لبنان على أكثر من مستوى تتناول الإعلام وتكنولوجيا المعلومات، وهي تبدو مثيرة للجدل حتى قبل الانتهاء من مناقشتها وإقرارها.

وفي حين يجمع كل المعنيين على وجوب إيجاد تنظيم جديد لقطاع الإعلام، يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الطارئة عليه من جهة، ويلحظ الإعلام الإلكتروني الذي فرض نفسه لاعبا فاعلا على الساحة الإعلامية من جهة ثانية، لا يتردد إعلاميون كثر ومدونون في إبداء خشيتهم من توجه عام لوضع مزيد من القيود على الصحافة والإنترنت.

وتجد هذه الشكوك ما يبررها، خاصة أن معظم اقتراحات القوانين التي يتم درسها من قبل اللجان النيابية المختصة في مجلس النواب، في الوقت الراهن، تم وضعها من دون العودة إلى أهل الإعلام والتكنولوجيا وإشراكهم في التوصل إلى نص قانوني موحد يلقى إجماع مختلف الأطراف المعنية.

على طاولة مجلس النواب اليوم اقتراح قانون للإعلام مقدم من رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم، ويخضع للنقاش في لجنة الإعلام والاتصالات، واقتراح قانون ثان على طاولة اللجان النيابية المشتركة حول تكنولوجيا المعلومات. وفي الوقت نفسه، تعكف جمعية «مهارات» والنائب غسان مخيبر بالتعاون مع ممثلي مختلف قطاعات الإعلام على إعداد مسودة اقتراح قانون للإعلام.

وكان عدد من الجمعيات الأهلية ومؤسسات من القطاع الخاص قد تمكنت من الضغط لعدم تمرير مشروع قانون تكنولوجيا المعلومات في جلسة اللجان النيابية التشريعية الأخيرة.

وتأخذ هذه الأطراف على القانون احتواءه على مواد قانونية تشكل خرقا للحرية الفردية وتقنن عملية الوصول إلى البيانات الشخصية وتفرض الترخيص المسبق لكل ما من شأنه أن ينشأ على الشبكة العنكبوتية.

وفي هذا السياق، يوضح محمد نجم، المدير التنفيذي لجمعية تبادل الإعلام الاجتماعي (Smex) لـ«الشرق الأوسط» أن «قوام القانون 180 مادة، وهو مخصص لتنظيم كل الخدمات الإلكترونية، ويطال بشكل خاص كل ما له علاقة بالحوالات المصرفية، تمهيدا لتوفير الخدمات المصرفية عبر الإنترنت في لبنان».

وينتقد مضمون ما يقارب نصف مواده، إذ تلحظ المادة 69 «تشكيل هيئة لها صلاحيات فضفاضة ولا تخضع للنظام العام للمؤسسات، وتعطي الوزير مهلة 30 يوما للمصادقة على قراراتها وإلا تصبح نافذة، فضلا عن فتح حساب خاص بها في مصرف لبنان».

ويبدو واضحا التناقض في مضمون بعض مواد القانون، ولا سيما لناحية إشارة المادة الثانية منه على سبيل المثال إلى أن «تكنولوجيا المعلومات تعمل على خدمة كل مواطن ويجب ألا تمس بهوية الشخص أو بحقوقه أو بالحياة الخاصة أو بالحريات الفردية أو العامة». في حين تشير المادة 82 إلى أنه «يحق للهيئة، وفي حدود ممارسة مهامها المبينة في القانون، القيام بعمليات التفتيش المالية والإدارية والإلكترونية والوصول لأي معلومات أو أنظمة كومبيوتر أو أدوات تتعلق بالعمليات، بما في ذلك تلك التي تستخدم لوضع معالجات البيانات ذات الطابع الشخصي موضع التنفيذ». وفي الإطار نفسه، تتيح المادة 84 للمراقب أو المفتش المنتدب من الهيئة «الاطلاع على أي مستند مهما كانت ركيزته»، و«الاستحصال على كل معلومة أو توضيح ما يراه ضروريا..».

وبعد تأجيل النظر في مشروع القانون، الذي يخضع في الفترة الراهنة للتعديل، فإن المعلومات الواردة، وفق نجم، «لا تبشر بالخير، لأن محاولات التعديل لا تزال في الإطار الشكلي»، متسائلا عن «الأسباب التي تؤدي إلى صياغة قانون من 180 مادة وتشكيل هيئة جديدة، في حين أنه بالإمكان إعطاء صلاحيات أقل بكثير لهيئة موجودة وتكون مرتبطة بهيئة قضائية».

لا ينكر نجم أن تحرك «الجمعيات المعنية جاء متأخرا لأن ثمة صياغة قانونية حاضرة في مجلس النواب»، داعيا النواب إلى أن «يأخذوا وقتهم في صياغة هذا القانون، لأنه سيكون أساس العمل في السنوات العشر المقبلة، ومن هنا أهمية أن يدرس بعناية للتوصل إلى قانون يناسب الجميع من هيئات وجمعيات وقطاع خاص».

وعلى الرغم من إجماع عدد كبير من اللبنانيين على ضرورة عدم التعرض لمقام الرئاسة اللبنانية، فإن توقيف مجموعة شبان على خلفية آرائهم يلقى معارضة واسعة، وهو ما يؤكده المدون والكاتب اللبناني عماد بزي، ونجم الذي يشدد في الوقت نفسه على وجوب «إدراك الشباب أن الفيس بوك شبكة عامة وكل ما يكتب عليها يصبح عاما».

ويلحظ بزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، تراجع «كل الحريات حتى الشخصية منها، وأن ذلك مرتبط وفق رأيه بتوجهين، الأول يتمثل بتوجه الأحزاب السياسية في ممارسة القمع المباشر على كل من يختلف معها في الآراء، والثاني بتوجه الدولة إلى سجن أشخاص وتهديدهم على خلفية آراء عبروا عنها». ويلفت إلى أن «توقيف الشبان بسبب الفيس بوك ليس الحادث الأول من نوعه، إذ سبق أن تم استدعاء المدون خضر سلامة بعد كتابته مقالا عن رئيس الجمهورية إلى مركز أمني، ونصح بالتوجه إلى كتابة الشعر عوضا عن السياسة».

ويرى بزي أنه «لا يمكن للدولة تنظيم قطاع الإنترنت غير الموجود أصلا في لبنان، ذلك أن لبنان يحتل المرتبة الـ156 من أصل 158 بلدا لأسوأ خدمة إنترنت»، داعيا إلى أن «يؤمنوا الانترنت قبل أن يبدأوا بالتنظيم». ويبدي حذره من كون «القانون غير واضح ومبهم لدرجة القلق في استعمال بعض المواد المبهمة للحد من حرية التعبير على الإنترنت». وإذ يؤكد الرفض المطلق لأن «يتمكن من يزودني بخدمة الإنترنت من معرفة المواقع التي أتصفحها والاطلاع على بريدي الشخصي»، يعتبر أن «وجود قانون لتنظيم الإعلام الإلكتروني يحد من قدرة الأشخاص على التعبير، ولا سيما أن القوى السياسية لا تترك مجالا للشباب للتعبير عن آرائهم، وبالتالي ليس مفروضا أن يتمكنوا من إقفال آخر صفحة أمام الناس غير المنتمين لفئة سياسية».

في الجانب الآخر، يترقب القيمون على المواقع الإخبارية الإلكترونية مضمون القانون الذي سيطال قطاعهم الوافد حديثا إلى الساحة الإعلامية، وهم يبدون حذرين من عدم مراعاة أي تشريع جديد لخصوصية وجودها وطبيعتها، ولا سيما أن القانون الذي يناقش في لجنة الإعلام والاتصالات، والمقدم من غانم لم يكن لهم أي يد في وضعه ولم يتم التشاور معهم حوله لا من قريب ولا من بعيد.

ويشير رئيس تحرير موقع «النشرة» جوزيف سمعان لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لم يطلع «على قانون غانم إلا من خلال وسائل الإعلام»، معتبرا أنه «لا يتماشى مع المتطلبات الحديثة لأنه لا يوجد موقع يأخذ ترخيصا، بل إنه يخضع للقوانين المعمول بها في البلد الموجود فيه، وهو يضيق أكثر على الإعلاميين».

ويسهب في الحديث عن مشروع القانون الذي يعمل على صياغته في الوقت الراهن بمبادرة من جمعية «مهارات» الإعلامية والنائب مخيبر، والمقرر تقديمه إلى مجلس النواب»، لافتا إلى أن «مشروعنا يعطي مجالا أوسع للإعلاميين، ويضمن ألا يتم التدخل، أيا كان، بطريقة مباشرة مع الصحافيين، ويفسح المجال أمام الإعلام الإلكتروني، مع وضع شروط معينة تضمن التمييز بين الفيس بوك والوكالات ومواقع الأخبار». ولا يغيب عن سمعان «التخوف من المحاصصة عند تنظيم قطاع الإعلام الإلكتروني بما يحوله إلى نسخة جديدة عن تجربة الصحافة الورقية، التي مرت على مدى 30 عاما بفترات قمع ولم يرخص لها بسهولة، وأخاف أن يتحول هذا الضغط من الإعلام المكتوب إلى الإلكتروني».

وفي الإطار نفسه، يؤكد مدير شركة «ستاتيستكس ليبانون» وناشر موقع «ليبانون فايلز» الإلكتروني ربيع الهبر، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، حرص وزير الإعلام اللبناني طارق متري على الإعلام الإلكتروني في لبنان، كاشفا عن تصور قانون سبق وأعده ووضعه في تصرف متري، إلا أن مشروع القانون المقدم من قبل غانم جاء استباقيا. وإذ لا ينكر أن تحرك ممثلي وسائل الإعلام والجمعيات الأهلية بالتعاون مع «مهارات» جاء متأخرا بعض الشيء، فإنه يلفت إلى أن اقتراح مخيبر لا يزال قيد المناقشة الجدية وتطوير بعض جوانبه.

في الجانب الآخر، ينفي عضو لجنة الاتصالات والإعلام النائب عقاب صقر، الذي يشارك في اجتماعات اللجنة المخصصة لمناقشة مشروع قانون تنظيم الإعلام المقدم من غانم ما يتم التداول به لناحية تضييق القانون على الحريات ووضعه القيود على الصحافة. ويشير إلى أن «مشروع القانون يواكب إلى حد كبير حماية الإعلام من جهة وحماية الناس من افتئات الإعلام على الناس من جهة ثانية». ويشدد على أنه «لا ينص على أي ملاحقات على خلفية الرأي، بل على خلفية المعلومات المشوهة وهو يضمن عدم تجاوز الإعلام للقانون وعدم تجاوز القانون للإعلام».

ويلفت إلى أن المشروع «مصاغ بطريقة أكثر وضوحا، ولا إبهامات مخلة فيه، بل بعض الاجتهادات، ولكن لا شيء يمكن أن يشكل مادة خلافية لاحقا في حال التخاصم أو المحاكمة».

ويخضع الإعلام الإلكتروني وفق مشروع هذا القانون للشروط عينها التي يخضع لها الإعلام المكتوب، فضلا عن «تحديد مرجعية المواقع، خصوصا أنه لا مرجعية لها أو شخصيات معنويات»، على حد تعبير صقر، الذي يجزم بأن «القانون يؤمن حرية الإعلام الإلكتروني من دون المساس بحريات الآخرين وكرامتهم».

ويضيف: «القانون وحده يحمي الإعلام، والحرية يجب أن تكون مسؤولة، وبلا مسؤولية تتحول الحرية إلى تفلت، فالقانون يحمي المدونات والمواقع ولا يقيدها، ولكن ثمة جزء من الإعلام هو إعلام شكل وإعلام قدح وذم وإعلام دكتاتوري ينتمي إلى أحزاب وأنظمة توتاليتارية عفنة». ويتساءل صقر: «أين الحرية في شتم الناس، فالحرية هي حفظ الكرامات»، مطالبا، كإعلامي سابق ومؤمن بالحريات، «بإقرار قانون يضع حدا للإعلام ويحمي المجتمع في آن واحد».

وفي انتظار ما سينتج عن الاجتماعات الثنائية داخل مجلس النواب وخارجه حول مشروعي تكنولوجيا المعلومات وتنظيم الإعلام، يسلم كل المعنيين بهذين الملفين بأنه «تحت اسم الحرية لا يمكن انتهاك حريات الآخرين».